مستقبل السياسة الإيرانية بعد الانتخابات الرئاسية

قراءة تحليلية

محمد بن سعيد الفطيسي

ما مدى التأثير الذي سيحدثه فوز الإصلاحيين ممثلين بالرئيس الإيراني حسن روحاني على مستقبل السياسة الإيرانية بشقيها الخارجي والداخلي بعد فوزهم بمقعد رئيس الجمهورية؟ وللإجابة على هذا السؤال كان من الضروري ان نحدد أولا بعض القيم التاريخية/السياسية التي طالما رسمت وحركت ملامح البناء الهيكلي للسياسة الإيرانية منذ سبعينيات القرن الماضي، وأصبحت – أي- تلك المبادئ ثوابت تدور حولها المصالح والأهداف الاستراتيجية الإيرانية، وبناء عليها يتم تحديد الخطوط العريضة وبأسلوب وطريقة لا يمكن سوى في أضيق الحدود تجاوزها او التمرد عليها، ومن أهم تلك الثوابت:

(1) المرجعية العليا للأمة الإيرانية: المتتبع للمشهد السياسي الإيراني يتأكد له القوة والسلطة التي يحظى بها المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية على مختلف نواحي الحياة في إيران، وبالتالي فان المبادئ العامة والسمة القومية للدولة الإيرانية هي تلك التي يحددها ويرسم ملامحها المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية مسبقا وليس رئيس الجمهورية.

(2) الروح القومية: تسيطر الروح القومية المغلفة بالإيديولوجية الدينية على مساحة شاسعة من شرائح المجتمع الإيراني بداية من القيادات السياسية الإيرانية المثقفة والتي تحمل شهادات عليا بشقيها المحافظ والإصلاحي، وحتى الشرائح الفقيرة والمعدمة منها، فيما يمكن ان نطلق عليه بميثولوجيا الفعل السياسي، وقد اثر هذا الأمر كثيرا في اتجاهات الإصلاحات الداخلية وبناء القرارات السياسية الخارجية، والمتتبع للمشهد الداخلي الإيراني يلاحظ بقوة استغلال تلك الروح او النزعة القومية في كثير من دول العالم للسيطرة على أفكار الجماهير وتعبئتهم لتبني او للإيمان بمعتقد او قضية او اتجاه معين، وقد غلبت تلك الروح وأثرت كثيرا في بناء العديد من القرارات السياسية الإيرانية وتحريكها.

 والمتتبع الخبير لتأثير تلك الثوابت التاريخية/السياسية التي طالما غلبت على عقلية ونفسية السياسي الإيراني من جهة وبقية الجماهير من جهة أخرى يتأكد له مدى قدرتها على صياغة وبناء اتجاهات القرار السياسي الإيراني على ضفتيه الداخلية والخارجية، طبعا لا نستطيع ان ننكر السمة الخاصة او الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية او قدرته على صياغة مفاهيمه ومرئياته الشخصية او الحزبية على السياسة الإيرانية، ولكننا نؤكد بأنها تدور كالأجرام حول محور الثوابت سالفة الذكر.

 اذا كيف نبرر نجاح الإصلاحيين بهذه النسبة الكبيرة من الأصوات وبهذا المشهد الديموقراطي الواضح والذي لم يشوبه أي تجاوزات او تدخلات من قبل النافذين والمؤثرين في بناء الحراك السياسي الإيراني وعلى رأسهم المرشد لصالح المحافظين او حتى المقربين من المرشد الأعلى؟ في اعتقادي الشخصي ان نجاح الاصطلاحين هذه المرة يعود بشكل رئيسي للجوانب التالية:

(1) انقسام وتشتت أصوات الناخبين الذي صوتوا لصالح المحافظين على 3 بينما ساند كل من هاشمی رفسنجانی وخاتمي، حسن روحاني وهما من أهم الشخصيات الإصلاحية التي لها مكانتها وسمعتها وتأثيرها القوي على أصوات الناخبين الإيرانيين.

