المراحيض والمساواة والتفكير

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ينشغل العالم العربي بمشاكله وتوتراته التي تنتجها الاقسام العلوية من جسده، وخصوصا الدماغ والقلب، اي العقل والعاطفة، وهي مشاكل لاتجد لها حلولا في الافق، قريبه وبعيده، لغياب الكثير من المسلمات البديهية عن وعي العرب، من قبيل الحرية للاخرين او المساواة للجميع او احترام حقوق الاخر، الموجود في الوطن الواحد، وغيرها الكثير من المشاكل والظواهر.

ويعتقد العرب بان مشاكلهم جميعا سوف تحلها الديمقراطية، والتي هي في اعرافنا السياسية صندوق الانتخاب فقط، وهي اولوية في الفكر السياسي العربي، دون النظر الى اولوية اشد مضاءا واكثر اهمية وهي بناء الانسان العربي، الذي نخره الاستبداد والطغيان طيلة قرون طويلة.

مشاكل عالمنا العربي وتوتراته، لايمكن حلها الا عبر ثقافة مساواة كاملة في الحقوق والواجبات، وهي مرحلة اولى سابقة لاي تجربة عبر صناديق الانتخاب، التي زادت من ويلاتنا بدل التخفيف منها.

والمساواة ليست واحدة كما يفكر الاخرون فيها.. وهي لاتخطر على بالنا نحن المشغولون بالطائفية، وبتظاهرات المدن السنية، وتظاهرات تجرد وتمرد المصرية.

المساواة لدى الاخرين تنطلق من (المراحيض) عبر يوم عالمي، او جمعيات، او ابتكارات، وهي مساواة تطالب بها اعلى منظمة عالمية وهي منظمة الامم المتحدة، والتي تعتبر إن (النفاذ إلى المراحيض يعكس أكثر من أي عامل آخر الهوة القائمة بين الميسورين والمعسورين).

حيث تعتبر تلك المنظمة حق الاستفادة من المراحيض من الحقوق الإنسانية الأساسية التي يحرم منها الفقراء المهمشون في مجتمعاتهم.

وتصف المنظمة، محنة 1.1  مليار شخص أو ما يقدر بخمسة عشر بالمائة من سكان العالم لايتوفرون على (المراحيض) بانها (كارثة صامتة) تعكس الفقر المدقع وعدم المساواة الصارخة في العالم اليوم.

وليست هناك غرابة في العلاقة بين المساواة والمراحيض، في عالم اصبح شعار المساواة فيه يطغى على كل صراخ الديمقراطيات العربية..وهي نفس الفكرة تقريبا التي تحملها دلالة لفظة (المراحيض) في الادبيات اليسارية ايام انتشار وطغيان الفكر اليساري في العالم، حتى ان (الكسندر فاديف) رئيس اتحاد الكتاب السوفييت، بعد اطلاق سراح الكتاب المعتقلين في الحقبة الشيوعية، قبل ان ينتحر بسبب سخرية زملائه الكتاب منه،وجه رسالة الى اللجنة المركزية جاء فيها:(كنت أضن أني أحرس معبدا وإذا بي احرس مرحاضا في ثكنة عسكرية) في اشارة الى  المثاليات الاخلاقية السائدة التي كان الفكر اليساري يدعو اليها، مع الاحالة الى ان القبح حالة مرفوضة وغير مقبولة في المجتمعات الاشتراكية كما في المجتمعات الرأسمالية، وان كانت الأولى تدعو الى انصاف الطبقات المسحوقة.

ولاتقتصر العلاقة هنا بين المراحيض والمساواة بل تتعدى ذلك الى علاقة من نوع اخر، هي بين المراحيض والتفكير، من خلال تصميم جديد للمرحاض المنزلي قدمه البريطاني بيتر كودنغ

الذي اوضح ان استخدام مرحاضه الجديد على نطاق واسع سيؤدي الى انخفاض عدد الاصابات بسرطان القولون والبواسير والنوبات القلبية وسلس البول ، من بين أمراض أخرى.

