ساسة العراق... مصداقية متلونة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تبويس وعناق، وكلمات انشائية، وتكبير، هذا ما انتهى اليه الاجتماع الرمزي الذي دعا اليه السيد عمار الحكيم، ورأى فيه كثيرون خاتمة الاحزان لما يعيشه العراق، وانه سيكون البادرة لحل جميع مشاكله.. هل كان الاجتماع كذلك؟

في الخامس والعشرين من شهر ايار/ مايس الماضي نشرت الصحف والمواقع الالكترونية العراقية بيان البيت الابيض حول فحوى الاتصال الذي اجراه جو بايدن نائب الرئيس الامريكي بكل من رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني، ورئيس مجلس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي..

البيان في عمومياته فيه قلق عميق يساور الادارة الامريكية من تصاعد اعمال العنف، وهي عموميات كثيرا مانجدها في البيانات الرسمية، لكن دعونا نتابع ما قاله البيان حول مادار بين بايدن وبين كل مسؤول على حدة.. ثم نحاول ان نقرأ ما اراد قوله بايدن، فلكل كلام مستويان من الظهور والاضمار..

قال البيان إن نائب الرئيس الأمريكي اكد دعم واشنطن لحكومة نوري المالكي في معركته ضد الإرهاب. وعبر بايدن عن "وعد بدعم مستمر من الولايات المتحدة للعراق في تصديه للإرهاب".

كما حث بايدن المالكي على التواصل مع مجمل التشكيلات السياسية في البلاد.

وتطرق البيان لاتصال بايدن مع رئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني مشيداً بقرار الوزراء والنواب الكورد وقف مقاطعتهم للحكومة المركزية والتي بدؤوها في آذار, واستئنافهم العمل في بغداد.

كما عبر بادين لرئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي عن القلق للوضع الأمني في العراق، مؤكدا "ضرورة أن يتخلى القادة العراقيون كافة بلا لبس عن العنف وأن يعملوا على تهميش المتطرفين".

ما الذي اراد البيان قوله، وهو ماقاله بايدن فعلا للرؤساء الثلاثة؟

التاييد الكامل لسياسات نوري المالكي ضد الارهاب، وهو معروف بكافة تفاصيله للادارة الامريكية، مع ضرورة التواصل مع التشكيلات السياسية في العراق..

مع مسعود البرزاني، الكلمات عادية ورسمية، مع بعض الحميمية والحماس لقرار عودة الوزراء الاكراد الى الكابينة الوزارية..

ناتي الى رئيس السلطة التشريعية اسامة النجيفي وكلمات بايدن له، كما نقلت ذلك الصحف والمواقع العراقية، وهي ضرورة تخلي القادة العراقيين عن العنف وادانته دون مواربة او مراوغة او لبس وغموض، بصورة واضحة وصريحة، مع العمل على تهميش المتطرفين..

من هو المعني بهذه الكلمات على لسان البيان البيضاوي؟ ولماذا لم يطالب بذلك نوري المالكي او مسعود البرزاني، بل هي مطالبة مباشرة لاسامة النجيفي رئيس البرلمان ورئيس كتلة متحدون والداعم الرئيسي للاعتصامات في المحافظات السنية؟

من المؤكد ومن بديهيات السياسة الامريكية مراقبتها لما يحدث في جميع مناطق نفوذها ومصالحها، وهي تعرف الكثير من خلفيات مايجري في تلك الاماكن ومدى تاثير ذلك على مصالحها، ومن المؤكد ايضا انها على دراية لما يحدث في العراق، وخلفياته والاشخاص الذين يختبئون خلف تلك الاحداث، وهي بالتاكيد لديها عدد من الملاحظات حول اداء السيد رئيس البرلمان، وعلاقته بمنسوب التطرف الذي يتصاعد من ساحات الاعتصام، وتاثير ذلك على ارتفاع مناسيب العنف الذي يحدث في العراق..

وهي تعرف ايضا بارتباطات اسامة النجيفي بقطر او السعودية او تركيا، وتعرف حجم المشاريع او الوعود السياسية التي قطعها لساسة تلك البلدان، ومدى استعداده لتنفيذ طلباتهم في سبيل الحصول على التاييد لاقليم سني يخطط له في تلك البلدان..

بيان الادارة الامريكية ربما يلقي الضوء على مايمكن ان يعقب الاجتماع الرمزي، الذي عقد مؤخرا، والذي تفاوتت ردود الافعال حوله..

سلمان الجميلي رئيس كتلة القائمة العراقية البرلمانية ، اعتبر إن "المرحلة القادمة ستكون أفضل بعد ذوبان الجليد بين القوى السياسية والقادة السياسيين ". مع التاكيد على تنفيذ اتفاقية اربيل، وعمودها الرئيسي منصب مهم لاياد علاوي..

