تبريز... أنوثة مدينة!

خليل إبراهيم عبد الرحيم

 

شبكة النبأ: عندما تضيق بلك الدنيا وتبحث عن واحة للراحة والاستجمام احزم حقيبتك واقطع تذكرة على اول طائرة تحط بك في احدى مدن ايران من جنوبها الى شمالها ومن غربها الى شرقها، حيث اذا غضضت النظر عن بعض صورها الإعلامية وحالها السياسي ترى نفسك سابحاً في بحار الف ليلة و ليلة وتغوص الماضي وتفيق على عصرنا الحاضر حيث جمال إيران الأخاذ يرسم لك على فسح طبيعتها الخضراء ومراعيها الغنّاء وعليل هواءها وجبالها الشاهقة وخرير شلالات مياهها المنكسرة على الصخور الصماء، لوحات تزين مسيرة حياتك بذكريات لا تنسى من الكرم والضيافة و الأمن والراحة .

نظرة الى عيون ايران، نسمة من هوائها النقي و مياهها المتدفقة وأرضها الممزوجة في جانب صحراء قاحلة وفي جانبها الآخر طبيعتها الخضراء تعيد لك حقيقة ما قاله الشاعر، الماء والخضراء والوجه الحسن!. لعلك انت تبحث عن خرير النهر وصدى الماء، والآخر يتسمر لجمال الطبيعة وخضرة الأرض لكني انا لا يلهمني ولا يشبع ناظري سوى الوجوه الحسنى وطلات الصبايا وقوامهن الرشيق وجمالهم الأنثوي الذي ينسيني من أكون!

حاضر وماضي تبريز

تعد تبريز من المدن الكبرى في ايران و تبلغ مساحتها 23765 كيلومتر مُربَّع و نفوسها اكثر من 3 ملايين شخصا حسب إحصاء عام   2012 وهي إحدى أهم وأبرز المدن في إيران وعاصمة محافظة أذربيجان الشرقية وبذلك فهي رابع أكبر مُدن إيران بعد كل من طهران ومشهد وأصفهان. تُشكل المدينة إحدى أقطاب الاقتصاد الإيراني، فهي تشتهر بأعمالها الإداريَّة والتجارية والصناعية لاسيما صناعة الجرارات والحاصدات والسيارات الكبيرة والصناعات الثقيلة والحديد الصلب وصناعة الأجهزة المنزلية.

وقد اتُخذت تبريز عاصمة لإيران خلال عدة أحقاب من التاريخ الإسلامي أبرزها في عهد الصفوية والقاجارية. ويفتخر اهالي تبريز دوما بشاعرهم القومي محمد حسين شهريار الذي تغني بأشعاره بالأخلاق والأدب والوطنية.

معظم سكان تبريز والمدن المجاورة في مقاطعات ايران الشمالية الغربية يتحدثون اللغة التركية المحلية ربما لقرب هذه المقاطعات من تركيا او لخضوعها لقرون من الزمن تحت سلطة الدولة العثمانية الا ان جميع اهالي هذه المناطق يؤكدون انتماءهم لإيران ويجمعون انه لا علاقة لهم بتركيا قط، وان لغتهم هي خليط من الآذرية والفارسية والتركية بالرغم من وجود دعوات من خارج ايران لضم هذه المقاطعة وغيرها الى تركيا او جمهورية أذربيجان الا ان هذه الدعوات باءت جميعها بالفشل لان ليس أتراك ايران وحدهم ينتمون بقوة ورسوخ للوطن الام (إيران) بل وان معظم القوميات لها هذا الحس القومي والوطني و يرى القاطنون في ايران انهم مسلمون وإيرانيون اولاً ثم يأتي دور القوميات واللغات والعادات في المراحل التالية.

السوق القديم

في قلب مدينة تبريز يقع سوقها القديم الذي يضم مبان تاريخية ومساجد قديمة يعود بعضها لقرون مضت الا ان هذه الأسواق ونظراً للتطور السكاني و المدني بدأت تفقد بريقها وتتنازل عن مكانتها للأسواق الجديدة والعصرية التي لا طعم ولا ذوق لها سوى ارتياد الجنس اللطيف لها لاسيما و ان تبريز من المدن الإيرانية المعروفة بجمال الأنوثة فيها مع تعصب أهلها واتشاح ثلثي سكانها من النساء والفتيات بالشادرو الأسود (العباءة).

