كنوز وآثار... تعيد للحضارات قديمة ألقها

 

شبكة النبأ: يواصل علماء الآثار في مختلف دول العالم البحث والتنقيب في العديد من المواقع الأثرية المهمة، في سبيل استكشاف كنوز وآثار تاريخيه جديدة تساعدهم في الحصول على معلومات إضافية عن مختلف الحضارة الإنسانية والمجتمعات القديمة. وعلم الآثار كما يقول بعض المتخصصين لا يقتصر على عمليات البحث والتنقيب بل يمتد إلى مجال النشر العلمي للمكتشفات الأثرية والدراسات المتخصصة التي تميط اللثام عن ماضي مجهول وتقدم معلومات جديدة من المادة القديمة، وعلم الآثار يعتمد على غيره من العلوم، والعلوم الاجتماعية، مثل الكيمياء والجيولوجيا وعلم الحيوان وغيرها من حيث جمع البيانات.

ويدرس علماء الآثار أي دليل يمكن أن يساعدهم على فهم حياة الناس الذين عاشوا في الأزمنة القديمة منذ فجر الإنسان الأول وإلى فترتنا التي نعيش(العالم المعاصر). وتتراوح الأدلة الأثرية بين بقايا مدينة كبيرة، وبعض قطع الحجارة، التي تدل على صناع الأدوات الحجرية منذ أزمان بعيدة. وفي ما يخص أخر الاستكشافات فقد عثر علماء الآثار في بيرو على مقبرة ملكية تحوي كنوزا أثرية ومومياوات لسيدات يعود تاريخها إلى ما قبل 1200 عام.

ومن الممكن أن تسلط هذه المقبرة الي عثر عليها شمالي العاصمة ليما الضوءَ من جديد على إمبراطورية الواري التي كانت تحكم منطقة جبال الأنديز قبل ظهور حضارة الإنكا. ووجد داخل تلك المقبرة ما يربو على 60 هيكلا عظميا، بما فيها جثث لثلاث ملكات من شعب الواري، جرى دفنهن إلى جانب الحليّ من الذهب والفضة وألواح الخزف المطلي ببراعة.

وكان عدد من تلك الجثث مدفونا في وضعية الجلوس، وهو ما يشير إلى كونهن تابعات للعائلة المالكة، فيما يقول خبراء الآثار إن المقبرة وجدت في منطقة قلعة "إل كاستيّو دي هوارمي"، والتي تقع على بعد 280 كيلومترا تقريبا شمالي ليما. وقال ميلوز غييرز، المدير المساعد في المشروع "لأول مرة في تاريخ بيرو الأثري نجد مقبرة ملكية ترتبط بثقافة شعب الواري". وأضاف "تضمنت محتوبات تلك الغرفة الملكية 63 جثة أغلبها من السيدات، وكانت ملفوفة بأربطة جنائزية ومدفونة في الوضعية الجلوس التي تعد وضعية تقليدية لدى شعب الواري".

أما خبير الأدلة الجنائية الأثرية، فييسواف فييتسكوفسكي فيقول إن وضعية بعض الجثث الأخرى كانت تشير إلى أنها كانت قربانا بشريا. وأضاف فييتسكوفسكي "وجدنا داخل تلك المقبرة ست جثث ليست موضوعة داخل أكفانها، كما أنها كانت موضوعة في أوضاع غريبة جدا فوق الجثث الأخرى، لذا فإننا نعتقد أنها كانت مجرد قرابين." وتابع قائلا: "تقودنا الحقيقة بأن أغلب الهياكل العظمية في تلك المقبرة هي لسيدات، إضافة إلى تلك المقتنيات الثمينة إلى تفسير أن تلك المقبرة تعود إلى طبقة النخبة المالكة، وهو ما يغير أيضا وجهة نظرنا حول وضع النساء في ثقافة شعب الواري."

وأمضى علماء الآثار شهورا يعملون بسرية على الحفر داخل غرف الدفن تلك، وسط مخاوف من أن يكشف اللصوص أمرَ تلك المقبرة ويقوموا بنهبها. ويذكر أن حضارة شعب الواري شهدت ازدهارا ما بين القرنين السابع والعاشر الميلاديين، حيث قامت بغزو كل ما يعرف الآن ببيرو، وذلك قبل أن يصيبها تدهور مفاجئ غريب.

