حماس في الضفة الغربية... رواج بالرغم من التضييق

 

شبكة النبأ: في منزله الذي تزينه آيات قرآنية فتح محمد غنام قميصه مشيرا إلى الندوب التي علت صدره. قال غنام (44 عاما) وهو مؤذن في بلدة دورا بمحافظة الخليل إن قوات أمن تابعة للسلطة الفلسطينية يرتدي أفرادها ملابس مدنية احتجزته الشهر الماضي لانتمائه إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وأوسعته ضربا لدرجة أفقدته القدرة على النطق.

وكتب بصعوبة على ورقة يقول "لم يسألوني أي أسئلة.. فقط لكموني بشدة في وجهي وصدري... ضربوا رأسي مرارا وتكرارا في جدار خرساني."

لجأت السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب بقيادة حركة فتح إلى اساليب المراقبة والإقالة والاعتقال والتعذيب لمنع حماس من التغلغل في الحياة العامة في الضفة الغربية منذ ان سيطرت الحركة الاسلامية على غزة عام 2007 .

وفي وقت سابق من الشهر الجاري تعهدت فتح وحماس بدفن خلافاتهما وتشكيل حكومة وحدة وطنية والتوصل إلى استراتيجية مشتركة تجاه اسرائيل. لكن المعاملة السيئة التي يلقاها نشطاء كل جانب في الأراضي التي يسيطر عليها الجانب الاخر تجعل مثل هذه المصالحة بعيدة المنال.

حماس حركة إسلامية لها روابط ايديولوجية بجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس المصري الحالي محمد مرسي والتي أصبح لها دور متزايد في دول عربية أخرى. وترفض حماس السلام مع اسرائيل وتحمل قطاع غزة المكتظ بالسكان سنوات من الصعاب الشديدة في ظل الحصار الذي تفرضه اسرائيل على القطاع الساحلي منذ سيطرة حماس على غزة عام 2007.

أطلقت حماس صواريخ من غزة على اسرائيل وخاضت حربين مع اسرائيل منذ عام 2008 أحدثها في نوفمبر تشرين الثاني 2012 .

وفي المقابل يتعامل العالم الخارجي مع حركة فتح باعتبارها التيار الأساسي الذي يقود القضية الفلسطينية وتقبل مبدأ التفاوض على السلام مع اسرائيل. كما أن الضفة الغربية التي تسيطر عليها أكثر ازدهارا وانفتاحا من غزة في ظل حكم حماس لكنها تظل مكانا صعبا لخصوم فتح.

تم تقديم 28 بلاغا عن التعذيب ضد قوات الأمن في الضفة الغربية إلى الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان التابعة للسلطة الفلسطينية في ابريل نيسان. وفي 2012 كان هناك 312 بلاغا ارتفاعا من 200 في العام السابق.

وتركز الكثير من البلاغات على أجهزة مكلفة بالأمن السياسي والتي يقتصر أفرادها على المؤيدين لحركة فتح. وبعد ان اطلع الرئيس الفلسطيني محمود عباس زعيم حركة فتح على هذه النتائج أصدر تعليمات بتطبيق القانون القائم بحظر التعذيب. لكن جماعات لحقوق الإنسان تقول إن القوانين المبهمة وإفلات المذنبين من العقوبة مظاهر ما زالت مستمرة.

وقال محمد جميل نائب رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومقرها لندن إن ما تمارسه أجهزة الأمن من قمع هو "محاولة مستمرة لإسكات الآراء السياسية المختلفة مما يقوض تماسك المجتمع الفلسطيني" وقال إن تمويل الدول الغربية لهذه الأجهزة وتزويدها بالمعدات "يمثل مسؤولية أخلاقية".

استطلعت المنظمة آراء 300 شخص سجنوا لدى السلطة الفلسطينية في قضايا سياسية وأمنية خلال النصف الأول من 2012. قال خمس هذا العدد تقريبا أنهم تعرضوا "لتعذيب وحشي" خلال هذه الفترة. وقالوا جميعهم تقريبا إنهم تعرضوا للتعذيب خلال فترات سجن سابقة.

