الثقافة في مصر... مخاض يتعسر من حكم مبارك الى سلطة الاخوان

 

شبكة النبأ: لاتزال ثقافة العربية وعلى الرغم من التطور العلمي والتقني المتسارع الذي يشهده العالم، تواجه جملة من التحديات والمشاكل الخطيرة التي أسهمت بتدهور الثقافة في مجتمعاتنا العربية كما يقول بعض المتخصصين، الذين أكدوا على ان الكثير من أنظمة الحكم العربية كانت ولا تزال تحارب الابداع والفكر الحر من خلال فرض سيطرتها على المؤسسات التربوية والثقافية والاعلامية، هذا الفكر لم يتغير حتى بعد ان تمكنت بعض الشعوب العربية من اسقاط انظمتها المستبدة من خلال ثورات الربيع العربي، التي اسهمت بصعود بعض التيارات والاحزاب الاسلامية منها جماعة الإخوان المسلمين في مصر والتي تمكنت من مصادرة تلك الثورات لمصالحها الخاصة وبناء دكتاتورية جديدة من خلال الهيمنة والتفرد وإقصاء الآخرين، وفي هذا الشأن قال الروائي المصري الحائز على جائزة البوكر العربية يوسف زيدان إن نيابة أمن الدولة العليا حققت معه لمدة أربع ساعات في بلاغ قدمه مجمع البحوث الإسلامية اتهمه فيه بازدراء الأديان في أحد كتبه.

والقضية حلقة في سلسلة حوادث أثارت مخاوف بشأن حرية التعبير في ظل الرئيس الإسلامي محمد مرسي الذي انتخب العام الماضي بعد انتفاضة عام 2011 التي أسقطت سلفه حسني مبارك. وقال المحامي الحقوقي جمال عيد الذي كلف أحد مساعديه بحضور التحقيق "بلاغ مجمع البحوث الإسلامية قدم عام 2010 لكن سلفيا متشددا بعث به إلى المسؤولين في الآونة ألأخيرة."

وأضاف "وبالطبع القضية تبين استمرار الإسلاميين في فرد عضلاتهم ومحاولاتهم تشكيل المجتمع طبقا للصيغة التي يؤمنون بها من الإسلام." وفي ديسمبر كانون الأول صدر حكم على شاب مسيحي عمره 27 عاما بالسجن ثلاث سنوات لأنه نشر على الإنترنت لقطات من فيلم مناهض للإسلام أشعل احتجاجات مسلمين في مختلف أنحاء العالم. وفي نوفمبر تشرين الثاني عوقب سبعة مسيحيين غيابيا بالإعدام شنقا لمشاركتهم في الفيلم. وحكمت محكمة في أبريل نيسان على عادل امام أشهر ممثل ساخر في العالم العربي بالحبس ثلاثة أشهر وغرامة 1000 جنيه (150 دولارا) لإدانته بازدراء الإسلام في أفلام ومسرحيات. وفي وقت لاحق نال البراءة أمام محكمة استئنافية.

وقال زيدان إن المحققين اتهموه بالإساءة للديانات السماوية الثلاث في أحدث كتبه البحثية "اللاهوت العربي واصول العنف الديني". وصدر الكتاب في نهاية عام 2009 لكن توقف صدور طبعات جديدة منه لسنوات بسبب الاضطراب في العالم العربي وصدرت طبعة جديدة منه حديثا. وبيع منه إلى الآن 40 ألف نسخة. ويبلغ متوسط مبيعات الكتب في مصر ما بين أربعة آلاف وستة آلاف نسخة على أفضل تقدير.

وقال زيدان "طبقا لبلاغ مجمع البحوث الإسلامية أنا متهم بإهانة جميع الديانات لأنني وصفتها بأنها مرسلة ولا أفهم كيف يكون مثل هذا الوصف متجاوزا في وقت بلغت فيه من قبل مرسلين." وأضاف "بلاغ مجمع البحوث الإسلامية اتهمني أيضا بإثارة الفتن في المجتمع واتهمني ثالثا بالسخرية من الأديان ونشر الأفكار الثورية وهي أغرب التهم الثلاث التي وجهت إلي لأن الكتاب كله كتاب فلسفي ومناهض للعنف."

ويعرف زيدان وهو مسلم بأفكاره الدينية الحداثية لكنها مدروسة جيدا في رواياته. وقبل سنوات اتهم مسيحيون مصريون رواية عزازيل الشهيرة لزيدان والتي صدرت عام 2008 ونالت جائزة البوكر العربية بالإساءة إلى المسيحية. وعزازيل التي أغضبت أيضا الكنيسة الارثوذكسية المصرية تروي قصة راهب مصري عاش في القرن الخامس وكان شاهدا على مناقشات عن العقيدة لدى المسيحيين الأوائل. بحسب رويترز.

