العنف في سوريا... شحن طائفي وقتل للحقائق

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: سحب سوداء كثيفة من الشحن الطائفي تغطي ساحة المذبحة التي يتعرض لها أبرياء من أطفال ونساء ورجال، يقتلون على الهوية في منازلهم، ولا من مغيث، ولا من صورة واضحة لمعرفة حقيقة ما يجري، فكل ما تعلنه وتذيعه وسائل الاعلام على جانبي الصراع؛ الإعلام السوري الحكومي، والإعلام المعارض، يُعد بالنسبة لصاحبه هو الأول والأخير، فكلٌ له حلقة مفرغة يدور حولها الضحايا، سواء من كانوا تحت رحمة القوات الحكومية، أو من كانوا تحت رحمة الجماعات الارهابية والتكفيرية.

لقد بلغ الاصطفاف الإعلامي – الطائفي، في الدائرة الاقليمية والدولية، حدّاً أن يم التلاعب بحقائق تتعلق بمجزرة مريعة في قرية صغيرة وادعة شرق سوريا، بحيث تخرج القصة الى الواجهة الاعلامية، كما لو أن الاطفال والرجال المذبوحين، والنساء اللاتي تعرضن للاختطاف والاغتصاب، كانوا يستحقون ذلك. ولا مسوّغ لإدانة الفاعلين!

لنأخذ تقريراً – مثالاً- من وكالة "رويترز" البريطانية، التي نشرت تقريراً حول مجزرة "حطلة"، نشرتها يوم الخميس 13-6-2013، واستهلته بقول "للمعارضة السورية" بأن "مقاتلين سُنة قتلوا نحو 60 شيعياً في بلدة تسيطر عليها المعارضة في شرق سوريا حيث كان مؤيدون للرئيس بشار الاسد يحاولون تجنيد مقاتلين وتسليحهم. وكان هذا الهجوم علامة جديدة على تحول الحرب في سوريا إلى صراع طائفي".

في هذا التقرير، تصنيف وتعليل طائفي واضح للأحداث الدموية، حيث يقول: "..وحققت قوات الاسد يدعمها مقاتلون من حزب الله انتصاراً مهماً بالسيطرة على بلدة القصير الحدودية الاسبوع الماضي ويعتقد انها تستعد للقيام بحملة على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة قرب دمشق وحلب. وأفادت أنباء بأن كثيرا من المقاتلين الذين شاركوا في الهجوم في بلدة حطلة ينتمون الى جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة..

وصاح مقاتل في تسجيل الفيديو الذي ورد انه صور في بلدة حطلة بمحافظة دير الزور قائلا انها منطقة سنية ولا تخص غير السنة".

هذا ما كان من ساحة المواجهة والحرب، أما عن ضحايا هذه الحرب القذرة، فتحاول الوكالة البريطانية، وبقلم مدفوع الثمن ومؤطر بسياسة خاصة، أن تخرج مسألة القتل والمشاهد المريعة في مجزرة "حطلة" تحديداً من عملية الصراع والحرب، لعلمها المؤكد أن الجماعات الارهابية والتكفيرية هي من اقتحمت القرية، وإعلنت احتفالاً دموياً انتقاماً لهزيمتهم في "القصير"، حيث تنقل عن مصادر في "المعارضة"، أولاً: العدد الأقل للضحايا وهو (20) وليس (60) الذي تناقلته مصادر عديدة، وتنقل عن "الناشط كرم بدران الذي تحدث لرويترز من دير الزور ان (20) شخصا فقط تأكد مقتلهم في حطلة لكن مقاتلي المعارضة أخذوا (20) آخرين رهائن.. وأضاف: ان دافع المهاجمين الأساسي ليس طائفياً إنما الحكومة حاولت في الآونة الاخيرة تجنيد مقاتلين من كل الطوائف الدينية، وهو تفسير ردده المرصد كذلك. وقال ان المنطقة تسيطر عليها المعارضة منذ عام ولم يتعرض الشيعة فيها للاذى من قبل.."!

