الأطفال... حقوق موؤده

 

شبكة النبأ: مشكلة عمالة الأطفال تعد من اخطر المشاكل انتشار في العديد من دول العالم خصوصا وان بعض التقارير تشير الى تنامي هذه الظاهرة الخطيرة على الرغم من المناشدات المستمرة الداعية الى رعاية وتحسين حياة الاطفال، التي ضمنتها الكثير من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل في كافة أنحاء العالم وبغض النظر عن العرق، الجنس، الدين، المستوى الاجتماعي أو التوجه السياسي.

ومفهوم عمل الأطفال هو العمل الذي يضع أعباء ثقيلة على الطفل، والذي يهدد سلامته وصحته ورفاهيته، وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت في عام 1989 اتفاقية حقوق الطفل التي عرفت الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره وأكدت على ضرورة السعي لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطرا أو يمثل إعاقة لتعليمه أو ضررا بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي، وأوجبت على الدول الأطراف فيها اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل هذه الحماية، وبشكل خاص وضع حد أدنى لسن الالتحاق بالعمل ونظام ملائم لساعات العمل وظروفه وفرض عقوبات مناسبة لضمان فعالية تطبيق هذه النصوص. وتتصدر الهند وبنغلادش والفيليبين لائحة البلدان التي تساهم فيها عمالة الأطفال في صناعة أنواع مختلفة من المنتجات، على ما أظهرت ثلاثة تقارير لوزارة العمل الأميركية. وقد تم تصنيع حوالى 140 نوعا من المنتجات بفضل عمالة الأطفال في 71 بلدا في آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية، على ما أوضحت الوزارة.

وفي الهند، يساهم الأطفال في صناعة عشرين منتجا منها الآجر والألعاب النارية والكرات الرياضية. أما في بنغلادش فقد أتاحت عمالة الأطفال صناعة 14 منتجا مختلفا مثل الساعات والأقمشة والأحذية. وفي الفيليبين، يعمل الأطفال في صناعة 12 نوعا من المنتجات منها التبغ وأكسسوارات الموضة. ويبلغ عدد الأطفال العاملين في العالم نحو 215 مليون طفل يؤدي أكثر من نصفهم أعمالا خطرة، بحسب التقارير.

من جانب اخر يعمل نحو 2,5 مليون طفل في أميركا الوسطى، في قطاع الزراعة خصوصا خاصة، وذلك في ظروف شاقة وخطيرة تلقي بظلالها على مستقبلهم وتنمية هذه المنطقة، بحسب ما كشفت منظمة العمل الدولية. وكشفت منظمة العمل الدولية أن 21 % من القاصرين الذين تراوح اعمارهم بين 5 اعوام و 17 عاما يعملون في غواتيمالا، في مقابل 15 % في هندوراس، و13 % في نيكاراغوا، و10 % في بليز، و7 % في بنما، و6 % في السلفادور، و5% في كوستاريكا.

ففي هذه المنطقة من العالم حيث يطال الفقر 40 % من السكان البالغ عددهم 45 مليون نسمة، يحرم هذا الدخول السابق لآوانه إلى سوق العمل الأطفال "من التعليم والتدريب الضروريين" لتقدمهم وتقدم عائلاتهم ومجتمعاتهم، بحسب ما أكد في بيان فيرجيليو ليفاجي مدير مكتب منظمة العمل الدولية في أميركا الوسطى وهايتي وبنما وجمهورية الدومينيكان. وأكد المدير أن "الأطفال الذين يقعون ضحية أسوأ أنواع العمل يتعرضون لسوء معاملة جسدية ونفسية وأخلاقية يمكن أن تؤثر عليهم حتى نهاية حياتهم".

في السياق ذاته أظهر تقرير رسمي أن نحو 1,5 ملايين طفل بين الخامسة والسابعة عشر من العمر كانوا يعملون في كولومبيا ما يرفع نسبة عمل الأطفال في هذا البلد إلى 13%. وقال خورخيه بوستامانتيه مدير مركز الاحصاءات الوطني "إنه واقع محرج لأن هدف كل مجتمع متطور هو ألا يكون أطفاله يعملون". وأضاف أن "23% تقريبا من الأطفال العاملين لا يذهبون إلى المدرسة".

