حرب النيل... جبهة جديدة في مواجهة القاهرة

 

شبكة النبأ: يبدو أن مؤشرات حرب المياه في حوض النيل بين مصر وأثيوبيا حقيقية، بعدما كشفت النوايا المبيتة وتصاعد التوترات المضطردة بينهما خلال الاونة الأخيرة، خصوصا بعدما

اعلنت اثيوبيا تصميمها على بناء سد النهضة على النيل الازرق وهو مشروع مثير للجدل اثار غضب مصر، والتأكيد على إنها لن تذعن لضغوط مصر بخصوص سد على النيل، في المقابل لوحت مصر بامكانية اللجوء الى الخيار العسكري اذا اقتضى الامر لمواجهة المخاطر التي قد تشكل ضررا على امنها المائي في حال استمرت اثيوبيا في بناء سد النهضة على النيل الازرق من دون اجراء دراسات كافية.

ليصبح النزاع على مياه حوض النيل الشرارة التي تلهب أتون الحرب الإستراتيجية بين البلدان الموارد المائية مما قد يخلق أزمة اقتصادية تمهد لصراعات إستراتيجية خلال الاونة المقبلة، فكثير من القراءات الإستراتيجية ترجح انفجار أكثر من أزمة وحرب مياه خلال الفترة المقبلة بين مصر واثيوبيا، في ظل تصاعد تداعيات هذا المشروع، الذي فجر عاصفة من التظاهرات في مصر المناوئة لهذا السد.

في حين أصر بعض المسوؤلين في الدولتيين على خصوصية العلاقات بين مصر وإثيوبيا، وحرصهما على تطوير التعاون الثنائي في كافة المجالات، لاسيما في المجال الاقتصادي، ومن خلال تعزيز حجم التبادل التجاري البيني، وتشجيع الاستثمارات المصرية في إثيوبيا، كما تسعى مصر ايضا الى المحافظة على العلاقات الوثيقة بدول حوض النيل.

ويرى المحللون ان استمرار الجدل السياسي الحساس بين البلديين، يصنع مؤشرات وبؤر الصراع في المفاوضات المنشودة بين طرفي النزاع العديد من علامات الاستفهام حول هذه الحرب الإستراتجية مجهولة النتائج، ولهذا يبقى مشهد سد النهضة وازمة النيل غير واضح الملامح وغير محسوم لحد الآن.

اثيوبيا مصممة على بناء السد على النيل الازرق

في سياق متصل قال غيتاشيف ريدا المتحدث باسم رئيس الوزراء الاثيوبي هايلي مريم ديسالين "سنواصل مشروعنا"، معتبرا ان بناء السد لا يتوقف على "ارادة السياسيين" المصريين، واوضح المتحدث ان اثيوبيا دعت الرئيس المصري محمد مرسي لبحث موضوع السد، لكن "التفاوض" بشان وقف المشروع غير وارد.

وبدات اثيوبيا في نهاية ايار/مايو تحويل مجرى مياه النيل الازرق - الذي يلتقي بالنيل الابيض في الخرطوم لتشكيل نهر النيل. وبعد السودان، يمر النهر في مصر ثم يصب في المتوسط، والتحويل الذي بدا في نهاية ايار/مايو يتناول 500 متر وسيسمح بالبدء باشغال السد الذي تقدر كلفته ب3,2 مليارات يورو، واثار المشروع غضب مصر التي تعتبر ان "حقوقها التاريخية" في نهر النيل تكفلها معاهدتان تعودان الى 1929 و1959 وتمنحاها حق الفيتو على اي مشروع تراه القاهرة مضرا بمصالحها، الا ان هاتين المعاهدتين تلقيان معارضة غالبية دول حوض النيل، وبينها اثيوبيا، التي ابرمت معاهدة مختلفة في 2010 تتيح لها تطوير مشاريع على النهر من دون طلب موافقة القاهرة.

