ماذا تبقى من ربيع العرب؟

عن معنى الثورة ومعنى الفورة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ماهي الاسباب التي تدعو الى الثورة؟ الاسباب كثيرة التي يمكن تقصيها من تجارب الشعوب، بدءا بالثورة الفرنسية وليس انتهاءا بالثورات العربية.

مايهمنا هنا، هي تلك الاسباب التي قادت الى مجموعة من ثورات مااطلق عليه (الربيع العربي)، وهي اسباب لاتقتصر على عامل واحد او عاملين من قبيل مثلا السياسة او الاقتصاد، او السياسة والاجتماع، بل هي مجموعة متعددة من العوامل يدخل فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وعوامل خارجية وداخلية متفرقة.

لعل اول تلك الاسباب اضافة الى كونه احد العوامل المحركة للثورات هو وجود نسبة كبيرة جدا من الشباب (الفئة العمرية بين 15 – 29 سنة) والتي تشكل اكثر من ثلث نفوس البلدان العربية، وماتعانيه تلك الشريحة من تعطيل لطاقاتها وقدراتها.

الفشل في سياسات التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، والتي قادت شرائح واسعة من المجتمعات الى التهميش الاقتصادي والاجتماعي.

السبب الثالث، هو غياب الحريات السياسية، والتي تشمل حرية تشكيل الاحزاب والجمعيات والاتحادات، وتداول السلطة عبر الانتخابات، رغم جميع الضغوط التي كانت تمارس تجاه هذه الدول من قبل المجتمع الدولي، والتي كانت تطالب بتبني المزيد من الاصلاحات السياسية والديمقراطية الحقيقية.

السبب الرابع، الدور الدولي، الخارجي والاقليمي، وتصاعد تدخلاته في السياسات الداخلية للبلدان العربية.

ما معنى الثورة؟

احدى الكلمات الفضفاضة، المحملة بمضمون عاطفي، والصفة المشتقة منها (ثوري)، وتستخدم كلمة الثورة للدلالة على مجموعة من التغيرات المتباينة، فاننا نحتفظ في اركان عقلنا بمعنى محدد اكثر بكثير من ذلك، معنى واحد لايتغير.. اننا نفكر في الانقلابات الكثيرة التي حدثت في الماضي في مجتمعات سياسية كانت مستقرة.

وقد نفكر ايضا في العنف والارهاب، في عمليات التطهير والاعدام شنقا.. هكذا عرف كرين برنتن الثورة في كتابه دراسة تحليلية للثورات، وهي اي الثورة، كل قطيعة جذرية تدخل في نمط تنظيم المجتمع.. ونميز بشكل عام بين الثورات الاجتماعية والثورات السياسية، فالاولى هي اكبر حجما وتؤثر بشكل اساسي في التنظيم السياسي وفي البنية الاجتماعية على السواء..اما الثانية فلا تعني غير النظام السياسي..كما نجد هذا التعريف في معجم علم السياسة والمؤسسات السياسية.

هل ما حدث في بلدان الربيع العربي هي ثورات اجتماعية ام سياسية؟

في (المؤشر العربي في نقاط) الذي قامت به الجزيرة، وفي القسم السابع منه والذي حمل اسم الثورات العربية، راى اغلبية المستطلع اراؤهم ان الثورات العربية قد اندلعت لاربعة اسباب رئيسية وهي انظمة الحكم التسلطية، وانتشار الفساد المالي والاداري، وسوء الاوضاع الاقتصادية، وغياب العدل والمساواة.

واكثرية المستطلعين وبلغت نسبتهم 61 بالمائة قيموا الربيع العربي والثورات العربية بطريقة ايجابية، مقابل 22 بالمائة قالوا انها سلبية، الا ان الذين قيموا الثورات بالسلبية لم ينطلقوا من موقف معاد، بل نتيجة للاستقطاب السياسي، وعدم الاستقرار الامني والسياسي في بلدان الربيع العربي.

على صعيد نجاح الثورات في تحقيق ضمان الحريات والحقوق وارساء نظام ديمقراطي، وفي تحقيق تنمية وعدالة اجتماعية ومحاربة الفساد المالي والاداري، وفي زيادة تاثير الدول العربية على الصعيد الدولي، فان اكثرية الراي العام ترى ان الثورات نجحت او انها سوف تنجح في المدى القريب والمتوسط، في تحقيق هذه الاهداف، مقابل 11 بالمائة افادوا بانها لن تنجح على الاطلاق.

بالعودة الى المعاني العديدة التي تكتنزها لفظة الثورة، ومن خلال مشاهدتنا لجميع الثورات التي قامت، ومشاهدتنا لحصادها حتى الان، كانت الفوضى هي السمة السائدة في نتاج الحراك الجماهيري عبر الحشود والمليونيات، وهي ايضا رغم الكثير من احلام الشباب وطموحاتهم وتطلعاتهم، مع شرائح واسعة من الثائرين، لم تستطع تلك الثورات ان تفي ولو بالحد الادنى من التطلعات الاجتماعية لتلك البلدان، بل على العكس انضافت معوقات جديدة في طريقها، لعل اخطرها هو حالة الانقسام المجتمعي في بلدان تلك الثورات، انقسام مرشح ان يصل الى حدوده القصوى في سوريا، ومن المحتمل ان يحدث ذلك في مصر.

في تونس وليبيا واليمن، جميع المؤشرات حتى الان لاتبعث على التفاؤل، رغم النسبة المرتفعة للذين تم استطلاع اراءهم، وهو استطلاع حمل الكثير من فورة العاطفة وجيشانها، وهو اقرب الى التمنيات منه الى الواقع او المستقبل، فلم يحدث ماتمناه الثائرون، ولم يحدث ماتمناه الراي العام، ولم تتحسن صورة العرب وترتفع مكانتهم العالمية الا بمقدار ارتفاع غبار الثائرين في ميادين الثورات، ثم عاد العرب الى ترتيبهم المعتاد في سلم الشعوب والمجتمعات.

حتى الان ماحدث هو ثورات سياسية استبدلت وجوه طاقم الحكم القديم بوجوه جديدة، تنفتح كل يوم شهيتها الى السلطة ونفوذها ومغانمها بعيدا عن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي خرجوا من اجلها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/حزيران/2013 - 14/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م