تمتاز تبريز والمدن الجارة لها بالطبخ المحلي الممتاز وبأنواع الجبنة والحلويات والمكسرات لاسيما الجوز وتفوح منها على طول السنة عطور الورود الزهرية التي تصنع منها أنواع المربات والعصائر. أهلها معروفون بالكرم والضيافة رغم انك عندما تسأل أي شخص يعيش في هذه المدن عن شعاره الأساسي في الحياة فيرد دون بسرعة ودون تأني: اذا حفظت المال، المال سوف يحفظك في الأيام العسيرة!" نظرة اهل تبريز الاقتصادية جعلهم في مقدمة المدن الصناعية حيث تعرف هذه المدينة بمناطقها الصناعية التي تفوق 50 مدينة صناعية فيها أكثر من 10 آلاف مصنع كبير وتصدر هذه المصانع إنتاجها الى تركيا و دول آسيا الوسطى والعراق ودول مجلس التعاون.

الاستثمارات في تبريز

في العام الماضي تم استثمار حوالي مليار دولار في 50 مصنع إنتاجي في ايران من جانب 10 دول جميعها دول في آسيا الوسطى باستثناء العراق وتبحث الكثير من هذه المصانع وغيرها عن مستثمرين أجانب وعرب نظراً للإرباح الكبيرة التي تحققها وأسواق للتصدير الى جانب سيادة الأمن الاقتصادي وحصول المستثمرين العرب والأجانب على مزايا كثيرة من الإعفاء الضريبي وحق تحويل العملة الصعبة والمصانع والأراضي والطاقة الرخيصة والأيدي العاملة الماهرة، والأكثر من هذا وذاك فان الاستثمارات المشتركة تشكل عاملاً أساسيا في تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية بين ايران والدول المستثمرة في المناطق الصناعية الإيرانية.

ويقول السيد محمد علي عسكري المدير العام للمدن الصناعية في إقليم أذربيجان الشرقية وعاصمته تبريز: اننا نتطلع لإقامة تعاون مثمر بين ايران و الدول المجاورة وكذلك مع الدول العربية والأجنبية ونحن على استعداد تام لاستقطاب الاستثمارات وإعطاء كافة التسهيلات والخدمات للمستثمرين خاصة في مدن تبريز الصناعية.

اما دور وزارة الصناعة والمناجم والتجارة الإيرانية فهو دور ريادي و مشهود في تفعيل التبادل التجاري بين ايران وسائر الدول التي لها علاقات معها و تدعم هذه الوزارة تطوير الصناعة واستثمار المناجم التي تنتشر بكثرة في ايران.

بلدة بيوت النحل!

على بعد 50 كيلومتر من تبريز تقع بلدة صغيرة تسمى (كندوان) أي بيوت النحل وهي قرية محفورة داخل الصخور منذ 750 عاما وسبب هذه التسمية تعود الى ان معظم سكانها ولأسباب تاريخية ربما تتعلق اساساً بخشيتهم من هجمات الغزاة والأعداء اتخذوا من الجبال والقمم بيوت لهم على غرار وشكل بيوت النحل وهذه المدينة معروفة ايضاً بالعسل وانتشار بيوت النحل الواقعية في ربوع غابتها. منظر بناء البيوت في غور الجبال قد يكون لها مناظر ولوحات سياحية وتاريخية الا ان رؤية مثل هذه الصور في تاريخنا المعاصر قد يدفعنا للأسى والشفقة على حياة سكان "بيوت النحل" وكيفية العيش فيها الا أنهم يدعون ان بيوتهم هذه مصدر رزقهم من السياحة وانها باردة في الصيف وتقيهم البرد القارس في الشتاء.

ليال تبريز

ليال تبريز جميلة وساحرة وخلابة حيث يسهر الكثيرون في المنطقة السياحية "ائل كولي" المحاطة بأدغال من الأشجار والبرك المائية والجميع يطربون على نغم الموسيقى التقليدية وتتطاير دخان الاركيلة والكل يتمنى سيادة أجواء مزيجة بالحرية والرفاهية والجدية لتفعيل حياة مدن سياحية وصناعية مثل تبريز وبناء علاقات أفضل ومستقبل مشرق وتعاون مشترك مع شعوب المنطقة والعالم وهم يتطلعون بفارغ الصبر لقرارات حكومة إيران الجديدة في هذا المنحى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/تموز/2013 - 29/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م