قطر الجديدة.. من دور في الحرب الى لاعب في السلام

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: اذا كانت المفاجأة كبيرة عند البعض في المنطقة، بتنحّي أمير قطر عن كرسي الحكم طواعية لابنه "تميم"، فان تأثير هذا القرار على الجماعات الارهابية – التكفيرية في البلاد الاسلامية بشكل عام، والمعارضة السورية بشكل خاص، سيكون كبيراً ايضاً. ربما كان في تصور "جبهة النصرة" في سوريا مثلاً؛ أنها ستحقق أهدافها في ساحة المواجهة مع القوات السورية، في ظل الدعم السخي لأمير قطر السابق، "حمد بن خليفة آل ثاني". الذي كان يفتخر أمام العالم أنه عرّاب التغيير العسكري في ليبيا، وكان أحد المساهمين بالمال والسلاح وسائر الامكانيات لتغيير النظام الحاكم في دمشق بالقوة.

وفي أول حديث متلفز للأمير الجديد، الى الشعب القطري وللعالم، وضع "الشيخ تميم" ذو الثلاثين عاماً، النقاط على الحروف في أول مبادئ حكمه، حيث ركز على محورين أساس في منهجه الساسي الجديد؛ الاول: يتعلق بالاقتصاد والثروة الهائلة لدى قطر، إذ ان الاحتياطي الضخم من الغاز جعل المواطن القطري يتمتع بأعلى دخل للفرد في العالم. كما جعل قطر من أغنى دول العالم. والمحور الثاني: يتعلق بعقيدة قطر السياسية – إن صحّ التعبير- حيث أعلن رفضه التام لتقسيم "المجتمعات العربية على اساس طائفي، لأن هذا الانقسام يسمح لقوى خارجية بالتدخل في شؤون الدول العربية الداخلية..". والمحورين يمثلان بالحقيقة سكتي التحرك القطري ودورها خارج الحدود. فقد كشف الامير القطري الجديد عن وجود لعاب يسيل عند هذا وذاك، من أمراء الحرب الطائفية ومعهم شيوخ الافتاء، في افغانستان وسوريا ولبنان، ومصر والعراق، حيث قال : ان الامكانات المالية الكبيرة لقطر "جعل البعض يفقد توازنه بالمديح والإطراء ، وهذا يثير حسد الحاسدين فيسيئون لقطر و أهلها..". وإذن؛ الامير الشاب، أوصل الرسالة الى من يهمه الأمر بانه وابتداءً من يوم تسلمه زمام السلطة في قطر، سيقطع الطريق على من يستغل ثروة بلده لإهدافه الخاصة.

ولعل هذا يكون من مخلفات السنوات الماضية، حيث وظّف والده "حمد"، الثروة الهائلة لقطر لتحقيق طموحات أكبر بكثير من حجم قطر سياسياً واستراتيجياً، وهو المساهمة في مخطط "الشرق الأوسط الجديد" الذي نظّر له في بداية التسعينات الرئيس الاسرائيلي المخضرم شمعون بيريز. ويبدو أن قطر البلد المناسب جداً لتنفيذ هذ المخطط، فهي تمثل الوجه "البكر" في الساحة السياسية، وغير مستهلك،  يساعدها في ذلك ثروتها، حيث تمتلك ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم بوجود (885 ) تريليون قدم مكعب من الغاز حسب آخر إحصاءات شركة "بريتش بيتروليوم" البريطانية. فان انتاج قطر لـ (157) مليار متر مكعب من الغاز جعل منها رابع أكبر منتج للغاز في العالم عام 2012. وحسب احصائية، فان صادرات الغاز لقطر، جلبت نحو 7.6 مليار في شهر أبريل/ نيسان فقط، أي ما يعادل نسبة 65 في المئة من ايراد الصادرات فيها، كما حصلت على ملياري دولار من مبيعات النفط الخام.

خطاب التذمّر الواضح من أمير قطر الجديد من النهج التوسعي لوالده على حساب ثروات قطر، ربما يكون السبب المعلن للشعب القطري في عملية التغيير السريع والهادئ للسلطة، إلا أن المراقبين والمتابعين يجدون أثاراً لصفقة تغييرية كبيرة في المنطقة يفترض أن تبدأ من منبع الفتنة – قطر- ثم تشمل مفاصل الفتنة الطائفية – التكفيرية، من جماعات و تنظيمات ورموز. فبسبب الخطأ الفادح والقاتل الذي ارتكبه الأمير المنتهية صلاحيته، بمحاولة تطبيق المخطط الليبي بالتسليح والتمويل، على الساحة السورية، تحولت هذه الساحة  الى مستنقع ضحل من الدماء، غاص فيه "حمد" وأركان حكمه، ولم يعد باستطاعته الخروج منه، وكلما كان يوهم نفسه بالحركة، كان يغوص أكثر.

