الحرب السورية... مقامرة الكبار على حساب الصغار

 

شبكة النبأ: يدور الصراع السوري في حلقة مفرغة من الأجندات والمصالح الإقليمية والدولية ذات المواقف المتباينة والمتناقضة في بعض الأحيان التي تبقي الأزمة السورية متأرجحة بلا تسوية او توافق يرضى أطراف النزاع المستمر منذ ثلاث سنوات تقريبا، بل تضفي هذه المتناقضات وتصاعد التوترات المضطردة في أتون الحرب سوريا، حسابات معقدة تحد من فرص السلام.

بدءً من سباق التسلح المتمثل بـ تكثيف الدعم العسكري الأمريكي المزعوم للجماعات المسحة في سوريا، ودعم الجيش السوري من قبل روسيا بنظام الدفاع الجوي المتطور إس-300، الى محاولة واقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا، فضلا عن قضية استخدام اسلحة كيماوية في الحرب السورية، ل ينتقل الصراع السوري إلى مرحلة جديدة، وذلك بمشاركة حزب الله الى جانب القوات الحكومية ضد مقاتلو المعارضة المتمردة والمدعومة من لدن بعض الدول الإقليمية والدولية خلال الاونة الأخيرة، ليحقق تحلف حزب الله مع الجيش السوري انتصارات كاسحة قلبت موازين الحرب، مما اثار سخطا كبيرا من لدن الدول الداعمة لمقاتلي المعارضة المتمردة، ليوجه هذا الانتصار ضربة قاسمة للأجندات ومصالح تلك الدول.

فقد صعدت واشنطن حدة نبرتها تجاه سوريا لتلاقي حماسة حلفائها الفرنسيين والبريطانيين الذين يطالبون بتحرك اكبر، الا ان الخيارات العسكرية لا تزال محدودة بالنسبة للعواصم الغربية التي تريد خصوصا تفادي الدخول في اتون النزاع السوري، وترددت خلال السنتين الماضيتين كثيرا عبارات التسليح واقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا، على وقع التبدلات الميدانية الكبيرة التجاذبات الدبلوماسية.

لكن للمرة الاولى عمد البيت الابيض الى تشديد لهجته من خلال اتهام النظام السوري باستخدام اسلحة كيميائية، بعدما اعلنت باريس وتبعتها لندن امتلاك ادلة تثبت استخدام غاز السارين من جانب قوات النظام في سوريا.

إذ يرى معظم المحللين ان اتهام امريكا وحلفائها لسوريا باستخدام الكيميائي قد يكون ذريعة للحرب، خصوصا بعدما حقتت القوات السورية انتصارات متتالية على قوى المعارضة المسلحة خاصة خلال الاونة الاخيرة، ويعتقد هؤلاء المحللين ان هذه الذريعة ربما تكون تكرار السيناريو العراقي في سوريا والمتعلق باستخدام وتقصي وجود الاسلحة الكيمياوية في البلد كحجة للاطاحة بالرئيس بشار الأسد.

فيما يرى محللون آخرون انه في الوقت الحاضر يبقى اي تدخل مباشر للمجتمع الدولي في سوريا مسألة نظرية، في المقابل تنضم موسكو الحليف الرئيسي لدمشق الى الغربيين في مسألة الاسلحة الكيميائية، لتكسب هذه قضية مزيدا من التعقيد او التوازن، وترى روسيا إن تكثيف الدعم العسكري الامريكي لقوات المعارضة السورية ينطوي على خطر تصعيد العنف في منطقة الشرق الاوسط.

ويضع التهديد الصريح بدخول الحرب واشنطن في صدام دبلوماسي مع موسكو التي استخدمت حقها في نقض قرارات مجلس الامن الدولي ثلاث مرات لاعاقة قرارات كان من الممكن ان تستخدم للتهديد باستخدام القوة ضد الاسد.

فيما يرى محللون آخرون ان كل هذه المؤشرات العسكرية لا تعني ان تدخلا عسكريا غربيا بات وشيكا،معتبرين ان اللاعبين الاساسيين في الملف السوري كمن يلعبون الميسر، كما اعتبر بعض المحللين لعب ورقة الاسلحة الكيماوية من قبل فرنسا وبريطانيا في هذا التوقيت جاء كرد فعل لصفقة صواريخ ارض-جو من طراز اس 300 الروسية الى سوريا، حيث تعترض اسرائيل والدول الغربية بشدة على حصول سوريا على مثل هذه الصواريخ المتطورة المضادة للطائرات والصواريخ، وتثير الصواريخ قلق القوى الاقليمية والولايات المتحدة لانها يمكن ان تعقد فرض منطقة للحظر الجوي فوق سوريا.

وتستلزم اقامة منطقة حظر طيران ان تدمر الولايات المتحدة الدفاعات الجوية السورية المتطورة التي حصلت عليها دمشق من روسيا وهو ما يقحمها في الحرب بنفس الطريقة التي تدخل بها حلف شمال الاطلسي للمساعدة في الاطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي قبل عامين. وتقول واشنطن انها لم تستبعد هذا الامر لكن القرار ليس "وشيكا".