وتشير بيانات رسمية إلى أن كولومبيا تضم 44,9 ملايين نسمة، منها 11,2 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين الخامسة والسابعة عشر ويمثلون حوالى ربع مجموع السكان. وقد أعلن 31,7% من الأطفال الذين يعملون بدلا من متابعة دراستهم أنهم يفعلون ذلك طوعا لجني المال، فيما أقر 27,6% منهم بأنهم مضطرون إلى العمل لمساعدة عائلاتهم.

وأكد أكثر من نصف الأطفال العاملين أنهم لم يتلقوا أي أجر، فيما قال 28,3% منهم إنهم موظفون و20% منهم إنهم يعلمون على حسابهم الخاص. ويعمل ثلث هؤلاء الأطفال في الفنادق والمطاعم وثلثهم الآخر في الزراعة أو الصيد و16,1% منهم في المعامل، بحسب التقرير الذي لم يذكر حالات استغلال القاصرين في المجموعات المسلحة أو شبكات الدعارة.

على صعيد متصل كشفت دراسة نشرتها المنظمة غير الحكومية "سيسفي" ان اكثر من 1,1 مليون طفل يعلمون في كينيا تدفعهم الى ذلك عائلاتهم او محيطهم. وقالت كريستين اوتييتو المسؤولة في وزارة العمل الكينية خلال عرض التقرير "عمالة الاطفال ليست مشكلة خارجية بل جزء من حياة العائلات".

وتابعت تقول "هذه الدراسة تثير القلق بسبب جهل الاطفال ومحيطهم بحقوقهم". وبينت الدراسة ان هؤلاء القصر دون سن الثامنة عشرة يمضون ما معدله اربع ساعات في اليوم يعملون في مقابل اجر يومي يقل عن دولار واحد في المزارع وورش البناء او حتى في مجال الدعارة. واوضح دييغو اوتوليني المشرف على هذه الدراسة "نصف الاطفال الذين يعملون يقدرون انهم يساهمون في دخل عائلاتهم بنسبة 20 الى 50 %". بحسب فرانس برس.

وفي بعض الحالات يكون الطفل مصدر الدخل الوحيد للعائلة. وقال اليوس اوبيو من "الشبكة الافريقية للوقاية والحماية من استغلال الاطفال"، "رصدنا حالات حيث على الطفل ان يؤمن حاجات والديه المعوقين او يكون الطفل يتيما". واضاف اوبيو "انها اكثر الحالات تعقيدا لانه في حال اوقفنا الطفل عن العمل فان الناس الذين يعتمدون عليه يجدون انفسهم من دون اي حل". وفي العالم 25 مليون طفل يعملون في مقابل اجر، اكثر من نصفهم بقليل في ظروف خطرة.

ظاهرة الاتجار بالأطفال

ومن خدمة المنازل إلى الدعارة للفتيات والأشغال اليدوية للصبية، يرسل مئات الأطفال كل سنة من غرب افريقيا إلى الغابون للعمل في البلاد بطريقة غير شرعية، إثر وقوعهم في براثن عمليات الاتجار بالبشر. ويكفي التجول في سوق مون بويه الأكبر في ليبرفيل لتشكيل فكرة عن حجم هذه الظاهرة. فعشرات الأطفال الذين يكونون في سن صغيرة في بعض الأحيان يكدون من الصباح الى المساء تحت أشعة الشمس الحارقة. ويحمل بعضهم أكياس اسمنت ثقيلة على أكتافهم، في حين يحاول البعض الآخر بيع السمك المجفف أو الحلويات.

وفي خلال أكثر من عشر سنوات، انتشل أكثر من 700 طفل من براثن عمليات الاتجار بالبشر في للغابون وأعيدوا إلى بلدانهم، بحسب ما كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف). لكن عدد ضحايا الاتجار بالأطفال لا يزال مرتفعا. ولا يعلم أحد في الواقع "عدد الأطفال الذين يعملون بالتحديد كبائعين او عمال منزليين، إذ أنهم لا يملكون وثائق رسمية وهم يعملون في السوق غير النظامية"، على ما شرح ميشال إكامبا ممثل اليونيسيف في الغابون.

