أردوغان... يتجرع كاس التغيير

 

شبكة النبأ: لاتزل موجة الاحتجاجات الكبيرة التي تشهدها تركيا محط اهتمام وترقب لدى الكثير من الأوساط الإعلامية والسياسية في العالم، ويرى بعض المراقبين ان وموجة الاحتجاجات السلمية المتواصلة والتي أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والمئات من الجرحى بين صفوف المتظاهرين، هي دليل واضح على اعتراض الشعب التركي على سياسية حكومة اردوغان وحزبه الفاشل، الذي يسعى الى تعزيز نفوذه من خلال استخدام القوة المفرطة وإتباع أساليب الكذب والتضليل الإعلامي، وهذه الأحداث هي رسالة تثبت كذب الحكومة التركية و رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان صاحب سياسة الكيل بمكيالين ففي الوقت الذي يدعوا فيه الى مناصرة بعض الشعوب يمارس هو أبشع أنواع الاضطهاد ضد المتظاهرين الاتراك العزل من خلال استخدام العنف والقسوة واتهامهم بالعمالة والانحراف والتبعية لجهات أخرى، من جانب أخر يرى بعض المحللين ان ما يحدث في تركيا هو نتاج طبيعي لسياسة الحكومة الفاشلة التي أقحمت نفسها في العديد من القضايا الخطيرة وأصبحت تتدخل في الشؤون الداخلية لبعض دول المجاورة الأمر الذي أسهم بخلق العديد من الأزمات السياسية والأمنية الداخلية والخارجية.

وفيما يخص أخر التطورات في المشهد التركي فقد تحدثت منظمة العفو الدولية عن مقتل شخصين وإصابة أكثر من 1000 آخرين بجروح في المواجهات بين الشرطة التركية ومتظاهرين محتجين على مشروع لهدم منتزه في اسطنبول. وقالت المنظمة في بيان إنه يتعين على السلطات التركية اتخاذ خطوات طارئة للحول دون وقوع المزيد من القتلى والجرحى والسماح للمتظاهرين بالحصول على حقوقهم الأساسية وضمان أمن كافة المواطنين. وأضافت أنها تتابع تقارير تفيد عن أكثر من 1000 إصابة وقتيلين بين المتظاهرين في اسطنبول.

وأشارت إلى أن 20 طبيباً من طواقمها يعملون في مقرّ المنظمة قرب ساحة تقسيم لمعالجة الجرحى. وقال مدير المنظمة في أوروبا جون دالهوسين إن “استخدام عناصر الشرطة للقوة المفرطة قد تكون أمراً روتينياً في تركيا، ولكن ردة الفعل البالغة جداً ضد كلّ المظاهرات السلمية في تقسيم هو أمر مخز بالفعل”. وتحدثت المنظمة عن استخدام خراطيم المياه والاستعمال غير الملائم للغازات المسيلة للدموع. وكانت المظاهرات ضد إزالة منتزه في اسطنبول تحولت إلى مواجهات عنيفة بين الشرطة والمحتجين، وامتدت من ساحة تقسيم بالمدينة إلى العديد من المدن والمحافظات التركية.

وترجم الاحتجاج الشعبي الذي انطلق من مجموعة صغيرة من ناشطي الجمعيات واشتعل في اسطنبول ومدن أخرى في تركيا، غضب الأتراك على حكومة تحتكر كل السلطات منذ عشر سنوات. ومن اليسار التركي الى اليمين القومي احتشد الطيف السياسي التركي كله لاجتياح ساحة تقسيم والاحتفال على وقع صرخات "أيها الدكتاتور استقل" بهزيمة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان امام غضب الشارع. وعبر الجميع عن الغضب المتراكم على سياسة الحكومة المنبثقة من التيار الإسلامي المحافظ الذي أججه العنف والقمع البوليسي.

وقال التير توران المحلل السياسي من جامعة بيلجي الخاصة في اسطنبول "هذه التظاهرات ليست من صنع حفنة من الناشطين او منظمة بل هي تعبير عن حالة قلق عامة بين الناس من كافة التوجهات السياسية". من جهته قال سنان اولجان من مؤسسة كارنجي الاوروبية "انه تحرك شعبي غير مسبوق ومفاجئ ناجم عن القلق وخيبة الأمل للأوساط العلمانية في المجتمع التي لم يعد بإمكانها التأثير على الحياة العامة منذ عشر سنوات".

