السعودية وباركنسون الامير... احمونا من المخرّفين

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هل هناك اخلاق في السياسة، او هناك اخلاق سياسية، او هناك سياسة اخلاقية؟

التنويع على الكلمات في منطوق السؤال، لايعني ان الاجابة ستكون بالايجاب، اعني ان هناك اخلاق يسترشد بها العمل السياسي، مهما كانت مرجعية تلك الاخلاق ومهما كانت طبيعة ذلك العمل السياسي.

قد توجد استثناءات في ذلك، لكن هذه الاستثناءات ليست هي القاعدة التي يعول عليها في العمل السياسي المشاهد كل يوم وفي جميع انحاء العالم.. من هذه الاستثناءات ربما يبرز اسم غاندي ومارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا، وهي استثناءات حكمت ظهورها شروط تاريخية وثقافية معينة قد لاتتكرر حتى في البلدان التي وجدت فيها.

يحكى عن تشرشل أنه كان دائم السخرية من هؤلاء الذين يريدون دائما ربط السياسة بالأخلاق العامة، حتى إنه حينما كان في زيارة للهند وقام بمشاهدة شاهد قبر الزعيم الكبير غاندي وقرأ عبارة مكتوبا عليها: (هنا يرقد رجل نبيل وسياسي عظيم).. قال ساخرا: عجبا.. كيف يرقد رجلان في قبر لرجل واحد.. وبالطبع كان يقصد أن النبيل والسياسي لا يجتمعان في قلب رجل واحد.

يرى احد الكتاب العرب، انه (ليس ثمة (غاية) مهما كانت مقدسة يمكن أن ترتفع فوق (حق) الإنسان ــ كل انسان ــ فى الحياة والحرية والكرامة.. خطأ كبير أن نحرر وسائل السياسة من معاييرها الأخلاقية ونقرنها فقط بما تسوغه المصالح والغايات.. وطنية أو طبقية أو طائفية. مهما كانت عادلة أو مشروعة فالوسائل والغايات حلقتان مترابطتان وكل منهما شرط للأخرى وإنجاز الهدف العادل يتطلب صحة اختيار الوسائل التى تخدمه وتلائمه وبغير ذلك ستفضى الأمور إلى تشويه الهدف وهزيمة أصحابه فى نهاية المطاف. ناهيك عن بؤس التجربة فى سياقها الانسانى والتاريخى. لا يصعب كثيرا تكامل (الغاية والوسيلة) فى تفاعل متبادل ترعاه أجواء الحق والفضيلة).

هذه الكلمات هي نوع من الطوباوية في العمل السياسي في جميع توجهاته، شرقية وغربية، رغم جميع الشعارات التي يرفعها الساسة في الكثير من الدول بحكم مناصبهم ومسؤولياتهم.

في حين يذهب كاتب اخر الى ان (المنطق القائل بـ (قهر الشر) لا يمكن أن يتم إلا بأساليب الشر ذاتها.. وأن أى ممارسة هى (فعل) مسموح ومباح طالما يقود إلى تحقيق الغايات والاهداف.. ويضيف في معرض نقده لهذا التوجه: (هو منطق ضد الانسان وضد الحياة ذاتها بحاضرها ومستقبلها).

في اقل من اسبوع يخرج علينا وزير الخارجية السعودية (وهوعلى راس هذا المنصب منذ العام 1975 ) بتصريحين فيهما الكثير من النفاق والازدواجية واللااخلاقية، التي درجت عليها المملكة في التنديد والتاييد لكل القضايا السياسية من منطلق القرب او البعد من موقعها ومكانتها كدولة كبيرة ومحورية وذات علاقات استراتيجية مع امريكا.

التصريح الاول للوزير السعودي، الذي لم تنجب المملكة غيره ليقود سياستها الخارجية، وقال في تصريحه  في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري (إن المملكة تعتبر أن تدخل إيران وجماعة حزب الله اللبنانية في الصراع الدائر في سوريا خطير، مضيفاً (لا يمكن اعتبار سوريا الآن إلا أرضاً محتلة).

التصريح الثاني جاء في الكلمة التي ألقاها أمام أعمال الدورة الـ23 للمجلس الوزاري المشترك بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي، الذي عقد في المنامة، يوم الثلاثين من حزيران الماضي.. وقال فيه من ضمن الكثير الذي قاله: (ومن أبرز الحقائق التي استجدت، أن المقاومة السورية لم تعد تقاتل نظاما فقد شرعيته، بل وأصبحت أيضا في حرب ضروس ضد محتل أجنبي للوطن، مما أكد على شرعيتها طبقا لميثاق الأمم المتحدة الذي كفل لها الحق المشروع في الدفاع عن النفس وطرد المحتل الأجنبي).

لست في وارد التقليل من فداحة ما يجري في سوريا، ولست في وارد تبرير سياسات ايران او حزب الله اللبناني في تدخلهما في الازمة السورية، حديثي سيكون عبر مقارنة بين المواقف والتعبير عنها من خلال التظاهرات التي حدثت في البحرين وتدخل قوات درع الجزيرة بقيادة السعودية دفاعا عن نظام الحكم في تلك الجزيرة ذات الغالبية الشيعية.

وقد وصفت المعارضة البحرينية وقتها دخول أي مجند أو آلية عسكرية بأنه احتلال وتآمر على الشعب البحريني الأعزل، و أن ما يحدث في البحرين شأن داخلي ينطوي على مطالب سلمية، واعتبرت أن دخول القوات الخليجية لمواجهة الشعب البحريني يشكل خطرا حقيقيا يهدد بشن حرب من قبل جيش مسلح ضد المواطنين البحرينيين دون إعلان حالة الحرب‏.

