الثقافة العراقية... بعيدا عن السياسة قريبا من السلطة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يطرح جيرار ليكلرك في كتابه (سوسيولوجيا المثقفين) هذه الاشكالية العتيدة في علاقة المثقف والسلطة، عبر قوله: ثمة سؤال يهم علم اجتماع المثقفين، انه السؤال المتعلق بعلاقتهم بالسلطة، قد تحاول الدولة جعلهم في خدمتها، (والبعض يقول ان الدولة تستخدمهم). وفي مايتعدى الخيارات الفردية يمكننا طرح السؤال حول استقلالية المثقفين تجاه السلطة، او اذا اردنا، بالامكان التحدث عن (سلطة ثقافية).

ان الاستقلالية التي بمكن ان نشاهدها في بعض المناسبات على الاقل، ستتيح لنا معاينة وجود نوع من السلطة – المناهضة الثقافية، وهي قادرة احيانا على ان تضغط على القوة المسيطرة، التي تظل في هذه الاثناء حكرا على السلطة السياسية. هنا يطرح مجددا السؤال حول الاطار التاريخي والثقافي الذي يتموقع فيه المثقف تجاه كافة اشكال السلطة (السياسية والدينية والاقتصادية والاعلامية الخ).

من المؤكد ان هناك عدة اختلافات موضوعية بين المثقف الذي يتحدث عنه صاحب الكتاب والمثقف العراقي، تبعا لاختلاف البيئات الثقافية التي يتحدر منها مثقفوا الكاتب الذين يتحدث عنهم، والمثقف العراقي، بكل حمولاته التي ينوء بها، وهي حمولات لاتشترك او تشارك مايعايشه المثقفون الاخرون، الذين يتحدث عنهم الكتاب، اذا علمنا ان المؤلف يتوجه الى المثقف الفرنسي خصوصا والمثقف الاوربي عموما.

لكن المشترك بينهما هو تلك العلاقة بين المثقف والسلطة التي تتشابه في بعض اطرها العامة، وتختلف في الكثير من التفاصيل.. بين يدي خبران من الاخبار التي تتداولها الكثير من مواقع الانترنت العراقية، يسلطان الضوء على طبيعة العلاقة بين الثقافة والسلطة، وبين المثقفين مع بعضهم عبر علاقة سلطة – مناهضة ثقافية.

الخبر الاول حول تنظيم عدد من الناشطين في محافظة ذي قار، وقفة احتجاجية للمطالبة بتشكيل حكومة شراكة تمثل جميع الكتل الفائزة بالانتخابات المحلية، وبينوا ان تشكيلة الحكومة المحلية التي اعلن عنها أخيرا جاءت (بتدخل من حكومة المركز) من شانها ان تتسبب بالمزيد من التناحرات والازمات السياسية كونها عملت على اقصاء نصف الكتل المنتخبة من اهالي المحافظة.

ورفع نحو 40 ناشطا مدنيا تجمعوا في ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية استجابة لدعوة أطلقت في مواقع التواصل الاجتماعي في الانترنت شعارات مطلبية من بينها (يكفينا خلافات نحن بحاجة الى الخدمات) و (الشعب ينتخب من يريد والمصالح تفرض ما تريد) و(نريد حكومة شراكة وطنية) و (ايها السياسيون اتركوا مصالحكم الشخصية )  وغيرها من الشعارات .

وقال الناشط المدني خالد ثامر وأكد الناشط المدني ان "ما أفرزه الحراك السياسي هو حكومة بائسة ضعيفة جاءت بحكم توافقات مركزية فالشعب ينتخب من يريد والجهات المتسلطة والاحزاب تعين ما تريد".