وقال وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو الخميس ان الحوار مع اثيوبيا حول سد النهضة كفيل بتحقيق "اهدافها التنموية" ومصالح دولتي مصب نهر النيل وهما مصر والسودان. وياتي ذلك غداة تحذير مستشار للرئيس المصري من ان بلاده ستدرس "كل الخيارات" اذا كان المشروع الاثيوبي سيضر بمصر. بحسب فرانس برس.

من جهتها اعلنت مستشارة الرئيس المصري للشؤون السياسية باكينام الشرقاوي بحسب ما نقلت وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية الرسمية ان القاهرة ستطلب من اثيوبيا وقف مشروعها، وبدات اثيوبيا بناء عدد من السدود لانتاج الكهرباء لسد حاجة سوقها الداخلية وكذلك بهدف التصدير - الى جيبوتي والسودان وكينيا خصوصا، واشغال المرحلة الاولى من سد "النهضة" لتوليد الطاقة الكهربائية - بطاقة 700 ميغاوات - ستستمر ثلاثة اعوام. وستصل طاقة السد في النهاية الى ستة الاف ميغاوات.

مصر تلوح بامكانية اللجوء للخيار العسكري

في المقابل اكد ايمن علي مستشار الرئيس المصري محمد مرسي ان "كل الخيارات مفتوحة" في التعامل مع قضية سد النهضة الذي تعتزم اثيوبيا تشييده، وقال علي في تصريحات نقلتها وكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية "جميع الخيارات مفتوحة أمام مصر في التعامل مع قضية السد الأثيوبي"، مضيفا "لا بد لمصر أن تضمن مصالحها المائية وتدافع عنها"، واضاف ان "مصر ترغب في إجراء مفاوضات لتحقيق المصالح المشتركة مع كافة دول حوض النيل"، ولكن "لا بد من استكمال الدراسات قبل الشروع في بناء السد الإثيوبي، ولا بد لمصر أن تراقب مراحل البناء والتشغيل". الا انه استدرك قائلا "لا يعني هذا أننا موافقون على بناء السد دون الحصول على ضمانات من عدم وقوع ضرر علينا".

وتابع خلال لقاء مع عدد من الصحافيين المصريين، بحسب ما نقلت عنه الوكالة، "انه من حق مصر أن تدافع عن مصالحها ومن حق الشعوب الأخرى أن تبحث عن مصالحها، ولكن لا بد من توافر ضمانات من أن السد الأثيوبي لن يضر بمصر وإلا ستكون الخيارات كلها مفتوحة"، وقالت مساعدة الرئيس المصري للشؤون السياسية باكينام الشرقاوي خلال نفس اللقاء ان بلادها ستطلب من اثيوبيا "وقف بناء سد النهضة الى حين التأكد من انه لا يشكل خطرا على امنها المائي"، ونقلت وكالة انباء الشرق الاوسط عن الشرقاوي قولها ان "مطالبة اثيوبيا بوقف البناء في السد الذي تزمع اقامته علي النيل الأزرق ستكون خطوتنا الأولى".

من جهته قال احد قادة جبهة الانقاذ الوطني المعارضة، مؤسس التيار الشعبي حمدين صباحي ان "أزمة سد النهضة لا يمكن حلها إلا بالطرق السلمية"، واضاف خلال ورشة عمل نظمها عدد من النشطاء والنواب السابقين المعارضين "لابد أن نتخلى عن لهجة التعالي والتهديد" تجاه دول حوض النيل، معتبرا ان المنهج الصحيح في إدارة الأزمة لا بد ان يحكمه الإيمان بحق كافة الشعوب في التنمية، خاصة الشعب الإثيوبي، لأنه حق أصيل وعلى الجميع دعمه، لكن لا بد أن يكون اكتساب هذا الحق دون ضرر أو إضرار بالآخرين، ولا نريد أن تسود تنمية شعب على حساب شعب آخر، ويجب أن يكون هناك تواصل حقيقي بين مصر ودول حوض النيل، خصوصا مصر وأثيوبيا والسودان".