ولاستقدام الاطفال إلى هذا البلد الصغير الذي يتمتع بثروة نفطية ويعد من البلدان الأكثر نموا في افريقيا، "يلجأ المتاجرون بالأطفال إلى قنوات الهجرة غير الشرعية"، بحسب ميشال إكامبا. وغالبا ما ترسي مراكب محملة بمهاجرين من غرب افريقيا يهربون من البؤس والبطالة في بلادهم، في شواطئ ليبرفيل، عندما يحل الليل. وفي العام 2009، أوقفت القوات البحرية في الغابون قارب "لا شارون" الذي كان ينقل على متنه 300 مهاجر، من بينهم 34 طفلا تولت اليونيسيف الاعتناء بهم.

وفي أغلب الأحيان، يبقى الأهل في البلاد متمسكين بوعود فارغة ومقتنعين بمبالغ مالية ضئيلة. وأخبرت الراهبة مارغوريت بواندالا المسؤولة عن مراكز "إسبوار إيه أركانسييل" في ليبرفيل التابعة لجمعية "كاريتاس" أنه "يقال للأهالي إن أطفالهم سيرتادون المدارس، ثم يعطونهم 20 ألف فرنك افريقي (حوالى 30 يورو) لإقناعهم". ولا يعلم غالبية أولاد بنين وتوغو ونيجيريا ومالي المصير المخبأ لهم في أراضي الغابون.

وأكدت الراهبة مارغوريت أن "شبكات الاتجار بالأطفال جد منظمة، وغالبا ما يضع المتاجرون الأطفال عند عائلات هي من بلدانهم ... وهم الذين يتقاضون أجورهم". وبحسب اليونيسيف، يقع الأطفال الذين يستغلون لغايات اقتصادية ضحية أعمال عنف أخرى، بما فيها الاستغلال الجنسي من قبل أرباب المنازل. وكانت صونيا في السادسة من العمر عند وصلت من قرية كيتو جنوب بنين إلى الغابون. و أخبرت "كنت أذهب باكرا إلى السوق لبيع السلع. وعندما كنت أعود إلى المنزل، كانوا يطلبون مني القيام بأعمال منزلية وكانت العجوز تبرحني ضربا. وهم كانوا يقولون إنني ابنتهم، لكنني كنت أعلم أن ذلك ليس صحيحا".

وقد فرت صونيا من ذلك المنزل في نهاية المطاف، لكن قليلين هم الأطفال الذين ينجحون في الإفلات من قبضة "أهلهم الجدد" الذين يشكلون مرجعهم الوحيد في هذا البلد الغريب حيث لا يملكون أي وثائق رسمية ولا يتقاضون أي راتب. وقد أطلقت السلطات في الغابون بالتعاون مع اليونيسيف دورة تدريبية في خمس مدن كبيرة لمساعدة القضاة ورجال الشرطة القضائية والموظفين في قطاع الخدمات الاجتماعية على وضع حد لظاهرة الاتجار بالأطفال. بحسب فرانس برس.

أديت هي فتاة في الرابعة عشرة من العمر التحقت بدورة تدريبية لتصفيف الشعر في مركز "إسبوار" في ليبرفيل كي لا تعود إلى بلادها فارغة اليدين وتغرق مجددا في دوامة الفقر. وهي تبلي بلاء حسنا، بحسب الراهبة مارغوريت.

لبنان و اليمن

على صعيد متصل حذر تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية "ILO" أن نسبة العمالة بين الأطفال في لبنان ترتفع بنسب عالية، في ظل ارتفاع مستوى المعيشة والظروف الاقتصادية القاسية. وأشير في الدراسة التي شارك فيها باحثين من جامعة القديس يوسف، إلى أن نسبة التسرب المدرسي ارتفع بشكل ملحوظ على المستوى الوطني في لبنان، وخصوصا في الشمال والبقاع حيث بلغت نسبة استخدام الأطفال في الأعمال المختلفة إلى 40 في المائة في منطقة البقاع فقط، والتي يعمل أغلب الأطفال فيها بالزراعة أو الصناعة.