في السياق ذاته اكتشف علماء الآثار مدينة عتيقة تنتمي لحضارة المايا ظلت مختفية قروناً من الزمن في منطقة الغابات المطيرة شرق المكسيك، وهو الاكتشاف الذي يضم محميات طبيعية نائية يأملون أن تطرح أدلة تفسر كيفية اندثار هذه الحضارة قبل ألف عام. وعثر الفريق العلمي بقيادة ايفان سبرايتش، الاستاذ المشارك بالاكاديمية السلوفينية للعلوم والفنون، على 15 هرماً يصل ارتفاع أحدها الى 23 متراً وملاعب للكرة وميادين رحبة ومنحونات حجرية. وأطلق العلماء على المدينة المكتشفة اسم "تشاكتون" اي الصخور الحمراء، وقال سبرايتش "إن المدينة ربما كانت اقل من حيث الكثافة السكانية عن مدينة تيكال المنتمية لحضارة المايا في جواتيمالا"، وانها كانت تستوعب نحو ثلاثة آلاف شخص. بحسب رويترز.

واضاف سبرايتش ان مساحة المدينة تصل الى 54 فداناً، وتقع على مسافة 120 كيلومتراً غربي مدينة تشيتومال بالمكسيك، وقال "ان المدينة تغطيها الاحراش". وكان شعب المايا يتميز بفن العمارة والفنون التشكيلية والخزف والنحت، وحقق تقدماً كبيرًا في علم الفلك والرياضيات وطور تقويمًا سنويًا. وبلغت حضارة المايا أقصى مراحل تطورها الكبرى في منتصف القرن الثالث الميلادي، واستمرات حوالي 600 عام واكثر.

على صعيد متصل قالت جامعة بولونيا الإيطالية إنها عثرت على أقدم مخطوطة كاملة للتوراة. ويقول أستاذ في الجامعة إن المخطوطة كانت في مكتبة الجامعة ولكنها كانت مصنفة بطريقة خاطئة. وكان في السابق يعتقد أن عمر المخطوطة لا يزيد على عدة مئات من السنين. ولكن بعد إجراء اختبارات لقياس مدى تحلل الكربون في انسجتها لتحديد عمرها، اتضح أن المخطوطة قد تكون كتبت منذ أكثر من 850 عاما.

ويقول ماورو بيراني أستاذ العبرية في الجامعة إن المخطوطة تمثل أقدم نص كامل للتوراة، وتعتبر اثرا ذا قيمة غير عادية. وتقول الجامعة إنه في عام 1889 فحص أحد العاملين في المكتبة المخطوطة وارجع تاريخها إلى القرن السابع عشر. ولكن عندما فحصها بيراني، ادرك انها تتسق مع التراث البابلي الشرقي، مما يعني أنها قديمة للغاية. وقالت الجامعة إن أحد الأسباب التي تشير إلى قدم عمر المخطوطة هو أنها تضمنت نصوصا غير موجودة في نسخ لاحقة من التوارة.

من جانب اخر تم اكتشاف 20 مقبرة أثرية في إقليم تشونغتشينغ بجنوب غرب الصين، تعود إلى عصر مملكة هان التي بدأت عام 202 قبل الميلاد واستمرت حتى العام 220 ميلادي. ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن معهد علماء الآثار الثقافي، أن المقابر الـ20 التي تعود إلى مملكة هان، اكتشفت في مدفن على ضفاف نهر يانغتسي في مقاطعة فانغدو.

وأشار المعهد إلى أن علماء الآثار عثروا على أكثر من 430 أداة من صنع الإنسان في المقابر، بينها أدوات من الفخار، والحديد، والبرونز. وأضاف أن المقابر والأدوات ستساعد علماء الآثار في تكوين فكرة أوضح عن عادات الدفن المحلية، إضافة إلى الظروف الإجتماعية والإقتصادية في عصر مملكة هان. يشار إلى أن مملكة هان، حكمتها أسرة هان، ثاني أسرة إمبراطورية في الصين، من 202 قبل الميلاد، إلى أن تفككت عام 220 بعد الميلاد.

