مصر والنهضة وشبح المجاعة... حرب المياه مع اثيوبيا

 

شبكة النبأ: باتت المواد المائية في الوقت الراهن مطلباً أساسياً وحتمياً لمعظم دول العالم، وذلك لأهميتها الكبيرة في العديد من المجالات كالزراعة والصناعة والطاقة، ونظراً لارتفاع المستوى المادي للبشر في العالم، فقد زاد استهلاكهم من الموارد بشدة، التي صارت لا غِنى عنها في العصر الحديث.

إذ تسعى العديد من دول العالم الى حماية الأمن المائي واستثماره، وهذا ما جسده المشروع الاثيوبي ببناء سد النهضة لتغيير مجرى النيل الازرق، حيث تقول إثيوبيا انها تبني السد من أجل توليد الطاقة الكهرومائية، في المقابل تقول مصر إنه سيعرض بلادهم لمجاعة مائية، مما خلق مشكلة استراتجية تحتاج وقفة جادة من لدن الطرفيين حول ابعاد سد النهضة الاثيوبي في كيفية اعادة توزيع حصص المياه لهذه الدول الافريقية.

فكثير من القراءات الإستراتيجية ترجح انفجار أكثر من أزمة وحرب مياه خلال الفترة المقبلة بين مصر واثيوبيا، في ظل تصاعد تداعيات هذا المشروع، الذي فجر عاصفة من التظاهرات في مصر المناوئة لهذا السد.

في حين أصر بعض المسوؤلين في الدولتيين على خصوصية العلاقات بين مصر وإثيوبيا، وحرصهما على تطوير التعاون الثنائي في كافة المجالات، لاسيما في المجال الاقتصادي، ومن خلال تعزيز حجم التبادل التجاري البيني، وتشجيع الاستثمارات المصرية في إثيوبيا.

فيما توقع بعض المحللين بأن سد النهضة اذا تدخلت بعض الدول المخاصمة لمصر من بينها اسرائيل  لاستثمار هذا المشروع فأن سيشكل تصفية الحسابات بين دول وأنظمة منطقة الشرق الاوسط، قد يسمح الدخول في الاشكاليات السياسية في منطقة مضطربة اصلا.

فيما رأى محللون آخرون ان سد النهضة الإثيوبي ربما سيُعمِّق الانقسامات بمصر، على الرغم من مصر وإثيوبيا تتفقان على عدم الإضرار بمصالح الطرف الآخر، لكن اوضحت تباينت ردود الأفعال بين مؤيدي ومعارضي الرئيس المصري، محمد مرسي، إزاء قيام السلطات الإثيوبية بتحويل مجرى النيل الأزرق، للبدء في إنشاء سد جديد على مجرى النهر، الأمر الذي حذر البعض من أنه قد يؤثر على حصة مصر من مياه النيل، بينما اعتبر آخرون أن كميات المياه التي تصل إلى مصر لن يطولها أي تأثير، لكنها ستدخل في مفاوضات ثنائية مع إثيوبيا، لبلورة وتحديد وضمان المصالح المشتركة، على أن تشمل المفاوضات مختلف العناصر السياسية والقانونية والاقتصادية وموضوع المياه.

وعليه فأن التطورات الأخيرة على هذا الصعيد تظهر مؤشرات قوية لحروب إستراتيجية بين البلدان المواد المائية مما قد يخلق أزمة اقتصادية تمهد لصراعات إستراتيجية في المستقبل القريب.

اجتماع دول عنتيبي

في سياق متصل كشفت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى في العاصمة الكينية نيروبي أن دول حوض النيل الموقعة على اتفاقية "عنتيبي" الإطارية، الرامية لإعادة تقسيم مياه النيل، ستعقد خلال الشهر الجاري اجتماعاً بناءً على طلب إثيوبيا لدراسة الوضع عقب صدور تقرير اللجنة الدولية المعنية بتقويم سد النهضة الذي تسعى إثيوبيا لتشييده على نهر النيل وتتحفظ عليه مصر.

وأوضحت المصادر ذاتها أن إثيوبيا تسعى من وراء هذا الاجتماع إلى الحصول على دعم دول عنتيبي وتأييدها لمشروع سد النهضة، وحضها على إقامة مشاريع مائية مماثلة على النيل، لضمان استفادة أكبر من مياهه. كما ستؤكد استعدادها للحوار مع الجانب المصري والسعي لعدم تضرره من مشروع سد النهضة، ويُنتظر أن يعقد الاجتماع في العاصمة الاوغندية كمبالا في وقت لاحق من الشهر الجاري، بحسب المصدر نفسه. ولم يتسن الحصول على تأكيد رسمي إثيوبي لهذا الاجتماع حتى الآن.