الدراسة التي شملت 1007 أطفال يعملون تتراوح أعمارهم بين الخامسة والسابعة عشر، من 174 أسرة مختلفة، كشفت النقاب عن الخصائص الديموغرافية والظروف الاقتصادية والاجتماعية للأطفال العاملين، بالإضافة إلى أنواع الأعمال التي يقومون بها، وعواقب ذلك على تنميتهم الاجتماعية والبدنية والفكرية.

وبينت الدراسة التي شملت كلا الجنسين من ذكور وإناث، ان متوسط معدل الأجور التي يحصل عليها الأطفال العاملون أسبوعيا يبلغ 51.740 ألف ليرة لبنانية (34.00 دولار) في مناطق الشمال اللبناني و50 ألف ليرة (33.24 دولار أمريكي) في منطقة البقاع. وجاء في الدراسة أن هناك العديد من العوامل التي ساعدت على انتشار ظاهرة استخدام الأطفال كأيدي عاملة وحرمانهم من حقوق التعليم والرعاية، وعلى رأس هذه العوامل الفقر والأمية والبطالة كأسبابً رئيسية لهذه الظاهرة، بالإضافة إلى ضعف تطبيق القوانين الوطنية المعنية بحماية الأطفال.

الدراسة أوصت بعدد من الخطط للحد من عمالة الأطفال، من بينها تعديل قانون العمل لرفع الحد الأدنى لسن العمل إلى 15، ورفعه إلى 18 في الأعمال الخطرة و 13 في الأعمال الخفيفة، ومعاقبة استغلال المشردين، بالإضافة إلى توسيع نطاق التفتيش لتغطي كامل الأراضي اللبنانية.

الى جانب ذلك أشار آخر التقارير الإحصائية الصادرة عن منظمة العمل الدولية إلى وجود 1.6 مليون طفل يعملون في اليمن، الأمر الذي يثير حالة من الطوارئ تستوجب تحركا دوليا للمساعدة على الحد من هذه الظاهرة. وجاء في تقرير المنظمة والذي نشر على موقعها الإلكتروني أن نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة و17 عاما في المجتمع اليمني تبلغ 34.3 في المائة ويصل عدهم إلى 7.7 مليون طفل. بحسب CNN.

وأشار التقرير إلى أن 21 في المائة من بين 7.7 مليون طفل في اليمن يتم استخدامهم في الأعمال المحلية وهي نسبة عالية جدا وتستوجب تدخلا سريعا. وألقي التقرير الضوء على أن نسبة الأطفال العاملين في القطاع الزراعي بلغ 56.1 في المائة وفي قطاع الخدمات المنزلية بلغت نسبتهم 29 في المائة بالإضافة إلى 7.9 في المائة منهم يعملون في القطاعات الأخرى مثل التجارة بالجملة والتجزئة. ونقل التقرير على لسان المديرة الإقليمية لمكتب منظمة العمل الدولية، ندى الناشف "يجب أن تكون حماية الأطفال في اليمن أولوية." مشيرة إلى أن "التنمية في اليمن تعتمد على ذلك."

سامسونغ تحقق

في السياق ذاته قالت منظمة "تشايلد ليبور ووتش" المعنية بالدفاع عن حقوق الأطفال ومقرها نيويورك إن محققين تابعين لها توصلوا إلى أدلة تشير إلى وقوع انتهاكات بحق أطفال خلال عملهم في أحد المصانع المملوكة لشركة "اتش اي جي إلكترونيكس" في الصين والتابعة لسامسونغ. وأوضحت أنه تم تحديد سبعة أطفال تحت سن 16 عاما ضمن عمال المصنع.