وعبر عدد كبير من المتظاهرين في اسطنبول وانقره ومدن تركية أخرى عن ضيقهم من سلطة يقولون أنها تريد ان "تفرض طريقتها في العيش" عليهم. من جانبها نددت قوى اليسار وأقصى اليسار بالقمع الذي تمارسه السلطات تحت غطاء مكافحة الإرهاب. وهناك آلاف الأشخاص بينهم محامون وطلبة وصحافيون موقوفون في انتظار محاكمتهم بسبب دعمهم لقضية الأكراد الاتراك.

ويشيرون كلهم بإصبع الاتهام الى انحراف استبدادي لسلطة قوية بنجاحها الانتخابي. وإزاء معارضة تجاوزتها الأحداث فاز حزب اردوغان بفارق كبير بالانتخابات التشريعية في 2007 و2011 بنسبة 47 بالمئة و50 بالمئة من الأصوات. ولأنه مجبر بموجب قوانين حزب العدالة والتنمية على التخلي عن رئاسة الحكومة في 2015 فان اردوغان لم يعد يخفي نيته الترشيح العام المقبل لمنصب رئيس الجمهورية الذي سينتخب للمرة الأولى في اقتراع عام. بحسب فرانس برس.

وبدا خصومه في التندر ب"السلطان الجديد" ومشاريعه الفرعونية التي أطلقها خلال الأشهر الأخيرة في اسطنبول مثل الجسر الثالث على البوسفور ومطار المدينة المستقبلي العملاق. ولاحظ التير توران ان "اردوغان لا يقبل اي حد من سلطة زعيم الأغلبية وهو يعتبر ان كل ما يقوم به هو ثمرة الإرادة الديمقراطية".

بيد ان البعض يريد ان يعتقد ان الأحداث الأخيرة غيرت المعطيات. وكتب مراد يكين في افتتاحية صحيفة حرييت ديلي نيوز الليبرالية الصادرة بالانكليزية "ان موجة احتجاجات تقسيم قلصت للمرة الاولى من هالة رئيس الوزراء القوي". وفي خطاب القاه لم يبد على اردوغان انه تأثر بالأحداث. وقال ساخرا "اذا نعتوا شخصا يخدم الشعب بأنه دكتاتور، ماذا تريدونني ان افعل إزاء ذلك؟".

 بين القمع والاتهام

في السياق ذاته اتهم رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان حزب المعارضة الرئيسي في تركيا بإذكاء موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة في الوقت الذي احتشد فيه عشرات الآلاف مجددا في اسطنبول وأنقرة بعد فترة هدوء وتفجرت الاضطرابات من جديد في العاصمة. ووصف اردوغان المحتجين بأنهم "بضعة لصوص" وقال إنه سيمضي قدما في مشروع إعادة تطوير ميدان تقسيم في اسطنبول الذي أشعل شرارة احتجاجات تحولت إلى مظاهرة أوسع نطاقا ضد حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية.

وانتقد اردوغان بصورة خاصة حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة بسبب خلاف وصفه بالفكري. وقال اردوغان عبر التلفزيون التركي "نعتقد أن حزب المعارضة الرئيسي الذي يطلق دعوات للمقاومة في كل الشوارع يثير هذه الاحتجاجات." وصدمت ضراوة رد فعل الشرطة في اسطنبول الأتراك بالإضافة إلى السائحين الذين فوجئوا بالاضطرابات في واحدة من أكثر المناطق التي يزورها سائحون في العالم. وقوبل ذلك بانتقاد من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجماعات حقوقية دولية.

