التغييرات المناخية... جهود مبددة ومخاطر تتسع

 

شبكة النبأ: لاتزال ظاهرة تغير المناخ من اخطر الظواهر التي تهدد استمرار الحياة على الكرة الارضية، خصوصا بعد فشل الجهود الرامية الى معالجة هذه الظاهرة بسبب تعنت بعض الدول الكبرى التي تسهم وبشكل مباشر في تفاقم هذه المشكلة، والتغير المناخي كما تشير بعض المصادر هو اختلال في الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وانماط الرياح والمتساقطات التي تميز كل منطقة على الارض وتؤدي وتيرة وحجم التغيرات المناخية الشاملة على المدى الطويل الى تأثيرات هائلة على الانظمة الحيوية الطبيعية والتغير المناخي يحصل بسبب رفع النشاط البشري لنسب غازات الدفيئة في الغلاف الجوي الذي بات يحبس المزيد من الحرارة. فكلما اتبعت المجتمعات البشرية انماط حياة اكثر تعقيدا واعتمادا على الآلات احتاجت الى مزيد من الطاقة. وارتفاع الطلب على الطاقة يعني حرق المزيد من الوقود الاحفوري (النفط-الغاز-الفحم) وبالتالي رفع نسب الغازات الحابسة للحرارة في الغلاف الجوي. بذلك ساهم البشر في تضخيم قدرة مفعول الدفيئة الطبيعي على حبس الحرارة. مفعول الدفيئة المضخم هذا هو ما يدعو الى القلق، فهو كفيل بان يرفع حرارة الكوكب بسرعة لا سابقة لها في تاريخ البشرية.

وفي هذا الشأن أظهرت دراسة دولية أن 97 بالمئة من العلماء يقولون إن الاحتباس الحراري هو في الأساس من فعل الإنسان لكن اعتقادا شعبيا واسع النطاق بأن العلماء منقسمون يزيد من صعوبة حشد الدعم لسياسات لمكافحة تغير المناخ. وخلص التقرير إلى أن هناك اتفاقا واسعا في الرؤية بين العلماء على أن النشاط البشري وفي مقدمته استخدام الوقود الاحفوري هو السبب الرئيسي لارتفاع درجة الحرارة في العقود القليلة الماضية.

وقال جون كوك من جامعة كوينزلاند في استراليا والذي أشرف على الدراسة المنشورة في دورية رسائل الابحاث البيئية "هناك اتفاق علمي قوي بشأن سبب تغير المناخ رغم التصورات الشعبية بعكس ذلك." وقال في بيان "الهوة واسعة بين الاجماع الحقيقي والتصور الشعبي. حين يعرف الناس أن العلماء متفقون بشأن الاحتباس الحراري يزيد احتمال دعم السياسات التي تتخذ إجراءات لمواجهته." وارتفع المتوسط العالمي لدرجات حرارة سطح الأرض 0.8 درجة مئوية منذ الثورة الصناعية. بحسب رويترز.

ودرس خبراء في استراليا والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا 4000 ملخص لأوراق بحثية نشرت في دوريات وتتناول وجهات النظر بشأن تغير المناخ منذ مطلع التسعينات وخلصوا الى ان 97 بالمئة تقول ان السبب الرئيسي هو البشر. وسألوا أيضا أصحاب الأبحاث عن وجهات نظرهم ووجدوا إجماعا بنسبة 97 بالمئة من إجابات تغطي 2000 ورقة بحثية. وقال التقرير إن هذا أكبر استعراض حتى الآن لآراء علمية بشأن التغير المناخي.

آثار خطيرة

في السياق ذاته تقول دراسة حديثة إن أكثر من نصف أنواع النباتات الشائعة وثلث الحيوانات من المتوقع أن تشهد انخفاضا خطيرا في نطاقاتها البيئية بسبب تغير المناخ. وتفيد الدراسة التي نشرت بمجلة تغير مناخ الطبيعة "Nature Climate Change" بأن التنوع البيولوجي حول العالم سيتأثر بشكل كبير إذا ارتفعت درجة الحرارة أكثر من درجتين مئويتين، لكن العلماء يقولون إن هذه الخسائر يمكن الحد منها إذا تم اتخاذ تدابير عاجلة للحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

وقام فريق دولي من الباحثين بالنظر إلى تأثير ارتفاع درجة الحرارة على نحو 50 ألف نوع من الأنواع الشائعة من النباتات والحيوانات. وقد فحص الباحثون السجلات الخاصة بدرجات الحرارة وسقوط الأمطار في البيئات الطبيعية التي تعيش فيها هذه الأنواع من النباتات والحيوانات، وحددوا الأماكن التي ستظل مناسبة لها للعيش في ظل عدد من السناريوهات المختلفة للتغير المناخي.