التظاهرة ليست بعيدة عن التيار الصدري الذي تم استبعاده عن تشكيلة الحكومة المحلية، وخرج المثقفون للاحتجاج على مثل هذا الاستبعاد.. هل الذين خرجوا هم فعلا مثقفين، ينطبق عليهم وصف (المثقف) بكل مفارقته للسلطات وللايديولوجيات، ام انه تسمية فضفاضة لاعلاقة لها بالثقافة الا من حيث كونها تسمية عامة تطلق على من يمتلك القدرة على الرطانة الاكاديمية، او حتى الاعلامية؟

ماذا يقال مثلا عن تشكيل الحكومة المحلية في ديالى؟

المشكلة نفسها، لكن المثقف هنا غيره هناك.. اذا خرج (المثقفون) في ديالى فان خروجهم يمكن تصنيفه (مذهبي – قومي)، على اعتبار ان الشيعة والاكراد غير موافقين على تشكيلة الحكومة المحلية، والتي تم استبعادهم من مناصبها الرئيسية.

وسيطرح السؤال مرة اخرى، هل من خرج هم مثقفون فعلا، وماذا تعني الثقافة في هذه الاجواء من المناكفات السياسية بين الاحزاب والكتل التي تطمح الى سلطات اوسع مما تمتلكه حاليا؟

ان السلطة تستخدم المثقفين، مع افتراضنا جدلا صحة اطلاق تلك التسمية على من خرج في تلك التظاهرة.

الخبر الثاني، ما اثارته التشكيلة الجديدة  للمجلس المركزي للاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق من استغراب ودهشة العديد من الادباء والمثقفين الذين وجدوا فيها تكرارا للوجوه القديمة.

احد الادباء علق على تلك التشكيلة – المعادة بقوله: الادباء الذين يتحدثون ليل نهار عن الحداثة والنص المغاير، والتجديدات داخل البنى النصية،  هم ابعد الناس  عن التغيير في الامور الاجتماعية والسياسية، لهذا  تراهم في سكون حركي، وهيمنة الفعل  السياسي  الموجه جعلهم يتراجعون كثيرا غير ابهين بماهيات التغيير  وكيفياته، لانهم يعرفون ومنذ زمن بعيد ان ليس ثمة متغير في مؤسسة تدعي ارتباطها بالجواهري وتحتفظ بذات القانون القديم والذي لايزال يحرك الحياة النقابية داخل الاتحاد.

فيما اشارت احدى الشاعرات بقولها: في إنتخابات إتحاد أدباء العراق تتجلى الديمقراطية بأبهى صورها فقد جرت في الوقت المناسب وحضرها  اكثر من 750  أديبا، والعهدة على الراوي وقد فاز الشاعر إبراهيم الخياط بأكبر نسبة من الأصوات 550صوتا وحقق السيد رئيس إتحاد الأدباء نسبة 350 صوتا على وجه التقريب والشاعر الفريد سمعان 350، توقعت ان يكون إبراهيم الخياط هو رئيسنا الجديد لا محالة، ألم يحصد أكبر عدد من الأصوات ولكن بعد إجراء الجولة الثانية بين الفائزين إحتفظ الرئيس فاضل ثامر بمنصبه الدائم وكذلك الفريد سمعان احتفظ بمنصب الأمين العام بلا منازع وهذه من أسرار الثقافة العراقية الأصيلة وهي صورة من صور الديمقراطية التي ينعم بها الوطن الحبيب.

هل ثمة استقلالية بمكن ان نشاهدها في بعض المناسبات على الاقل، ستتيح لنا معاينة وجود نوع من السلطة – المناهضة الثقافية، لكل ماموجود في حياتنا؟

وهل سيكون اتحاد الادباء او غيره من التجمعات التي يحرص (المثقف) العراقي على الانضمام اليها ان تكون سلطة ثقافية مناهضة لسلطة سياسية راكزة لايملك المثقف امامها الا التصفيق لها، او الصمت ازاءها، او اعلان الحرب عليها، لكنها حرب للاسف الشديد لاتاتي الا بعد مغامرات من الاقتراب والابتعاد اليها وعنها، كما شهدنا اسماءا وفصولا عديدة قبل العام 2003 وبعده.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/حزيران/2013 - 13/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م