وأطلقت طائرات هليكوبتر عبوات الغاز المسيل للدموع في أحياء سكنية واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع في محاولة لإجبار محتجين على الخروج من بعض المباني. وأظهرت صورة على يوتيوب شاحنة شرطة مدرعة تصدم محتجا لدى اقتحامها حاجزا. ورغم تركيز اردوغان على حزب الشعب الجمهوري الا ان الاحتجاجات ضمت اناسا من أطياف مختلفة معارضين لاردوغان ولم ينظمها حزب سياسي واحد على ما يبدو.

على صعيد متصل أكد وزير الداخلية التركي معمر غولر ان "الشرطة اعتقلت 939 شخصاً في 90 مظاهرة مختلفة في أرجاء تركيا". وقال غولر للصحفيين في تعليقات اذاعها التلفزيون الحكومي التركي "جرى اعتقال 939 شخصاً في عدة مدن. بعضهم أفرج عنهم بالفعل". وأضاف أن " 79 شخصاً اصيبوا بجروح اثناء الاضطرابات"، التي أثارتها خطط الحكومة لتحويل ثكنة ترجع الي العهد العثماني الى منطقة تجارية وسكنية في ميدان تقسيم في اسطنبول، لكنها تحولت الى مظاهرات واسعة لتحدي رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.

وأفادت صحيفة "حريات" التركية أن "تظاهرات عدة نظمت في عدد من المدن التركية، ومن بينها أنقرة تضامناً مع المحتجين في منطقة تقسيم باسطنبول". وأشارت إلى أن "مواطنين احتشدوا في منتزهي كوغولو وعبدي إيبيجي في أنقرة، وقد أطلقت على البعض قنابل غاز عندما حاولوا التوجه إلى مكتب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان".

وتظاهر أكثر من 10 آلاف شخص في إزمير، ورفع المتظاهرون لافتات كتبت عليها عبارات مختلفة من بينها "كل مكان هو تقسيم، والمقاومة في كل مكان"، و"أردوغان الكيميائي"، وأطلقت الشرطة في إزمير أيضاً قنابل الغاز المسيلة للدموع واستخدمت خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين. وشهدت كل من بروصة وأضنة وسمسون ومرسين وغيرها تظاهرات.

من جانب اخر طالب زعيم المعارضة التركية الرئيسية كمال كليتشدار أوغلو رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالاعتذار من الشعب على استعمال القوة المفرطة مع المتظاهرين الذين احتجوا على إزالة منتزه تقسيم واستبداله بمركز تجاري. ونقلت صحيفة "حريت" التركية عن كليتشدار أوغلو، الذي يتزعم حزب الشعب الجمهوري، قوله للصحافيين إن "المرء لا يمكنه أن يحكم ضد إرادة الشعب. الشعب هو القوة الأكبر. عليه (أردوغان) أن يعتذر من الشعب". وأكد أن زيارته للمتظاهرين في تقسيم لم تكن محاولة لانتهاز الفرصة، قائلاً "ذهبت كمواطن مدني لدعم المتظاهرين. هذه المظاهرة ليست لحزب الشعب الجمهوري. هذا احتجاج للشعب. لم نأخذ أعلام حزبنا معنا".

دعوات دولية

من جهة اخرى دعا وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس السلطات التركية الى التحلي "بضبط النفس" حيال المتظاهرين الذين ينددون بسياسة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان. وقال فابيوس ان "موقف فرنسا هو الطلب بالتحلي بضبط النفس والذهاب نحو التهدئة". وأوضح ان "طلب ضبط النفس موجه الى السلطات التركية"، وأعرب عن أمله في ان تقوم الحكومة "بتحليل أسباب" الاحتجاجات.

الا ان فابيوس رفض فكرة "ربيع تركي" بالتشابه مع الربيع العربي. وقال "اذكر بأننا نتعامل (في تركيا) مع حكومة انتخبت ديموقراطيا". واندلعت حركة الاحتجاجات على اثر اعلان العزم على هدم حديقة جيزي في اسطنبول لكنها اتسعت لتشمل مدنا تركية اخرى وقمعتها الشرطة بعنف. وأسفرت المواجهات في اسطنبول ومدن اخرى عن 79 جريحا في غضون يومين، هم 53 مدنيا و26 شرطيا، بحسب ما اعلن وزير الداخلية معمر غولر.

