شيعة الخليج في مواجهة المد التكفيري

فتاوى وتحريض ودعوات للكراهية

 

شبكة النبأ: في الاونة الأخيرة تصاعدت السخونة السياسية الحقوقية المذهبية في منطقة الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق، حتى اصبحت ساحة معركة للحروب المذهبية الطائفية التي لم تعد خافية على أحد ولم تعد تنطلي المزاعم التي يتخفى وراءها من يروج لها، خصوصا بعد أن اتضحت أبعاد المؤامرة الكبرى على سوريا، التي أدت إلى تفاقم التوترات السنية-الشيعية في أرجاء الشرق الأوسط حيث تساند إيران وحزب الله الرئيس السوري بشار الأسد بينما تؤيد الدول التي يحكمها السنة -مثل السعودية وتركيا وقطر- الجماعات المسلحة المتطرفة في سوريا.

يأتي ذلك كله مع تنامي واتساع سيطرة التيار السلفي المتشدد الذي سيطر على معظم قادة المعارضة بدعم خليجي طائفي لم يخفى. إذ يرى الكثير المحللين أن الاطراف السلفية تسعى الى توتير الساحة الداخلية عبر رفع سقف الفتنة الى حد الصدام والانفجار ومصادرة الحريات والحقوق.

وهذا ما تجسد من خلال ممارسة أبشع الجرائم الإجرامية بالقتل والعنف غير المبرر ونشر الموت والدمار وانتهاكات غير إنسانية متواصلة، وقد أوجز مشهد الوحشية الطائفية في المجزرة التي ارتكبت في بلدة حطلة في دير الزور كل هذه الانتهاكات الصارخة بحق الكرامة الإنسانية، وهو المشهد الذي لا يمكن أن يتعدى الـ 1 في المئة مما يجري على أرض الواقع فعلاً من حالات التعدّي على حقوق الإنسان في سوريا.

كما وعلى الرغم من انتهاج هذه الجماعات السلفية المدعومة من لدن الحكومات الخليجية اشد أساليب القمع والتعسف على المعارضين، فضلا عن التعتيم الإعلامي المستمر، الا ان ثورة البحرين خير مثال لصمود الشيعة في قلب التطرف فمازالت مستمرة وتستلهم ثورات الربيع العربي الاخرى، ناهيك عن ابتدع سياسة التهجير القسري ضد الشيعة في الخليج، خاصة في الشهور الأخيرة، وعليه كما بينت الحقائق والدلائل باعترافات مباشرة من الجماعات السلفية الوهابية المتطرفة المدعومة من بعض الدول الاقليمية، لتعكس هذه الحقائق والدلائل مدى والغايات والأجندة التي تهدف اليها الدول الداعمة والمحرضة تحت غطاء النيل من الشيعة.

اللجنة الدولية المشرفة على اتفاقية مناهضة التعذيب

فقد دعت حديثا منظمة شيعة رايتس ووتش الدولية، التي تتخذ من العاصمة الامريكية واشنطن مقرا لها، اللجنة الدولية المشرفة على اتفاقية مناهضة التعذيب وهي تحتفي في يومها العالمي، دعت الى التصدي لظاهرة اضطهاد الشيعة التي باتت تنتشر في العديد من مناطق الشرق الاوسط وبعض الدول الاسيوية، وما انسحب على ذلك من ازدياد خطير في معدلات التعذيب والانتهاكات المثيلة لتلك الجريمة التي ترتكب بحقهم.

وجاء في بيان المنظمة: "باتت تلك الظاهرة وما يتعبها من ضروب المعاملة القاسية واللا انسانية تنتشر على اوسع نطاق في العديد من البلدان الشرق اوسطية، حتى بات هذا الامر معاناة تتكبدها مجتمعات كاملة، وامام  و مرأى المجتمع الدولي، مما يعد انتهاكا صارخا للاتفاقية اولا والاعلان العالمي لحقوق الانسان ثانيا".

واضاف البيان، "هذا الامر يستدعي تحرك اللجنة الدولية للحد من تلك الانتهاكات الانسانية ومعاقبة من يقف ورائها او يروج لها، معنويا او ماديا، وفق المادة الرابعة/ الفقرة اثنان من الميثاق الدولي".