مصر استكشافات جديدة

في السياق ذاته قالت وزارة الدولة لشؤون الآثار بمصر إن بعثة محلية اكتشفت شمالي القاهرة في معسكر للهكسوس الذين غزوا البلاد قبل أكثر من 37 قرنا تحصينات ضخمة من الطوب اللبن يبلغ ارتفاعها نحو أربعة أمتار إضافة إلى قطع أثرية داخل بقايا مدينة سكنية في الموقع نفسه. وقال رئيس قطاع الآثار المصرية بالوزارة عادل حسين وهو رئيس البعثة في بيان إن حصن الهكسوس "المعروف بالمعسكر الكبير" يقع في منطقة تل اليهودية بمحافظة القليوبية وإن التحصينات المكتشفة بنيت "داخل الجسر الرملي المكون لحصن الهكسوس". وأضاف أن بقايا المدينة السكنية تضم قطعا أثرية تمتد من عصر الدولة الوسطى (نحو 2050-1786 قبل الميلاد) حتى العصر اليوناني-الروماني (332 قبل الميلاد-641 ميلادية).

وتعرضت البلاد لغزو الهكسوس القادمين من الشرق بين عامي 1786 و1567 قبل الميلاد إلى أن تمكن أحمس مؤسس الأسرة الثامنة عشرة من طردهم بعد تأسيس جيش وطني وبناء أسس الدولة التي يطلق عليها أثريون ومؤرخون عصر الإمبراطورية المصرية (نحو 1567-1200 قبل الميلاد). وقال البيان إن من القطع المكتشفة داخل المدينة السكنية مجموعة من المسارج وبلاطات فخارية استخدمت في تزيين قصري كل من الملك مرنبتاح والملك رمسيس الثالث واللذين بنيا في موقع تل اليهودية. واضاف أن البعثة اكتشفت أيضا مجموعة من الجعارين والآنية الفخارية المصممة على طراز تل اليهودية المميز لعصر الهكسوس.

على صعيد متصل قال وزير الدولة لشؤون الآثار بمصر إن بعثة أثرية نمساوية اكتشفت في جنوب مصر هيكلا عظميا لأحد الجنود الشباب في موقع يعود لنهاية العصر الروماني كما اكتشفت في الموقع نفسه وحدة سكنية عثر بداخلها على قطعة نقود ترجع إلى عصر الإمبراطور هرقل الذي حكم بين عامي 610 و641 ميلادية. ونسب البيان إلى أريني فورستنر موللر رئيسة بعثة المعهد النمساوي أنهم اكتشفوا أيضا مطبخا داخل الوحدة السكنية وعثر في داخله على أعداد كبيرة من الأواني الفخارية المكسورة وبقايا النباتات التي حفظت متضمنة كميات كبيرة من ثمار الزيتون بداخلها.

وقال أحمد عيسى وزير الدولة لشؤون الآثار بمصر إن الكشف يقع جنوبي مدينة أسوان الواقعة على بعد نحو 1200 كيلومتر جنوبي القاهرة في منطقة حصن الباب الواقعة "على الحدود المصرية النوبية القديمة" التي كانت "مسرحا للصراعات التي وقعت بين البلدين" حيث تولى ملوك نوبيون حكم مصر في الأسرة الخامسة والعشرين (نحو 747-656 قبل الميلاد).

وأضاف أن الهيكل المكتشف في حالة جيدة من الحفظ وأن الدراسة المبدئية للعظام تظهر أنه لشاب اشتغل بالخدمة العسكرية لفترة طويلة وتوفي في سن تترواح بين 25 و35 عاما وربما كان صاحبه من "الجنود المصريين كما يحتمل أن يكون من أصول نوبية." وتابع أن هذا الكشف يثبت "وجود صراعات قديمة بين الحين والآخر على الحدود النوبية." بحسب رويترز.

وقال عادل حسين رئيس قطاع الآثار المصرية بالوزارة إن صاحب الهيكل توفي "بطعنه بسلاح أبيض حاد سدد أعلى الفخذ مما أدى إلى قطع الشريان ثم غطي الجسد بعدها برديم الحصن فور وقوع الوفاة مباشرة". وأضاف أن البعثة لم تتمكن حتى الآن من تحديد متى نشبت المعركة التي قتل فيها صاحب الهيكل العظمي في هذا الموقع تحديدا وأن هذا يحتاج إلى دراسات واكتشافات "ولكن الدلائل الأولية تشير إلى أنه وقع بعد وقت قصير من الغزو العربي لمصر" عام 641 ميلادية.