وبحسب المصادر الدبلوماسية الرفيعة في نيروبي، فإن إثيوبيا تفضل اعتماد الدبلوماسية "الهادئة والعملية" في تعاملها مع موقف مصر المتحفظ على بناء سد النهضة. ولن تلجأ للتصعيد الدبلوماسي مع القاهرة، رداً على دعوات شخصيات سياسية مصرية للتصعيد ضد أديس أبابا والضغط عليها لإثنائها عن إقامة مشروع سد النهضة.

على صعيد متصل، كشفت المصادر الدبلوماسية رفيعة المستوى أن إثيوبيا تلقت في الأيام القليلة الماضية عروضا من "دول في منطقة الشرق الأوسط لتمويل بناء سد النهضة" وبلغ أحد هذه العروض 4 بلايين دولار بشروط ميسرة، ورفض المصدر الإفصاح عن أسماء هذه الدول، مكتفياً بالقول إن بعضها "في حالة خصومة سياسية مع مصر وغير راضية عن نظام الحكم الحالي فيها"، كما أن من بينها دولة إسلامية غير عربية تسعى للحضور القوي في إفريقيا. وأضاف أن "إثيوبيا لم تبدِ حماسة لهذه العروض ولم ترد عليها حتى الآن، حرصاً منها على عدم الدخول في الاشكاليات السياسية في منطقة الشرق الأوسط ولا في تصفية الحسابات بين دول وأنظمة هذه المنطقة، كما أنها لا تجد أصلا مشكلة كبيرة في توفير تمويل لبناء السد".

ومن بين دول حوض النيل العشر، وقّعت 7 دول على اتفاقية عنتيبي التي تطرح بشكل غير مباشر إعادة النظر في حصتي دولتي المصب، مصر والسودان، والدول السبع الموقعة هي: إثيوبيا، رواندا، بوروندي، أوغندا، كينيا، تنزانيا، والكونغو الديمقراطية، فيما أعلن سفير جنوب السودان بمصر مؤخرا عزم بلاده (أحدث دولة عضو بتجمع حوض النيل) التوقيع على الاتفاقية.

وفي المقابل، أعلنت كل من مصر والسودان رفضهما الاتفاقية التي يعتبران أن فيها "مساساً بحقوقهما التاريخية" في حصتهما بمياه النيل، وترى  الدول الموقعة على "عنتيبي" أن الاتفاقية الأولى الموقعة في 1959، "تمنح مصر والسودان، حق السيطرة على أكثر من 90 في المئة من مياه النيل". وبموجبها، تحصل مصر على 55.5 بلايين متر مكعب من المياه، بينما السودان على 18.5 بلايين متر مكعب.

مشاركة إسرائيل ببناء سد النهضة الأثيوبي

فيما حذّرت (المنظمة العربية لحقوق الإنسان) في بريطانيا، من أن إسرائيل تشارك في بناء "سد النهضة" الأثيوبي على نهر النيل، واعتبرت أن السد يشكل تهديداً على الأمن القومي العربي ومصالح مصر والسودان، وقالت المنظمة في بيان، إن "المتعاقد الأول شركة (ساليني) الإيطالية على علم تام بمشاركة إسرائيل في بناء السد، وتساهم في بنائه أيضاً شركة (ألستوم) الفرنسية المتورطة في العمليات الاستيطانية بمدينة القدس″، وأضافت أن إسرائيل "بنت قواعد اقتصادية وأمنية وعسكرية في افريقيا، وبدأت بتوجيه سياسات هذه الدول بشكل يهدد الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي والإسلامي بشكل عام، وأقامت علاقات متينة مع دولها وبدأت باستهداف نهر النيل بإقامة المشاريع المختلفة والتحريض على تغيير الإتفاقيات الموقعة والتي تحدد الحصص المائية لكل دولة، ما دفع دول المنبع إلى إثارة موضوع الحصص المائية بقيادة أثيوبية وتوقيع اتفاقيات فيما بينها تضر بحقوق مصر والسودان المائية وتخول هذه الدول إقامة مشاريع مختلفة على نهر النيل بمعزل عن موافقة البلدين".

