سوريا.. الحلقة الثالثة في مسلسل تدمير الأمم..؟

علي الأسدي

 

أرجو أن لا يفهم الأخوة السوريين من عنوان مقالي هذا بكونه دفاعا عن سلطة النظام السوري الحالي، فنحن الذين عانينا من نظام التسلط البعثي لأكثر من ثلاثة عقود نعرف جيدا ما تعني ديكتاتورية حزب البعث. ونشعر دون تشكك أو تحفظ بحق السوريين المشروع في حكم ديمقراطي عادل بديلا للديكتاتورية وانعدام الحقوق الانسانية. الحركة الديمقراطية التي بدأت سلمية وواعية ما تزال القوة الشرعية التي يجب أن يكون لها القرار الأخير للبت في الحل السياسي الذي يعيد لسوريا وجهها الديمقراطي وحكمها المدني المتحضر، ويجنبها الحرب الأهلية التي تدفع اليها الدول الرجعية العربية.

أنا هنا اتحدث دفاعا عن سوريا شعبا ومؤسسات مدنية وعسكرية أراها تنهار كما انهارت في العراق، انه نفس المسلسل الدامي الذي يعاد تمثيله في سوريا بدعم عسكري واعلامي ومالي سخي من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا. ويكفي للكشف عن النوايا المشبوهة لهذه الدول التمعن بموقفها المساند للدول الخليجية وما تقدمه من دعم مالي وأسلحة للعصابات الاسلامية الارهابية التي تتسلل الى سوريا عبر الأردن والعراق ولبنان وتركيا والبحر. وما ينبغي على القوى الديمقراطية في سوريا فعله هو عزل تلك المنظمات من المشاركة في تقرير مصير النظام السياسي لسوريا بوجود الأسد أو بدونه في الاجتماعات القادمة في جنيف 2.

المنظمات المشبوهة التي تدفقت بصورة غير شرعية الى سوريا من الخارج وفرضت أجندتها على الحركة الديمقراطية بقوة السلاح لها هدفا واضحا تمام الوضوح وهو انهاك الدولة السورية وتدمير بنيتها التحتية المدنية والعسكرية ودفع مكونات الشعب السوري الى الاقتتال العبثي فيما بينها وصولا الى تقسيم سوريا الى امارات تماما كما يجري التمهيد له في العراق.

 فنحن في السنة الحادية عشرة منذ شنت على بلادنا عملية التدمير الشامل ما زلنا نعاني من عمليات تخريب الدولة وتحطيم معنوية شعبنا وبث وتشجيع وتعميق الاختلافات الدينية والطائفية والاثنية. ولعل الجماهير السورية على علم بأننا رغم ذلك تمكنا من الوقوف بصبر وتصميم للاحتفاظ بقيم التآخي والتسامح والجوار والعفو، ومصممون على الاستمرار كذلك حتى نقهر أعداء وحدتنا الوطنية.

ونحن نفعل ذلك برغم الظروف المأساوية التي يعيشها شعبنا، حيث أكثر العراقيين بدون مياه صالحة للشرب وبدون كهرباء وبدون أمن، ومئات آلآلاف بدون مأوى، وحيث المئات من الأبرياء يفقدون حياتهم يوميا بدون ذنب أو سبب. وها أنتم تعيشون نفس المأساة التي نعيشها وما زلتم في البداية، وصورة مدينة قيصر وحمص وحلب هي النموذج المصغر لمدينة الفلوجة ولما جرى ويجري في مدن وقرى العراق حتى اليوم.

لا نريد لكم أن تمروا بما مررنا به، فاسقاط النظام الديكتاتوري لا يعني ولا ينبغي أن يعني اسقاط الدولة وفي الخصوص منها مؤسساتها المدنية والعسكرية. انها مهمة القوى الديمقراطية السورية للتشبث بمؤسساتها والدفاع عنها ضد التخريب الذي تمارسه القوى الارهابية المرسلة من خارج الحدود.

لقد دمرت وسرقت محتويات متاحفنا ومكتباتنا ومؤسساتنا المدنية، كما دمرت كل أسلحة الجيش والشرطة التي كلفت مئات المليارات من الدولارات وهي جزء من ثروة البلاد الوطنية. وكما تعرفون كان النظام السابق قد امتلك من الأسلحة ما فاق كل ما امتلكته الدول العربية جميعها من مختلف الأسلحة. هذا اضافة الى تدمير الجيش نفسه الذي قدر باكثر من مليون عسكري تحت السلاح. لقد تم كل ذلك من قبل قوات التحالف أو بعلمها، أو من قبل المنظمات الارهابية خلال وبعد انسحاب قوى التحالف.

وها نحن وبعد عشر سنوات من اسقاط النظام الصدامي لم نستطع اعادة بناء جيشنا، أو اعادة تسليحه بما يمكنه من ردع العدو الأجنبي، ليس لنا طائرة عسكرية صالحة واحدة، ولهذا السبب فحدودنا منتهكة. لا أحد من دول الجوار يحترم السلطة العراقية، لأنها لا تملك وسائل الدفاع عن سيادتها، وفي المقدمة منها جيشا وطنيا واعيا وقويا. تدمير الجيش كان خطة واضحة من قبل الأمريكيين لتجريد الدولة من وسائل الدفاع عن الشعب والوطن ضد العدوان الخارجي. وهذا هو هدف أعداء سوريا اليوم، وهذا ما يسعون اليه من خلال الدعم المالي والعسكري والاعلامي للارهابيين الغرباء فلايجب السماح لهم بتحقيق أهدافهم.

لقد انتهى الجيش الليبي واسلحته بنفس الطريقة التي انتهت بها قدرات الجيش العراقي. كان لليبيا حوالي مليوني طن من الاسلحة، بعضها من أحدث ما انتج من قبل الدول الصناعية انتهت في أيدي المليشيات السلفية المرتبطة بالقاعدة. لقد كان بامكان الناتو أن يمنع ذلك، لكنه لم يفعل، وبالعكس قامت طائراته وصواريخه بتحطيم البنية التحتية للجيش بحجة منع القذافي من ضرب شعبه.

 لقد سمحوا للمليشيات الارهابية التي رافقت خبراء الناتو على الأرض لنهب أسلحة الجيش، وقد وصلت كميات من تلك الاسلحة الى مقاتلي القاعدة في الجزائر ومالي وأخيرا الى المنظمات الارهابية التي تحارب النظام السوري تحت شعار الله أكبر. لا يمكن اليوم التحدث عن دولة ليبية، فما خلفه الناتو هو الفوضى التي يديرها تجار السلاح ومليشيات اسلامية وقبلية لا تعرف الرحمة ولا تحترم الحياة.

السؤال الذي يطرح نفسه، هو كيف التقت مصالح المنظمات الارهابية مع مصالح " الغرب الديمقراطي " في الحرب على النظام السوري. كيف اتحدت هذه القوى المتناقضة المصالح في جبهة واحدة تشرف على اجتماعاتها وزارة الخارجية الأمريكية. وهذه الأخيرة تعلم مسبقا أن من له الكلمة الفصل في المقاومة المسلحة في سوريا هم مقاتلو القاعدة الملطخة أيديهم بدماء الأمريكيين والعراقيين ولا تقوم بالقبض عليهم ومعاقبتهم. وانها تعلم كل العلم بقنوات تمويلهم وتسليحهم وعبورهم من السعودية والعراق والأردن وليبيا وتونس وأفغانستان وباكستان ودول اخرى بينها بريطانيا..؟؟

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/حزيران/2013 - 19/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م