سلطات المنامة وحقيقة إقحام "التيار الشيرازي" في أعمال العنف

 

شبكة النبأ: في نفس يوم الأربعاء (29-5-2013) وهو موعد الجلسة الـ (19) والمقررة لما يسمى بـ "الحوار الوطني" بين النظام الحاكم في المنامة وعدد من المحسوبين على المعارضة، وفي تمام الساعة العاشرة مساءً، في مدينة "بني جمرة"، تنفجر قنبلة بواسطة جهاز للتحكم عن بعد بالقرب من دورية للشرطة البحرينية تضم سبعة من عناصر الشرطة، وتصيبهم بجروح قالت وسائل الاعلام أن حالة أحدهم "خطيرة"، وأدت الى بتر ساقه.

وعلى وجه السرعة اتخذت وزارة الداخلية عدة خطوات معد لها سلفاً، وهي الإعلان عن مسؤولية عشرة اشخاص عن هذا الهجوم، واعتقال أربعة شبان يشتبه في ضلوعهم بالحادث، وفي الوقت نفسه، إلقاء مسؤولية الحادث على ما وصفته بـ "التيار الشيرازي التابع لإيران"، بأنهم وراء عملية التفجير. وبذلك يتفجر الوضع الأمني بسيناريو مدبّر، وتوجيه ضربة جديدة للحلول السلمية للأزمة السياسية العالقة منذ عامين في البحرين.

الدلائل كلها تشير الى أن النظام القبلي الحاكم في المنامة ما يزال يعيش هاجس الثورة السلمية التي رفع لوائها الشعب البحريني منذ عامين، وقد ثمن هذا الخيار حوالي مائة شهيد وعشرات الجرحى والمعتقلين، في طليعتهم قادة الثورة، من أمثال الشيخ محمد علي المحفوظ أمين عام جمعية العمل الاسلامي. أما سيناريو الحوار، فهو المخرج الذي أوجدته العواصم الغربية وتحديداً واشنطن، لإخراج آل خليفة من مستنقع الديكتاتورية مع حفظ ما تبقى من ماء الوجه، ولذا تحاول منذ الاشهر الماضية، الحفاظ سياق محدد لهذا الحوار، يبتعد عن أي نوع من التغيير الجذري في النظام السياسي في البلاد، ويلغي حالة التمييز الطائفي وخنق الحريات والتوزيع العادل للثروة، وغيرها من الحقوق الأساس لشعب البحرين.

والى جانب هذا السيناريو المعلن، نرى؛ وربما يرى العالم مشاهد دامية للاعتقالات والمداهمات، وكانت حصيلة شهر آيار الماضي اعتقال (15) شخصاً بينهم طفلان، ومداهمة (18) منزلاً والعبث بأثاثه وإتلاف محتوياته بصورة تنمّ عن حالة من العدوانية الطائفية.

والنقطة الأهم والأبرز في المشهد البحريني تمسّك الشعب بخيار السلم في مطالبتهم بالتغيير الشامل والحصول على حقوقه كاملة غير منقوصة. فيما يواصل النظام سياساته القمعية والتعسفية ضد المتظاهرين في الشوارع، والمعارضين من أمثال هشام الصباغ، أحد كوادر جمعية العمل الاسلامي، وفاضل عباس، الأمين العام لـ "جمعية الوحدودي" الذين اعتقلا في شهر نيسان الماضي، وحسب جمعية العمل الاسلامي، فان "الوحدوي" متضامن معها في مقاطعة مسرحية "الحوار الوطني".

واذا كان النظام الخليفي يتصور أنه من خلال إتهام الآخرين بالعنف لإخفاء الوصمة الكبيرة على جبينه، وذلك للاستهلاك الاعلامي المحلي والدولي، فانه بإقحام إسم "التيار الشيرازي" في هذا الميدان، يكون قد ارتكب حماقة جديدة، تضاف الى سلسلة إسقاطاته السياسية والأمنية. وحتى لا نجانب الحقيقة، بل نقولها بكل ثقة واعتداد: ان "التيار الشيرازي" يُعد في طليعة التيارات الثقافية والفكرية الفاعلة في العالم الاسلامي منذ خمسينيات القرن الماضي، وقد حمل مشروعاً متكاملاً للتغيير الشامل على صعيد الإنسان الفرد، والمجتمع والأمة، وقد حمل لواء هذا المشروع، سماحة الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- مستلهماً أفكاره ورؤاه كاملة من القرآن الكريم والسنّة المطهرة لأهل البيت عليهم السلام، ولمن عرف مفاصل فكر هذه الشخصية الكبيرة، يجد أن أدوات التنفيذ وآليات التطبيق العملي تتطابق تماماً مع منهج الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، في دعوته الى الله تعالى، وتأسيس المجتمع الاسلامي النموذجي، وايضاً منهج أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، ويأتي "السلم" في مقدمة هذه الآليات، بل ان هذه المرجعية تعد رائدا في منهج اللاعنف في الفكر والعمل.

