المسلمون والمظلة الحضارية الحديثة

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: مبادئ المسلمين تعد ركيزة فكرية وتطبيقية أساسية، تدعمهم في تطوير مجتمع اسلامي متناسق ومنسجم مع ذاته اولا، وله القدرة على الاندماج والتفاعل مع المجتمع العالمي، والدخول تحت مظلة الحضارة الحديثة، إذْ لا تضارب بين الاسلام وبين الحداثة، بل على العكس من ذلك، حيث تشكل مبادئ الاسلام مرتكزات قوية للتحرر والابداع والتجديد الدائم.

وقد انشغل الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، عقودا طوال، في قضية اندماج المسلمين مع العالم المعاصر تحت مظلة الحضارة الحديثة، وركز في افكاره ومؤلفاته على اهمية الاستقلال الثقافي، حيث الثقافة تقود مجالات الحياة الاخرى وتطورها، أو العكس عندما تفقد الثقافة قدرتها على التغيير بسبب تبعيتها لثقافات وافدة اقوى منها ودخيلة عليها.

لهذا ركَّز الامام الشيرازي في عدة مؤلفات، ومنها كتابه الموسوم بـ (ثقافة التحرير)، على الاهمية القصوى التي تنطوي عليها قضية الاستقلال الثقافي، إذ يقول سماحته عن الهدف من تأليفه لكتابه المذكور سابقا: (لقد كتبت كتاب - ثقافة التحرير- للإشارة إلى الأسس التي تُبنى عليها التحرّر عن نير الغرب والشرق عبر الاستقلال الثقافي، الذي هو مقدمة للاستقلال السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي وغيرها).

الارهاب من وسائل المستعمرين

من الامور الواضحة للجميع، لاسيما المسلمين والعرب ايضا، أن البلدان التي لا تزال تنتهج مسارات الاستعمار بأشكاله الجديدة، تبذل كل ما في وسعها من اجل اعاقة تقدم المسلمين، ولا تسمح لهم بالدخول تحت مظلة الحضارة الحديثة بمبادئهم الاسلامية القويمة، والسبب واضح تماما، لان مبادئ الاسلام لا تتعارض مع الحضارة، بل ستشكل عنصر قوة للمسلمين في تصدر الاخرين، والعودة الى ريادة المجتمع البشري، وهو أمر يسحب البساط من تحت اقدم ونوايا الدول الاستعمارية الكبرى، وعقولها وشركاتها التي تخطط لإبقاء هيمنتها الدائمة على مقدرات الامم والشعوب اجمع.

لذلك يسعى المستعمرون الى استخدام الوسائل الكفيلة بإعاقة تقدم المسلمين، عبر اثارة الفتن والارهاب، وصنع الازمات، لكي ينشغل المسلمون بالتوافه من الامور، ويتركون الانشغال بالتقدم والارتقاء الى مسؤولياتهم ودورهم الريادي للعالم، لذلك يؤكد الامام الشيرازي في كتابه هذا على أن: (من أهم وسائل المستعمرين في بلاد الإسلام ــ بل في كل العالم الثالث ــ الإرهاب والأزمات، وذلك لإشغال الناس بالتوافه عن التفكير في مصيرهم الأسود وحاضرهم البائس).

وهكذا يتضح لنا أن البلدان الطامعة بخيرات المسلمين، تحاول ان تشغلهم عن الهدف الاسمى، وهو تحقيق الانسجام بين مبادئ الاسلام والحضارة بصورة عملية، من خلال الدخول تحت مظلة التحضّر الحداثوي، وهو امر لا يتضارب مع الاسلام، كما سبق الاشارة اليه، كون الاسلام يهدف الى تحرير الانسان، وتطويره في مسارات الثقافة والوعي والتنوير.