وفي واشنطن دعت وزارة الخارجية الاميركية كلا من مصر واثيوبيا الى "التعاون" لحل هذه الازمة، وذكرت الوزارة في بيان بأن مصر واثيوبيا "تعاونتا جيدا" خلال العام الجاري بخصوص هذا السد عبر تباحثهما سويا في الاضرار التي يمكن ان تنجم عن بناء السد، واضاف البيان "نحض البلدين على الاستمرار في التعاون سويا بشكل بناء للحد من تداعيات (السد) عند المصب وتطوير النيل الازرق بما يفيد جميع شعوب المنطقة".

الحوار مع اثيوبيا كفيل بتحقيق مصالح الجميع

على الصعيد نفسه  قال وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو ان الحوار مع اثيوبيا حول سد النهضة الذي تعتزم انشاءه على النيل الازرق كفيل بتحقيق "اهدافها التنموية" ومصالح دولتي مصب نهر النيل وهما مصر والسودان، واكد عمرو في تصريحات للصحفيين ان "علاقات الأخوة والاحترام المتبادل وحسن الجوار بين دول حوض النيل الشرقي الثلاث (اثيوبيا ومصر والسودان) كفيلة وكافية لإجراء حوار بناء يتناول الشواغل المصرية بوضوح، بما من شأنه الوصول إلى نتائج تحقق الأهداف التنموية للدول الثلاث وتحفظ المصالح المائية لدولتي المصب"، واضاف ان "حالة القلق التي شهدها المجتمع المصري خلال الأيام الماضية والحوار المجتمعي الراهن الذي تشارك فيه كافة طوائفه بشأن تداعيات قرار إثيوبيا تحويل مسار النيل الأزرق لبدء الأعمال التنفيذية لمشروع سد النهضة، هما رد فعل طبيعي ومشروع لأمة قامت حضارتها وتعيش حاضرها وتبنى مستقبلها على نهر النيل شريان الحياة".

الا انه اوضح أنه "ما بين ذلك القلق وبين نتائج وتوصيات تقرير اللجنة الفنية الثلاثية بشأن المواصفات الفنية للسد المقترح وآثاره المائية والبيئية والاجتماعية المحتملة، هناك مساحة كبيرة للحوار والنقاش بين كل من مصر وإثيوبيا والسودان من أجل التوصل إلى الشكل الأمثل للمشروع، وبما يضمن الحفاظ على مصالح مصر المائية وتحقيق الأهداف التنموية للدول الثلاث، وتجنب أية آثار سلبية قد تضر بمصالح دول المصب"، وقال المسؤولون المصريون خلال الايام الاخيرة ان تقرير اللجنة الثلاثية التي ضمت ممثلين لمصر والسودان واثيوبيا اضافة الى اربعة خبراء دوليين انتهى الى انه لم تجر دراسات كافية حول الاثار المحتملة ل"سد النهضة الكبرى" الافريقي على حصة دولتي المصب (مصر والسودان) من مياه النيل.

وأكد وزير الخارجية على أن ّالفترة القادمة ستشهد تحركاً دبلوماسياً مصرياً مكثفاً، يستهدف التنسيق مع الجانبين الإثيوبي والسوداني حول نتائج وتوصيات تقرير لجنة الخبراء الدولية، والتي خلصت إلى ضرورة إتمام الدراسات الفنية الخاصة بالمشروع قبل استكمال عملية التنفيذ، وصعوبة الوقوف على الآثار المحتملة له على حجم ونوعية المياه الواردة إلى كل من مصر والسودان دون إعداد الدراسات الكافية".

وكان ايمن علي مستشار الرئيس المصري محمد مرسي قال ان "كل الخيارات مفتوحة" في التعامل مع قضية سد النهضة، واكد علي في تصريحات نقلتها وكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية ان "جميع الخيارات مفتوحة أمام مصر في التعامل مع قضية السد الأثيوبي"، مضيفا "لابد لمصر أن تضمن مصالحها المائية وتدافع عنها".

