أخونة العراق وهاجس النفق المظلم

 

شبكة النبأ: يصاب المرء بالدهشة والاستغراب، وهو يشهد او يسمع أناس يدّعون أنهم ولدوا من رحم الواقع الاجتماعي، ويمثلون جزءاً من المعاناة والاستحقاقات، ثم ما أن تطأ اقدامهم اروقة الحكم، حتى يتطاولوا بأيديهم على كل من يقترب من الخطوط الحمراء عند قمم السلطة والحكم.. شرعية الشعب والجماهير تنتهي عند عتبة القصر الرئاسي أو مكتب رئاسة الوزراء، وبعدها تبدأ شرعية من نوع آخر؛ انها شرعية السلطة، أو كما يحلو لـ "مرسي" بـ "شرعية الدستور". وهذه الشرعية هي التي يفدي نفسه ودمه من اجلها، كما قال وصرح، ثم تبعه سائر قادة الإخوان المسلمين، وها هم اليوم ما زالوا تحت وقع الصدمة العنيفة، عندما سلب الشعب نفسه، الشرعية التي منحهم إياها. وأطاح بمرسي خلال أيام، ودون أن تطلق رصاصة واحدة.

تجربة العام الواحد الي قضاها "مرسي" في الرئاسة، ومثّل فيها ولأول مرة "الاخوان المسلمين"، في قمة السلطة والنظام في مصر، تحمل الكثير من الدلالات والعبر لبلاد تشهد صعود التيار الاسلامي الى الحكم على موجة الديمقراطية، ومنها العراق، طبعاً؛ الفارق لا يخفى على المتابع في الظروف الاجتماعية والسياسية، والتأثيرات الاقليمية والدولية. فمصر؛ لا تشكو نشاط المجتمع المدني والصحافة وحرية الرأي والتعبير، في الساحة السياسية والدينية، ولم يتعرض المجتمع المصري لسياسة القمع الدموية والسجون والاعدامات الجماعية، إنما المشكلة لديه في ديكتاتورية الفكر والأيديولوجيا، ورغم ثراه الفكري والثقافي، هو شعب فقير من حيث الثروات المعدنية، وحسب آخر الاحصائيات، فان عدد سكانه، بلغ الى حوال (93) نسمة، بينما العراق، واجه منذ قرن من الزمن ديكتاتورية العسكر، وهذه كانت بمنزلة المعمل الذي أنتج غرف التعذيب وفتح سوح الاعدامات، وشيد المعتقلات الرهيبة، ثم خلق جيلاً مسكوناً بالرعب والاحباط والهزيمة النفسية. كل هذا، وهو يغفو على بحيرة من النفط، وثروات معدنية تكاد تكون موزعة في كل مناطق البلاد، فضلاً عن الاراضي الصالحة للزراعة ومصادر المياه العذبة وغيرها.

نقطة قوة "الإخوان"، أنهم ومنذ التأسيس على يد الشيخ حسن البناء عام 1928، انفردوا في الساحة، كتنظيم اسلامي، ولم ينافسهم أحد في مصر، في قوة التنظيم، وسرعة الانتشار، في مصر وخارجها، حتى اصبح لديهم "تنظيم دولي"، ونجد هنالك أجنحة للحركة في سوريا والاردن ولبنان والسودان وتونس. وبما انهم يحملون المبادئ التي أرساها المؤسس من قبيل؛ "الطاعة، التضحية ، الجهاد، العمل.."، فانهم لا يجدون غيرهم أهلاً لـ "العمل الاسلامي". هذا التصور حملوه الى السلطة خلال موجة "الربيع العربي"، فحاولوا النفوذ والهيمنة على مرافق الدولة ومؤسساتها، مثل البرلمان والجيش والقضاء والاعلام، وغيرها، فكان لهم الفوز بثقة الشعب، مستفيدين من نقطة هامة للغاية، وهي أنهم جاؤوا ليكونوا البديل عن النموذج العلماني والديكتاتوري الذي جسده نظام الحكم العسكري منذ انقلاب "يوليو" عام 1952. لكن المشكلة بدأت عندما وجد الناس فيهم حالة من الشره والتعطش للهيمنة على كل شيء. ومن ابرز الامثلة على ذلك، عزل النائب العام في المحكمة، عبد المجيد محمود، بحجة تباطئه في إدانة مبارك خلال المحاكمة. وتنصيب شخص آخر مقرب من "الإخوان"، وقبلها كان الرئيس المخلوع، قد أصدر مرسوماً يحظر على افراد القوات المسلحة المشاركة في الإدلاء باصواتهم في الانتخابات البرلمانية. وهو ما عدّته اطراف سياسية وقانونية في مصر بانه يتعارض مع الدستور الذي يكفل حق الجميع بالمشاركة في العملية الديمقراطية.