ويتوقع العلماء أنه إذا لم تبذل جهود كبيرة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإن درجة حرارة الكون البالغة 2100 درجة ستؤدي إلى ارتفاع في درجة الحرارة بمقدار أربع درجات فوق مستويات ما قبل المرحلة الصناعية. وتقول الدراسة إنه وفقا لهذا النموذج، فإن نحو 34 في المئة من أنواع الحيوانات و57 في المئة من النباتات ستفقد أكثر من نصف النطاقات المعيشية الحالية الخاصة بها.

وقالت ريتشيل وارين من جامعة إيست أنغليا إن هذا سيحدث تأثيرات كبيرة على كل إنسان على سطح هذا الكوكب. وأضافت "تتوقع الدراسة التي قمنا بها أن التغيرات المناخية ستقلل بشكل كبير من التنوع في كل الأنواع الشائعة (من النباتات والحيوانات) الموجودة في أغلب مناطق العالم، وستؤدي هذه الخسارة في التنوع البيولوجي على المستوى العالمي إلى إضعاف كبير للمحيط الحيوي (لهذه الأنواع) ولخدمات النظام البيئي التي يقدمها."

وتابعت: "سيكون هناك أيضا تأثير كبير على البشر لأن هذه الأنواع تمثل أهمية بالنسبة لأشياء عديدة مثل الماء، وتنقية الهواء، والتحكم في الفيضانات، والدورة الغذائية، والسياحة البيئية." وستكون الآثار المتوقعة على هذه الأنواع من النباتات والحيوانات كبيرة في بعض المناطق من العالم مثل منطقة جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا، وأمريكا الشمالية، ومنطقة الأمازون، واستراليا. بحسب بي بي سي.

ومع ذلك، يقول الباحثون إنه إذا وصلت الانبعاثات العالمية إلى ذروتها في عام 2016، واستقر ارتفاع درجة الحرارة عند درجتين مئويتين فقط، فهذا قد يحد من الخسائر بنسبة 60 في المئة. وقالت وارين: "إن الخبر السار هو أن دراستنا تقدم أدلة جديدة تشير إلى أن التحرك السريع للتقليل من غاز ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى يمكن أن يمنع فقدان التنوع البيولوجي من خلال خفض معدل ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين فقط بدلا من أربع درجات." وأضافت: "وهذا من شأنه أيضا كسب الوقت، لمدة تصل إلى أربعة عقود، من أجل تكيف النباتات والحيوانات مع الدرجتين المتبقيتين من التغير المناخي."

انشاء مظلة

من جهة اخرى قال علماء ان النباتات تساعد على ابطاء التغير المناخي من خلال اخراج غازات عند ارتفاع درجات الحرارة تؤدي الى تشكيل مظلة من السحب فوق كوكب الارض. وقال العلماء في دورية نيتشر لعلوم الارض ان هذا التأثير البسيط يمكن ان يعوض نحو واحد في المئة من ارتفاع درجة حرارة الارض على المستوى العالمي وما يصل الى 30 في المئة على المستوى المحلي مثل فوق الغابات الشمالية الواسعة في سيبيريا او كندا او دول الشمال.

وعلى رغم هذا التأثير صغير نسبيا قال بعض العلماء ان الدراسة قدمت مزيدا من الادلة على اهمية حماية الغابات التي تساعد على ابطاء التغير المناخي من خلال امتصاص الغازات المسببة للتلوث وتحافظ على الحياة البرية. وقال العلماء ان متابعة الغابات في 11 موقعا حول العالم اظهرت ان النباتات تخرج جسيمات دقيقة تنتشر في الرياح مع ارتفاع درجة حرارة الجو وتعمل كبذور لقطرات الماء التي تنشئ السحاب. وتعكس القمم البيضاء للسحاب اشعة الشمس وتعيدها الى الفضاء وتعوض ارتفاع درجات الحرارة.