واكد بيان المنظمة على ان، "ما يتعرض له المسلمين الشيعة من حملات نظامية وجماعية ممنهجة للنيل من افرادها، تكون احيانا بإشراف بعض الحكومات الاستبدادية كما هو الحال في البحرين والسعودية، او جهات دينية عنصرية مرتبطة بها".

وحذر البيان، "تحذر المنظمة من تفاقم تلك الحالات، خصوصا مع ازدياد معدلات الاحتقان السياسي في المنطقة، وارتفاع وتيرة التحريض والازدراء الذي تواجهه المجتمعات الشيعية، والتي تسببت مؤخرا في وقوع جرائم خطيرة الموثقة".

علو النبرة الطائفية

في سياق متصل مع علو النبرة الطائفية من جانب بعض شيوخ السنة بعد تدخل حزب الله اللبناني في الصراع السوري تنتاب شيعة الخليج مخاوف من إلقاء اللائمة عليهم بل وربما جعلهم كبش فداء، قال وليد سليس الباحث بمركز العدالة السعودي لحقوق الإنسان "الجديد هو انتشار لغة الكراهية... في الشبكات الاجتماعية والمحاضرات وفي المساجد وفي الصحافة. اللغة المستخدمة تتميز بحدية أكثر من السابق وهناك حالة من التعميم بعد أحداث سوريا."

وتدلي الآن أسماء دينية بارزة بدلوها مما يزيد النبرة الطائفية ويجعلها تبدو جزءا من صراع سني شيعي أوسع نطاقا، وحث الداعية يوسف القرضاوي السنة على الانضمام إلى الجهاد في سوريا كما أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه ومقره قطر دعا إلى "يوم غضب" الجمعة القادمة.

قال الشيخ محمد المبارك الصباح وزير الدولة الكويتي لشؤون مجلس الوزراء في تصريحات لرويترز إن هناك عصبا طائفيا حساسا جدا يضطرب وينتفض في دول مجلس التعاون الخليجي الآن وإن الوضع في غاية الحساسية، وأضاف أن سوريا أصبحت هي الساحة الجديدة للعبة شد الحبل القديمة.

وطال بعض الشيوخ السنة بكلماتهم الشيعة الذين يمثلون أقلية في السعودية والكويت لكنهم أغلبية في البحرين ووصفوهم بأنهم أداة في أيدي إيران.

وقالت جيهان كازروني نائبة رئيس المنظمة البحرينية للتأهيل ومناهضة العنف "كل شيء يحدث في سوريا أو لبنان يأخذ أبعادا طائفية." وأضافت "أنا كواحدة بحرينية خائفة من حرب طائفية"، وقالت العنود الشارخ الباحثة البارزة بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "في أوقات التوتر الشديد كتلك التي نمر بها حاليا تطفو هذه المسائل الطائفية المؤسفة على السطح"، وتوحد الأقليات صفوفها عادة في مواجهة ما تعتبره تهديدا خارجيا.

وساهمت تسجيلات مصورة على الإنترنت لمشاهد من ساحة المعارك في سوريا في حدوث شقاق بين دول الخليج العربية التي تتزايد شكوى شيعتها من النظر إليهم باعتبارهم عملاء لإيران، ويشير الشيعة إلى قيام مقاتلين من الجماعات المتمردة في سوريا بنبش قبر حجر بن عدي احد رموز الشيعة بالقرب من دمشق وقيام أحد مقاتلي المعارضة بتمزيق قلب جندي من القوات النظامية كمثالين لما يمكن أن يلحق بهم إذا تولى إسلاميون متشددون السلطة.

وقال سليس إن الخطير في الأمر هو التعميم مشيرا إلى أن وسائل الإعلام قد تستهدف حزب الله لكن المسألة تطال كل الشيعة، وأضاف "هناك حالة من التعميم. في السابق كانوا يقولون الرافضة ولا يقصدون كل الشيعة... الخوف أن يتحول الصراع إلى صراع عنيف والمشكلة توثر على النسيج الاجتماعي."

