الدبلوماسية الروسية في سوريا.. مناورة وتمويه

 

شبكة النبأ: وضع زعماء المعارضة السورية وهم يجلسون الى طاولة طويلة في وزارة الخارجية الروسية ملامح خطة لحماية مصالح موسكو إذا ما وافق الكرملين على الإطاحة بحليفها القديم الرئيس السوري بشار الأسد.

وخلال الاجتماع الذي عقد في يوليو تموز الماضي وكان من بين عدة لقاءات منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا جلس المسؤولون الروس في حالة تجهم وعندما انتهى السوريون ساد صمت طويل.

وقال محمود الحمزة ممثل المجلس الوطني السوري المعارض في موسكو الذي حضر الكثير من هذه الاجتماعات إن الروس ينصتون لكنهم لا يتكلمون أبدا وعندما انتهى السوريون من الحديث أبلغوا بأن موسكو ملتزمة بحقوق الانسان وانهم عليهم أن يمضوا في طريقهم.

وبعد أكثر من عامين على اندلاع الصراع السوري في اطار انتفاضات "الربيع العربي" يتشبث الأسد بالسلطة وهو ما يعود الفضل في جانب كبير منه إلى الدبلوماسية الروسية والدعم العسكري من موسكو.

واتفقت روسيا والولايات المتحدة على جمع الأطراف المتحاربة في مؤتمر للسلام خلال الأسابيع المقبلة. لكن بعض الوسطاء يشكون في أنه حيلة من جانب الكرملين لابقاء الأسد في السلطة ولو لفترة أطول قليلا. وفي أرض المعركة مالت الكفة لصالح الأسد واستعادت القوات الموالية له بلدة القصير ذات الأهمية الاستراتيجية.

وأدت تسريبات عن تعاملات موسكو مع المعارضة وتعهدات بتسليم نظام صاروخي للأسد قد يغير من قواعد الصراع وشواهد غير مؤكدة عن قيام الروس بتدريب القوات السورية إلى تعميق فجوة الثقة بين روسيا والغرب.

وقال مسؤول فرنسي طلب عدم نشر اسمه "مصدر قلقنا الأكبر ان يكون الروس يخدعوننا." وكما هو الحال في الكثير من المناسبات تعثر اجتماع يوليو تموز بين المسؤولين الروس والمعارضة السورية بسبب الموقف الذي يتبناه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف وهو أنه يجب أن يقرر الشعب السوري مستقبل بلاده بنفسه.

وتقول روسيا إن موقفها نابع من رغبة في وقف القتال وليس من نزوع إلى الحفاظ على مصالح عسكرية وصناعية في واحد من آخر حلفاء الكرملين في منطقة الشرق الأوسط.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية رفض ذكر اسمه "موقفنا في الوقت الحالي هو وقف إراقة الدماء والألم وهذه هي المهمة الأساسية لكل الجهود المبذولة لحل الصراع السوري." وأضاف "لا نختار مرشحين لحكومة مؤقتة مستقبلية. لا نساند أي قوة ستقوم بتشكيلها."

واسترشادا بنهج موسكو الدبلوماسي السابق يتوقع بعض الدبلوماسيين والمراقبين الأجانب أن تحشد روسيا مائدة المفاوضات بأعضاء من أحزاب المعارضة المدجنة التي تعد جزءا من النظام السياسي الذي يهيمن عليه الأسد بإحكام بينما تستغل الانقسامات بين معارضيه. بحسب رويترز.

وقال لافروف "يجب القيام بأي شيء من أجل اقناع المعارضة بالجلوس إلى مائدة التفاوض دون شروط مسبقة وضمان التمثيل الكامل لمختلف جماعات المعارضة السورية ومن بينها المعارضة في الداخل."