هذه الدفينة في الفكر والثقافة "الإخوانية" هي التي قلبت المعادلة رأساً على عقب، ليتحول أنصار "مرسي" الى أقلية يجتمعون في جامع "رابعة العدوية" بالقاهرة، بينما نرى، ويرى العالم مئات الآلاف في "ميدان التحرير"، ومناطق أخرى في مصر، وهم يتجمهرون ويطالبون برحيل الرئيس الذي جاؤوا به قبل عام واحد. بل والطامة الكبرى في تحول الزعامات والقيادة الإخوانية، من رموز وشخصيات رفيعة، الى فلول تطاردها قوى الأمن حتى المناطق الحدودية..!

من هنا نفهم؛ ان الشعوب لا تريد الديمقراطية، وما تولده من "شرعية" للحكم، كما كان يحلم مرسي بالتشبث بها، ويجعلها قارب نجاة له من غضب الجماهير. إنما تريد المشاركة والتعددية والحرية، وليس كشعارات ترفع للاستهلاك الانتخابي او السياسي، انما كمصاديق حيّة على الأرض. ومن أجل ان لا يتكرر هذا المشهد في العراق، لابد أن يأخذ اهل الحكم هنا العديد من المسائل بعين الاعتبار منها:

أولاً: الكف عن سياسة التأزيم وخوض المشاكل مع ملفات طائفية وقومية وسياسية، ومحاولة حلها جذرياً، لا ترقيعياً، من خلال إلقاء بعض الامتيازات لهذا وذاك، لاسكات هذا الطرف او ذاك في خضم الازمة، كما يحصل في المحافظات الغربية، وهي الانبار والموصل، وايضاً في اقليم كردستان. فاللعب بنار الازمات من شأنها ان تلحق الضرر الكبير بالمجتمع، لاسيما سكان تلكم المناطق المتأزمة. مثال ذلك؛ الازمة في المناطق الغربية، فقد بدأت باعتقال عناصر حماية نائب رئيس الوزراء "رافع العيساوي" بتهمة الضلوع بعمليات ارهابية، ومن خلال هذه الازمة قام بتقديم تنازلات، منها اطلاق سراح سجناء وسجينات، كانوا موقوفين منذ ثمان سنوات..!

ثانياً: التوقف عن الاستحواذ والنفوذ.. وهذا ما يثير نقمة وحفيظة عموم المجتمع، لانه يجد نفسه محدد وموجّه للسير في قناة واحدة، وهي الانتماء أو الموالاة للحزب الحاكم، وهو ما بات حديث الشارع في كل مكان.

هذه النقطة، لابد من تجاوزها لمن يطمح للاستقرار في الحكم وإنجاح التجربة السياسية، أما اذا كان الاصرار على الفئوية والحزبية، فهي تتحول الى معوّل يهدم هيكلية الحكم برمتها. فاسباب السقوط، ليس بالضرورة تكون كبيرة وبارزة، إنما من حوادث صغيرة لكنها مثيرة في الشارع العام.

ثالثاً: التخلّي تدريجياً عن "المحاصصة"، والتحول الى "المشاركة"، في الميادين السياسية والاقتصادية، والامنية. فقد دفع الشعب العراقي ثمناً باهضاً جداً بسبب المحاصصة الحزبية والسياسية، التي باتت ماثلة للعيان ودون حرج او وجل، حيث تعلن الجماعات والتيارات وحتى الاشخاص، حرصهم الشديد للحصول على حصتهم من "الكعكة" او الغنيمة..!

لايجب ان ينسى أحد، أن القوة العسكرية والامكانات المادية المتوفرة في العراق، لن تكون ضمانة دائمة لمن يفكر بالاستبداد الايديولوجي و"الأخونة" في العراق. فقد جرب العراقيون الاستبداد الحزبي والعشائري والعائلي على يد "صدام"، ولن يجرب ثانية استبداد من نوع آخر، مادام يلغي الكفاءات ويصادر الحريات، ويستأثر بالثروات والحكم، حتى وإن لم على شاكلة الروح الثورية المصرية، لأن الانفجار العراقي يكون شديداً عندما  يدخل الناس في النفق المظلم ، حيث لا يجدوا متنفساً ومخرجاً للخلاص.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/تموز/2013 - 28/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م