وفي الوقت ذاته تتهم فتح وجماعات لحقوق الإنسان حماس بممارسات تعذيب على نطاق واسع وقمع سياسي في قطاع غزة. والريبة المتبادلة متأصلة بين الجانبين.

في بلدة صغيرة شرح ضابط سابق في جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية كيف أن جهازه يساعد على تحجيم حماس من خلال دفع أموال شهرية لنحو 40 "مخبرا" لمراقبة المساجد والمدارس والانتخابات الجامعية بل والجنازات أيضا.

وقال الضابط السابق الذي طلب عدم نشر اسمه وهو من انصار فتح إن رجاله كانوا ينفذون حملات اعتقال لدى ظهور أي مؤشر على نشر أفكار حماس أو انضمام أفراد للحركة الاسلامية أو حصولها على سلاح.

ومضى يقول "فلتذهب إلى الجحيم بمقاومتهم وصواريخهم التي لا تحقق أي ضرر حقيقي لاسرائيل.. إنه مجرد استعراض للحصول على المزيد من الأتباع. إنهم يكرهوننا لأننا نعتقل أبناءهم... لكننا نعلم أن سلاحهم موجه إلينا.. للاستيلاء على السلطة."

ظلت حركة فتح التي كان يتزعمها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات هي القوة المهيمنة بلا منازع على الحياة السياسية الفلسطينية لأجيال.

لكن بعد وفاة عرفات في 2004 أدت مشاعر الإحباط تجاه الفساد وتعثر محادثات السلام مع اسرائيل إلى فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أجريت في الضفة الغربية وغزة عام 2006.

وأشعلت الخلافات اقتتالا بين الحركتين. قتل المئات وانتهى الحال بتقسيم الأراضي الفلسطينية. ويتهم كل جانب الاخر بتنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء ضد أتباعه.

وقال الضابط السابق "إذا حاولوا هذا النوع من الانقلاب هنا فبندقيتي مستعدة... سوف أطلق النار على الفور."

تشكلت القوات التابعة للسلطة الفلسطينية بعد اتفاقات أوسلو للسلام عام 1993 وضمت في الأساس ضباط فتح الذين تم الإفراج عنهم من السجون الاسرائيلية بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987. بحسب رويترز.

ويقول مسؤولو أمن فلسطينيون إن دولتهم التي ينتظرون اقامتها في المستقبل في حاجة إلى السيطرة على السلاح وإن من الضروري نزع سلاح أي جماعة أخرى لإتاحة الفرصة للتفاوض مع اسرائيل. وهم يقولون إن الاعتقالات التي يقومون بها تتركز فقط على الأسلحة والهجمات المزمعة وإن أي انتهاكات لحقوق السجناء ترتكبها قلة قليلة.

وقال اللواء عدنان الضميري المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية "الرئيس محمود عباس هو من يحدد الاستراتيجيات الوطنية والرئيس اختار أن تكون المقاومة سلمية غير مسلحة." وأضاف "أنا تربيت في مخيم وكنت أذهب إلى المدرسة حافي القدمين واخترت أن التحق بصفوف المقاومة."

ومضى يقول "وأنا أخبر التلفزيونات الاسرائيلية دائما خلال إجراء مقابلات معي نحن حاولنا أن نلقيكم في البحر وأنتم حاولتم أن ترمونا في الصحراء وفشلنا نحن وأنتم لذلك يجب علينا إيجاد طريق جديد."

وفي الوقت الراهن يبتعد أنصار حماس في الضفة الغربية عن الأنظار وإلا سيكون مصيرهم السجن على يد السلطات الاسرائيلية أو السلطة الفلسطينية.

غير أن حماس تأمل أن تعتلي إحدى موجات الانتفاضات التي جعلت إسلاميين ظلوا يعانون من القمع طويلا يتولون السلطة في المنطقة وهي ترى أنها تتبنى أفكارا حان وقتها.