وركزت الدراسة على الغابات في اوروبا واميركا الشمالية وروسيا وجنوب القارة الافريقية. ويعتقد ان التأثير يكون اقل فوق الغابات الاستوائية الاشد حرارة مثل الامازون او حوض الكونغو. وهناك ايضا ذرات صغيرة كثيرة اخرى مثل التلوث البشري الناجم عن المصانع والسيارات ومحطات الكهرباء لها ايضا تأثير مخفف للشمس ربما يبطئ وتيرة التغير المناخي الذي ينحى باللائمة فيه بشكل اساسي على انبعاثات الغازات الملوثة للبيئة مثل ثاني اكسيد الكربون. ولكن هناك عدم تأكد من دور الطبيعة ومن انبعاثات الغازات الصادرة من النباتات مثل التربينات الاحادية. بحسب رويترز.

وقال آري آسمي وهو باحث من جامعة هلسنكي وعمل في هذه الدراسة ايضا في بيان ان"الجميع يعرفون رائحة الغابة. هذه الرائحة مكونة من تلك الغازات". ولم يعرف سبب اخراج النبات مقدارا اكبر من التربينات الاحادية لدى ارتفاع درجة الحرارة فربما يكون ذلك احد الاثار الجانبية للتبريد الطبيعي للهواء والذي يقوم به النبات لخفض الحرارة.

دعوات لتحرك عاجل

على صعيد متصل دعا علماء إلى تحرك زعماء العالم للتعامل مع تغير المناخ، وذلك بعد أن تجاوزت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مستوى قياسيا. وأشارت القراءات اليومية لثاني اكسيد الكربون بمختبر تابع لوكالة حكومية أمريكية في هاواي إلى تخطي مستوى 400 جزء في المليون للمرة الأولى. وقال السير بريان هوسكينس، رئيس قسم تغير المناخ بالجمعية الملكية في بريطانيا، إن هذا الرقم ينبغي أن "يدفع الحكومة إلى التحرك."

وكانت الصين والولايات المتحدة التزمتا بالتعاون في مجال التكنولوجيا النظيفة. لكن روجر هارابين، محلل شؤون البيئة في بي بي سي، يقول إن الاتحاد الأوروبي يتراجع عن مساندة القضية، وأن الوقود الحفري الرخيص يجتذب القطاعات الصناعية. ويسجل المختبر القابع على بركان مونا لوا قراءاته على نحو متواصل في سجل عن تركيزات الغاز منذ عام 1958. ويعتبر ثاني أكسيد الكربون أهم الغازات المسببة للانبعاث الحراري التي ينتجها البشر والمسؤولة عن ارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض خلال العقود الأخيرة.

وتأتي المصادر البشرية لثاني أكسيد الكربون بصورة رئيسية من حرق أنواع الوقود الحفري كالفحم والنفط والغاز. وزعم وزراء بريطانيون قيادة العالم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وحضوا دولا أخرى على أن تحذوا حذوهم. لكن اللجنة الرسمية لتغير المناخ قالت إن إجمالي الإسهام البريطاني في احترار المناخ سجلت زيادة، لأن بريطانيا تستورد سلعا تنتج ثاني أكسيد الكربون في دول أخرى. يذكر أن المرة الماضية التي تجاوزت فيها مستوى ثاني أكسيد الكربون 400 جزء في المليون كان قبل ثلاثة إلى خمسة ملايين عام، أي قبل وجود الإنسان الحديث.

ويقول العلماء إن المناخ آنذاك كان أشد دفئا مقارنة بمناخ اليوم. وقال بريان هوسكينس، مدير معهد غرانثام لتغير المناخ بجامعة امبريال كوليدج في لندن، إن هناك حاجة لإحساس بضرورة التعامل مع تغير المناخ. وأضاف هوسكينس "قبل أن نبدأ التأثير على كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، سجلت المستويات خلال المليون عام الماضية ما بين 180 و280 جزءا في المليون."

وأردف الأستاذ الجامعي "منذ الثورة الصناعية، وبدرجة أكبر خلال الأعوام الخمسين الماضية، رفعنا هذا المستوى بنسبة 40 بالمئة إلى مستوى 400، وهو ما لم يشهده هذا الكوكب منذ أربعة ملايين عام على الأرجح." ومضى قائلا "لكن هناك أشياء تحدث في أرجاء العالم وجميعها لا تبعث على التشاؤم. فالصين على سبيل المثال تبذل الكثير. وخطتها للأعوام الخمسة الأخيرة تحقق خطوات كبيرة حقا." وتتضمن خطة الصين بين عامي 2011 و2015 تعويض الضرر الناجم عن 30 عاما من النمو، وزيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة.

