الاقليات في البلدان العربية والمسلمة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: منذ نشوء الدولة الوطنية في البلدان العربية وموضوع الاقليات من المواضيع المسكوت عنها في تلك الدول، ويعود ذلك الى سببين رئيسيين هما، عجز انظمة الحكم العربية عن التعامل مع هكذا موضوع لحساسيته المفرطة في نظر القائمين على ادارة الحكم، وكذلك الجماعات الدينية الموجودة في تلك البلدان والتي تعتبر ان الحديث عن مثل هذه الموضوعات هو من قبيل الفتنة، او انه نوع من الحركات التي تطعن في ظهر الاكثريات لتعاونها مع اقليات مشابهة في بلدان اخرى، مما يعني تخوينها ومحاصرتها ومحاولة تهميشها وادماجها قسرا في ثقافة الاغلبية.. وهو ماحدث في الكثير من تلك البلدان باقلياتها الشيعية والكردية والقبطية وغيرها.

بعد ان اصبح العالم قرية صغيرة، ظهر الاهتمام بالاقليات وطرحها كموضوع من مواضيع الشأن السياسي العالمي، الذي يلقى الاهتمام الواسع عبر هيئات الامم المتحدة ولجانها الحقوقية، من خلال التقارير الدورية التي تصدرها، رغم الكثير من التحفظات التي تبديها الدول المعنية بهذه التقارير وتعتبرها تدخلا في شؤونها الداخلية، او محاولة تاليب هذه الاقليات ضد سلطات تلك البلدان.

ولعل في القضية الارمنية والتي صدر القرار باعتبارها ابادة بشرية قامت بها الدولة العثمانية ضدهم، واحدة من تلك الاشكاليات الحقوقية والسياسية، على اعتبار الاختلاف في وجهات النظر عند التعاطي مع ماحدث للارمن في ظل الدولة العثمانية.

بعد الربيع العربي الثوري، تجدد الجدل بقوة حول مسألة الاقليات وحقوقها، بعد ان تبنى هذا الربيع، مقولات في السياسة عملت على ترسيخ ماكانت تقوم به الحكومات التي كانت سببا في انفجار الاوضاع في البلدان العربية، وهي مقولات تحتكم الى الاغلبية السياسية التي تاتي بها صناديق الاقتراع الى الحكم، الذي يرسخ بقراراته وقوانينه من هذا الاقصاء والتهميش للاقليات في تلك البلدان.

يرتبط مفهوم الاقلية كما يذهب الى ذلك أحمد وهبان في كتابه (الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر) بعدد الافراد المنتمين اليها والذين تجمعهم روابط مشتركة وتميزهم عن غيرهم داخل المجتمع المشكل للدولة الواحدة على اقليمها..

 وتعرف الأقلية حسب المعيار العددي على أنها:

مجموعة من الناس يتمتعون بجنسية الدولة التي يعيشون فيها بذاتهم ويختلفون عن غالبية مواطنيها في الجنس واللغة والعقيدة والثقافة والعادات والتقاليد، او هي: كل مجموعة بشرية تعيش داخل إقليم دولة ما وتتمتع بخصائص تميزها عن غيرها من بقية السكان سواء كانت خصائص ثقافية أو دينية أو لغوية أو تاريخية أو جنسية، او هي: كل جماعة يتقاسم أفرادها روابط الأصل أو اللغة أو الدين،كما يجب أن يشعر هؤلاء عن وعي تام بوضعهم ويتصرفون على أساسه.

وهناك عدة عوامل محددة لمفهوم الأقلية هي:

العامل المجتمعي

العامل الكمي

العامل النفسي

العامل الجغرافي

العامل السياسي

تنشأ الأقليات عادة نتيجة عمليتين أساسيتين هما:

- الهجرة أو التهجير، أي تحرك مجموعة بشرية من مواطنها الأصلية وانتقالها إلى مكان آخر تعيش فيه مجموعة بشرية تؤلف أكثرية، طوعاً، بدوافع اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها.

أما التهجير فحركة قسرية يُطرد فيها السكان من ديارهم بالقوة إلى مكان آخر يصبحون فيه أقلية.

- الغزو والاحتلال والاستعمار الاستيطاني من قبل أكثرية لإقليم أو بلد، تفرض سيطرتها على سكانه وتضمّهم وأراضيهم إلى أراضيها بالقوة، مع إغراق الإقليم المحتل بمستوطنين من الأغلبية الغازية بهدف الدمج النهائي.