وأشارت المنظمة إلى أن الحكومة الأثيوبية "أعلنت قبل أيام وبشكل مفاجئ تحويل مياه النيل الأزرق إيذاناً بالبدء في عملية البناء التي ستستمر 44 شهراً لسد النهضة، الذي حازت الشركة الإيطالية العملاقة (ساليني) عام 2011 على عقد بنائه بتكلفة 4.8 مليار دولار، وقامت الأخيرة بالتعاقد مع شركة (ألستوم) الفرنسية لتزويد السد بتوربينات قيمتها 250 مليون دولار للمرحلة الأولى". بحسب يونايتد برس.

وقالت إن "شركة ألستوم على علاقة وثيقة بإسرائيل، حيث وقعت في عام 2002 عقداً لانشاء خط للسكك الحديدية (ترام) يصل المستوطنات بمدينة القدس، وكانت مدار تحقيقات دولية في المكسيك وأوروبا والولايات المتحدة بتهم تتعلق بتقديم رشاوى للحصول على عقود بملايين الدولارات حيث ثبت تورطها وفرض غرامات عليها"، وأضافت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أنها "اتصلت بعدة سفارات أثيوبية في مختلف أنحاء العالم لشراء السندات التي طرحتها حكومتها في إسرائيل لتمويل سد النهضة، وتبيّن لها أنها متوفرة في إسرائيل فقط لأنها الشريك الأساسي ولأن طرح السندات ما هو إلى حيلة مكشوفة للتغطية على موقع إسرائيل كشريك أساسي".

ودعت المصريين إلى "الكف عن المناكفات السياسية الداخلية التي عطلت عمل كل المؤسسات وأثرت سلباً على مكانة مصر الإقليمية والدولية، والعمل على تقوية الجبهة الداخلية في هذه المرحلة الحساسة للتصدي للمخاطر المختلفة وعلى وجه الخصوص مخاطر الشروع في بناء سد النهضة"، كما دعت دول المنبع ودول المصب إلى "الالتزام بالاتفاقيات الموقعة عام 1929 حول نهر النيل وما تلاها من اتفاقيات التي تنظم الحقوق المائية للدول المتشاطئة وتحظر أي دولة من القيام بأي خطوة أحادية الجانب تضر بحقوق الدول الأخرى"، ودعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا كلاً من مصر والسودان إلى "تكثيف الجهود والعمل على نحو عاجل لدى الأمم المتحدة والدول الإفريقية لإقناع أثيوبيا بالتوقف عن بناء السد، وإفساح المجال لخبراء من كلا الدولتين وخبراء دوليين لدراسة المشروع ووضع الحلول والبدائل بما يحفظ حقوق الدول المتشاطئة".

مصر لن تسكت على اي مساس بحصتها من مياه النيل

من جهته حذر الرئيس المصري محمد مرسي من ان مصر "لا يمكن ان تسكت على اي شئ يمكن ان يؤثر على نقطة واحدة من مياه النيل" وذلك ردا على قرار اثيوبيا تغيير مجرى النيل الازرق لبناء سد اثار القلق في مصر، وادلى الرئيس المصري بهذا التصريح خلال اجتماع ضم ممثلين تنفيذيين وسياسيين اضافة الى بعض شخصيات المعارضة، وقال مرسي في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر "لا بد أن نتخذ من الوسائل والإجراءات ما يضمن حماية الأمن المائي المصري"، دون اعطاء مزيد من التفاصيل، واضاف "الموقف الحالي يستوجب الاصطفاف لمنع أي تهديد لمصر". بحسب فرانس برس.

وبدأ الحوار بعرض تقرير للجنة ثلاثية مصرية سودانية اثيوبية حول تأثيرات مشروع "سد النهضة" الذي بدأت اثيوبيا في تنفيذه على حصتي مصر والسودان من مياه النيل، وقال خالد القزاز، مستشار الرئيس المصري، الذي شارك في الاجتماع ان مصر "لن تفرط في حصتها من مياه النيل"، ويستغرق العمل في المرحلة الاولى للسد، التي ستبلغ سعتها 700 كيلو ميغاوات، ثلاث سنوات. ويتوقع ان يولد السد بعد انشائه طاقة كهربائية بسعة 6000 ميغاوات، وترى مصر ان "حقوقها التاريخية" في نهر النيل مكفولة باتفاقيتي 1929 و1958 اللتين تمنحان مصر والسودان 87% من اجمالي مياه النيل بالاضافة لحق الاعتراض (فيتو) على اي مشاريع تراها القاهرة متعارضة مع مصالحها، ودائما كانت تلك الاتفاقيات مثار اعتراض دول حوض النيل خاصة اثيوبيا التي طرحت عام 2010 اتفاقية تسمح لدول الحوض بتطوير مشاريع على مجرى النهر دون الحصول على موافقة القاهرة.