دول العالم تسعى

الى جانب ذلك طرحت أفكار عامة بشأن طرق جديدة أكثر مرونة لمكافحة التغير المناخي في محادثات بين 160 دولة لكن لم يتم التوصل إلى انفراجة لحل الخلافات العميقة بين الصين والولايات المتحدة. وعرض اجتماع المسؤولين الكبار في بون بألمانيا مقترحات لحل النزاعات بين الدول الغنية والدول الفقيرة بشأن توزيع عبء خفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري في اطار اتفاق جديد للامم المتحدة يحل محل بروتوكول كيوتو الموقع في عام 1997.

وفشلت محاولات التوصل إلى اتفاق بسبب عدم الاتفاق بشأن مساهمة الدول النامية في خفض الانبعاثات الصناعية المسؤولة عن ارتفاع حرارة الكوكب. ومن المقرر عقد المؤتمر الوزاري القادم لمحاولة التوصل إلى اتفاق في باريس في 2015. ولم توقع الولايات المتحدة التي حلت الصين محلها مؤخرا كأكبر دولة تصدر منها انبعاثات الكربون - بروتوكول كيوتو لأنه لا يلزم الدول سريعة النمو مثل الهند والصين بتخفيضات في الانبعاثات.

وقالت الامم المتحدة إن توافقا واسعا ظهر بين الموفدين في بون على أن أي اتفاق جديد ينبغي أن يتسم بالمرونة لزيادة القيود على الانبعاثات دون الحاجة إلى مزيد من التفاوض إذا تدهورت النتائج العلمية بشأن الفيضانات والجفاف وارتفاع مستويات البحار في السنوات القادمة. وذلك النهج سيمثل تحولا كبيرا عن بروتوكول كيوتو الذي يلزم حوالي 35 دولة صناعية بخفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري من خلال أهداف تحدد كل بضع سنوات.

وقالت كريستيانا فيجوريس رئيسة امانة التغير المناخي بالامم المتحدة "ظهر قدر كبير من التوافق." لكنها أضافت أنه لا توجد دولة تفعل ما يكفي لمكافحة ارتفاع حرارة الأرض. وقالت بشأن فكرة المزيد من المرونة "اتفاق 2015 لا يمكن أن يكون جامدا ولا يمكن تقييده بوقف." واقترحت بعض الدول المتقدمة أن يكون للاتفاق آليات ربما ترتبط بنصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي حتى يمكن أن تتخذ حكومات الدول النامية الصاعدة إجراءات أشد جرأة مع نمو اقتصاداتها.

واتفقت الحكومات في 2010 على وضع حد للزيادة في درجات الحرارة لا يتجاوز درجتين مئويتين فوق درجة الحرارة قبل الثورة الصناعية لكنها ما زالت بعيدة عن هذا الهدف. وأضر التباطؤ الاقتصادي باستعداد كثير من الدول لمواجهة التغير المناخي. وارتفعت درجات الحرارة بالفعل حوالي 0.8 درجة مئوية ويقول كثير من الباحثين البارزين إن هدف الدرجتين المئويتين يبعد عن المنال. وتقول لجنة تابعة للأمم المتحدة إنها متأكدة بنسبة لا تقل عن 90 في المئة من أن الغازات المسببة للاحتباس الحراري الصادرة عن النشاط البشري هي السبب الرئيسي في ارتفاع حرارة الأرض.

ولم يتحقق تقدم يذكر في بون مع إرجاء القرارات الأشد صرامة على الأقل حتى جلسة قادمة في يونيو حزيران. وقالت الدول النامية إن الدول الغنية بدت غير مستعدة لتنفيذ وعودها بتحمل العبء الأكبر في خفض الانبعاثات ودعت إلى مزيد من التركيز على تقاسم العبء بما يحمي مصالح الفقراء وقالت مجموعة من 83 من الدول الأقل تطورا والجزر الصغيرة في بيان "إذا لم نتحرك الآن فسوف نحتاج لاحقا إلى استجابة أكثر تكلفة بكثير."

وتمسكت الصين بموقفها بأنه ينبغي للدول المتقدمة أن تخفض بشكل جماعي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بما يتراوح بين 25 و40 في المئة عن مستويات عام 1990 وذلك بحلول 2020. وتتضمن خطة الرئيس الأمريكي باراك أوباما خفضا يعادل أربعة في المئة فقط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/حزيران/2013 - 1/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م