الغرب... تمويل الارهاب وتصدير الارهابيين

 

شبكة النبأ: "متمرّد على الحرية"! عبارة جاءت على غلاف مجلة "نيوزويك" بنسختها العربية عام 2004، خلال احتدام المعارك بين القوات الامريكية وبين عناصر القاعدة في افغانستان، حيث كان الشاب الامريكي قد ترك أسرته ومدينته وموطنه، وكل ما موجود من رفاهية ونعيم، ليلتحق بتنظيم "القاعدة" في وديان ومرتفعات افغانستان الوعرة والخطيرة.

ربما يكون التقييم الأولي قاسياً لظاهرة التحاق المواطنين الغربيين وايضاً من حملة الجنسيات الغربية، أو الى درجة، شن حملات اعتقال ومطاردة، إلا ان المحصلة النهائية، تفيد أن امريكا واوربا، يسرّها كثيراً تدفق الشباب من مواطنيها، من حملة الافكار المتطرفة، نحو البلاد الغارقة في مستنقع الارهاب الدموي، للتخلّص منهم، أولاً، ولإذكاء نار الفتن الطائفية وتأجيج الصراع المسلح، وهذا ما نشهده في المعارك الدائرة في سوريا، ففي الوقت الذي تعد امريكا بالدرجة نفسها حاملة لواء الحرب على المنظمات الارهابية منها "جبهة النصرة"، المدرجة ضمن المنظمات الارهابية في الخارجية الامريكية، نجد أن مواطنين امريكيين ينخرطون في صفوف هذه الجبهة، قادمين من مدن امريكية عديدة.

مثال ذلك؛ الجندي السابق في صفوف القوات الأمريكية، "إريك هارون"، الذي غادر امريكا الى سوريا للالتحاق بصفوف "جبهة النصرة" المتحالفة مع "القاعدة" للقتال ضد القوات السورية. ولدى عودته، تم اعتقاله في مطار "دالاس" بقرار قضائي بانتظار محاكمته، والتهمة الموجهة اليه، القتال في صفوف جماعة على صلة بجماعة ارهابية.. والمثير أن مكتب التحقيقات الفيدرالي، وهو الجهة الأمنية العليا والمتنفذة في الولايات المتحدة. تراقب كل صغيرة وكبيرة، فيما يتعلق بالأمن الداخلي، إلا انها تسمح لعناصر مشبوهة بعلاقاتها مع التنظيمات الارهابية في المنطقة، بل لا تغيب عن دائرة مراقبتها العشرات من المؤسسات المالية والتجمعات المشبوهة المرتبطة بالقاعدة وغيرها من الجماعات الارهابية الدموية التي تنشط في المنطقة، وتتغذى بالاموال والرجال من داخل امريكا. وحسب (FBI) فان المواطن الامريكي (المتمرد)، دخل إلى سوريا في كانون الثاني الماضي وقاتل القوات الموالية للرئيس بشار الأسد، وقام بنشر صور وتسجيلات لنفسه وهو يطلق قذائف صاروخية ويستخدم أسلحة أخرى.

ما يتوقف عنده المراقبون؛ التناقضات وسياسة الكيل بمكيالين الذي لا تبرح عنه الولايات المتحدة في تعاملها مع قضايا الشرق الاوسط، فهي تدين وتندد وتعاقب الجماعات التي تقوم باعمال ارهابية داخل وخارج امريكا، لكنها تراقب في الوقت نفسه مراحل تطور وتدريب العناصر الارهابية التي تقاتل في الجبهة التي تريد لها الانتصار على القوات السورية، أو على الاقل ممارسة المزيد من الضغط على دمشق وشخص بشار الأسد، لإجباره على الانصياع للأوامر الغربية.

بعض المصادر تفيد أن الامريكيين يراقبون عن كثب التدريبات التي يخوضها المتطوعون الأجانب في صفوف الجماعات الارهابية في سوريا، والقادمين مع دول عربية في منطقة البقاع اللبناني، فيما تكون الاراضي الليبية مفتوحة ومتاحة لتدريب العناصر القادمة من امريكا وبلجيكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا، حيث هناك مخيمات للتدريب في الصحراء الليبية قرب بلدة "هون" في منطقة الجبل الاخضر شرق ليبيا.

هذا عن التدريب على القتال والتكتيكات العسكرية، وحرب العصابات وحرب المدن. أما عن التمويل والاستثمارات في الدول  الغربية، فبات من الواضح للداني والقاصي، وجود مؤسسات مالية وجماعات على صلة بالتنظيمات الارهابية في الغرب، مهمتها تمويل ودعم العناصر الارهابية العاملة في بلادنا الاسلامية. "جمعية فلسطين الاسلامية"، التي يشتبه بضلوعها في دعم وتمويل تنظيم "القاعدة"، بل حتى مجلس العلاقات الامريكية – السعودية (كير)، فانها اتهمت ايضاً بالمشاركة في دعم التدريبات في معسكرات الارهاب الباكستانية، مهمتها القتال في كشمير.