لكن سامسونغ قالت إنها لم تتوصل إلى أي أدلة على حدوث انتهاك لقانون التوظيف حينما أجرت تحقيقاتها الخاصة. وقالت شركة الإلكترونيات الكورية الجنوبية الشهيرة في بيان إن "سامسونغ إلكترونيكس أجرت تفتيشين منفصلين في الموقع في أوضاع العمل في اتشي إي جي هذا العام، لكنها لم تتوصل إلى أي تجاوزات في هذه المناسبات".

وأوضحت أن "فريقا من المفتشين يضم أفرادا من سامسونغ من مقرها في كوريا سيتم إرساله إلى هويتشو بالصين وسيفتح تحقيقا على الفور ويتخذ إجراءات ملائمة لعلاج أي مشاكل قد تنشأ". وقالت منظمة "تشايلد ليبور ووتش" إن محققيها أجروا اتصالات محدودة مع أقسام أخرى في المصنع، وقد يكون هناك عشرات آخرين من الموظفين الأطفال صغار السن.

ورأت أن اتش إي جي لديها "آليات رقابية داخلية ضعيفة". وأوضحت أن هذه المشكلة تسببت في فشل اتش إي جي في الكشف عن المسجلين من صغار السن الذين خالطوا كبار الطلاب الذين أرسلوا للعمل في المصنع خلال عطلاتهم المدرسية الصيفية والشتوية. وأعربت المنظمة عن قلقها أيضا بشأن إصابات العاملين وكيفية التعامل مع أجورهم الإضافية.

اطفال في المناجم

من جانب اخر ينهض سانجاي شيتري ابن الثالثة عشرة كل يوم والخوف نفسه يساوره: ان ينهار منجم الفحم الذي يعمل فيه ويموت داخله، شأنه في ذلك شأن الاف الاطفال في شمال شرق الهند الذين يكسبون رزقهم بالعمل داخل انفاق ضيقة لدرجة لا يمكن سوى للاطفال الدخول اليها. ويتمتع هذا الفتى الرشيق ذو بنية العظام الرفيعة بالقوام المناسب للعمل في هذه الصناعة المنجمية المدرة للارباح في ولاية ميغاليا، اذ ان الدخول الى الممرات المظلمة والرطبة لهذه المناجم، غير متاح امام الاشخاص الراشدين.

ويقوم سانجاي بالعمل في ظلام الليل حيث ينزل السلالم المنزلقة ومعه معولان ومصباح امامي صغير، ويسبر اغوار المنجم وصولا الى عمق 1400 متر تحت الارض. ولا يزال يتنقل بالحذر نفسه كما في بداياته في العمل قبل سبعة اشهر، خشية انزلاقه ووقوعه الى القعر. وحالما يدخل المنجم، يجلس القرفصاء قدر الامكان ليدخل الى حفرة بارتفاع 60 سم ويجر وراءه عربة فارغة. وهنا يبدأ كابوسه: "من المرعب تصور ان ينهار السقف علي خلال عملي"، يقول الفتى. وبعد 12 ساعة من العمل، يكسب سانجاي 200 روبية (3,7 دولارات). هذا المبلغ الزهيد يفوق ذلك الذي يكسبه اهله العاملون في عاصمة الولاية شيلونغ.

الا ان عمل القاصرين غير قانوني في الهند، مع اختلافات في سن الرشد القانونية تبعا للولايات. ويحظر قانون تنظيم عمل المناجم الصادر في العام 1952 على الشركات توظيف قاصرين دون ال18 عاما داخل المناجم. لكن ميغاليا لا تخضع لهذا القانون بسبب وضعها الخاص كولاية في شمال شرق البلاد تسكنها غالبية من افراد القبائل حيث يغلب القانون القبلي على القانون الوطني.

وفي هذه المناطق، بامكان اي مالك اراض حفر مناجم بحسب الرغبة من دون اي معايير قانونية للسلامة. وفي هذه المناجم المبنية بشكل غير مهني، لا توجد اي تقنيات متطورة، اذ يعمد العمال الى حفر الحجرات داخل المناجم بايديهم مستخدمين معاول ورفوش. وترك سانجاي، الاخ الاكبر على ثمانية اطفال، المدرسة منذ عامين بسبب عجز والديه عن الاستمرار في دفع اقساطها.