من جهة أخرى اتهمت السعودية إيران بأنها وراء مخطط لاغتيال سفيرها في واشنطن واعتقلت كذلك عددا من المتهمين بالتجسس لحساب طهران، وعندما استعادت قوات الأسد يدعمها مقاتلون من حزب الله بلدة القصير اعتبر بعض السعوديين ذلك نصرا إيرانيا، وكتب الصحفي السعودي عبد الرحمن الراشد في صحيفة الشرق الأوسط يقول "إن نجا نظام بشار الأسد انتصرت معه إيران وحزب الله. لهذا ليس من قبيل المبالغة القول إنها معركة مفصلية لدول الخليج والأردن ولبنان وقبل هذا كله سوريا نفسها."

ورغم أن بعض الشيوخ المحافظين الذين هاجموا الشيعة قريبون من حكومات سنية خليجية لم يجد الخطاب الطائفي المتزايد تأييدا رسميا، كما سعى شيوخ الشيعة في الخليج لتهدئة الأجواء وناشدوا الشيعة تجنب مشاعر الغضب الجامحة.

وقال الشيخ ناصر العصفور لصحيفة الوسط البحرينية "الواقع إننا بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى الحد من غلواء التشنج الطائفي والتوتر المذهبي والعمل على خلق المناخات الإيجابية وتهيئة الأرضية لاحتواء كل أشكال التعصب والانفعالات وتذويبها وهذا دور العلماء والمفكرين وأهل العقل والحكمة في توجيه الناس وتذكيرهم وتوعيتهم لحجم هذه المخاطر والأضرار"، وعبر الشيخ عبد الله أحمد اليوسف في خطبة الجمعة في مدينة القطيف السعودية ذات الغالبية الشيعية عن الأسف لما وصفه بالانقسام الخطير الذي يعيشه المسلمون. وأشار إلى أن عدد المسلمين الذين قضوا نحبهم على أيدي مسلمين يفوق عدد من مات منهم بأيدي إسرائيل، كما ندد الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر أبرز مؤسسة دينية للسنة بما وصفه بأنه "صراع مذهبي طائفي بغيض" في سوريا.

استغلال أزمة سوريا

على الصعيد نفسه استنكر مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) محاولات استغلال الأزمة في سوريا لإثارة التوترات الطائفية داعيا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد "الدعوات الضالة والسلوكيات المتطرفة" في البلاد، وبيان مجلس الأمة الكويتي هو رد فيما يبدو على مظاهرة مناهضة لحزب الله أمام السفارة اللبنانية في الكويت ألقى خلالها داعية سني خطبة نارية ضد مشاركة الجماعة الشيعية اللبنانية في الحرب السورية. بحسب رويترز.

ودعا مجلس الأمة الكويتي في بيانه الذي نشرته وكالة الأنباء الكويتية إلى "وأد هذه الفتنة قبل استفحالها" وطالب الحكومة بأن "تضرب بعصا القانون كل من يحاول ترويج خطاب الكراهية ويهدد نسيجنا الاجتماعي ويضرب لحمتنا الوطنية في مقتل"، وقال البيان الذي أصدره المجلس المؤلف من 50 عضوا ثلثهم تقريبا من الشيعة "مع تفاقم الأوضاع في سوريا برز علينا من يحاول استغلال تلك الأحداث في التأجيج الطائفي ونقل ساحة القتال إلى مجتمعنا المسالم"، وتسمح الكويت بقدر من المعارضة السياسية وحرية التعبير أكبر مما في الدول الخمس الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، ودعا الداعية شافي العجمي في خطبة بثت في موقع يوتيوب إلى تعذيب الشعية في سوريا وقتلهم، وبدأ الإسلاميون في الكويت حملة من خلال عبر تويتر للدعوة لتجهيز 12 ألف "مجاهد" وحملة لجمع التبرعات عن طريق الإنترنت في مسعى للمساعدة في تسليح مقاتلي المعارضة السورية، وندد بيان مجلس الأمة بمحاولات "تجييش" الشبان الكويتيين ومخالفة القانون بجمع تبرعات من أجل "قضايا خارجية".

خشية الترحيل

الى ذلك أعلنت بلدان مجلس التعاون الخليجي 10 يونيو/حزيران عن تنفيذ عقوبات بحق المغتربين على أراضيها من "أعضاء حزب الله" دون أن تعطي المزيد من التفاصيل عن طريقة تحديد انتماء هذا المغترب أو ذاك إلى الحزب المذكور. لذلك فالعديد من الشيعة المغتربين في بلدان الخليج يخشون اليوم أن يرحلوا بطريقة اعتباطية.