وعليه فأن المعطيات آنفة الذكر تظهر أن تضارب وتباين الحسابات والأجندات الإقليمية والدولية يضع النزاع السوري داخل حلقة مفرغة تساعد على ديمومة الصراع، ليبقى المشهد السوري غامضا حتى اللحظة الراهنة.

موسكو تدعو واشنطن الى تجنب تكرار خطأ العراق في سوريا

في سياق متصل رأت روسيا ان اتهامات الولايات المتحدة لنظام الرئيس السوري بشار الاسد باستخدام اسلحة كيميائية "غير مقنعة" وحذرت واشنطن من تكرار الخطأ الذي ارتكبته بغزوها العراق بعد اتهامات كاذبة لصدام حسين بامتلاك اسلحة للدمار الشامل.

ورأى المستشار الدبلوماسي في الكرملين يوري اوشاكوف ان قرار الولايات المتحدة تسليم المعارضة مساعدة عسكرية يمكن ان يضر بالجهود الدولية لانهاء النزاع السوري الذي سيكون محور قمة لقادة دول مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى وبينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ايرلندا الشمالية الاسبوع المقبل، وقال اوشاكوف ان مسؤولين اميركيين قدموا مؤخرا معلومات لروسيا حول استخدام اسلحة كيميائية ضد مقاتلي المعارضة من قبل نظام الرئيس بشار الاسد، وقال اوشاكوف "نقول ذلك بوضوح: ما قدمه الاميركيون يبدو لنا غير مقنع"، مؤكدا في الوقت نفسه ان قرارا اميركيا بزيادة المساعدة للمسلحين "سيعقد" جهود السلام، واضاف ان "طبيعة هذه المعلومات لا يمكن ان تكشف بالطبع. لكنني اكرر هذا ليس مقنعا"، وتابع اوشاكوف "لا اريد ان اقارن بين الحالتين لكن لا اريد ان اعتقد ان هذه المعلومات يمكن ان تكون مشابهة للقارورة التي عرضها وزير الخارجية الاميركي كولن باول خلال الاجتماع الشهير لمجلس الامن الدولي".

ويشير اوشاكوف الى اجتماع عقده مجلس الامن في 2003 وقدم فيه باول قارورة قال انها تحوي مادة الجمرة الخبيثة كدليل على وجود برامج التسلح العراقية، وشن الرئيس الاميركي السابق جورج بوش حملته العسكرية على العراق في 2003 استنادا الى هذه الادلة لكن لم يعثر على اي اسلحة للدمار الشامل في العراق.

من جهته، رأى نائب في حزب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان ادعاءات الولايات المتحدة بان الاسد استخدم الاسلحة الكيميائية "مفبركة"، لكنه كان اكثر وضوحا في التشبيه بين الوضعين، وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما الروسي النائب اليكسي بوشكوف في تغريدة على حسابه على تويتر ان "المعلومات حول استخدام الاسد للاسلحة الكيميائية مختلقة في المكان نفسه الذي اختلقت فيه الاكاذيب حول اسلحة الدمار الشامل لدى (صدام) حسين"، وقال بوشكوف على تويتر "لماذا قد يستعمل الاسد (غاز) السارين + بكميات ضئيلة + ضد المقاتلين؟ اين المنطق؟ لوقف التدخل الخارجي؟ هذا غير منطقي". بحسب رويترز.

ولا يعبر بوشكوف عن موقف روسيا الرسمي حول السياسة الخارجية الا انه غالبا ما يعكس وجهة نظر الكرملين حول القضايا الدولية الكبرى، واكد اوشاكوف ان فرص عقد مؤتمر دولي للسلام في سوريا الذي اقترحته موسكو وواشنطن في ايار/مايو الماضي، قد تتضرر بخطط واشنطن تقديم مساعدة عسكرية للمعارضة، وقال "بالتأكيد اذا قرر الاميركيون فعليا وفي الواقع تقديم مساعدة اكبر للمتمردين، مساعدة للمعارضة، فان ذلك لن يجعل الاعداد للمؤتمر الدولي اسهل"، وردا على سؤال عما اذا كان القرار الاميركي بدء تسليح مقاتلي المعارضة السورية سيدفع روسيا الى بدء تسليم دمشق صواريخ اس-300 مضادة للطائرات، قال اوشاكوف "لا نتحدث عن هذا الامر بعد. نحن لا نتنافس في سوريا"، وكان بوتين اعلن ان روسيا وقعت عقدا لتسليم النظام السوري صواريخ اس-300 لكنها لم ترسل ايا منها بعد.

وفي بيان منفصل، قالت وزارة الخارجية الروسية ان القرار الاميركي بارسال مزيد من المساعدة لمقاتلي المعارضة السورية "سيرفع مستوى المواجهة والعنف ضد السكان المدنيين السلميين"، واضافت ان الجهود الاميركية لاشراك مقاتلين في المعارضة السورية في مؤتمر السلام "لا تجدي نفعا".

