مبادئ المعارضة الثقافية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الثقافة كما يتفق الجميع تحتاج الى ادارة، كونها تضم انشطة متعددة، تستدعى تخطيطا وتنفيذا جيدا لتحقيق النجاح، والوصول الى الهدف المتوخى منها، وكل مجال نظري او عملي يتطلب نوعا من الادارة الناجحة، بخلاف ذلك لا يمكن الوصول الى الاهداف المرسومة، ولذلك في حالة فشل الادارة، فإن الحس النقدي المعارض يجب أن يسجل حضوره، من أجل التصحيح، وهو نظام أو منهج سارت عليه المجتمعات الناجحة.

ليس السياسة وحدها تحتمل وجود الصوت المعارض، بل الثقافة ايضا وادارتها تتطلب رصدا متواصلا ونقدا يضع النقاط على حروفها، من اجل اعادة الامور الى نصابها، في حالة وجود اعوجاج او خطأ في الانشطة الثقافية، وبهذا ليس ممنوعا او مرفوضا أن تنشط المعارضة الثقافية، وفق برنامج وتصورات مسبقة وآليات عمل متفق عليها، تشكل ضوابط ثابتة تحكم تحركات المعارضة وضبط اهدافها، لكي تحقق الهدف المطلوب من نهجها المعارِض.

في ثقافتنا العراقية هناك نوع من العدوى المنقولة من السياسية الى الثقافة، ربما لان الثقافة كانت تابعة الى السياسة على الدوام، وكانت تروج وتنفّذ ما يفرضه عليها الحاكم السياسي، لاسباب كثيرة منها طبيعة النظام السياسي القمعي، فضلا عن قضية التمويل الذي تحتاجه الانشطة الثقافية لكي تستمر وتتواصل، وفي حالة غياب الدعم، لا وجود لاي نشاط ثقافي، من هنا فإن التمويل غالبا ما يشكل عقبة ازاء نشر وتحريك الفعاليات الثقافية، إذن ادارة الثقافة لدينا لا تختلف كثيرا عن المسار السياسي وطبيعة تحركاته ومساراته، لدرجة ان التشابه بين السياسي والثقافي صارا واضحا وكبيرا ولا يحتاج الى ذكاء او عناء كبير لكي يتعرف عليه المعنيون.

الدليل الواضح لدينا في هذا الشبه القريب الذي يحدث بين السياسة والثقافة، على سبيل المثال، هو تمسك رئيس منظمة ثقافية عريقة ومعروفة بمنصبه هو ونائبه، لعشر سنوات ولعدد من الدورات الانتخابية، متشبها بالسياسي الذي لا يريد أن يتنازل عن منصبه حتى تصل به قدماه الى (القبر)، بمعنى أدق أن مبدأ التداول الديمقراطي للمنصب او القيادة او الرئاسة، غائب لدينا في الساحة السياسية وانتقل كما هو واضح الى الساحة الثقافية.

هنا لابد من معارضة ثقافية ترفض هذا التشبّه بين السياسي في منهجه السلبي وليس الايجابي، وبين الثقافي الذي يفترَض ب هان يكون نموذجا وقائدا معنويا ناجحا للسياسي وسواه، ولا يصح أن تنعكس الحالة فيكون السياسي المتمسكة بالسلطة بطرق لا مشروعة، نموذجا للثقافي، لذلك هنا يستدعي الامر معارضة ثقافية منتظمة وفاعلة، تمتلك آليات العمل الانتقادي المعارض، القادر على تصحيح الاخطاء، بالوسائل السلمية المتعارف عليها.

من هنا فإن المعارضة الثقافية حاجة لا يمكن التخلي عنها، وهي لا تختلف في اهميتها عن اهمية المعارضة السياسية، ولكن ينبغي أن تكون هناك مبادئ واضحة، تتحرك المعارضة الثقافية وفقا لها واستنادا عليها، هذه الضوابط تتمثل بوضع بنود وخطوات نظرية واجرائية واضحة، من لدن لجنة متخصصة تتحصل على الخبرة القانونية والادارية المطلوبة، لذلك يجب أن يكون هناك نظام داخلي يحكم النشاط الثقافي المعارض وينظمه في آن واحد.

الغرض من هذا النظام الداخلي، ضبط النشاط الثقافي المعارض وليس تقييده او تحجيم دوره، كذلك لابد للمؤسسة الثقافية الرسمية والمنظمات الاهلية والاتحادات الثقافية والادبية، ان تنسق اعمالها، وان تلتزم بكتابة نظام داخلي ينظم انشطتها الادارية والعملية كافة، منها بل وعلى راسها قضية الانتخابات والترشيح والانتخاب وما شابه، لكي تصبح المؤسسة الثقافية نموذجا مصغرا للنظام السياسي المطلوب، لا أن يتمسك الرئيس ونائبه بمنصبه عدة دورات بحجة الانتخابات الحرة والنزيهة، وهو امر مشكوك به قطعا، خاصة ما يتعلق بمنح العضوية لاشخاص لا يستحقونها، الامر الذي يتطلب اعادة فحص لملفات قبول عدد من المنتمين الى الاتحادات والمنظمات الثقافية، وهم لا يستحقون ذلك.

خلاصة القول، إن المعارضة الثقافية مطلوبة، لتصحيح الاخطاء وتنقية النشاط الثقافي من الشوائب، وإعطاء الصورة المثالية والنموذج الجيد للسياسي وسواه، كي يتعلم من الثقافة ادارة البلاد بالصورة الصحيحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/حزيران/2013 - 1/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م