وأعلنت هذه البلدان أن العقوبات التي ستطبق على هؤلاء المغتربين ستخص "إقامتهم في البلد" ومصالحهم "المالية والتجارية". والتدابير التي ينوي اتخاذها المجلس تخص أساسا منح الإقامات لأعضاء حزب الله والمعاملات التجارية والمالية لهؤلاء الأعضاء في بلدان الخليج الستة. لكن هذه التدابير تقلق جميع المغتربين اللبنانيين الشيعة الذين يتذكرون أنه في 2009 و2012 أجبر العديد من الأشخاص المشتبه بموالاتهم لحزب الله على مغادرة بلدان الخليج وترك ممتلكاتهم.

آلاف الشيعة من جنسيات مختلفة (من العراق وباكستان وأفغانستان) يخشون أيضا أن يتعرضوا لهذه العقوبات، وقد أوضح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف راشد الزياني لجريدة "الشرق الأوسط" أن مخابرات كل بلد هي من سيحدد هويات "أعضاء حزب الله". هذا دون أن يذكر المعايير المستند إليها لتحديد انتماء هؤلاء الأجانب إلى الحزب المذكور، وتتصرف بلدان الخليج المؤيدة للمعارضة السورية هكذا ردا على مشاركة حزب الله في القتال بسوريا إلى جانب الجيش النظامي، ولا سيما في مدينة القصير، غير بعيد عن الحدود اللبنانية. أما البحرين التي تواجه ثورة شعبية من الأغلبية الشيعية والتي تتهم حزب الله وإيران بالتدخل في شؤونها الداخلية فتمارس ضغوطا من أجل اعتماد هذه التدابير.

أمل (اسم مستعار) لبناني شيعي ولد في الإمارات العربية المتحدة وقد أجبر على مغادرة البلد عام 2006، إنها عمليات "ترحيل لأسباب أمنية". لذلك فهي فورية لا يتعدى أجلها 48 وربما 24 ساعة لمغادرة الأراضي. قانونيا هذا ليس إجراء غير شرعي والمغتربون يخبرون عند الحصول على تصريح العمل بأن الترحيل لأسباب أمنية يكون فوريا ولا رجعة فيه. إنه قرار لا تصدره المحكمة وإنما إدارة الحدود المكلفة بمنح تصاريح العمل أو مباشرة من ديوان الأمير في البلد. ولذلك فلا مجال للطعن أو الدفاع.

سهل جدا أن يحدد المغتربون الشيعة انطلاقا من نوعية نشاطهم ومعارفهم والمساجد التي يرتادونها وغير ذلك. وإدارة البلد مجمعة مركزيا منذ 2009، ومن ثم فجميع الأنشطة التجارية والمالية لأي شخص مقيدة في قوائم ومن السهل جدا تحديدها.

 ومع ذلك تنطوي عمليات الترحيل هذه على نفاق كبير لأن لا أحد يزعج الإيرانيين  سواء العمال أو رجال الأعمال الأغنياء. وهذا لأن دبي مركز للأموال الإيرانية والسلطات تتجنب الاصطدام بطهران فتستهدف الضعفاء العاجزين عن حماية أنفسهم، لقد حدثت عمليات ترحيل في الماضي وهي دائما تؤدي إلى مآس إنسانية. أعرف أصحاب مطاعم عاملة هنا منذ أكثر من 20 سنة رحلوا. وكان هؤلاء الأشخاص يديرون أعمالا مزدهرة. كان يطلب منهم بيع محلاتهم خلال أيام. وكان الكفلاء المحليون [الشركاء الإماراتيون في المشاريع التجارية للأجانب] يشترون هذه المؤسسات بأسعار معقولة، لكن غالبا ما كانت تباع بأسعار بخسة أو لا تباع مطلقا. لكن الوضع الأسوأ هو وضع المغتربين القادمين منذ فترة قصيرة لأنهم يعودون إلى لبنان بلا شيء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/حزيران/2013 - 9/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م