قيم التقدم: ثقافة الانتظار المنتِج

 

شبكة النبأ: هناك دوافع مهمة يحاول الانسان ان يصنعها من اجل إدامة الحياة، على نحو مناسب ومقبول، وتكمن أهمية هذه الدوافع في حث الانسان على العيش في حالة من التفاعل والامل، لكي يتواصل في الانتاج والابداع والابتكار، وعدم الثبات على حالة واحدة من التفكير أو نمط العيش، لان التجديد من أهم سنن الحياة، وعندما يختفي الدافع للتجديد، لابد ان يكون هناك خلل ما يعتور تكوين الانسان النفسي والعقلي والفكري.

إذاً حتى نعيش حياة متحركة منتِجة متفاعلة، نحتاج الى الفكر المنتِج المتحرك، والانتظار محاولة صنعها الانسان حتى يحرّك افكاره، وتتولد لديه رغبة دائمة بالتجديد، ويندفع الى الابتكار والتغيير نحو الأفضل دائما، وينحو بقوة الى تحسين الحياة، يحدث هذا عندما ننتظر شيئا إيجابيا بإمكانه أن يغير حياتنا ويجعلها أفضل.

ولاشك أن فكرة الانتظار موجودة لدى معظم الامم، وقد صاغها المفكرون باساليب شتى وافكار متنوعة، وقد كتب الانكليزي صمويل بيكيت مسرحيته الشهيرة (في انتظار غودو)، إذ تدور حول فكرة الانتظار، كذلك لدينا فكرة الانتظار والخلاص في افكار المفكرين من امم عديدة فضلا عن الاديان حيث تتواجد فكرة المنقذ المخلص، أما المسلمون فهم يؤمنون بمجيء المنقذ متمثلا (بالامام المهدي المنتظر عليه السلام)، وهو الذي سيملأ الارض قسطا وعدلا، بعد أن تغص بالمآسي والظلم والويلات، ولكن تبقى قيمة الانتظار مرتبطة بالهدف الاسمى لها، وبقدرتها على تحريك الانسان ودفعه نحو الافضل دائما.

أي ينبغي أن لا يكون الانتظار مدعاة للتراجع او الاتكال او التلكّؤ، انه الانتظار الذي يدفع الانسان الى امام، وهو القيمة الايجابية الفعالة للانتظار، حيث يبقى الانسان في حالة أمل متواصلة للتغيير نحو الافضل، فيسعى الى التجديد من خلال فكرة الانتظار للافضل، وليس الانتظار المتكاسل، الذي يبقي الانسان أبه بالمشكوك، بلا تفكير او ارادة.

لذلك فإن فكرة الانتظار الايجابي، غالبا ما تدفع الانسان الى ابتكار الحياة الارقى والاجمل، و الاكثر اندفاعا نحو التجديد، وهو امر لا يمكن تحقيقه مع التكاسل او ضمور الارادة، بهذا المعنى تكون قيمة الانتظار مؤثرة وناجحة، وينبغي تعميمها على المجتمع عموما بالطريقة التي تجعل منها طريقة واداة للتطور وليس طريقة او سبب للسكون والثبات على فكر او نمط حياتي متكرر.

إن السعي لتوظيف الانتظار كفكرة ايجابية، تستدعي نشرها كقيمة من قيم المجتمع اولا، وينبغي أن ينظر اليها المجتمع ككل، على انها وسيلة للابداع، وليس طريقا الى الرتابة والتكرار والملل، وعندما تكون ثقافة الانتظار قيمة مكملة للقيم الاخرى، عن قناعة وايمان تام، عند ذاك سيكون الفرد والجماعة اكثر استعدادا للتغير، واكثر املا، خاصة أن الحجة المنتظر عليه السلام، عند ظهوره سيعيد الاعتبار الى الانسان الذي تعرض للظلم والقهر والطغيان بكل اشكاله.

وطالما تقوم فكرة الانتظار على التصحيح، اذاً هي فكرة تقول على الامل بالافضل، وهكذا ستكون دافعا للتطور والسعي نحو الابداع، على العكس من حالة الاتكال او التقاعس التي تشيعها بين الناس حالات اليأس، المنافية لثقافة الانتظار الايجابي، لذا تبقى هذه القيمة فعالة ومطلوبة في جانبها غير المتكاسل، أي الجانب الذي يحرر الانسان من الضعف والوهن والتراجع، لأننا مع الانتظار الايجابي، نكون اكثر استعدادا لمواصلة الحياة بأشكال وانماط متجددة دائما.

لذلك تستدعي قيمة الانتظار الايجابي، فهما صحيحا لها، وتعاملا صحيحا معها ايضا، لاننا نرفض ان تكون حالة الانتظار سببا للتلكؤ، او نشر حالة اللامبالاة بين افراد المجتمع، إنها قيمة احترام الانسان وتجديد حياته، ودفعه دائما نحو الافضل والاكثر تطورا وابداعا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/حزيران/2013 - 9/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م