ويوضح "انه عمل مضن جدا، اجد صعوبة في جر العربة بعد ملئها بالفحم". ويروي سانجاي بجسم نحيل مرتعش مرتديا سروال جينز ملطخا بالفحم ومنتعلا شبشبا باصبع تظهر منه قدمان مجعدتان كانهما لرجل بالغ، ان والديه يطلبان منه على الدوام العودة الى المنزل للعمل معهم. الا انه يؤكد انه غير مستعد لترك المنجم بعد.

ويقول "احتاج لادخار المال للعودة الى المدرسة. لقد اشتقت لاصدقائي وما ازال اتذكر المدرسة. ما يزال لدي احلام منذ الصغر". ويؤكد المسؤول عن المنجم كومار سوبا ان اطفالا كثيرين مثل سانجاي يتدفقون باعداد كبيرة امام المنجم طلبا للعمل موضحا "يتقدم دائما اطفال جدد. يكذبون بشأن اعمارهم، يقولون انهم في سن العشرين في حين انه بالامكان من وجوههم معرفة انهم اصغر بكثير". ومن بين هؤلاء الاطفال، سوريا ليمو صاحب الوجه الشبيه باللعبة هو من اخر المنضمين لفريق كومار سوبا في قرية ريمباي.

ويؤكد انه في سن ال17 عاما، كما يروي انه غادر بلده الاصلي النيبال بعد وفاة والده في حريق داخل منزله تاركا خلفه ارملة وطفلين. وخلافا لزملائه الاكثر خبرة، ينزل سوريا بترو على السلالم في حركة تكشف نحالة جسمه. ويقول "بالطبع اشعر بالخوف، لكن ما عساي ان افعل؟ احتاج الى المال، كيف لي القيام بغير ذلك للبقاء؟"

وبحسب منظمة "ايمبلس ان دجي او نيتوورك" الخيرية التي تتخذ في شيلونغ مقرا لها، فإن 70 الف طفل يعملون حاليا في مناجم ميغاليا وثمة الاف اخرون يعملون في مناجم الفحم. وتشير الناشطة في المنظمة روزانا لينغدو الى ان "اصحاب المناجم يسترخصون استخراج الفحم عبر طرق يدوية وغير علمية كما يسترخصون توظيف اطفال. الشرطة تقبض رشى وتغض الطرف عن ذلك".

لكن بعد عقود من عمل المناجم من دون تشريع، لدى الولاية نية التزود هذا العام للمرة الاولى بسياسة تنظم هذا القطاع. وينص مشروع القانون على حظر تشغيل اصحاب المناجم لاطفال، على الرغم من عدم منع استغلال هذه الممرات الضيقة والخانقة التي تضم حجرات صغيرة لا يمكن ولوجها الا من الاطفال.

وتتوقع روزانا لينغدو انه "كلما استمر وجود هذا النوع من المناجم لفترة اطول، سيستمر تشغيل الاطفال لان لديهم القامة المطلوبة للزحف" داخل هذه المناجم. وغالبا ما تشهد المناجم الهندية حوادث انزلاق او انهيار خصوصا بفعل الفوضى التي تطبع طريقة بنائها، ما يهدد بدفن اطفال عالقين في الانقاض احياء. بحسب فرانس برس.

وبحسب غوبال راي الذي يعيش مع سبعة عمال اخرين في كوخ خيزراني بطول 3 امتار وعرض 2,5 متر، فإن التعويضات للاطفال الجرحى في المناجم نادرة ان لم تكن معدومة. ويضيف الفتى البالغ 17 عاما "ثمة ايام يكون الوضع مقبولا في حين تمر ايام اخرى يصعب فيها التنفس". الا انه لا يرى اي منفعة من زيارة طبيب. ويسأل "ما نفع ذلك؟ على أي حال، في وقت اذهب للعمل من دون معرفة حتى ما اذا كنت ساعود حيا".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/تموز/2013 - 4/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م