لذلك يرى الامام الشيرازي أن المسلمين تعرضوا الى ظلم وحيف كبير، من لدن الدول الاستعمارية التي تعد من الدول العظمى المتحكمة بالعالم، لهذا يتطلب الامر القيام بخطوات حتمية، لرفع الحيف عن المسلمين، وفتح ابواب العلم والثقافة امامهم، لكي يصبحوا في مقدمة الامم الفاعلة، من خلال الاندماج والدخول تحت المظلة الحضارية، كما يصفها الامام الشيرازي، علما ان المسلمين مدعومون دائما بالمبادئ الانسانية التي تتيح لهم دورا افضل في تنوير المجتمع البشري.

لهذا يضع الامام الشيرازي أمرين من اجل رفع الحيف عن المسلمين، مقترحا في هذا الصدد ما يلي: (إن رفع الحيف عن بلاد الإسلام بحاجة إلى أمرين:  الأول: في خارج بلاد الإسلام مما فيه بعض الحريات، كالبلاد الغربية ــ الأعم من الأوربية والأمريكية وأمثال اليابان ــ وذلك بنشر الوعي الإسلامي الحضاري للغربيين وللمسلمين هناك بوسائل الإعلام الحديثة حتى يخفف من عداء الغرب التقليدي للمسلمين، وحتى يعي المسلمون الدور الحضاري الذي يمكن أن يؤدوه هناك لإنقاذ بلاد الإسلام عن التخلّف والفوضى. والثاني: في داخل بلاد الإسلام حيث الأمر يحتاج أيضاً إلى (الوعي الحضاري والمؤتمرات والإضرابات).

دور المال والتخطيط

لم تكن افكار واقتراحات الامام الشيرازي لفظية او صورية فحسب، بل عندما يطرح سماحته رؤية معينة حول اشكالية ما، يرفق ذلك بالبدائل والحلول، وفق تنظير مدعوم بالتخطيط وسبل التنفيذ ايضا، وهنا تكتمل الفائدة من الافكار، كونها تضم طرق التحويل من الفكر المجرد الى الواقع التطبيقي، وهذه ميزة ينبغي أن يتوفر عليها المصلحون والمفكرون، لاننا بصريح العبارة لسنا بحاجة الى تدبيج كلمات وتزويق الفاظ، غير قابلة للتنفيذ على الارض.

لذلك يؤكد الامام الشيرازي، على الوسائل العملية التي تساعد المسلمين، على الدخول تحت المظلة الحضارية، واخذ دور الريادة في المجتمع البشري، بسبب توافر القدرات الفكرية والمبدئية في الفكر الاسلامي، لكن تحقيق هذا الهدف الجوهري، يحتاج الى رصد الاموال الكافية وهي كبيرة وكثيرة، ينبغي ان تتعاضد على توفيرها الحكومات والاثرياء معا، حتى يمكن تحويل الفكر والتخطيط الى عمل.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (من دون بذل المال الوفير لا تكون أمثال هذه الحريات التي هي وليدة الأمرين السابقين، فمثلاً إنّ الأراضي السودانية بالأموال الخليجية والأيادي المصرية يمكن استثمارها ـ كما قرّره الخبراء ـ في الاكتفاء الذاتي الزراعي للبلاد العربية كافة، من الحبوب والفواكه واللحوم وما إلى ذلك، فهل من الممكن في ظلّ التخلف الحالي من إنجاز هذا المشروع؟! وإذا تحقق ذلك فأيّة فائدة كبيرة تعود إلى الحكّام والتجّار؟!).

هكذا يضع الامام الشيرازي خطوات وبدائل عملية امام المعنيين، لكي يصنعوا الفرصة الملائمة والدوافع العملية لانطلاق الدور الاسلامي الريادي، وهنا يركز الامام على قدرة المسلمين في تحقيق النفع للشرق والغرب معا، من خلال المبادئ الاسلامية التي تشكل دوافع اضافية لخلق دور اسلامي جوهري ومتميز وفاعل تحت مظلة الحضارة الحديثة، إذ يقول الامام الشيرازي بوضوح تام: (من المعلوم أنّ المسلمين إذا دخلوا تحت المظلة الحضارية الحديثة ـ بمبادئهم السماوية ـ يكون ذلك في نفع الغرب والشرق وأمثالهما من البلاد غير الإسلامية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/حزيران/2013 - 30/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م