وأجرت موسكو عدة جولات من المحادثات مع حسن عبد العظيم المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية لقوي التغيير الديمقراطي في سوريا التي يرأسها والتي يقول معارضون إنها ليست أكثر من واجهة للأسد. ولم يرد هيثم مناع رئيس هيئة التنسيق في المهجر على طلب بالتعقيب.

كما حاول الكرملين أن يدرج قدري جميل نائب رئيس الوزراء السوري الذي يتحدث الروسية بطلاقة كأحد أعضاء المعارضة. وسافر جميل لموسكو عدة مرات العام الماضي لابرام صفقة لمبادلة النفط مقابل الوقود.

وقال الحمزة العضو في الجيش السوري الحر إن الأمور وصلت لنقطة أدركت فيها روسيا ان الأسد لم يعد خيارا لكنها تريد فقط أن تحتفظ ببعض الأشخاص الذين سيبقون على شيء من الروابط القديمة.

وبينما تصر على أنها لا تؤيد حكام سوريا أرسلت موسكو لهم أنظمة رادار متقدمة وصواريخ مضادة للسفن بينما لم يتم بعد تسليم صفقة صواريخ اس-300 المضادة للطائرات. كما تعهدت موسكو بان تستكمل عقدا أبرمته مع دمشق لتسليمها 12 مقاتلة من طراز ميج-29 ام.ام2.

وسوريا واحدة من آخر معاقل التأييد لموسكو في المنطقة ولا تريد روسيا أن ترى الأسد يواجه مصير الزعيم الليبي السابق معمر القذافي شريكها القديم.

وفي استعراض آخر للقوة في المنطقة أرسلت موسكو الشهر الماضي مجموعة من أربع سفن من أسطولها في المحيط الهادي إلى البحر المتوسط حيث ستنضم إلى قطع من السفن الحربية التي تتمركز بالفعل قبالة السواحل السورية.

وربما تعزز تقارير عن شحنات أسلحة وتحركات السفن التي غالبا ما تكون متضاربة وغامضة موقف روسيا مع الغرب. وقال فيودو لوكيانوف رئيس تحرير مجلة راشا إن جلوبال أفيرز "كل شيء يحدث بشأن سوريا له علاقة ما بتعهدات قطعت للأسد شخصيا وعلاقة أكبر بصراع القوى بين روسيا والغرب... وبالنسبة لروسيا يعني هذا الابقاء على الأمور في المسار الدبلوماسي." وأردف "ربما تحمل هذه السفن مكونات صواريخ اس-300 وربما لا. بالنسبة لروسيا كلما قل الوضوح كلما كان ذلك أفضل في دفاعها عن موقفها."

ومن المستبعد تسليم صواريخ اس-300 قبل الخريف. وأشار مصدر في صناعة السلاح إلى أنه قد يتم تسريع الاتفاق أو تجميده وفقا لما يفعله الغرب. وقال لوكيانوف "كل شيء في هذه المرحلة يمكن أن يستخدم كورقة مساومة."

كما يساور روسيا القلق من انتكاسة أمنية قد تتلقاها بعد الصراع السوري الذي يقاتل فيه 200 من مواطنيها في صفوف المعارضة. ويهدد عدم الاستقرار المناطق المسلمة في جنوب روسيا في تتارستان وباشكورتوستان وشمال القوقاز حيث يشن المتمردون الاسلاميون أعمال عنف يومية. وعبر ألكسندر بورتنيكوف رئيس جهاز الأمن الرئيسي في روسيا عن مخاوفه من أن يسهم المقاتلون العائدون في إذكاء التشدد الاسلامي.

ولروسيا قاعدة بحرية في الاراضي السورية وترتبط الدولتان بعلاقات ثقافية قديمة وعميقة. يعيش الاف السوريين في روسيا ويقيم الكثير من الروس في سوريا نتيجة لسنوات من العلاقات التعليمية والتجارية والأمنية.

وهاجر سوريون مؤيدون ومعارضون للأسد إلى روسيا وهي من بين بضع دول تمنح تأشيرات لمواطنين سوريين يرغبون في العثور على ملاذ آمن لأبنائهم وأموالهم.