وقال زيدان "الأمر صادم لي حقا وغريب أن أجد نفسي أتحدث عن الفلسفة مع محققي نيابة أمن الدولة خاصة الآن في وقت تعاني فيه الدولة من اضطراب هائل وعنف شوارع يجب أن يكون بؤرة اهتماهم وقد قلت لهم ذلك." ويحظر القانون المصري إهانة الإسلام والمسيحية واليهودية ويمكن أن يعاقب زيدان بالسجن خمس سنوات إذا حوكم وأدين. وقال "أرى أن القضية مثل قضايا سابقة ضد كتاب ومبدعين هي نوع من الضغط الذي أصبح اتجاها في سوق الإخوان المسلمين. وأقر بأن أفكاري تناوئ جميع الجماعات الإسلامية المتشددة ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين."

مواجهة مفتوحة

في السياق ذاته المشهد الذي عاشته دار الاوبرا المصرية كان حدثا غير مسبوق في تاريخها وعبر عن انقطاع الجسور بين وزير الثقافة الجديد والمثقفين المصريين الذين شكوا من "اخونة" الثقافة في ظل حكومة الاخوان المسلمين بعد الاطاحة بالرئيس حسني مبارك في انتفاضة شعبية. فبعد ساعات من قيام علاء عبد العزيز وزير الثقافة المصري المثير للجدل بإقالة رئيسة دار الأوبرا المصرية إيناس عبد الدايم جاء رد فناني الأوبرا مفاجئا إذ صعد المايسترو ناير ناجي في موعد رفع الستار لبدء عرض (أوبرا عايدة) معلنا إلغاء العرض في حدث غير مسبوق في تاريخ دار الأوبرا منذ بدء عروضها قبل أكثر من 140 عاما.

ورفض جمهور العرض استرداد قيمة التذاكر تضامنا مع فناني العرض الذين ينتمون إلى مصر وإسبانيا وإيطاليا. وشكر ناجي الجمهور وقال إن الفنانين والعاملين والفنيين يرفضون قرار الوزير بإقالة إيناس عبد الدايم ويرونه جزءا من "خطة ممنهجة لتسييس الثقافة والفنون الرفيعة في مصر" وبدأ فنانو الأوبرا اعتصاما وأعلنوا وقف أنشطة دار الأوبرا كخطوة اولى. وارتفع السقف من إعادة عبد الدايم إلى إقالة الوزير.

وأثار تعيين عبد العزيز المدرس في أكاديمية الفنون وزيرا للثقافة قلق مثقفين ومدافعين عن حرية التعبير قالوا إنه غير معروف في الوسط الثقافي وانهم لم يجدوا له إلا مقالا منشورا في موقع (الحرية والعدالة) الذراع السياسية للإخوان المسلمين متبنيا مواقفهم التي يراها المثقفون معادية للحرية.

وبدأ الوزير الصدام بإقالة أحمد مجاهد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب التي أصدرت في عهده أعمالا لفنانين ونقاد بارزين منهم ثروت عكاشة وصلاح عبد الصبور ومحيي الدين اللباد وفؤاد حداد وصلاح جاهين الذي انتقده شيخ سلفي قائلا إن "صلاح جاهين هو تاريخ مصر القذر."

وعزا البعض إقالة مجاهد إلى منح جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي تنظمه الهيئة في فبراير شباط الماضي لكتاب (سر المعبد) الذي ينتقد جماعة الإخوان التي ينتمي إليها الرئيس محمد مرسي. وأعلن مثقفون وفنانون وإئتلافات ثقافية ونقابات فنية في نقابة الصحفيين بالقاهرة تأسيس (جبهة الدفاع عن الثقافة المصرية) التي تعنى بالتصدي لمحاولات "هدم الثقافة والدفاع عن الحريات" إضافة إلى تنظيم أنشطة ثقافية وفنية موازية في عموم البلاد "تعبر عن قيم الحرية والعدل" بعيدا الأنشطة الرسمية.

وأعلن مثقفون تصديهم لما يعتبرونه تجريفا للوعي الوطني ودفاعا عن حرية الإبداع في ظل حكم جماعة الاخوان المسلمين قائلين إنهم سيمنعون وزير الثقافة من المشاركة في أي نشاط تنظمه قطاعات الوزارة وبدأوا التنفيذ مساء الأحد الماضي حيث افتتح الفنانون التشكيليون المعرض العام الخامس والثلاثين الذي طلب الوزير تأجيله في غياب الوزير وهو حدث نادر في تاريخ المعرض.

وفي اليوم التالي أقال الوزير صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية. ورفض التشكيليون إقالة المليجي وطالبوا بعودته مشددين في بيان على أنهم لن يسمحوا بوجود الوزير "في أي مناسبة ثقافية. نريد محاصرته في محيطه الورقي حتى يرحل عن الوزارة نهائيا." وأضاف البيان الذي حمل عنوان (وزير الثقافة المطرود من الجماعة الثقافية المصرية) أنه "جاء بخطة تدميرية تستهدف معمار الثقافة المصرية العريقة من منطلق فكر كهنوتي أسود نابع من الكتب الصفراء" في إشارة إلى الخلفية السلفية لجماعة الإخوان.