(2) في اعتقادي ان المرشد الأعلى قد وقف هذه المرة على الحياد، ان لم اقل انه كان اقرب لإدراك ان الإصلاحيين هم الأصلح في الفترة القادمة لإدارة البلاد على مختلف ملفاتها الداخلية والخارجية، وخصوصا ان التحولات والمتغيرات الدولية والتي أثرت ولا زالت تؤثر في المشهد السياسي الإيراني تحتاج الى عقول براغماتية أكثر منها متشددة او راديكالية، - وبمعنى آخر – ان السياسة الإيرانية في المرحلة القادمة بحاجة الى قيادات تعطي الثقة والأريحية في علاقتها مع الداخل والخارج، وليس انسب بالنسبة له انطلاقا من هذه الرؤية من حسن روحاني.

 ونعود الى إجابة السؤال الذي طرحناه في البداية وهو: ما مدى التأثير الذي سيحدثه فوز الإصلاحيين ممثلين بالرئيس الإيراني حسن روحاني على مستقبل السياسة الإيرانية بشقيها الخارجي والداخلي بعد فوزهم بمقعد رئيس الجمهورية؟ وللإجابة على هذا السؤال نقول: انه وانطلاقا من المرئيات السابقة فان ملامح السياسة الخارجية الإيرانية ستدور من وجهة نظرنا الشخصية حول التالي:

(1) السعي لتغيير ملامح السياسة الإيرانية بشقيها الخارجي والداخلي باتجاه الانفتاح بعض الشيء حيال ملف الإصلاحات الداخلية والعلاقات الدولية، ولكنه لن يكون ذلك على صعيد الملفات الرئيسية كالملف النووي الإيراني باتجاه التفكك او التراجع، وبشكل عام لن يكون هناك تغيير جذري في هيكلية البناء السياسي للسياسة الإيرانية في عهد الرئيس الإيراني حسن روحاني.

(2) على العكس مما يعتقد الكثيرين من ان المحافظين هم أكثر خطورة على صعيد التعامل مع الملفات الحساسة والمؤثرة كالملف النووي الإيراني، ولكن من وجهة نظري أشاهد العكس وهو ما بدا يثبت على ارض الواقع،- واقصد- ان تعامل المحافظين على صعيد تلك الملفات واضح جدا وهو التعامل الجاف والمتشدد في طريق التصعيد في اغلب الأوقات، بينما الأسلوب البراغماتي الذي يغلب على إدارة الإصلاحيين وتفكيرهم لبعض الملفات يطيل من أمدها وخياراتها الإستراتجية وإمكانية تجاوب المجتمع الدولي معها، وبالتالي إعطاء الوقت والمساحة الكافية من المناورة في حال كانت أهداف البرنامج النووي الإيراني غير مدنية، وهذا ما أدركه المرشد ووجد انه بحاجة إليه في القيادات التي يجب ان تدير دفة البلاد في المرحلة القادمة، وخصوصا أنها مرحلة حساسة وتتجه باتجاه التصعيد الدولي حيال إيران.

 أخيرا أتصور ان المرشد الأعلى للثورة الإيرانية والرئيس الإيراني حسن روحاني والسياسة الإيرانية بشقيها الداخلي والخارجي والشعب الإيراني ككل سيكونون في المرحلة القادمة أمام اختبارات صعبة ومعقدة للغاية، نظرا لتعقيدات المشهد السياسي الإقليمي والدولي والقضايا الشائكة التي تحرك وترسم اتجاهاته على الداخل الإيراني، وسيتبين من خلالها مدى مصداقية وقدرة القيادة الجديدة ورغبتها في الإصلاحات والتغيير في السياسة والعلاقات الدولية، ومدى الفرق بين نزعتين سياسيتين تتقاذفان اتجاهات التفكير والتغيير على مستوى السياسة، وفي اعتقادي ان أهم وابرز القضايا التي ستحرك المشهد السياسي الإيراني خلال المرحلة الزمنية القادمة لأنها الأكثر إلحاحاً وحساسية، القضايا والملفات التالية بحسب أهميتها من وجهة نظرنا:

(1) القضية السورية وطريقة تعامل القيادة الايرانية الجديدة مع ملفاتها ومتغيراتها القادمة والسريعة.

(2) الملف النووي الإيراني وطريقة نزع فتيل التوتر والمخاوف الإقليمية والدولية تجاهه.

(3) الملف الإصلاحي الداخلي وخصوصا ملف إصلاح الاقتصاد الإيراني وملف الحريات.

(4) ملف العلاقات مع دول الجوار وخصوصا الخليجية منها.

(5) ملف العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية ودول الغرب.

* باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/حزيران/2013 - 17/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م