المرأة الافغانية... بين التغييب والاستعباد

 

شبكة النبأ: تخشى العديد من المنظمات الحقوقية والانسانية على مستقبل المرأة في افغانستان خصوصا مع وجود بعض المخططات الحكومية التي تهدف الى اجتذاب بعض القوى الدينية المتشددة التي سعت الى تغيب دور المرأة واستعبادها، وتواجه المرأة الأفغانية مستويات مرتفعة من ممارسة العنف وتبقى تلك الانتهاكات ممارسات طبيعية من قبل الرجال ضد النساء في ذلك البلد الذي تعد فيه النساء الضحية الأولى لانتهاكات حقوق الإنسان، فإلى جانب العنف التقليدي، الذي تتعرّض له النساء في المجتمعات الذكورية، كالعنف ألأسري والاغتصاب والتهميش والتميز على مختلف أنواعه، تواجه الأفغانيات أنواعا أخرى من العنف على غرار عمليات الاعتقال والسجن فيتعرضن للعقاب لفرارهن من العنف والإساءات المنزلية التي يتعرضن لها، وعلى الرغم من أن 27% من النساء الأفغانيات تمكّن من تحقيق التمثيل السياسي والوصول إلى البرلمان، فإن الكثير من التحديات لا تزال تقف عائقاً أمام المرأة في كابول، من بينها الحصول على فرص التعليم والتدريب والمشاركة السياسية والأنشطة الاقتصادية.

وفي هذا الشأن تتطلع مجموعة من نائبات البرلمان والنشطات الأفغانيات إلى تحالف غير معتاد مع رجال الدين على أمل تحسين حقوق المرأة في أفغانستان في حملة مشتركة. ورغم أن الأفغانيات حققن مكاسب بعد معارك مضنية في مجالي التعليم والعمل منذ انهيار حكم طالبان عام 2001 فإن هناك مخاوف من تلاشي هذه المكاسب عند انسحاب أغلب القوات الاجنبية بنهاية العام القادم.

وللدين تأثير أكبر من سلطة القانون في أفغانستان ذات الطابع المحافظ وكثيرا ما كان رجال الدين عقبة في وجه حصول المرأة على حقوق يكفلها لها الدستور. وقالت فوزية كوفي وهي عضو في البرلمان من إقليم بدخشان الريفي وهي مدافعة عن حقوق المرأة "دور الملالي حيوي لأننا بلد إسلامي والمساجد تستخدم ضد المرأة. لم لا نستخدمها لصالح المرأة؟"

وتجري كوفي محادثات مع النخبة الدينية في البلاد للتشجيع على الدفاع عن حقوق المرأة في خطب صلاة الجمعة في المساجد التي تدفع الحكومة رواتب أئمتها. وهن يأملن في ان تتطرق الخطب الى مشكلة العنف ضد المرأة في بلد ينظر فيه الكثير من الرجال لهذه القضية بريبة ويعتبرونها دخيلة على ثقافتهم.

وتبدأ الحملة في كابول ثم تنفذ في الأقاليم في المساجد التي تمولها الحكومة وعددها 3500 مسجد. وهناك 160 ألف مسجد في البلد الذي يسكنه 30 مليون نسمة. ويبدو ان كسب تأييد رجال الدين لهذه الحملة احتمال غير مضمون. ففي ابريل نيسان تمكن أعضاء محافظون في البرلمان من تأجيل اقتراع إلى اجل غير مسمى لتحويل مرسوم يحظر العنف ضد المرأة إلى قانون متعللين بأنه مناف للإسلام.

وقادت كوفي مساعي لإصدار قانون للقضاء على العنف ضد المرأة. ومع اقتراب موعد انسحاب القوات الأجنبية يشعر بعض النساء إنه لم يعد أمامهن خيار سوى محاولة كسب تأييد الرجال الذين يمثلون أقوى معارضة لهن. وقالت واجمة فروغ وهي مديرة ومؤسسة معهد أبحاث السلام وأمن المرأة "شوهوا صورتنا. لا يمكن أن أذهب إلى أي إقليم وأحاول أن ادافع عن حقوق المرأة إذا كان الملالي المحليون ضدي." وأضافت "هذا هو الحل الوحيد." بحسب رويترز.

ويجري عبد الحق عابد وهو نائب وزير الحج والشؤون الدينية محادثات مع كوفي منذ تسعة أشهر حول حملة استخدام الدين في تحسين حقوق المرأة. وقال عابد "يكفل الإسلام حقوق المرأة.. لذلك يحتاج أن يوصل الأئمة هذا إلى الناس في الأقاليم الأقل نموا حتى يصبحوا على وعي بذلك."