الى جانب ذلك قالت وزارة الدولة لشؤون الآثار بمصر إنها انتهت من تمويل إنشاء مركز للشرطة في منطقة القاهرة الفاطمية الغنية بالآثار الإسلامية ليكون بديلا لقسم شرطة الجمالية في المنطقة نفسها والمسجل كأثر إسلامي. وشهدت السنوات الأخيرة مشاريع لتطوير منطقة القاهرة الفاطمية.. ففي عام 2009 افتتح شارع المعز لدين الله 2009 كمتحف مفتوح بعد ترميم آثاره ومنها مساجد وقباب وأسبلة وبوابات بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).

وقالت الوزارة إنها ستبدأ مشروعا يتكلف 56 مليون جنيه مصري (نحو ثمانية ملايين دولار) لتحويل منطقة الجمالية إلى متحف مفتوح وسيعتمد المشروع على تمويل مصري إضافة إلى منحة قدرها 350 ألف دينار كويتي (1.2 مليون دولار) مقدمة من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية. وقال أحمد عيسى وزير الدولة لشؤون الآثار في بيان إن مبنى مركز الشرطة الجديد "تم إنشاؤه على نفقة وزارة الآثار بمنطقة الدراسة ليكون بديلا لقسم الجمالية المسجل في عداد الآثار الإسلامية والقبطية" حتى يتم استغلال المنطقة المحيطة بمبنى المركز القديم سياحيا.

ولم يحدد البيان موعد تسلم وزارة الآثار للمبنى القديم ولكنه قال إن هناك تنسيقا مع وزارة الداخلية لإنهاء إجراءات التسلم. وقال البيان إن 33 أثرا بالمنطقة تم تطويرها وإن العمل سيبدأ قريبا في المرحلة الثانية من مشروع تطوير السور الشمالي للقاهرة وإن مباحثات تجري مع أذربيجان للإسهام في المشروع.

إحدى أقدم الحضارات

في السياق ذاته قال علماء الآثار إن موقع سار الذي أصبح مدينة حديثة نشطة تزخر بوجود المطاعم والمتاجر كشفت فيها الحفائر الأثرية عن إحدى أقدم الحضارات التجارية. وقد خضع الموقع الأثري في البحرين، الذي يعتقد أنه موقع يضم حضارة الدلمون الغامضة، لمناقشات خلال مؤتمر عقد في العاصمة المنامة برعاية منظمة التربية والعلوم والثقافة (يونسكو) التابعة للأمم المتحدة.

وخصص المؤتمر لطرح مناقشات واسعة النطاق تتعلق بسياحة التراث، والبحرين هي المقر الاقليمي لمنظمة (يونيسكو) وأحد أبرز معالم الجذب لها وفرة المواقع القديمة بها. وفي سار،التي سميت باسم أقرب قرية حديثة وتتميز بشمسها الحارقة، شرح أحد علماء الآثار البحرينيين باستفاضة لمجموعة من العاملين كيفية إقامة جدار منخفض في حالة اشبه بالانهيار. ويمثل هذا الترميم الدقيق لموقع أثري نقطة تحول على طريق الاختصاصيين البحرينيين إذ يحوي مخزونا كبيرا من الآثار التاريخية في البلاد.

وقال سلمان المهاري، عالم الآثار بحريني، إن موقع سار ينقسم الى قسمين: منطقة سكنية، وهي منطقة تقع على مساحة صغيرة، ومقابر، يدفن فيها السكان موتاهم. واضاف "هذا الموقع يتيح الكثير من المعلومات بشأن الحياة اليومية، كما يمكننا من مقارنة النتائج هنا بالقطع التي كشف عنها في مواقع أخرى في البلد. وهي دليل على أن هذه المدينة ومقابرها تعود إلى فترة حضارة ديلمون المبكرة."

وحضارة ديلمون، التي تعد واحدة من أهم الحضارات القديمة في المنطقة ويقال إنها تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، كانت مركزا لطريق التجارة بين حضارة الميسوبوتاميا، وهي من أقدم حضارات العالم، وحضارة وادي السند في جنوب اسيا. كما يعتقد أن حضارة ديلمون كانت تربطها روابط تجارية مع المواقع القديمة مع حضارات إيلام في عمان وإبلا في سوريا والحيثيين في تركيا.