السد الإثيوبي وسط استمرار التظاهرات

في الوقت نفسه دعا الرئيس المصري محمد مرسي سياسيين وقادة رأي للاجتماع لمناقشة تقرير عن سد النهضة الذي تقيمه إثيوبيا على مجرى النيل قرب حدود السودان والذي يقول مصريون إنه سيعرض بلادهم لمجاعة مائية، وقال بيان إن مرسي قرر "الدعوة لاجتماع وطني موسع للقوى والأحزاب السياسية وبعض الرموز الشعبية لإطلاعهم على نتائج التقرير وعرض رؤية مؤسسة الرئاسة في التعامل مع الموقف"، وتضم اللجنة التي وضعت التقرير خبراء من مصر والسودان وإثيوبيا بالإضافة إلى مستشارين دوليين، وكانت اللجنة بدأت أعمالها قبل نحو عام وعقدت اجتماعاتها في الدول الثلاث وزارت موقع السد بحسب تقارير إخبارية.

إلى ذلك، تظاهر عشرات المصريين أمام مبنى السفارة الإثيوبية جنوب القاهرة، مطالبين بوقف بناء سد النهضة، واحتشد عشرات المصريين من مختلف التيارات السياسية والانتماءات الفكرية، حول مبنى سفارة إثيوبيا بحي "الدقي" جنوب القاهرة، منددين بقرار الحكومة الإثيوبية ببدء بناء سد النهضة والشروع في تحويل مجرى النيل الأزرق (أحد الرافدين الرئيسيين إلى جانب النيل الأبيض اللذين يمثلان نهر النيل)، وردَّد المتظاهرون هتافات "المرة دي بجد .. السد لازم يتهد"، و"قول يا مصري ساكت ليه بعد الميه فاضل إيه"، و"مشحنسلم مش حنبيع مصر بلدنا مش للبيع"، فيما وجه بعض المتواجدين شتائم لإثيوبيا وللحكومة المصرية على ما اعتبروه "العجز عن مواجهة المخططات التي تستهدف حرمان مصر من مياه النيل".

سد "النهضة" يثير جدلاً حول ملكية مصر لإثيوبيا

الى ذلك أثارت تصريحات أدلى بها ناشط حقوقي مصري، رداً على قيام السلطات الإثيوبية على تشييد سد "النهضة" على مجرى النيل الأزرق، قال فيها إن أجزاء كبيرة من أراضي الدولة الواقعة بمنطقة القرن الأفريقي هي في الأصل ملكاً لمصر، ردود فعل واسعة، وقال محمد عبد النعيم، رئيس المنظمة المتحدة الوطنية لحقوق الإنسان، وعضو لجنة شؤون السودان ووادي النيل بحزب "الوفد"، إنه "في نهايات القرن التاسع عشر، وبعد فتوحات الخديوي إسماعيل في القرن الأفريقي"، تم ضم "جزء كبير من أرض إثيوبيا إلى مصر."

وأضاف الحقوقي المصري، بحسب التصريحات التي أوردتها المنظمة الحقوقية على صفحتها بموقع "فيسبوك"، وتناقلتها وسائل إعلام محلية، أن الخديوي عباس، والذي حكم مصر بعد الخديوي إسماعيل، اتفق على رد الأراضي الإثيوبية إلى سكانها، مقابل اتفاق "حق الارتفاق". بحسب السي ان ان.

وتقضي اتفاقية "حق الارتفاق"، بحسب عبد النعيم، بأن تقوم مصر بدفع مبالغ مالية إلى إثيوبيا على هيئة أقساط سنوية، مقابل وقف الانتفاع بتلك الأراضي، وعدم إقامة أية سدود عليها، تعوق وصول مياه النيل، إلا بموافقة مصر، وتم سداد آخر تلك الأقساط في عام 1959، وأضاف عبد النعيم قائلاً: "حصلنا على نسخة موثقه من تلك العقود بين مصر وإثيوبيا، وسنقوم برفع قضية دولية إما بوقف جميع السدود فوراً، أو استرداد أراضي إثيوبيا، نتيجة نقضهم الاتفاقية بينهم وبين مصر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/حزيران/2013 - 1/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م