لماذا تتهاوى عروش الطغاة؟

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: العروش التي تبُنى بالنار والحديد، وتشيّد بالدم والظلم، لا تدوم طويلا، لأنها تتخذ من الطغيان طريقا لها، و وسيلة لحمايتها، لهذا سوف يرفضها الشعب ويقاتلها بشتى السبل والوسائل، حتى يطيح بها، مهما كان هذا الشعب ضعيفا، فإن تجارب التاريخ السياسي البشري، أخبرتنا بأن ظلم الحكومات والانظمة الطاغية لا يمكن ان يدوم، وسيبقى مهددا بالسقوط دائما، على الرغم من ان الحكام والحكومات تتفنن في حماية عروشها، لكن الامر الذي اثبت على مدى التاريخ وفي الراهن ايضا، ان الطغيان من اسرع الاسباب التي تطيح بالحكومات.

وتبدأ حالة طغيان الحكام وحكوماتهم، عندما يرفضون الصوت المعارض تماما، ويقارعونه بل يصل الامر في الغالب الى القتل والتشريد والاقصاء، ويستعمل الحكام شتى الوسائل من اجل ان لا يظهر الصوت المعارض الى العلن، ولكن معظم هذه الانظمة المستبدة وحكامها يحفرون قبورهم بأيديهم، لان طغيانهم نفسه هو الذي ينتهي بهم الى السقوط.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيم الموسوم بـ (من اسباب ضعف المسلمين)، في هذا المجال: (من أشهر صفات الطغاة محاولتهم القضاء على المعارضة بمختلف الطرق الإرهابية: سجناً وتعذيباً وقتلا).

الشعوب تنسف الحكومات المستبدة

ان الاحداث الدائرة الان في المنطقة العربية، والتي بدأت قبل ثلاث سنوات تقريبا باندلاع شرارة الاحتجاجات في تونس، تؤكد ان الطغيان هو السبب الاول للصراع بين الشعب والحكومة، وتؤكد ايضا أن لا سبيل للحكام إلا في احترام الجماهير ومراعاة حقوقهم، بخلاف ذلك ليس امام الحكومات الطاغية، سوى السقوط بقوة المعارضة الشعبية، مهما استخدمت الحكومات من وسائل قمع وقوة، لان الطغيان الحكومي والمقاومة الشعبية يعيشان صراعا دائما، ينتهي بسقوط الحكومة وطرد الحاكم كما حدث قريبا سقوط حسني والقذافي وسواهما، علما ان الشعب له وسائله الكثيرة والمتعددة في المعارضة، منها رفض الضرائب والعصيان المدني ووسائل اخرى كثيرة.

لذلك يقول الامام الشيرازي في كتابه القيم الموسوم بـ (تحطم الحكومات الاسلامية)، في هذا المجال: عندما تميل الحكومة للطغيان (ينسفها الشعب وينتقصها ولا يحترم قوانينها، فيعمل حينئذ على خلاف ما تريده الحكومة ويهرب من الضرائب ولا يعطي حتى رسوم الماء والكهرباء والمواصلات، ويخرق قوانين الدولة في السفر والإقامة والعمارة وألف شيء وشيء، وتأخذ الحكومة حينئذ بمحاربة الشعب اعتقالاً وسجناً وتعذيباً ونفياً، وأحياناً إعداماً، وربما مصادرة للأموال وألف شيء وشيء).

ان الحكومة التي لا تراعي شعبها، لن تجد منه الاحترام والطاعة، لذلك يبقى هذا الشعب متربصا بحكومته، ومتحينا الفرص للانقضاض عليها واسقاطها، وليس هناك من سبيل امام الحكام وحكوماتهم سوى أن يعدلوا ويديروا شؤون الناس بالعدل والمساواة وتكافؤ الفرص والرحمة، وايجاد سبل الحياة الحرة الكريمة.

ان منهج الطغيان هو السبب الاساس الذي يشعل الصراعات بين الشعوب وحكوماتهم، حتى في الدول الاسلامية حيث تحكمها انظمة مستبدة لا تحترم الشعوب ولا العلماء ولا توفر لهم سبل العيش الكريم، على العكس من الدول الغربية حيث يسود نوع من التوافق بين الحكومة والشعب، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (هذا هو السر في المحاربة الواقعة بين الحكومات والشعوب في البلاد الإسلامية، بينما نشاهد الشعب في الغرب يعمل ـ عادة ـ وفق الحكومة، والحكومة تعمل وفق الشعب وتراعي مصالحه فلا محاربة بينهما، بل كثيراً ما يكون بينهما الانسجام الجيّد).

لذلك هناك نوع من الصراع القائم بين الشعب والحكومة، اساسه عدم تطبيق الشورى، واللجوء الى التفرد والاستئثار في صنع القرار، وغالبا ما تاتي القرارات لحماية الحكم بالضد من مصالح الشعب، لذلك يؤكد الامام الشيرازي على: (انّ عدم تطبيق الشورى سيجعل الفاصلة بين الحاكم والمحكومين شاسعة وكبيرة، فيأخذ كل طرف بقذف الطرف الآخر، وهنا يبدأ الصراع).

الشورى بديلاً للطغيان

حتى لا يستمر الصراع بين الشعوب الاسلامية وحكوماتها، يقترح الامام الشيرازي بدائل للتقريب بين الطرفين، لكي يعيش الشعب في حالة من الاستقرار تؤهله للتقدم، ولكي تصل الانظمة السياسية الى درجة من النضوج تجعلها في حالة انسجام مع الشعب، ويرى الامام الشيرازي في نظام الشورى حلا ومعالجة جيدة لدرء خطر الطغيان والحيلولة دون اشتعال الصراع بين الشعب والحكومة، وبالتالي تفادي حالة السقوط المؤكدة للحكومة.

يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد: )كانت الشورى من بين الأفكار العظيمة التي جاء بها الإسلام واستطاع بهذه الفكرة أن يُحطّم جدار الاستبداد والطغيان ويعيد للإنسان كرامته المفقودة).

ويعزو الامام الشيرازي ما يعيشه المسلمون من تردي في الاوضاع السياسية والاقتصادية والتعليمية والصحية الى منهج الاستبداد الذي يمارسه الحكام وحكوماتهم ضد الشعب، إذ يقول سماحته في هذا المجال: (إن ما نشاهده اليوم من حالة ضعف المسلمين هو نتيجة أمور عديدة، من أهمها ما سببه الحكام الطغاة، غير الشرعيين، على مر التاريخ من الأوائل والأواسط والأواخر، فإنهم من وراء حالة ضعف المسلمين التي نشاهده ونلمس آثاره حتى اليوم، فان الضعف السابق والوسط واللاحق يسبب ضعف المستقبل أيضاً).

ويؤكد الامام الشيرازي على حرية الانسان الفرد والجماعة، ودورها في درء خطر الطاغوت من خلال الوعي المستمر ومقارعة الجهل، حتى يكون الشعب قادرا على مقاومة الطغاة ويعمل على اسقاطهم كما يحدث الان في مصر وغيرها.

لذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (إن من أهم أسباب تولد الطاغوت هو: الجهل وعدم الوعي الكافي، فان من يعلم بأن الله خلق الإنسان حراً، ومنحه حرياته الأساسية، وجعله حاكماً على نفسه وماله، لا يرضخ للعبودية والظلم، ولا يعترف بالطغاة والظالمين).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/تموز/2013 - 28/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م