وكان كودنغ أمضى أشهرا في تصميم المرحاض الجديد قبل ان يعرض في قاعة كلية الفنون الملكية باسم (المفكر). وهي تسمية تكاد تقترب من الحقيقة اذا علمنا تعدد وظائف المراحيض ودورها في حياة الانسان في المجتمعات الغربية، فعلى سبيل المثال لم تعد المراحيض في الولايات المتحدة تقتصر على قضاء الحاجة، إذ باتت تقدم أيضا نصائح لمستخدميها حول الصحة العامة وأضرار التدخين. وحمل هذا المرحاض تسمية  (ويزمارك) ، وهو مزود بأجهزة استشعار تعمل أوتوماتيكيا مع زيارة كل شخص، وتصدر في بعض الأحيان تعليقات مختلفة.

ويقول مخترع الفكرة إن الهدف هو جذب انتباه من يستعمل المرحاض من خلال بث رسالة صوتية لا تتعدى الخمس عشرة ثانية. وغالبا ما تكون الرسالة نوعا من الدعاية الاجتماعية أو التوعية عن موضوع معين.

وهو ينسجم ايضا مع مايقوله منتسبوا جمعية المراحيض الكورية الجنوبية في تعليقهم على منزل رئيس الجمعية والذي يشبه تصميمه تصميم المرحاض، حيث يمثل أهم مباديء الجمعية وهي نشر الوعي حول أهمية استخدام المرحاض في حياتنا وأنه ليس مجرد مكان للتخلص من الفضلات وإنما هو المكان الذي يمضي فيه الناس ساعات من الراحة والسعادة والاسترخاء.

كتب احد الاوربيين في مدونته في اليوم العالمي للمرحاض، ، بعد ان اخذ القاريء في جولة دولية للمراحيض التي زارها، من تايلند والمملكة المتحدة لغرب أفريقيا، وعمان، مستخلصاً: (نحن في الغرب بمراحيضنا القابلة للدفق، مع المحارم الورقية، والحمّام المجهز بالدوش المتلأليء نكون استثناء؛ بقية العالم تنظر للمرحاض بأنه ذلك المكان، الرطب، الكريه الرائحة، ذلك اذا كان لديهم مرحاض بكل الأحوال. المرحاض الجيد يعني أنك تمتلك مستوى حياة جيد، استمتع به. يوم مراحيض عالمي سعيد).

من طرائف العرب في المراحيض وعلاقتها بالتظاهرات، رصد عدد من المتابعين انتشار ظاهرة (المراحيض المتنقلة) التي شيّدها أنصار الرئيس محمد مرسى، المشاركون فى مليونية الدفاع عن الشرعية،(مراحيض) عمومية خلف مسجد رابعة العدوية، بمدينة نصر، داخل أحد الجراجات.

وقد بدأت ظاهرة (المراحيض المتنقلة)، فى مظاهرات الإسلاميين، مع اعتصام أنصار الشيخ حازم أبوإسماعيل، مؤسس حزب الراية، أمام مدينة الإنتاج الإعلامى، واستنسخها أعضاء الجماعة الإسلامية فى تظاهرة (الشرعية والشريعة) بميدان نهضة مصر بالجيزة، وجاءت الثالثة بميدان رابعة العدوية. وتم تشكيل لجنة تقف أمامها لتنظيم طوابير الراغبين فى قضاء حاجاتهم، وذلك لتسهيل (عملية الاعتصام على أنصار الرئيس مرسى، وتوفير مناخ جيد لهم ليواصلوا اعتصامهم طيلة الفترة المقبلة).

ولم تخلو عمليات دقائق الانتظار امام المراحيض (الاخزانية) من نشوب الاشتباكات بين المتظاهرين بسبب تزايد الأعداد بشكل كبير أمام تلك المراحيض، وتطورت فى بعض الأحيان إلى اشتباكات بالأيدى، انتهت بتدخل عدد من منظمى التظاهرة لفضها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/تموز/2013 - 22/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م