لو نظرنا الى الكم الهائل من المعلومات المخزونة لدى (FBI) يتملكنا العجب عن الحرية التي تحظى بها جماعات ومؤسسات عديدة ممولة للارهاب في المنطقة، ولا تواجهة مشكلة قانونية، إلا ما يتعارض مع القوانين الامريكية، بل يكون التعامل معها كأي محل تجاري أو مؤسسة تجارية او مالية في امريكا ما عليها سوى الالتزام بالقوانين الموجودة لتحاشي العقوبات.

مثال ذلك؛ "غسان إيلاشي"، عضو تأسيس المجلس في مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية فرع تكساس، الذي تم اعتقاله في 18 كانون أول 2002، من قبل السلطات الفيدرالية على خلفية عدة اتهامات، تشتمل على التآمر، وغسيل الأموال، وترويج الصادرات غير القانونية، والإدلاء بتصريحات مضللة عن بيانات الصادرات، والتعامل بملكية من تم تحديده كإرهابي. وحسب المصادر، فان "إيلاشي"، عمل كذلك كرئيس لمؤسسة "الأرض المقدسة"، لاشتباهها بالعلاقة مع "حماس". في كانون الثاني 2003، تم اعتقال "باسم خفاجي" والذي كان يعمل كمدير لشؤون المجتمع في مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، وذلك في نيويورك بسبب دوره المزعوم في (المجلس الإسلامي) في أمريكا الشمالية، وهي جماعة ذات تمويل سعودي، تتعرض حالياً للتحقيق لتجنيدها إرهابيين ولإثارة أعمال عنف وإرهاب.

هذه المغالطة في السياسة الامريكية تعود الى بداية ظهور المواجهة المحتدمة بين "القاعدة" والادراة الامريكية في عهد الرئيس جورج بوش في أحداث ما يسمى بـ "11 ايلول" 2011، فقد جاء في خطاب لبوش في 24 أيلول 2001، أعلن عن عزمه مكافحة تمويل الإرهاب في العالم كله، وقال: إذا دعمتم أو رعيتم الإرهابيين، فلن يكون لكم تجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، ورغم الدليل المستمر على التواطؤ السعودي في تمويل الجماعات الإرهابية، فإن الناطق باسم الإدارة الأمريكية فيليب ديكر، قام بإخبار الصحفيين في 3 كانون أول 2002، بأن الولايات المتحدة راضية عن التعاون المستمر الذي تلقيناه من الحكومة السعودية في الحرب العالمية على الإرهاب، "وأن الجهود السعودية تشجع الولايات المتحدة في متابعة ومضادة تمويل الإرهاب".

كل الدلائل تشير الى عدم وجود بأس لدى الغربيين بأن يخرج من تصفهم "المتمردون على الحرية" الى خارج البلاد الغربية، لأن وجودهم سيكون وبالاً على المجتمع والتقاليد والنظام العام هناك. فهم في الوقت الذي يحذرون الآخرين من مغبة اتباع خطى أولئك "المتمردين"، تسعى بكل الطرف والاساليب للتخلص منهم، والقائهم في محارق المعارك الطائفية والارهابية في سوريا ولبنان وافغانستان. وهذا ما أشار اليه وزير الداخلية الألماني "هانس فريدريش" في تصريح صحفي في برلين مؤخراً: أن مشاركة من وصفهم بـ "الجهاديين" في النزاع الدائر في سوريا يشكل خطراً على الامن والاستقرار في ألمانيا. حيث أضاف: أن "وجودهم في منطقة نزاع يعني تدريبهم على استخدام السلاح وصناعة القنابل وكل شيء يتعلق بذلك الأمر الذي يعني احتمال تجديد أنشطتهم الإرهابية عندما يعودون إلى بلادهم ألمانيا، واحتمال توظيف المعلومات التي تلقوها في سوريا في تنفيذ هجمات إرهابية في الأراضي الألمانية".

وحسب الوزير الألماني فان "المعلومات المتوافرة لدينا تفيد بوجود حوالي 30 جهاديا ألمانيا في سوريا". وأضاف فريدريش "هذا العدد في ازدياد الأمر الذي يقلقنا كثيرا بسبب وجود جهاديين آخرين من دول أوروبية أخرى يشاركون في أعمال القتال ضد قوات النظام السوري".

وهذا يعني بشكل واضح، ان الحكومات الغربية لن تسمح بعودة هؤلاء المقاتلين الارهابيين الذين تلطخت أياديهم بدماء الابرياء من المسلمين من نساء واطفال، الى بلادهم وأسرهم، إنما ستبقيهم في مستنقع الارهاب، وهو من شأنه ان يزيد من نار الحرب الطائفية ، والاعمال الارهابية في المنطقة. إذ وجود اشخاص قادمين من وراء البحار ومن مسافات بعيدة تضيف زخماً في معنويات الارهابيين القادمين من الدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/تموز/2013 - 2/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م