في قرية سلواد بالضفة الغربية يشير عوني فارس وهو مؤرخ من انصار حماس إلى التلال الصخرية التي تكسوها أشجار الزيتون حيث انمحت من الوجود قواعد تابعة للاحتلال البريطاني والدولة العثمانية بعد أن كانت موجودة يوما ما.

وقال المؤرخ الملتحي إن عجز السلطة الفلسطينية عن وقف انتشار المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية او التوصل إلى اتفاق سلام يساعد على تبرئة ساحة حماس التي أثببت قوة إصرار في أحدث حرب خاضتها مع اسرائيل في نوفمبر تشرين الثاني الماضي.

قال فارس "هناك إحساس متزايد بأننا سننتصر من خلال المقاومة... مقاومة الاحتلال بأي وسيلة هو حق. أترى مستوطنة عوفرا هنا؟ إنهم يهاجموننا ويستولون على أرضنا. بالنسبة لنا الصهيونية هي أسوأ أشكال الاحتلال. إنها تهدد وجودنا." ومضى يقول "لا مجال لأمثال غاندي هنا."

أمضى فارس خمس سنوات في السجون الاسرائيلية وشهري احتجاز لدى السلطة الفلسطينية. وهو ينفي انخراطه في أي أنشطة مسلحة.

قالت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان التابعة للسلطة الفلسطينية إن 750 موظفا في المدارس الحكومية شكوا من فقد وظائفهم منذ عام 2007 بسبب انتماءاتهم الحزبية ضمن مئات آخرين من الموظفين الحكوميين المقالين.

تقول حماس إنها لم تحظ قط بفرصة للحكم رغم فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006 بالضفة الغربية وغزة. وأرجأ عباس الانتخابات الرئاسية ومدد فترته أربع سنوات.

قالت النائبة منى منصور عضو المجلس التشريعي عن كتلة الإصلاح والتغيير وهي تجلس في مكتبها وتعلوها صورة زوجها وهو قيادي في حماس قتل في ضربة اسرائيلية عام 2001 في أوج الانتفاضة الفلسطينية الثانية "بعد أن تم إحراق عدد من المقرات التابعة لنواب حركة حماس في الضفة الغربية عام 2007 أصبحت الأجهزة الأمنية تراقب كل من يزور هذه المكاتب حتى انهم أوقفوا محامي يعمل في مجال حقوق الإنسان وحققوا معه."

وتابعت النائبة أنه ما من سبيل يمكن لحماس من خلاله أن تتواصل مع قاعدة مؤيديها والتنافس بنزاهة إذا أجريت انتخابات جديدة بعد أن أغلقت السلطة الفلسطينية جمعياتها الخيرية.

ومضت تقول في اشارة الى سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني "كتلة فياض حصلت على أقل من واحد في المئة خلال انتخابات المجلس التشريعي في العام 2006 ونحن حصلنا على أكثر من 60 في المئة.. هو أصبح رئيسا للوزراء وأين نحن.. هل هذه ديمقراطية؟"

وفياض هو مستقل من الحلفاء المقربين للغرب وينظر لاستقالته الآن باعتبارها فرصة للمصالحة بين فتح وحماس.

وتقول اسرائيل إن حماس تمثل خطرا إرهابيا مستعصيا ومصالحتها مع فتح ستقضي في واقع الأمر على أي عملية سلام.

وأدت الحملة التي شنتها حماس من تفجيرات انتحارية في الحافلات والمقاهي الاسرائيلية خلال الانتفاضة الثانية إلى إحداث ندبة لا تمحى في النفسية والاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية.

في قاعدة عسكرية مترامية الأطراف متاخمة لمستوطنة بيت ايل إلى الشمال من مقر السلطة الفلسطينية في رام الله جلس باراك راز وهو متحدث باسم الجيش الاسرائيلي يتحدث بثقة عن إنزال الهزيمة بحماس.