وقبل أيام من الانقلاب الهادئ في الدوحة، كانت هذه العاصمة الصغيرة، تستضيف اجتماعاً لوزراء خارجية دول "أصدقاء سوريا"، وهي بلدان امريكا، وفرنسا، وبريطانيا وايطاليا والسعودية وتركيا ومصر والإردن وقطر، وكان عرّاب الاجتماع هو الرجل الثاني والقوي والمتنفذ في العهد البائد "حمد بن جاسم آل ثاني"، وهو الذي كان يشمخ بأنفه ويتبختر كونه وزيراً للخارجية وقريناً للدبلوماسية الغربية، كما هو رئيس الوزراء. وحسب المراقبين والمتابعين في أجواء ذلك الاجتماع، فان "حمد بن جاسم"، بذل جهوداً مضنية للحصول على وعود أكيدة من الغرب والعرب في آن، لتزويد المعارضة السورية بأسلحة ثقيلة ذات شأن في تغيير معادلة الحرب لصالحها، منها صواريخ مضادة للطائرات.   

ومن ظاهر الأمر، أن رجل الدولة والدبلوماسية القطري السابق "حمد بن جاسم" كان يتصور أنه يتمكن من التحليق بجناحين في الساحة السورية: الجماعات الارهابية والتكفيرية في الداخل، والمعارضة العلمانية في الخارج بذراعها العسكري المتمثل بما يسمى "الجيش السوري الحر"، إلا ان حساباته لم تتطابق مع الحسابات الغربية التي تبنّت رسمياً ودولياً أمر الاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، فهي تريد أن يتحقق ذلك، متطابقاً مع المصالح والمفاهيم الغربية، حتى تكون هي المنتصرة أمام شعوبها والعالم، كما حدث في ليبيا القذافي، وفي العراق "صدام". فجاءت "القشّة التي قصمت ظهر البعير"، عندما فوجئ الرأي العام الغربي بأحد قادة الجماعات التكفيرية وهو يستخرج أحشاء جندي سوري قتيل.. هذا المنظر الوحشي البشع، كان بمثابة جرس إنذار خطير في مسيرتهم التضامنية مع القطريين والجماعات التكفيرية. طبعاً هذا الى جانب تسجيلات فيديو تنشرها الجماعات الارهابية، وهي تتباهى بأفعالها الاجرامية مثل الذبح والتمثيل بالجثث، وتنشرها على مواقع النت ليراها العالم، ربما يتصورون أنه نوع من عرض العضلات او الاستعراض العسكري..!

وبالرغم من علم المعارضة السورية من أن الغرب صرف نظره بشكل شبه نهائي عن الخيار العسكري للإطاحة بالنظام السوري، إلا انه كان يحلم بتحقيق التوازن العسكري على الأرض، من خلال الحصول على المساعدات الموعودة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يحقق الموقف القوي في المسار الدبلوماسي، خلال التفاوض دولياً حول سوريا في مؤتمر "جنيف" الذي بات معلقاً حالياً على جملة استحقاقات، في مقدمتها مصير الهوية الموحدة للمعارضة السورية، فقد تأخر تحقيق ذلك الحلم، حتى جاءت العمليات العسكرية الصاعقة التي تعرضوا لها في بلدة  "القصير" الاستراتيجية وانتهت بهزيمتهم على يد القوات السورية واستعادة السيطرة عليها. وكانت ردود الفعل العنيفة والمتشنجة لأقطاب المعارضة وحتى شيوخ الافتاء التكفيري، تنمّ عن مدى الخسارة الفادحة التي مُني بها الصف المعارض للنظام السوري في هذه المرحلة.

يُضاف الى الهزائم الميدانية، التشرذم في الساحة السياسية للمعارضة السورية، فقد بذلت مساعي قطرية وتركية وغربية ايضاً لجمع شتاة المعارضة تحت اسم واحد وأهداف واضحة، محاولين إزاحة المزعجين من امثال الجماعات التكفيرية والارهابية العنيفة، مثل "جبهة النصرة"، التي تتبنى أفكار "القاعدة" في الساحة السورية.