ماهو الاختلاف بين ثورة واخرى في دول (الربيع العربي) وهي التسمية التي يرفضها عمرو موسى ويرفض تسمية الحراك ايضا ويميل الى اطلاق مسمى (الحركة) على ماجرى في تلك البلدان، وهو يراها حركات ثورية استطاعت التغيير فعلا.

ماهو الاختلاف بين ماحدث في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن وماحدث في البحرين؟

في تونس وليبيا لاتوجد مسألة مذهبية، اي شيعة وسنة، في الاولى توجد مسالة عشائرية وقبلية، وفي الثانية اخف من ذلك ان لم تكن معدومة، في مصر توجد مسأله دينية بين المسلمين والاقباط، المسلمون السنة هم اكثرية سكان مصر، سوريا فيها مسألة مذهبية وعرقية، علويون ومسيحيون واكراد، الاغلبية هم السنة،  اليمن فيها عشائرية وقبلية صارخة، مع وجود للشيعة الحوثيين في الجنوب، البحرين فيها مسألة مذهبية، شيعة وسنة، مع غالبية سكانية شيعية واقلية سنية حاكمة.

الاختلاف في النظر الى ماحدث في تلك البلدان ينطلق من الزاوية المذهبية في النظر الى سكان تلك البلدان وايها اقرب حسب الاعتقاد الايديولوجي للانظمة العربية الحاكمة الى انتمائها الوطني او ارتهانها المذهبي.

وهي نظرة لاتفارق تلك الانظمة حتى في تعاطيها مع الشان العراقي منذ العام 2003 وحتى الان، وراينا التاييد الكبير اعلاميا وسياسيا للتظاهرات في المناطق السنية، طالما هي تتوجه ضد حكومة شيعية ليس لها من الحكم الفعلي الا الاسم فقط عبر رئاسة الوزراء.

في انتفاضة الشعب البحريني ضد التمييز والاقصاء والتهميش، دافعت الدول العربية عن الحكم، في نفس الوقت الذي انشغلت فيه بالدفاع عن المحكومين في تلك البلدان الاخرى.

وهو دفاع جندت له ماكنتها الاعلامية الضخمة، صحف وفضائيات، وهي في غالبيتها مملوكة للمال الخليجي، وبنسب متفاوتة في الحجم والتاثير، الا انها استطاعت ان تحجب الحقيقة التي تشبه حقيقة مايجري في البلدان الاخرى، وروجت لحقائق مكذوبة، هي اقرب الى البروباغندا الاعلامية، ويصبح مايحدث في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن اعمال ثورة وجهاد، ضد الاستبداد والطغيان والفساد وتوريث الحكم وغيرها من الشعارات التي رفعت في تلك الفترة، ومايحدث في البحرين اجندات خارجية ترتبط بايران وبما يخطط له من هلال شيعي، وتشييع للمنطقة، واحلام توسع للمشروع الصفوي الايراني، وغيرها من شعارات عملت على شيطنة القائمين على ثورة البحرين، لغرض عزلها عن محيط الثورات العربية.

في السؤال السياسي، لماذا يكون من حق السعودية ان تتدخل عسكريا للدفاع عن الحكم البحريني ولا يحق لايران ان تتدخل للدفاع عن الحكم السوري؟

في السؤال الاخلاقي، هل يحق لاي دولة ان تتدخل في شؤون الدول الاخرى، وتدعم طرفا ضد اخر، حتى لو وصل الدعم الى الاقتتال المفتوح بين الطرفين في تلك الدولة؟

هنا يبرز التعارض الشديد بين الحمولات التي تستولدها الاجوبة.. فالسياسي ينظر الى الغايات والمصالح بغض النظر عن الثمن الاخلاقي الذي يمكن ان يترتب على ذلك التدخل، وهي غايات ومصالح ليست لها علاقة بالدين او المذهب او العشيرة، وهي مصالح وغايات عليا لها علاقة بالامن الوطني والقومي للدول صاحبة تلك المصالح في تدخلاتها التي تفرضها جملة من الاشتراطات الاستراتيجية، كالموقع والنفوذ والثروات وغيرها.

الاخلاقي ينظر الى المحافظة على كيان الافراد والجماعات من خلال الوقوف عبر مساحة واحدة في تلك الدول بعيدا عن اي مكاسب او خسائر سياسية تترتب على تلك المسافة التي يقف عليها، وليس على اساس ماذهب اليه احد الكتاب الذين استشهدنا بكلمات له حين يقول:ان (المنطق القائل بـ (قهر الشر) لا يمكن أن يتم إلا بأساليب الشر ذاتها.. وأن أى ممارسة هى (فعل) مسموح ومباح طالما يقود إلى تحقيق الغايات والاهداف.. ويضيف في معرض نقده لهذا التوجه: (هو منطق ضد الانسان وضد الحياة ذاتها بحاضرها ومستقبلها).

يتبجح العرب دائما باخلاقياتهم العالية امام الغرب، وينتقدون الغرب كثيرا على سياسات الكيل بمكيالين في التعاطي مع القضايا العربية وخاصة المرتبطة باسرائيل، ويتناسى العرب، قادة وشعوب، اننا نكيل بعشرة موازين وربما اكثر تبعا لمصالحنا وطوائفنا ومذاهبنا ومناصبنا، ولهذا نجد ان الغرب لايحترم العرب ولايقيم لهم وزنا رغم نفطهم واموالهم وعدد سكانهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/تموز/2013 - 23/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م