ويؤكد سلمان المهاري إن فريق العمل حاليا يسعى إلى الحفاظ على ما عثر عليه لضمان الاستفادة من المكتشفات التاريخية. واضاف "على مدار 4000 عام كان هذا الموقع مدفونا تحت الارض وهو ما ساعد في حفظها، وقد كشف عنه حاليا بعد الحفائر، ونحن لا نعتزم الآن اجراء المزيد من الحفائر، نريد أن نحمي الموقع وتفسير ما كشفنا عنه للزائرين." وموقع سار أبعد من أن يصنف ضمن أهم مواقع الاطلال الاثرية خلال حقبة ديلمون. فعلى الطرف الشمالي للبلاد جرت اكتشافات أثرية لسبع مراحل متعاقبة لقرى في منطقة قلعة البحرين. وتحت هذه القلعة الأقدم الكبيرة جرى الكشف عن ثلاث مدن متتالية للديلمون فضلا عن اكشاف مدينة رومانية يعود تاريخها إلى عام 200 قبل الميلاد.

والموقع رائع، وتضم الجدران الخارجية منطقة تبلغ مساحتها مئات الامتار المربعة، حيث يقبع في منتصفها أحجار كبيرة انحنائية الشكل تمثل المدخل فضلا عن وجود جدران لغرفة تحتوي على مذبح كانت تضم يوما ما أعمدة مكسوة بالنحاس. وإلى جانب البناية الأخرى يشير العثور على عظام سوداء لحيوانات وأرض متفحمة إلى أنها كانت غرفة تستخدم لتقديم القرابين للآلهة.

وعلى الجانب الآخر من المذبح، الذي يتوسط الموقع، تفضي مجموعة من درجات سلم منحني إلى أسفل إلى حوض عميق حجري البناء على نحو محكم فوق أحد ينابيع المياه المتعددة تحت الأرض حيث كان من المعتقد أن الاله إنكي، أحد الآلهة السومارية الرئيسية الثلاثة وهو اله الحكمة الذي كان يسكن في المياه، كان يعيش في هذا المكان.

وكانت المياه الحلوة الوفيرة المتدفقة من الينابيع، التي مازالت تمد البلاد بالكثير من مياه الشرب، من الاشياء المهمة لحضارة ديلمون. وكانت الجزيرة واحة خصبة في العصور القديمة في منطقة مقفرة، وكان هذا منشأ الاسطورة التوراتية بأن البحرين ربما هي موقع جنات عدن. يقول عبد الله حسن يحيى، حارس قلعة البحرين، إن الطبيعة الخصبة للجزيرة شجعت على ما هو أكثر من الزراعة وإن كانت ديلمون اشتهرت بانتاج الخضراوات، فهناك أدلة دامغة على ممارسات شعائر دينية واعتناق معتقدات يمكن مقارنتها بتلك التي وجدت في مجتمعات أخرى متقدمة في هذا العصر.

واضاف "كان للنظام العقائدي هنا الكثير من أوجه الشبه مقارنة بتلك التي عرفتها حضارة الميسوبوتاميا وحضارة مصر القديمة. حيث برز الايمان بالعالم الآخر وهو ما يتضح من خلال دفن الموتى إلى جانب متعلقاتهم مثل الأدوات والغذاء وآنية الشرب والذهب، كما عثرنا ايضا على أسلحة." وقال يحيى إن تجار ديلمون قد احتكروا تجارة النحاس والسلع الثمينة التي كان يجري شحنها من مناجم عمان الى مدن حضارة الميسوبوتاميا. لكنه يدحض نظرية تقول إن البحرين ربما استخدمها السكان القدامى في حقبة ما قبل التاريخ للبر الرئيسي العربي كمدافن.

وتضم الجزيرة نحو 170 ألف مدفن على مساحة تصل الى 30 كيلومترا مربعا أو ما يمثل 5 في المئة من مساحة الجزيرة الرئيسية. ويعود تاريخ معظم المقابر إلى القرن الثاني والثالث قبل الميلاد، غير أن بعضها وهو الأحدث يعود تاريخه إلى ألفي عام. وقد عثر على أقدم مدفن وأكبرها، وهي "مقبرة ملكية"، وهي بارتفاع 15 مترا و قطر 45 مترا، ويوافق عالم الآثار سلمان المهاري على ذلك ويقول "كان هناك عدد من المراكز السكانية الكبيرة في الجزيرة. ونقدر وجود أعداد كبيرة من الموتى سواء البالغين أو الاطفال قد دفنوا هنا."

