الأمنيات عاجزة عن بناء الحياة الأمثل

مئة كلمة وكلمة في قواعد الحياة

 

شبكة النبأ: توجد في كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنين، الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، قواعد للفكر والسلوك، يمكنها، فيما لو التجأ إليها الفرد والمجتمع، أن تفتح مسارات صحيحة لهذا البناء، شريطة الالتزام بالتطبيق بعد الايمان بها، وهي من نوادر الحكم وجواهر الكلم، وكلنا نتفق على ان الانسان يحتاج الى قواعد صحيحة للبناء، لكي يبني حياته بالصورة الصحيحة، وطالما ان المجتمع يتكون من مجموع الافراد وتقاربهم مع بعض، فإن المجتمع برمته يحتاج الى تلك القواعد السليمة حتى يبني عليها حياته، وهذه القواعد موجودة في نهج البلاغة، إذ تهدف سلسة مقالات (مئة كلمة وكلمة)، أن تصل الى قواعد تساعد الانسان على البناء السليم، لاسيما اننا نعيش في عالم محتقن، تحكمه ضوابط ومصالح وأخلاقيات مادية بحتة.

من الظواهر التي رافقت تكوين المجتمع الاسلامي، التقاعس عن العمل، ومحاولة التعويض عن ذلك بالتمني، والميل الى الخمول والكسل، والحصول على أساسيات العيش والبناء بطرق ملتوية، لا نجد فيها جهدا فكريا او عضليا، انما يرغب كثيرون في تحقيقها من خلال اللجوء الى التمني فحسب، الامر الذي يؤدي بهم الى الفقر بمعناه الاوسع، أي ليس فقر في المال فقط، بل فقر يشمل جوانب الحياة كافة.

غنى الانسان على قدر جهده

من الامور التي تمَّ التركيز عليها في (نهج البلاغة)، أهمية وشرطية الجهد الذي ينبغي على الانسان أن يبذله، مقابل تحقيق أساسيات الحياة السليمة، فلا يمكن أن يعيش الانسان حياة كريمة ما لم يبذل الجهد الكافي بشقيه المادي (العضلي) والفكري، من اجل تحقيق هذا الهدف.

لذا نقرأ في قول الامام علي عليه السلام: ( أَشْرَفُ الْغِنَى تَرْكُ الْمُنَى).

هذه الحكمة تؤكد من دون أدنى ريب أن الامنيات الفارغة، لا تقود صاحبها الى الهدف المبتغى، لذلك ينبغي أن يغادر المجتمع هذا السلوك، وأن لا يتحول الى طبيعة ينتهجها الفرد والجماعة كمنهج او اسلوب متعارف عليه في العيش، لأن الامنية مهما كانت كبيرة من حيث النوع والكم، تبقى عاجزة لانها تأتي في اطار التمني فحسب، أما اذا كانت امنية مقرونة بالسعي والتخطيط والتطبيق العملي، فهي لا تسمى أمنية فارغة، بل أهداف يخطط لها الفرد او الجماعة ويسعون الى تحقيقها.

من هنا ليس أمام الفرد والجماعة سوى ترك الامنيات الفارغة، والتعويل على الاهداف الواضحة والتخطيط لها، ومن ثم التنفيذ الدقيق للوصول اليها، واذا تحول هذا النوع من التفكير الى عمل، وشاع بين الافراد والجماعات ومكونات المجتمع كافة، فإن الغنى للفرد والمجتمع يصبح امرا قادما وقائما لا محالة، وبطبيعة الحال لا يمكن أن يتحقق هذا من دون ترك المنى.

وفي هذا المجال نقرأ ايضا حكمة اخرى في نهج البلاغة، تشير الى نوع آخر من التعجيز الذاتي للانسان، عندما يتحول من انسان منتج فعّال، الى كائن يعيش على الامل الفارغ من التخطيط والسعي، وهو أمل سلبي بطبيعة الحال، لأننا نقر أن هناك أملا ايجابيا، يقترن بالتخطيط والسعي لتحقيق الاهداف، لذلك فإن الامل السلبي يقود الانسان في الاتجاهات الخاطئة.

نقرأ في هذا المجال حكمة عظيمة وقاعدة حياة متقدمة للامام علي عليه السلام تنص على ما يلي: (مَنْ أَطَالَ الْأَمَلَ أَسَاءَ الْعَمَلَ).

من الواضح هنا أن طول الامل، يؤدي الى ضعف الارادة وغياب السعي والتخطيط، لهذا عندما يكون الامل من دون أساسيات وحقائق يستند اليها، فإن نتيجة هذا النوع من الامل ستكون سيئة حتما، كونها تخلو من التخطيط والفعل والانتاج ايضا، لذلك تحذرنا الحكمة المذكورة سابقا، من الامل عندما يتحول من صفته ومزاياه الايجابية الى سلوك سلبي لا يخدم الانسان.

قيمة الانسان عمله الجيد

مما لا شك فيه أن الامنيات عاجزة عن تحقيق ما يرغب به الانسان على ارض الواقع، بل طالما تكون سببا في إعاقة الانسان عن الوصول الى اهدافه، لذلك فإن الانسان الذي يكثر من التعلق بالامنيات، غالبا ما يكون مصيره الفشل، ولهذا لابد أن يتحصَّن الانسان بارادة قوية وهمّة عالية، لسبب بسيط أنها تقوده الى تحقيق اهدافه بعيدا عن اسلوب التمني الفارغ.

فضلا عن مساعدته على تحصيل قيم وصفات اخرى مهمة تساعده على تطوير حياته ودفعها الى امام، أي اذا كان الانسان ذا ارادة قوية، وغير ميّال الى اسلوب الامنيات العاجزة، فإنه سيكون ذا مروءة وشجاعة وعفة، لأن قوة الارادة ترتبط بهذه الصفات والملكات وكأنها خرز تكتمل في قلادة واحدة.

لذلك نقرأ في كتاب نهج البلاغة، حول هذا الموضوع ما قاله الامام علي عليه السلام: (قَدْرُ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ وَ صِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ وَ شَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ وَ عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ). هنا يتأكد لنا أن الانسان الذي يتخلص من اسلوب التمني في تحقيق الاهداف، سوف يتمكن من ذلك من خلال الارادة الحازمة القوية والهمّة العالية، وسوف تكتمل شخصيته من خلال تميزها بسمات وصفات وملكات متقدمة، تساعده على بناء الحياة الافضل، وانعكاس ذلك على حياة المجتمع ككل، لان الانسان بطبيعته، يحب أن يقلد الناس الناجحين، فعندما ينجح فرد في المجتمع، عليه ان يعرف بأنه سيكون سببا في نجاح كثيرين غيره.

وهكذا يعد ترك اسلوب الامنيات الفارغة، قاعدة من قواعد بناء الحياة الافضل والاجمل والامثل، للفرد والجماعة، وللمجتمع ككل، وهذا ما تؤكده الحكم العظيمة التي ينطوي عليها كتاب نهج البلاغة للامام علي ابن أبي طالب عليه السلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/حزيران/2013 - 10/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م