الى جانب ذلك حذّرت وزارة الخارجية البريطانية رعاياها من السفر إلى المناطق التركية التي تشهد احتجاجات وتلك المحاذية للحدود مع سوريا. وذكرت وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث في بيان أن احتجاجات تحصل حالياً في اسطنبول ومدن أخر في تركيا بينها أنقرة.. وتستخدم الشرطة القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه ردا على ذلك. وننصح المواطنين البريطانيين تجنب كل التظاهرات.

ونصحت الوزارة رعاياها بعدم السفر إلى مدينتي أقجة قلعة ورأس العين، وعدم السفر إلا في حالات الضرورة إلى المناطق الواقعة على مسافة 10 كيلومترات من الحدود التركية مع سوريا، وإلى محافظات هكاري وشيرناك وسيرت وتونجلي، وتوخي الحذر عند التجول في محافظات أخرى جنوب شرق تركيا .

في السياق ذاته تظاهر قرابة 1800 شخص في فيينا ضد حكومة رئيس الوزراء التركي اردوغان ودعماً للمتظاهرين في اسطنبول. ورفع المتظاهرون من سكان فيينا أعلاما تركية ولافتات كتب على أحداها "اصمدي يا حديقة غيزي. فيينا تقف الى جانبك" و"اسطنبول لست وحيدة"، بينما كانوا يسيرون في وسط العاصمة النمساوية. ودعا آخرون الى "وقف عنف الشرطة" ووصفوا رئيس الوزراء التركي بـ"اردوغان القاتل".

وانتهت التظاهرة بهدوء، كما أعلنت الشرطة في فيينا. وفي تركيا، ادت تظاهرات ضد الحكومة التركية الى مواجهات بين الشرطة والمحتجين في الايام الاخيرة ما ادى الى اصابة عدد من الاشخاص بجروح.

سورية تدعو

من جهة أخرى دعت السلطات السورية رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان للرحيل إلى العاصمة القطرية الدوحة واحترام أرادة شعبه. وقال وزير الإعلام في سورية عمران الزعبي انه يتوجب على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان احترام إرادة شعبه ومغادرة البلاد إلى الدوحة التي قد تستضيفه، معتبرا أنه لا مبرر للحكومة التركية اعتقال متظاهرين سلميين. ونقل التلفزيون السوري عن الزعبي قوله إن استخدام العنف المفرط ليس صحيحا في مواجهة الشعب التركي والمتظاهرون ليسوا إرهابيين، داعيا الحكومة التركية إلى الإفراج عن معتقلي الرأي في تركيا لأنه لا مبرر لاعتقال هذا العدد الهائل من المتظاهرين السلميين.

وأشار الوزير الزعبي إلى أنه ما زال هناك فرصة لأردوغان لوقف العنف في تركيا وعليه احترام إرادة شعبه وأن يغادر تركيا إلى الدوحة التي قد تستضيفه. وكان الزعبي دعا أردوغان إلى التنحي في حال كان عاجزا عن إتباع وسائل غير عنيفة إزاء التظاهرات التي اندلعت في تركيا، متهما إياه بأنه منفصل عن الواقع، ويقود البلاد بأسلوب إرهابي، في خطوة تماثل ما سبق أن أطلق من تصريحات تركية إزاء الأحداث التي تشهدها سورية. بحسب فرانس برس.

الى جانب ذلك دعت دمشق مواطنيها الى عدم التوجه الى تركيا "حفاظاً على سلامتهم"، بسبب الاحتجاجات الشعبية الجارية والتي تتخللها مواجهات مع الشرطة التركية. وجاء في بيان لوزارة الخارجية السورية نشرته وكالة الانباء السورية الرسمية "سانا"، "نصح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين المواطنين السوريين بعدم السفر الى تركيا خلال هذه الفترة حفاظاً على سلامتهم وأمنهم وذلك بسبب تردي الاوضاع الامنية في بعض المدن التركية خلال الايام القليلة الماضية والعنف الذي مارسته حكومة (رجب طيب) اردوغان بحق المتظاهرين السلميين من ابناء الشعب التركي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/حزيران/2013 - 25/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م