وهذا الجدل هو نفسه ما يدعمه خليفة أحمد آل خليفة، مساعد مدير البرامح لدى المركز الاقليمي العربي للتراث العالمي، اذ يفسر سبب ملائمة طرح "القطع غير التقليدية" للعرض للجمهور في الوقت الحالي. واضاف "هناك الكثير من الاعمال الاكاديمية الجارية خلال العقود الماضية. وتنطوي الفكرة على تبسيط وتفسير كافة المعلومات الاكاديمية حتى يتمكن المحليون والزائرون الدوليون من الوقوف على أهمية تراثنا." بحسب بي بي سي.

ويتابع خليفة قائلا ان منطقة سار على سبيل المثال "تضم منازل ومطاعم ومراكز تجارية ومقابر ومكان للعبادة. كل ذلك في مدينة حديثة." وقال "أحد الخصائص المميزة لمنطقة سار هو وجوج تجمعات للدفن على شكل خلايا النحل، وهي من الأشياء التي تستهوي اعجاب الكثير من الناس. وعلى الرغم من كون البحث الاكاديمي يواصل استكشاف ديلمون التي تعود الى قبل 4000 عام، وابراز ما يميزها من تجارة ونظام غذائي واعمال فخار وصناعات اخرى فضلا عن عادات الدفن المحلية، فهناك تركيز على ابراز أي شئ يهم المواطن في الشارع.

ترميم مدينة بابل

من جانب أخر تحاول منظمة غير حكومية اميركية ترميم بابل التي كانت حدائقها المعلقة واحدة من عجائب الدنيا السبع، بعدما تضررت بالحرب وقبلها بعمليات البناء التي قام بها صدام حسين لتستعيد مكانتها في تراث البشرية. وبالمطرقة والمنشار والازميل، ينهمك عمال عراقيون عند بوابة عشتار في ازالة وتفتيت البلاط الخرساني في اطار عملية ترميم هذه البوابة التي تبدو صعبة.

وتغطي الواح الاسمنت التي صبت في عهد صدام حسين (1979-2003) المسافة بين جدارين شاهقين مزينين بمواكب الثيران والتنين. وهذا التدخل اضر بالصرح الذي شيد منذ 2500 عام "وسرع من تدهور الموقع"، على حد قول جيف الن المدير الميداني للمشروع. واضاف "نحاول وقف او على الاقل ابطاء الآليات التي تجعل البوابة تضعف". وبابل واحدة من اكثر المدن التاريخية الاثرية شهرة في العالم. وقد تعرضت على مدى التاريخ لاضرار واذى.

ومشروع "مستقبل بابل" جهد مشترك بين المنظمة غير الحكومية الاميركية الصندوق العالمي للاثار التي تعمل على حفظ المواقع التراث والثقافية الرئيسية، والهيئة الوطنية للاثار العراقية. والهدف الاساسي من المشروع كان استكمال خطة لادارة المواقع في بابل لكنها توسعت لتشمل الترميم واعادة صيانة اجزاء مختلفة من الموقع ايضا. وقال جيف الن "في 1980 كان هناك تدخل كبير في البناء الحديث اضيف على واجهات بوابة عشتار وتغييرات في التضاريس الخلفية اضافة الى تسطيح قاعدة البوابة بخرسانة".

واضاف ان "كل هذه الاشياء تساهم الى حد كبير في زيادة حجم الاضرار في الموقع واضمحلاله وما نقوم به في بوابة عشتار هو محاولة ايقاف او على الاقل الابطاء في انهيار البوابة". ويعد ازالة الخرسانة من الجدران امرا جوهريا للحفاظ على بوابة عشتار في بابل التي كانت قاعدة لبوابة اخرى تحمل الاسم نفسه وتعرض في برلين. والى جانب مشاكل الترميم الحديث الذي يغطي الجدران الاصلية لبوابة عشتار فان المياه الجوفية تحت البناء تشكل خطرا اخر يهدد بتاكل اسسه.

وقال المصدر نفسه ان ازالة الاسمنت "ستسمح للارض بالتنفس وبتبخر الماء، لانه في الوقت الحاضر المياه لا يمكنها الخروج والطريق الحالي الوحيد لها هو التسرب الى الجدران". الى ذلك، صبت طبقة من الاسمنت على عجل فوق البوابة وتحولت الى مجرى لمياه الامطار على الجدران. وتغطي اجزاء من البوابة كميات من الاجر الحديث التي سيتعين ازالتها واستبدالها باخريات تحمل مواصفات تاريخية بصورة دقيقة.