توقفت التفجيرات الانتحارية في اسرائيل. وساهمت عدة عوامل في تحسين الوضع الامني ويرجع راز الفضل إلى الشبكة التي شكلتها اسرائيل من المخبرين وكذلك "الجدار العازل" الذي أقيم عام 2002 لمنع وصول النشطاء الفلسطينيين والذي تعتبره الأمم المتحدة غير مشروع.

وقال راز إن من العوامل الأخرى الأساسية لتحسين أمن اسرائيل ملاحقة السلطة الفلسطينية لحماس. وقال "كلما بذلوا مجهودا اكبر كلما قل مجهودنا نحن... ومن يصفون هذا بالتواطؤ لا يفهمون الحقيقة.. هذا شيء يفعلونه لتحقيق مصالحهم هم."

قوض التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية واسرائيل من قدرة حماس على تشكيل خلايا والحصول على الأسلحة. وتقول اسرائيل إن نشطاء الحركة يهدفون إلى خطف جندي أو مدني اسرائيلي لاستخدامه كورقة تفاوض للإفراج عن المزيد من السجناء الفلسطينيين.

ففي عام 2011 أفرجت اسرائيل عن 1027 سجينا فلسطينيا مقابل الإفراج عن المجند الاسرائيلي جلعاد شاليط الذي خطفه مقاتلون من حماس عام 2006 وأخفوه في غزة. وقال راز إن هذا التبادل زاد من جرأة حماس ومنحها دعما شعبيا.

ومضى راز يقول "تمكنت حماس من خلال العنف وما تدعيه من مقاومة من تحقيق مكاسب أكبر من السلطة الفلسطينية التي يرى المواطنون الفلسطينيون انها لم تتمكن من تحقيق أي شيء من خلال الدبلوماسية."

وتعارض واشنطن بشدة المصالحة بين فتح وحماس. وكان مسؤولون أمريكيون يأملون أن تؤدي المساعدات المقدمة لقوات الأمن الفلسطينية الى نزع فتيل التوترات مع اسرائيل ويمهد الطريق لقيام دولة فلسطينية جنبا إلى جنب اسرائيل. لكن هذه الخطة لم تنجح.

قال ستيفن وايت وهو ميجر متقاعد من مشاة البحرية الأمريكية "كان خطابنا جيدا جدا بشأن دعم المعتدلين.. عباس وفياض.. لكن من الناحية المالية والدبلوماسية لم يتم تقديم ما يكفي لهما لتحقيق مطالب شعبهما."

عمل وايت خلال الفترة من 2005 إلى 2011 كبيرا لمستشاري المنسق الأمني الأمريكي لاسرائيل والأراضي الفلسطينية وهو برنامج أمريكي يسهل تعاون السلطة الفلسطينية مع اسرائيل.

وقدمت الولايات المتحدة نحو 645 مليون دولار لبناء قوات الامن وهيئات القضاء التابعة للسلطة الفلسطينية منذ الانقسام بين فتح وحماس عام 2007 وكذلك نحو 2.4 مليار دولار من المساعدات في الميزانية منذ عام 2005 وهي أموال يخصص جزء منها لدفع الرواتب.

وناشدت منظمة هيومن رايتس ووتش مرارا الحكومات الغربية إعادة النظر في المساعدات التي تقدمها للقوات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بعد مقتل عدد من المحتجزين بسبب ما يعتقد أنه تعذيب ولم يساءل او يدان أحد بسبب هذه التجاوزات.

وفي بيان قالت بعثة تدريب الشرطة المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي إنها شجعت السلطة الفلسطينية على "التحقيق في كل تلك المزاعم بشكل عاجل".

ويقول أعضاء حماس والكثير من المواطنين العاديين إن البعثات الغربية تتعمد إضعاف خصوم السلطة الفلسطينية وهو اتهام نفاه وايت. وقال وايت "شروط الكونجرس والشروط الدولية تمنعنا من تمويل حكومة ترفض الاعتراف باسرائيل ونبذ العنف... تمسكت حماس بآرائها. إذا أبدت أي سياسة عملية وقبلت هذه الشروط.. ستضع الدول الغربية في وضع أصعب."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/حزيران/2013 - 24/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م