كل ذلك، جعل القيادة القطرية القديمة والمستهلكة متورطة في خيارها العسكري الخاسر، فكان واضحاً لجميع المراقبين كيف أن القطريين يتدخلون عبر جماعاتهم الارهابية والدموية لتخريب أي طريق مؤدٍ الى التفاوض والحل السياسي، من خلال ارتكاب جرائم مروعة، او الهجوم على مناطق سكنية، او تصعيد عسكري هنا وهناك، حتى الإدعاء بوجود مليشيات شيعية تقاتل في سوريا، لم تلق الاستجابة والتأثير على مسار الاحداث، لأن الجميع يعلم أن تنظيم القاعدة والتيار السلفي وغيره من التنظيمات الارهابية، نظموا وشكلوا مليشيات مسلحة ومحترفة على الذبح والقتل وحرب الشوارع، في مختلف المدن والمناطق السورية، أما من المقصود بالمليشيات الشيعية، فهي الافراد الذين ذهبوا طواعيةً الى سوريا وانضموا الى  الجيش  السوري بهدف الدفاع عن مرقد السيد زينب عليه السلام  في ريف دمشق، بعد وصول الجماعات الارهابية لهذه المنطقة منذ العام الماضي، ودعوة السكان الشيعة تحت تهديد السلاح والنسف والذبح، لترك منازلهم، وما أعقب ذلك من تهديدات باحتمال نسف مرقد السيدة عليها السلام، وهو ما حصل لاحقاً، بهدم مراقد عديدة لأولياء الله الصالحين على يد العناصر السلفية. كذلك الحال بالنسبة لمقاتلي حزب الله اللبناني، الذين كانوا آخر المقاتلين غير السوريين الذين دخلوا ساحة  الصراع، ووقفوا على جانب القوات السورية.

وحسب مراقبين ومتابعين للشأن السوري، فان وجود قوات "حزب الله" اللبناني، حقق مكسباً سياسياً قبل ان يكون عسكرياً في "القصير" وغيرها، للنظام السوري وحليفه القوي ايران، فان ثمن انسحاب "حزب الله" من الساحة، هو الألغاء التام للخيار  العسكري للمشكلة في سوريا، واجبار جميع الاطراف المعنية للجلوس الى طاولة المفاوضات في "مؤتمر جنيف2". وأكثر من سيعاني هضم هذه الطبخة هي القيادة القطرية، متمثلة بالأمير القديم وعضيده. وقد أثار المراقبين في صالة اجتماع الدوحة "لأصدقاء سوريا"، ماصرح به "حمد بن جاسم"، بان الاجتماع " اتخذ قرارات سرية تتضمن اجراءات عملية لتغيير الموقف على الأرض". وكان الاخير قد قال في الجلسة الافتتاحية للاجتماع إن "إرسال أسلحة للمعارضة السورية لمحاربة قوات الرئيس بشار الأسد هو السبيل الوحيد لانهاء الحرب الأهلية في البلاد".

وإن كان هذا الدبلوماسي والسياسي المتضخم في حينه، ذكياً وحاذقاً وعارفاً بكل تفاصيل  اللعبة في سوريا، فانه لم يصرح بهكذا تصريح مثير، بحيث يجعل من نفسه "رجل كل الفصول"، أو هو العكس تماماً، كما هو حال أمير المنهار.. فالسياسة لا تعرف البقاء لأحد، إنما للمصالح وحسب. وهذا ما تعرفه القيادة السورية تماماً، لذا لم تنثن لحظة واحدة أمام مختلف الضربات والضغوطات الداخلية والخارجية، كما لو أن شيئاً لايحصل. مما يزيد في اعتقاد المراقبين برغبة القيادة السورية في التغيير، بما يحفظ لها ماء الوجه، وقد عادت فظة "لا غالب ولا مغلوب" على لسان أحد الاعلاميين، وهو الخيار المفضّل الذي تدعمه، بل تسوّقه الدوائر الغربية في الازمات والحروب التي ضربت بلادنا خلال العقود الماضية، فتكون نقطة النهاية تنحّي بشار الأسد، في أجواء وظروف ايجابية وهادئة جداً لصالحه وصالح النظام السوري، كما لو أن الدمار الهائل في سوريا والخسائر المادية الفادحة، وأكثر من ذلك حوالي مئة ألف قتيل وحوالي خمسة ملايين مشرد، كل ذلك، كان بسبب بشار الأسد!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/تموز/2013 - 21/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م