كما انتزع سكان القرى المجاورة في الماضي الكثير من الاجر الاصلي من مدينة بابل الاثرية واستخدموه في بناء منازلهم الفقيرة. وشيد جدار من طوب حديث نوعيته رديئة ليرمز لبناء قديم يمتد على ما تبقى من طريق سلكه الاسكندر الاكبر. وقال الن "انه عمل فظيع لانه شيد على اطلال البناء الاصلي". وشيد كذلك عدد من الابنية ذات طراز حديث على اطلال المواقع الاثرية.

وبدأ البناء في بابل عام 1970 ، لكنه تسارع في زمن حكم صدام حسين، بحسب الن. ويقول الن بهذا الصدد ان "صدام حسين اعطى اوامر لجعل بابل باحلى حلة امام زوارها المشاركين في المهرجان الذي كان يقام سنويا فيها". واضاف ان "ذلك يعد كارثة لسلامة الموقع وكارثة لاعمال الصيانة". وقد شيد صدام كذلك عددا من التلال والبحيرات الصناعية في الموقع الاثري. وشيد قصر على سفح احدى التلال الصناعية التي اقيمت، يحمل توقيعه وصوره ويتعرض حاليا للتشويه من الداخل بواسطة الكتابة على جدرانه.

وشبه الدكتاتور السابق نفسه بنبوخذ نصر الثاني الذي وسع سلطة بابل واعاد بناء المدينة، لكن انتهى به المطاف مثل داريوس الثالث الذي اشرف على سلسلة من الكوارث العسكرية وهرب، او على الارجح قتل على يد رجال من مواطنيه. لكن الاساءة الى موقع بابل القديمة لم تقتصر على عصر حكم صدام حسين. فقد انشا البريطانيون خلال فترة استعمارهم للعراق خطا للسكك الحديد يمر عبر الموقع حسبما يقول الن، فيما انجزت الحكومة العراقية لاحقا ثلاثة انابيب لنقل النفط عبر المدينة القديمة.

الى ذلك، شيد موقف للسيارات من الاسفلت داخل المدينة التي استخدمتها القوات الاميركية و البولندية ايضا قاعدة عسكرية بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 واطاح بصدام حسين. وقد سبب ذلك مزيدا من الاضرار. ويقول الن "لقد اسيء لهذا الموقع لعقود عقود من الزمن، ويجب ان يتوقف ذلك". ويوضح الن ان "المشكلة الان لا تكمن بصدام او الاحتلال العسكري الذي كان هنا، بل في الناس الذين بنوا منازل حول الموقع" مشيرا الى انه "لا احد يفعل شيئا لان الحكومة لا يمكنها ان تتعاون داخل نفسها لفرض القانون السارية".

ويشاهد عدد كبير من المنازل التي شيدت من الاجر والاسمنت من الموقع القديم في مدينة بابل، بينما هناك قرية اسمها سنجار يقيم بها الف نسمة داخل حدود الموقع وقرب بوابة عشتار. ويعد بناء منازل حديثة في على ارض بابل مشكلة اذ ان نظام المياه الثقيلة لهذه المنازل يعرض الموقع للخطر وقد يسبب تسرب المياه الى الارض اضرارا كبيرة لبقايا المدينة. بحسب فرانس برس.

وسعى العراق دون جدوى لادراج مدينة بابل من قبل منظمة اليونيسكو على قائمة التراث العالمي، لكنه يخطط للمحاولة مرة اخرى. ويقول حسين العماري ارفع مسؤول في هيئة الاثار في محافظة بابل "عملنا اليوم هو اعادة بابل واستكمال ملفات المدينة لادراجها ضمن قائمة التراث العالمي، ولكن هذا يتطلب مبالغ كبيرة من المال". ويبدو ان الحكومة العراقية لا تمول الاعمال الجارية في بابل بسخاء. ويقول الن "هناك نقص في تمويل المواقع التراثية". من جانبه، اعرب العماري عن امله ان "تكون بابل مصدرا رئيسيا للدخل العراق ومكانا لاستقبال السياح". لكن مع صعوبات لا تعد ولا تحصى يجب التغلب عليها في الموقع والمخاوف الامنية المستمرة في العراق تبقى هذه الاهداف بعيدة المنال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/تموز/2013 - 22/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م