الغربيون يصعدون نبرتهم تجاه سوريا لكن خياراتهم محدودة

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، يعتزم الاميركيون تسليم اسلحة خفيفة وذخائر للمعارضة السورية، لكن من دون تسليم منظومات اسلحة مضادة للطيران، وهي من ابرز مطالب المعارضين السوريين الذين يواجهون الالة العسكرية الشرسة للطيران السوري، واشارت من جانبها صحيفة وول ستريت جورنال الى ان الرئيس الاميركي باراك اوباما اصدر اوامر سرية لوكالة الاستخبارات المركزية (سي اي ايه) بالتنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة الذين يزودون المعارضة السورية بالاسلحة.

وعقد اجتماع "تقني" جمع مسؤولين اميركيين وفرنسيين وبريطانيين وسعوديين ورئيس الاركان في الجيش السوري الحر سليم ادريس في تركيا لبحث اليات تقديم "مساعدة ملموسة"، وتتمثل اهداف هذا الاجتماع بحسب مصادر في باريس بتبادل المعلومات الاستخبارية والمساعدة على التخطيط للعمليات ومراقبة مسارات توزيع "المساعدات" (التي لا تزال رسميا انسانية وغير قاتلة), كما يهدف الاجتماع الى تقوية موقع سليم ادريس، المحاور المفضل للغربيين، لكن خصوصا للسعوديين والقطريين، ابرز داعمي المعارضة السورية، وقال مصدر دبلوماسي فرنسي انه "يجب ان نمر خلاله" وذلك من جهة لتعزيز صدقيته في الداخل ومن جهة ثانية لتفادي وصول الاسلحة الى ايدي المقاتلين الجهاديين الذين يحاربون في سوريا.

اما الخيار الثاني الذي تم التحدث عنه مرارا فهو اقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا. وبحسب معلومات لصحيفة وول ستريت جورنال لم يؤكدها البيت الابيض، اقترح المسؤولون العسكريون الاميركيون اقامة منطقة حظر طيران محدودة في جنوب سوريا، لكن باريس تذكر بانه من الضروري تجاوز مجلس الامن الدولي في هذا الموضوع اذ ان الحصول على ضوء اخضر منه لاقامة مثل هذه المنطقة متعذر على الارجح بسبب معارضة روسيا، الحليف الاساسي للنظام السوري. بحسب فرانس برس.

يبقى ان الاميركيين قرروا ابقاء مقاتلات "اف 16" وصواريخ باتريوت في الاردن. وبحسب مصدر دبلوماسي غربي فإن هذه المقاتلات "حصنت الاردن والهدف الفعلي هو حماية اسرائيل"، وفي جهة الحدود الشمالية لسوريا، تم نشر صواريخ باتريوت منذ كانون الثاني/يناير الماضي على الحدود التركية، وذكر الامين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فوغ راسموسن بان هذه الصواريخ ستوفر "حماية فعالة لتركيا في مواجهة اي هجوم للصواريخ السورية".

سباق التسلح في سوريا لن يحسن الوضع 

الى ذلك اكد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ان تسليم اسلحة للطرفين المتنازعين في سوريا لن يساعد في معالجة الوضع، مشددا على ضرورة اجراء تحقيق ميداني لاثبات استخدام النظام السوري لاسلحة كيميائية، وصرح بان للصحافيين "ليس هناك حل عسكري" للنزاع السوري، مضيفا في تعليق على القرار الاميركي بتسليح مقاتلي المعارضة السورية ان "تسليم الجانبين مزيدا من الاسلحة لن يحسن الوضع"، واضاف ان "الطريق العسكري يؤدي مباشرة الى تفكك البلاد (...) وتصاعد التوتر الديني والطائفي"، موضحا ان الامم المتحدة تجهد مع موسكو وواشنطن لعقد مؤتمر جنيف-2 "في اقرب وقت".

واذ تناول اتهام واشنطن للنظام السوري باستخدام اسلحة كيميائية، شدد بان على "ضرورة ارسال بعثة تحقيق ميداني الى سوريا تستطيع جمع عيناتها الخاصة وتحديد الوقائع"، وجدد الامين العام دعوة الحكومة السورية الى منح فريق خبراء الامم المتحدة برئاسة اكي سيلستروم حرية التحرك في الاراضي السورية وقال "اطلب مجددا بالحاح من الحكومة السورية ان تمنح الدكتور سيلستروم القدرة على التحرك، وهو امر نطالب به منذ وقت طويل".

ولفت الى ان مكتبه تلقى رسالة من الادارة الاميركية حول الاسلحة الكيميائية من دون ان يكشف مضمونها، واكد بان ان "صدقية اي معلومة في شان امكان استخدام اسلحة كيميائية لا يمكن ضمانها من دون دليل مقنع حول خيط تسلسل حيازة" الأسلحة، اي من دون تحديد كيفية وصول اثار المواد السامة التي تم العثور عليها ميدانيا الى المكان الذي كانت فيه، وردا على سؤال عن احتمال تقديم واشنطن اسلحة الى مقاتلي المعارضة السورية، كرر بان ان "تزويد هذا الجانب او ذاك السلاح لن يعالج الوضع الراهن".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/حزيران/2013 - 9/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م