الخوف من المستقبل

في السياق ذاته قال مسؤولون أفغان ان المحافظين بالبرلمان الأفغاني ألغوا في هدوء شرطا قانونيا بأن تشغل المرأة ربع مناصب مسؤولي الاقاليم المنتخبين على الاقل في خطوة جديدة تقوض حقوق المرأة في أفغانستان. وأثار هذا القرار مخاوف بين النشطاء المدافعين عن حقوق المرأة من ان تتنازل حكومة الرئيس الافغاني حامد كرزاي عن حقوق ناضلوا من اجلها طويلا مقابل ارضاء حركة طالبان المتشددة التي تحاول حكومة كابول دفعها الى طاولة محادثات السلام.

وصرح نشطون بأن هذه الخطوة يمكن ان تقلص عدد النساء في مجلس الشيوخ لان معظم النساء فيه ينتخبن من خلال عملهن في مناصب اقليمية. وقالت فرخندة نادري وهي نشطة مدافعة عن حقوق الانسان ونائبة في البرلمان "في المفاوضات لا تفوز بشيء الا اذا تنازلت أيضا عن شيء." وأضافت "هذه استراتيجية سياسية: لإرضاء (طالبان) في محادثات السلام هم مستعدون للتنازل عن حقوق المرأة."

ودخلت المرأة الافغانية عالم السياسة الذي كان قاصرا على الرجال عام 2001 بعد قليل من الاطاحة بحكومة طالبان عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. وكان القانون يخصص من قبل للمرأة ربع المقاعد على الاقل في نحو 400 مجلس محلي و34 مجلسا اقليميا. ويعين كرزاي 17 امرأة من بين 28 امرأة في مجلس الشيوخ. ويجري اختيار الباقيات من بين نساء يشغلن مقاعد في المجالس المحلية او الاقليمية.

ويقول منتقدو هذا التعديل انه لن يؤثر فقط على فرص المرأة في شغل مقاعد في مجلس الشيوخ بل سيؤثر ايضا على أكثر من 100 مقعد في أجهزة حكومة محلية كانت تخصص من قبل للمرأة. وقال نور محمد نور المتحدث باسم اللجنة الافغانية المستقلة للانتخابات "النساء لا يمكنهن الفوز بأصوات في هذا البلد استنادا الى التصويت الشعبي وحده. هذا التعديل مثير للقلق. سيفقدن أصواتهن."

على صعيد متصل فشل البرلمان الافغاني في اقرار قانون يحظر العنف ضد النساء في ضربة قوية للتقدم الذي تحقق بشان حقوق المرأة في افغانستان. واعترض نواب اسلاميون على ثماني مواد على الاقل في القانون من بينها ابقاء السن القانونية لزواج المرأة عند 16 عاما ووجود ملاجئ لضحايا العنف المنزلي وخفض العدد المسموح به للزوجات إلى زوجتين بدلا من أربع.

وقالت فوزية كوفي رئيسة لجنة المرأة في البرلمان "اليوم رفع البرلمانيون الذين يعارضون تقدم النساء وحقوق المرأة اصواتهم عالية وواضحة." واضافت كوفي قائلة عن قانون القضاء على العنف ضد النساء "2014 قادمة والتغيير قادم ومستقبل النساء في هذا البلد غير مؤكد. سيأتي رئيس جديد واذا لم يأخذ حقوق المرأة مأخذ الجد فانه يمكنه تغيير المرسوم." ومن المتوقع اجراء انتخابات لانتخاب رئيس جديد للبلاد في 2014. بحسب رويترز.

وبعد حوالي ساعتين من المناقشات الحادة بين كوفي والاعضاء الاكثر محافظة في البرلمان الذي يضم 244 نائبا قال عبد الرؤوف ابراهيمي رئيس البرلمان ان المجلس سيعود الي مناقشة القانون في موعد لاحق لم يحدده.

بين العنف والقضاء

من جانب اخر اعلن مسؤولون افغان ان انفجار قنبلة ادى الى مقتل اربع فتيات افغانيات خلال حفل زفاف، محملة متمردي طالبان مسؤولية الهجوم الذي كان يستهدف موظفين حكوميين في الحفل. وقتلت الفتيات اللواتي تتراوح اعمارهن بين سبع سنوات و12 عاما في انفجار عبوة يدوية الصنع عندما كانوا يجلبون المياه من نهر خلال حفل في ولاية هلمند جنوب البلاد.