يجلس حسن الدبيسي الذي جاء لدراسة الهندسة في موسكو منذ خمس سنوات في مطعمه الذي يقدم الوجبات الشرقية في حي تجاري مزدحم في العاصمة الروسية. يقول الدبيسي إن رجال أعمال سوريين من مختلف الاتجاهات السياسية زاروه ثلاث مرات طلبا للمساعدة. ويضيف وهو ينفث دخان النرجيلة "عادة يريدون شراء حصة في المطعم أو يطلبون المساعدة ليبدأوا العمل في روسيا لكنني لا أحب الشركاء."

وذكر الدبيسي الذي جاء من منطقة قرب درعا مهد الانتفاضة ضد الأسد إنه قدم مساعدات مالية للمعارضة بقيمة 10 الاف رويبة (310 دولارات) كما فعل الكثير من المهاجرين السوريين.

وبدأ التأييد كبيرا للمعارضة في صفوف الجالية السورية في موسكو التي تعتبر أكثر علمانية وأفضل تعليما من عوام السوريين. لكن الحماسة فترت مع اشتعال العنف وتصدر المقاتلين الاسلاميين للمشهد.

يقول الدبيسي وآخرون من أنصار المعارضة إنهم يواجهون ضغوطا متزايدة وأحيانا عنف في روسيا بسبب مواقفهم السياسية ولانضمامهم إلى الاحتجاجات المناهضة للأسد في موسكو.

يتابع "السفارة (السورية) هنا اعتبرتني بالفعل أحد أنصار المعارضة ... وسمعت أنه لو عدت يوما إلى سوريا فسأكون على قائمة الاعتقالات حتى قبل أن انتهي من اجراءات جواز السفر."

وازدهرت العلاقات الأمنية بين سوريا وروسيا خلال الحرب الباردة. وكانت روسيا ثاني أكبر مصدر للسلاح بعد الولايات المتحدة أول مورد لجأ اليه حافظ الأسد والد الرئيس بشار حينما استولى على السلطة عام 1971.

وبعد عامين سلحت موسكو تحالفا عربيا ضم سوريا شن هجوما مباغتا على القوات الاسرائيلية في حرب 1973. وعندما استدارت مصر نحو واشنطن وطردت الخبراء الروس بقيت سوريا في معسكر موسكو.

وأصبحت سوريا زبونا أكثر ولاء بعدما شطبت روسيا نحو 70 في المئة من ديونها المستحقة على سوريا التي بلغت 13.4 مليار دولار عام 2005 والتي كانت عقبة كؤود جمدت التعاون العسكري في التسعينيات.

ومنذ ذلك الحين تمركزت العلاقات حول السلاح والتعاون العسكري. وتقول مصادر سورية إن قوات موالية للأسد أرسلت لموسكو للتدريب. وأبلغ مصدر عسكري روسي وكالة انترفاكس الروسية للأنباء بأن عددا غير محدد من الضباط السوريين أوفد إلى روسيا للتدريب على عدة أنظمة للدفاع الصاروخي ليس من بينها نظام اس-300.

إرسال قوات إلى الجولان

في سياق متصل قالت الأمم المتحدة إنها لا تستطيع قبول عرض روسيا إرسال قوات تحل محل جنود النمسا في بعثة حفظ السلام بالجولان نظرا لأن هناك اتفاقية بين إسرائيل وسوريا تمنع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي من المشاركة في البعثة.

وعبرت المنظمة الدولية عن تقديرها لعرض روسيا الذي قدمه رئيسها فلاديمير بوتين بعد أن قالت النمسا إنها ستسحب قواتها من قوة مراقبة فض الاشتباك بسبب تصاعد حدة القتال في سوريا.