وبعد استقالة الناقد أسامة عفيفي من رئاسة تحرير مجلة (المجلة) التي تصدرها الهيئة العامة للكتاب أعلن الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي استقالته من رئاسة تحرير مجلة (إبداع) التي تصدرها الهيئة نفسها ومن رئاسة (بيت الشعر) التابع لوزارة الثقافة. وقال حجازي في الاستقالة إنها "احتجاج على ما يقع الآن للمثقفين المصريين ورجال القضاء ورجال الإعلام على أيدي الإخوان المسلمين وحلفائهم الذين استولوا على السلطة وآخرهم وزير الثقافة الحالي.

إنها خطة مدبرة للانفراد بالسلطة والبقاء فيها وتزوير التاريخ وإسقاط الدولة وتدمير مؤسساتها وانتهاك الحقوق والعدوان على الحريات والتنكيل بالمعارضين" مضيفا أنه يرفض العمل في هذا المناخ. وكما استقال مجلس أمناء بيت الشعر جميعا وهم حجازي وفاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبوسنة وسيد حجاب ومحمد عبد المطلب ومحمد حماسة عبد اللطيف وحسن طلب وسعيد توفيق ومحمد سليمان والسماح عبد الله.

وتشهد الساحة الثقافية والفنية المصرية حراكا من نوع جديد، فمعظم المثقفين يعترضون على وزير الثقافة الجديد متهمين إياه بالعمل على "أخونة الثقافة"، كما يرون فيه "غريبا على الجسم الثقافي ودخيلا على المثقفين". ولم يتعرض وزير لمثل الاعتراضات والاحتجاجات التي تعرض لها وزير الثقافة المصري الجديد وتتهم بعض الأوساط الفنية والثقافية الوزير عبد الكريم بالعمل على "أخونة" وزارة الثقافة من خلال الإطاحة بكبار المسؤولين. ويصفه معظم المثقفين بالوزير المغمور.

يرى الروائي الكبير بهاء طاهر أن اختيار علاء عبد العزيز وزيرا للثقافة، نوع من أنواع الاستفزاز للمثقفين والأدباء. فعلى وزير الثقافة أن يحوز على "موروث وتاريخ ثقافي، وهذا الوزير ليس له تاريخ أو حتى جزء من التاريخ"، حسب كلام الكاتب المعروف. أما الأديب والروائي الكبير يوسف القعيد ، فقال إن هذا الوزير مرفوض من الناس والمثقفين على السواء.

ويضيف القعيد قائلا: "إنه رجل غير معروف، وليس له منهج في الثقافة، ومجرد المجيء به إهانة للمثقفين المصريين الأحياء والأموات، والمجيء به هدفه الأساسي تفكيك مفاصل وزارة الثقافة واستبدال قيادتها، ومن الطبيعي أن ترفض النخبة المثقفة هذا الوزير المغمور".

ويرى القعيد أن "أخونة الدولة"، هو مصطلح حقيقي و"يتم فعليا على قدم وساق في جميع وزارات الدولة، ومنها وزارة الزراعة والأوقاف والثقافة والإعلام. أما من يدافعون عن هذا الوزير، فيمكننا سؤالهم لماذا تدافعون عن هذا الوزير، وأي تاريخ لهذا الرجل، وهل كنتم تعرفونه قبل ذلك".

والوزير الذي لم يقابل وفودا من أي حزب استقبل وفدا من حزب (الحرية والعدالة) وأعلن في صفحة الوزارة على الفيسبوك وجود "تصور شامل لإثراء الحياة الثقافية المصرية وفق منظومة القيم المصرية الأصيلة" كما ناقش الوفد مع الوزير "تكريس ثقافة القيم من خلال نظرات جديدة للتراث وتفعيل جديد للمقدرات الثقافية التاريخية والحضارية" لمصر.

ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من الوزير لكنه قال عبر الصفحة الرسمية للوزارة على موقع الفيسبوك "إن التغييرات الجارية حاليا في مختلف قطاعات الوزارة هدفها الأول ضخ دماء ورؤى جديدة لإحداث حراك ثقافي يعبر عن ثورة 25 يناير. وهناك هدف آخر من هذه التغييرات هو سرعة تفعيل كافة قطاعات الثقافة المصرية وعملها بأقصي إمكانياتها." بحسب فرانس برس.

ولكن مثقفين وفنانين أعلنوا إطلاق حملة شعارها (مبدعون من أجل الشعب) بديلا لوزارة الثقافة وتنظم أنشطة متنوعة بعد "الاكتتاب العام في كل أرجاء مصر بطولها وعرضها للسير في طريق الثقافة المستقلة بالشعب ومن الشعب وإلى الشعب" مضيفا أن المثقفين ليسوا مجرد أوراق وتلال من المكاتب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/حزيران/2013 - 26/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م