وبدأت اثيوبيا في تحويل مجرى النيل الازرق لبناء سد تبلغ كلفته 4,2 مليارات دولار بغرض توليد الكهرباء، ويفترض ان تنتهي اولى مراحل بناء السد بعد ثلاث سنوات مع قدرة على توليد 700 ميغاوات من الكهرباء. وعند استكمال انشائه سيولد السد 6 الاف ميغاوات، وتؤكد مصر ان لها "حقوقا تاريخية" في مياه النيل تكفلها معاهدتا 1929 و1959 اللتان تمنحانها حق الفيتو على اي مشروعات قد تؤثر على حصتها.

الا ان دول حوض النيل تقول ان هاتين الاتفاقيتين موروثتان من الحقبة الاستعمارية ووقعت في العام 2010 اتفاقية جديدة تتيح لها اقامة مشاريع على النهر من دون الموافقة المسبقة لمصر، وشدد وزير المياه والطاقة الاثيوبي على أن مستويات المياه لن تتأثر من جراء بناء السد متسائلا "لماذا يمثل تحويل مجرى النهر صداعا للبعض، وأي شخص عادي يمكن أن يفهم ما يعني تحويل مجرى النهر"، وتابع الوزير الاثيوبي "اجندة اثيوبيا هي التنمية، اثيوبيا دولة تكافح ضد الفقر. اثيوبيا دولة تنمو بمواردها لافادة شعبها وتريد العيش مع جيرانها بسلام مع التشارك في مواردها".

المحافظة على العلاقات الوثيقة بدول حوض النيل

الى ذلك قالت مصر بعد اجتماع طاريء لمجلس وزرائها رأسه الرئيس محمد مرسي إنها ستحافظ على علاقات وثيقة مع دول حوض النيل رغم قلقها من سد النهضة الذي تقيمه إثيوبيا على النيل الأزرق، ويقول مصريون إن سد النهضة يهدد حصة بلدهم من مياه النيل وسيؤدي ايضا الى خفض الكهرباء المولدة من السد العالي المقام في أقصى جنوب مصر، وقال المتحدث الرئاسي إيهاب فهمي إن مجلس الوزراء وافق على خطة قدمها وزير الخارجية محمد كامل عمرو "للتعامل مع الموقف بما يحافظ على المصالح المصرية والعلاقات الوثيقة مع الدول الشقيقة في حوض النيل."

وفي وقت سابق أجرى مرسي مناقشة حول المشروع مع سياسيين مصريين أذيعت في بث مباشر على شاشات التفزيون الحكومي قال بعض من تحدثوا فيها إن مصر يجب أن تلوح باستعمال القوة ضد إثيوبيا إذا مضت في إقامة سد النهضة دون ضمان الحصة التي تحصل عليها مصر حاليا من مياه النيل، وأضاف المتحدث الرئاسي أن مجلس الوزراء قرر أيضا "تشكيل لجنة قومية تضم الجهات الرسمية والشعبية والخبراء المختصين في هذا المجال بحيث ترفع تقاريرها إلى الرئيس وتطلع الرأى العام على نتائج أعمالها."

وقال إن الاجتماع ناقش "كافة الأبعاد المتعلقة بقيام إثيوبيا ببناء سد على النيل الأزرق وما يمكن أن يترتب على هذا السد من آثار (سلبية) على مصر"، وتقول الحكومة الإثيوبية إن طاقة سد النهضة الذي تم إنجاز 21 بالمئة منه ستبلغ ستة آلاف ميجاوات في نهاية المطاف وهو ما يعادل إنتاج ست محطات نووية، وقالت مصر إن إثيوبيا لم تتشاور معها بشكل كاف بشأن آثار مشروع سد النهضة، واستشهدت مصر بنتائج تقرير أعدته لجنة خبراء ضمت مصر والسودان وإثيوبيا حول الآثار المترتبة على بناء سد الطاقة الكهرومائية الذي تبلغ تكلفته 4.7 مليار دولار، وأثارت إثيوبيا قلقا بالغا في مصر عندما بدأت العمل على تحويل مجرى نهر النيل الازرق في إطار المشروع.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/حزيران/2013 - 5/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م