الأقلية في القانون الدولي كما عرفتها اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة حقوق الإنسان هي «مجموعة أصغر عدداً من باقي شعب الدولة أو جزء من مواطنيها يختلفون عن بقية شعبها من حيث الجنس أو الديانة أو اللغة وتكون في وضع غير مسيطر». ورأت هذه اللجنة أن العنصر العددي يأتي في المرتبة الأولى من أجل تحديد مفهوم الأقلية، فلعدّ جماعة ما أقلية يجب أن تتكون من عدد من الأشخاص يكفي بذاته لكي يوصف بهذا الوصف فلا يكون العدد ضئيلاً مما يفقد الجماعة المعنى القانوني الذي يرتب لها حقوقاً وضمانات وفق ما يقرره القانون الدولي.

تركزت الجهود الدولية لحماية الأقليات في ثلاثة أطر:

1ـ عقد اتفاقات وإصدار تصريحات دولية من أجل حماية حقوق الأقليات.

2ـ الاعتراف لهذه الأقليات بنوع من أنواع اللامركزية الإدارية والحكم الذاتي.

3ـ تطوير مبدأ نقل الأقليات أو تبادلها بين الدول بموجب اتفاقات دولية قائمة على رضا الدول المعنية.

يغلب على كثير من البلدان والمجتمعات تعدد الأقليات فيها، حتى تصل في بعض البلدان الكبيرة إلى أكثر من 120 قومية ـ أقلية كما في الاتحاد السوفييتي السابق وروسيا الاتحادية، وإلى أكثر من ذلك بكثير في الولايات المتحدة الأمريكية، إذا ما أضيف إلى الأقليات القومية الأقليات الدينية والمذهبية.

وتقدر الدراسات وجود 223 جماعة إثنية ـ أقلية كبيرة في العالم مجموع أفرادها يقرب من900 مليون نسمة، تخضع للتمييز في المعاملة والتصنيف الدوني بأسلوب أو بآخر. ولا تشمل هذه الدراسات الأقليات والجماعات الإثنية المتوسطة والصغيرة في عقد التسعينات، وهي كثيرة لانعدام الأقاليم والبلدان والدول ذات الانسجام والتجانس الإثني.

كيف يمكننا التعامل مع مسألة الاقليات في بلداننا، وخاصة بعد ظهور الكثير من دعوات الاقصاء والتهميش ووصولها الى ذروة العنف الذي بات يهدد تماسك النسيج الاجتماعي للبلدان العربية، وانضافت الى مشاكله مشكلة تمثيل هذه الاقليات لنفسها والحق في المشاركة في ثمار هذا التغيير؟

لا بد من عودة سريعة إلى مبدأ وحق المواطنة، فما يجمع الافراد داخل مجتمعاتها هو المواطنة المنصوص عليها في الدستور والتي تجعل للجميع حقوقاً متساوية بغض النظر عن العرق أو القبيلة أو الجنس أو الدين أو اللون، والمواطنة لا بد من أن نعلي شأنها في الخطاب السياسي والديني والفكري في بلاد العالم العربي كافة، ونبتعد عن الكثير من الضمور في تفكيرنا. كذلك ينبغي أن نجعل الأقلية في بؤرة الاهتمام بدلاً من أن نتهرب منها. بالتالي، نفكر بعد ذلك كيف تعيش هذه الأقليات المختلفة داخل وطن واحد وتحت قومية واحدة، لأن الوطن الذي يحكمه الدستور يجعل المواطنين متساويين فيه في جميع الحقوق والواجبات، كما يذهب الى ذلك الدكتور حيدر إبراهيم الباحث والمفكر السوداني.

او كما يرى الكاتب محمد محفوظ في احدى مقالاته، إنه لا سبيل لتحقيق ذلك إلا بنقد مفهوم الأقلية في العقل السياسي والاجتماعي العربي.. فالأقليات والأكثريات في العالم العربي ينبغي أن تكون سياسية وليست دينية أو مذهبية.. بمعنى أن هناك مشروعات سياسية وطنية متعددة ومختلفة، وكلها متاحة للنشاط فيها من قبل جميع المواطنين بصرف النظر عن أديانهم ومذاهبهم، وعلى ضوء النتائج الانتخابية أو الاجتماعية يتحدد مفهوم الأكثرية والأقلية في العالم العربي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/تموز/2013 - 28/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م