 ولعل الكلمات أو المقالات لا تفي بالغرض ولا تكون موضوعية بالدرجة المطلوبة فيما يتعلق بمسألة من هذا الحجم، لذا فان أهل البحرين والكويت والسعودية تحديداً، وربما سائر البلاد الخليجية والاسلامية، خبروا هذا النهج والسلوك من هذا المرجع الكبير والراحل، وكذلك الخط العميق الذي شقه في الساحة، وما يزال ماثلاً ومعروفاً. فبالرغم من أن تيارات وجماعات سياسية ودينية مالت الى خيار العنف والصدام المباشر مع السلطة لكسب الامتيازات وتحقيق المطالب، إلا "التيار الشيرازي" أبى الانجرار الى هذا المنحدر، رغم الضغوط الشديدة والقاسية المتمثلة بالصراع الإقليمي المتصاعد بين إيران من جهة والعواصم الخليجية من جهة أخرى، حيث فرض هذا الصراع اصطفافاً طائفياً مقيتاً، يعرّف الشيعي المطالب بحقوقه والمعرّض لهجمات التكفيريين، ومعاناة التشريد والاعتقال والاغتيال، بأنه موالٍ لإيران، ويستند في قوته ومنعته من هذه الدولة حصرياً، في المقابل فان العواصم الخليجية توحي أنها تحمي مصالح السنّة أمام خطر التوسع الشيعي والهيمنة الايرانية، سواءً في البحرين، حيث حكم القبيلة على الأغلبية الشيعية، أو في سوريا حيث الاغلبية السنية تحت ظل نظام الحكم القائم في دمشق.

ولا نعتقد بأي حال من الأحوال، بغباء السلطات الحاكمة في المنامة الى هذا الحد، وجهلها بحقيقة  "التيار الشيرازي" ورموزه وخلفيته التاريخية المشرقة في البحرين والبلاد الخليجية، إلا القول: أن هذا التيار ربما لبعده عن الساحة السياسية واهتمامه بالشأن الثقافي والديني، ووجود اسمه محفوراً في الذاكرة الاجتماعية الخليجية طوال العقود الماضية، فانه لن يكون من الصعب إلصاق تهمة العنف ومسؤولية عمل إرهابي معين يقوم به شبان صغار، ربما توحي وسائل الاعلام بانهم من المتأثرين بأفكار ورؤى "التيار الشيرازي" الداعية الى التغيير الشامل والمطالبة بحقوق الأكثرية الشيعية.

واذا كانت السلطات في المنامة تعلم حقيقة هذا التيار، فانها تريد خلط الاوراق باسلوب ينم عن غباء او جهل او امية المتصدي لإعلام السلطة البحرينية، عبر محاولة ايهام عامة الناس في البحرين والبلاد الخليجية، لاسيما من غير الشيعة، أن هذا التيار الشيعي، يُعد أحد أذرع ايران في المنطقة، كما هو سائر في بعض الجماعات والاحزاب السياسية الموجودة في المنطقة، في حين إن هذا التيار دفع ثمن استقلالية الموقف وأصالة الفكر والثقافة، غالياً جداً، حتى بلغت الإساءة الى سمعة سماحة الإمام الراحل – قدس سره- وممارسة القمع والتنكيل ضد اتباعه من علماء الدين ورجال الفكر والثقافة، وخصوصا في ايران، ويمكن لأي شخص ان يراجع الاحداث التي جرت لاتباع وتلاميذ وابناء الامام الشيرازي في ايران خلا العقدين الماضيين، كما صودرت مؤسساته ومنعت كتبه وهجّر اتباعه.

من هنا يمكن القول؛ ان الاتهام الاخير "للتيار الشيرازي" واقحامه في الساحة البحرينية، ربما يكون فرصة للشعب البحريني لأن يستنير بأفكار سماحة الإمام الراحل وتوجيهات سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي في الطريق الصحيح للوصول الى الحقوق المشروعة للشعوب وتحقيق التغيير الشامل وصولاً الى نظام حكم عادل، سواءً في البحرين وفي سائر البلاد الاسلامية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/حزيران/2013 - 25/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م