وقال المسؤول في ادارة الولاية عمر زواك ان "الاطفال كانوا في حفل زفاف وذهبوا لجلب المياه عندما انفجرت عبوة يدوية الصنع في ممر". واضاف ان مقاتلي "طالبان قد يكونوا زرعوا القنبلة لتصيب موظفين في الحكومة المحلية كانوا يحضرون الحفل لكنها قتلت اطفالا ابرياء". واكد الضابط الكبير في الشرطة اسماعيل هوتاك وقوع الانفجار بالقرب من لشكركاه كبرى مدن الولاية وتحدث عن الحصيلة نفسها. وقال ان "اربع فتيات قتلن وجثة احداهن مزقت بالكامل".

في السياق ذاته قال مسؤولون محليون إن نحو 74 تلميذة اصبن بالإعياء في اقصى شمال أفغانستان بعد استنشاق غاز ويخضعن حاليا للفحص لاحتمال أن يكن مصابات بالتسمم. وأحيانا ما يتضح أن حالات التسمم ليست سوى انذارات كاذبة لكن وقعت ايضا عدة حوادث تسميم جماعي لتلميذات المدارس على ايدي عناصر من المجتمع الافغاني المحافظ تعارض تعليم الفتيات.

وقال مسؤولون محليون إن الفتيات اصبن بالإعياء بعد استنشاق غاز في مدرسة بيبي مريم للبنات في طالقان عاصمة اقليم طخار. وتبعد طالقان حوالي 250 كيلومترا شمالي العاصمة كابول. وألقى سليمان مرادي المتحدث باسم حاكم طخار باللوم في الحادث على "اعداء الحكومة والبلاد" وقال إن الهدف هو منع الفتيات من الذهاب إلى المدارس.

وقال مدير المستشفى المحلي جميل فروتان إن الفتيات نقلن إلى المستشفى وخرج معظمهن بعد أن عولجن لكن بعضهن ما زلن في حالة حرجة. وأضاف فروتان "ارسلنا بالفعل عينات من دمائهن إلى وزارة الصحة العامة وسيتضح قريبا سبب اصابتهن بالإعياء." ويأتي الحادث بعد ايام من اصابة اكثر من 12 تلميذة بالإعياء في مدرسة ثانوية اخرى للبنات في طالقان. ولم تعلن اي جهة مسؤوليتها عن أي من الواقعتين. وفي شهري مايو ايار ويونيو حزيران العام الماضي وقعت اربعة هجمات تسميم على مدراس للبنات في طخار.

من جهة اخرى افاد مصدر قضائي افغاني انه تم اطلاق سراح ثلاثة افغان حكم عليهم عام 2012 بالسجن عشرة اعوام لقيامهم طيلة ستة اشهر بتعذيب مراهقة افغانية بشكل وحشي، ما اثار ضجة على مستوى العالم اجمع. وكانت سحر غول في ال15 من العمر عندما عثر عليها في منزل زوجها في ولاية باغلان في شمال افغانستان وقد احتجزت طيلة ستة اشهر في حمام المنزل. وتبين انها تعرضت للضرب والحرق كما انتزعت اظافرها.

وحكم على والد ووالدة وشقيقة زوج سحر بالسجن عشر سنوات في ايار/مايو 2012 بعد ادانتهم ب"محاولة قتل" المجني عليها. ولا يزال زوج سحر فارا من وجه العدالة. وقال المتحدث باسم المحكمة العليا الافغانية عبدالله عطايا ان "المحكمة اعادت النظر في وضع الثلاثة وتبين انهم متورطون فقط في اعمال عنف اسرية" وهي تهم عقوباتها اخف من عقوبة محاولة القتل. واضاف المتحدث "لقد رات المحكمة انهم امضوا ما يكفي من الوقت في السجن". بحسب فرانس برس.

واثار هذا القرار غضب منظمة "نساء دفاعا عن النساء الافغانيات" وهي مجموعة تدافع عن حقوق النساء وتتخذ من نيويورك وكابول مقرا لها وسبق ان ساعدت المجني عليها خلال محاكمة الجناة. وجاء في بيان صادر عن هذه المنظمة نشر على موقعها على الانترنت "ان هذه القضية التي قدمت في البداية على انها انتصار للتقدم في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، تحولت الى مقدمة لمستقبل تعيس". واضاف البيان "ان هذه المحاكمة الهزيلة تكشف بشكل مخيف ان سطوة المحافظين تزداد يوما بعد يوم".