ثم نلاحظ التبرير والمسوّغ للمجزرة الذي تسوقه (رويترز) البريطانية: "وقال بدران – الناشط في المعارضة- ان حادث حطلة جاء ايضا بعد هجوم شنه افراد ميليشيا موالية للاسد على نقطة تفتيش لمقاتلي المعارضة على مشارف مدينة دير الزور عاصمة المحافظة قتل فيه عدد من مقاتلي المعارضة وجرح العشرات.. واضاف ان ثلاثة من القتلى في حطلة رجال دين شيعة اعدموا وعلقوا على مدخل البلدة لكن من بين القتلى أيضا سنة انضموا الى الميليشيا الموالية للاسد وان سبب الهجوم هو في حقيقة الامر الخيانة.."!!

هذا مثالٌ بسيط أوردناه للإشارة الى عمق التزييف احياناً والقتل أحياناً اكثر للحقائق في الميدان، لإخفاء الأيادي الملطخة بالدماء ومحاولة محو آثار الجريمة النكراء.. كاتب التقرير تحدث عن شريط فيديو لأحد الارهابيين وهو يتحدث عن كون المنطقة سنية، لكن لم يتحدث أحد عن وجود "خيانة"، كما يتهم التقرير وبكل صفاقة ودنائة، كما لم يتحدث عن تسجيل آخر يظهر أحد الارهابيين وهو يقر بعظمة لسانه أنه "نحر السيئ وابنه"! اشارة الى عالم الدين، وهو سيّد من نسل رسول الله صلى الله عليه وآله. بمعنى أن الطفل الصغير ايضاً مشارك في عملية الخيانة كما توهم (رويترز) الرأي العام العربي والعالم بأسره.

والسؤال هنا؛ هل يجب أن تكون (رويترز) وغيرها من وسائل إعلام التحريض والشحن الطائفي، الوحيدة في الميدان، تضخ التزييف والتضليل..؟ ثم من الذي يجب عليه أن تنوير الرأي العام بحقيقة ما جرى ويجري من فضائع بحق المدنيين العزّل في سوريا، بغض النظر عن طائفتهم وانتمائهم..؟ ما هو الموقع الحقيقي لقرية "حطلة" في ساحة الحرب..؟ هل كانت تحت سيطرة المعارضة؟ أم الحكومة؟ إن كانت تحت سيطرة المعارضة – حسب رويترز- فكيف هجرها عدد كبير من ابنائها حسب الوكالة البريطانية؟ وإن كانت تحت سيطرة الحكومة، فكيف يتمكن الارهابيون من تنفيذ هكذا جرائم مريعة بحق المدنيين، سواءً في هذه القرية أو في أية قرية ومدينة أخرى في سوريا..؟

ما يثير السؤال والشجن في آن حقاً.. أن الكاميرات الصغير والكبيرة ترافق الارهابيين بين المباني والمتاريس في سوح المواجهة، وحتى يغامر المصورون في عملهم بدخول أماكن خطرة واقعة تحت قصف جوي او مدفعي، ثم نرى حشد القنوات الفضائية وهي تنقل مقاطع من هذه العملية أو تلك، وحتى الجرائم المريعة التي يتباهى بها اصحابها بدوافع طائفية مقيتة، لكن في مقابل هذا، لا نجد المتابعة الاعلامية على الجانب الآخر، على الأقل لإظهار الحقائق وإنصاف الضحايا.

إن البكاء والرثاء على ضحايا "حطلة"، وعلى غيرها من المناطق التي سقط ويسقط، فيها الاطفال والنساء والابرياء، بين ذبيح وطعين وقتيل، لن يحدّ من التضليل والتحريف شيء.. إنما استحقاق اليوم على الصعيد الاعلامي، هو المتابعة المكثفة لما يمكن متابعته في سوح المعارك، للوقوف على القرى والمناطق المستهدفة من قبل الارهابيين، وحجم الحماية الموفرة لها، ثم الحديث الى الناجين من المجازر، كما حصل مع "حطلة"، فأين اصبح الفارين من القرية، وما هو مصيرهم..؟ انهم قطعاً يحملون الكثير من الحقائق عما حصل. فاذا كانت لغة الحرب، هي التعامل بالمثل، وخوض المعارك بنفس الاسلحة وأكثر، فان سلاح التضليل والتحريف الذي تمارسه وسائل الاعلام المساندة، يجب أن يقابلها سلاح الحقيقة الذي من شأنه ان يقلب الرأي العام العربي والاسلامي وايضاً العالمي على الجماعات الارهابية والدموية، كما تدين الجهات الداعمة لها، بالمال والموقف السياسي والفتوى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/حزيران/2013 - 7/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م