وقالت النمسا التي تساهم بنحو 380 جنديا في قوة الأمم المتحدة البالغ عددها ألف جندي وتراقب وقف إطلاق النار بين سوريا واسرائيل إنها ستسحب جنودها بعد تصاعد الاشتباكات بين القوات الحكومية السورية وقوات المعارضة في المنطقة الفاصلة بين إسرائيل وسوريا.

وروسيا حليف قديم للرئيس السوري بشار الأسد ومصدر السلاح الرئيسي لحكومته. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة مارتن نسيركي إنه يستحيل على المنظمة الدولية في الوقت الحالي قبول عرض روسيا إحدى الدول الأعضاء الدائمين التي تمتلك حق النقض في مجلس الأمن. والأعضاء الدائمون الآخرون في المجلس هم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين.

وقال نسيركي للصحفيين "نقدر اهتمام الاتحاد الروسي بإرسال قوات إلى الجولان." وأضاف "لكن اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل وبروتوكولها لا يسمحان للدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بالمشاركة في قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك."

وقال السفير البريطاني ليال جرانت رئيس مجلس الامن للشهر الحالي بعد جلسة خاصة للمجلس بشأن ازمة قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك ان هذه القوة لابد وان تبقى في مكانها حتى اذا تم تقليص اعدادها بشكل مؤقت.

واضاف جرانت ان ادارة حفظ السلام بالامم المتحدة بدأت تسأل الدول الاخرى المشاركة في القوة وهي الفلبين والهند اذا كان بوسعها زيادة عدد جنودها كما انها تناقش امكانية ارسال دول جديدة جنودا.

واردف قائلا "في نفس الوقت فانهم يحاولون تشجيع النمساويين على ابطاء انسحابهم من المسرح واثناء اي دول اخرى مساهمة بقوات من سحب قواتها.

وقال دبلوماسي بالمجلس لرويترز شريطة عدم نشر اسمه ان ارفيه لادسوس كبير المسؤولين بالأمم المتحدة عن عمليات حفظ السلام اوضح خلال كلمة له امام مجلس الامن في جلسة مغلقة ان السماح لقوات حفظ سلام روسية قد يكون معقدا جدا من الناحية القانونية وانه يفضل العثور على مساهمين اخرين بقوات .

وقالت فيجي انها سترسل قوات لتحل محل قوة كرواتية انسحبت بالفعل. وانسحبت القوات اليابانية ايضا بسبب العنف.

وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين إن بلاده على دراية تامة بتلك القيود التي تتضمنها الاتفاقية الموقعة قبل أربعة عقود وهو ما يفسر قول بوتين إن الأمر سيتوقف على رغبة دول المنطقة - خاصة سوريا وإسرائيل - والأمم المتحدة في نشر قوات روسية هناك.

وقال تشوركين للصحفيين "نعتقد أن الوقت قد تغير" مضيفا أنه من الممكن نظريا تعديل البروتوكول الذي يمنع الأعضاء الدائمين من المشاركة في قوة مراقبة فض الاشتباك. وأضاف "وقعت الاتفاقية قبل 39 عاما في ذورة الحرب الباردة وفي ظل الحرب (بين العرب وإسرائيل) عام 1973." وتابع "أما الآن فالسياق مختلف تماما وتبدو قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في حالة صعبة."

واضاف انه طلب من خبراء الامم المتحدة القانونيين بحث مااذا كانت هناك حاجة لاصدار قرار جديد اذا تمت مناقشة العرض الروسية للمساهمة بقوات لان الاتفاقية الاصلية التي انشات قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك لا تسمح للدول دائمة العضوية بمجلس الامن المساهمة بقوات.

ويمثل انسحاب القوة النمساوية ضربة جديدة لبعثة الأمم المتحدة. فعلاوة على تصاعد القتال في منطقة عملها وقعت عدة حوادث في الآونة الأخيرة احتجز فيها مقاتلو المعارضة السورية مراقبين من قوة فض الاشتباك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/حزيران/2013 - 10/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م