التقاليد والعادات

الى جانب ذلك كانت جميلة، وهذا اسمها المستعار، تبلغ من العمر 14 عاما عندما زوجها والدها إلى حبيب الله. غير أن زوجها تركها منذ عشر سنوات، بعد أن قضى معها ثلاثة أشهر فقط، وهاجر للعمل في إيران ولم يعد منذ ذلك الحين. وتعيش جميلة مع أسرة زوجها، ولكهنا تشعر بأنها خدعت وبأن حريتها اغتصبت لأنها لا تستطيع أن تتزوج مرة أخرى دون أن تحصل على الطلاق. وهي بالطبع لا تجرؤ على المطالبة به، مخافة أن يصبح وصمة عار على جبينها في هذا المجتمع المحافظ.

وفي العديد من مناطق أفغانستان التي تعاني من النزاعات المسلحة وتخلف النمو، يعاني معظم السكان من الأمية، وتطغى التقاليد والعادات المحافظة على القوانين الأفغانية عندما يتعلق الأمر بالخلافات الشخصية والأسرية. وعن ذلك تقول ثريا سوبرانغ، مفوضة حقوق المرأة في اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان: "تعيش النساء اللواتي هجرهن أزواجهن في معاناة كبرى، لأن القانون ضعيف أمام العادات والتقاليد التي لا تتماشى أصلا مع المبادئ الإسلامية ولا مع القوانين المدنية الأفغانية".

من جهته، أوضح كازي محمد أكبر، رئيس محكمة الاستئناف بإقليم فارياب بأن القانون الأفغاني يجيز للمرأة المطالبة بالطلاق إذا غاب عنها زوجها لمدة أربعة أعوام. إلا أن نظرة المجتمع السلبية إلى المرأة التي تقدم على ذلك تجعل العديد من النساء يترددن كثيراً قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة، باستثناء القلة القليلة منهن اللواتي يسكنّ في المدن الكبيرة.

ويتمتع الرجال في أفغانستان بدعم العادات والتقاليد، خصوصاً في المناطق الريفية، وهم لا يتورعون عن الاستفادة من هذا الدعم إلى أقصى الحدود. فالعديد منهم يسيء استعمال أحكام الطلاق في الإسلام التي بموجبها يقول الرجل لزوجته "أنت طالق" ليضع حداً لزواجه. وعن ذلك، تقول سوبرانغ: "لا يحتاج الرجال سوى إلى إرسال أوراق الطلاق أو التعبير للقاضي عن رغبتهم بذلك على الهاتف كي يدمروا حياة النساء الشابات". وبالإضافة إلى ما تعانيه النساء في أفغانستان بسبب ذلك، فإن غياب الأزواج في هذا المجتمع الباترياركي (الأبوي) يترك الأطفال في موقف شديد الضعف والحرج.

ويقول المسؤولون في وزارة شؤون المرأة بأفغانستان بأن الوزارة تتولى تقديم الاستشارة القانونية لمئات النساء اللواتي غاب عنهن أزواجهن أو تعرضن للعنف المنزلي. كما تقوم الوزارة كذلك بمساعدة النساء الراغبات في الطلاق، إلا أنهن عادة ما يواجهن معارضة شديدة من أسر أزواجهن.

وتقول فوزية صديقي، وهي عضو في البرلمان الأفغاني: "إن عدد النساء اللواتي يتجرأن على رفع قضية للمطالبة بالطلاق محدود جداً، وينحصر فقط في كابول وفي عدد قليل من المدن الكبرى الأخرى". وفي معظم المناطق التي تطغى عليها التقاليد ويضعف فيها تطبيق القانون، تضطر النساء أحياناً لاتخاذ قرارات حاسمة والالتجاء إلى حلول جذرية. ففي الستة أشهر الماضية وحدها، أقدمت أكثر من 250 امرأة على الانتحار، وفقاً للجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

وقالت سوبرانغ موضحة السبب وراء إقدام النساء على الانتحار: "تعاني النساء، في غياب أزواجهن، من مضايقات عنيفة من عائلات الأزواج. ولا ترى اليائسات منهن حلاً لمشاكلهن سوى التضحية بأنفسهن". ويعتقد العديد من الأفغان بأن تزويج بناتهم لأفغان عاملين في الدول الغربية، والذين عادة ما يكونون أكبر منهن سناً، سيساهم في حل مشاكلهم الاقتصادية. إلا أن ذلك كثيراً ما ينقلب إلى مغامرة عاطفية قصيرة المدى، إذ تقول سوبرانغ: "العديد من هؤلاء الرجال يقضون شهراً أو اثنين مع عرائسهم ثم يختفون إلى الأبد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/تموز/2013 - 14/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م