ظافر العاني الناطق الاعلامي لكتلة متحدون كتب على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي، عن بداية اللقاء وكيف بدأ الحكيم بالدعوة اليه، "تدارسنا الأمر في قائمة متحدون، (...) وقررنا المشاركة".

وبينما يتحدث العاني عن "الاشياء البروتوكولية الصغيرة"، من تنظيم اللقاء، اكد أن كتلته "فوجئت" بوجود اسم رئيس عصائب اهل الحق قيس الخزعلي من ضمن المدعوين.

"إعترضنا بشدة، بل اننا ابلغنا الاخوة القائمين على الدعوة في انه في حال حضور الخزعلي فإننا سنعتذر عن المشاركة، إنه خط أحمر بالنسبة لنا وجود زعيم مليشيات وسط لقاء سياسي، خصوصاً مع وجود اتهامات له فيما يتعلق بالملف الأمني، (...) وقد استجاب الاخوة لطلبنا. وهذا موضع تثمين بالنسبة لنا".

وتحدث عن نهاية اللقاء، وكيف اصر الحكيم على ان يتصالح النجيفي والمالكي، "في القاعة الجانبية وبعد الاحتفال الرسمي كنت واقفاً بجوار النجيفي وقد جاء السيد عمار ومعه الدكتور احمد عبد الغفور والسيد الحيدري رئيس الوقف الشيعي وسياسيون اخرون وهو يرجو الاخ اسامة بقبول مصافحة السيد رئيس الوزراء".

وتابع "أصر أسامة ان يبادر رئيس الوزراء بذلك، ولكنهم في النهاية التقوا في منتصف الطريق، وتحت الضغط الأدبي للسيد بحر العلوم تبادل رئيسا السلطتين التشريعية والتنفيذية القبلات الودية".

"سحبني السيد عمار من يدي لمصافحة السيد المالكي وقد فعلتُ بلا تردد، فالأمر عندي ليس خلافاً شخصياً، وإنما هو موقف سياسي، ولكني أريد ان أعرف من الذي دفعني من الخلف لغرض تقبيله"، كتب العاني.

وقال إنه "بعد هذا اللقاء هانحن في متحدون نتدارس مبادرة مهمة بأجندة واضحة يتبناها نائب رئيس الجمهورية الدكتور خضير الخزاعي وهي تتضمن حيزاً مهماً من أفكارنا من بينها المطالب العادلة للمعتصمين، وإشكالية التوازن في ادارة السلطة بما فيها الملف الامني وموضوعات أخرى لاتقل عنها أهمية".

أعلن ائتلاف العراقية الحرة انه لايشرفه المشاركة في اجتماع يتواجد فيه القياديان فيما يسمى ائتلاف (متحدون) اسامة النجيفي وسلمان الجميلي ، ملقيا باللائمة على رئيس المجلس الاسلامي الاعلى في استبعاده القوى الوطنية من الاجتماع الذي دعاهم اليه مسبقا ، واستضافته عناصر معروفة بطائفيتها وادوارها التقسيمية والتخريبية".

وذكر المكتب الاعلامي للائتلاف في بيان له "  لقد تلقينا دعوة من سماحة السيد عمار الحكيم لحضور اجتماع قادة الكتل السياسية لبحث الأزمة العراقية ، إلا اننا تفأجانا ان كلاً من سلمان الجميلي واسامة النجيفي اشترطا عدم حضور رئيس ائتلاف العراقية الحرة الدكتور قتيبة الجبوري هذا الاجتماع مقابل حضورهم هم ، وهددوا بأنهم سينسحبون من الاجتماع في حال مشاركة ائتلافنا فيه ".

النائبُ عن القائمة العراقية وليد المحمدي، أوضحَ أنّ المشكلة ليست في النجيفي او التحالف الكردستاني او الاحرار ولا المجلس الاعلى، إنما هي في رئيس الوزراء ودولة القانون، والمالكي لا يريد لأي احد ان يقترب من منصبه، وأي حل يضع حداً لنهاية الازمة على حساب كرسي الحكم لا يقبل ائتلاف القانون به، وهذه الطامة التي يعانيها الشعب العراقي، (بحسب تعبيره).

وقال"ما نريده ليس بالأمر الصعب إن سحب المالكي يده”.

ماهو اللافت في مثل هذه البيانات، وخاصة ماكتبه ظافر العاني، وما ادلى به وليد المحمدي؟

عقلية الاقصاء تتحكم في الناطق الرسمي لكتلة متحدون من خلال الاصرار على استبعاد حضور عصائب الحق، بغض النظر عن التوصيف الذي يطلقه السيد الناطق عليها، وبالمقابل رفض حضور العراقية الحرة ممثلة برئيسها قتيبة الجبوري، مما يعني احتكار او محاولة احتكار الصوت السني في هذا الاجتماع.. مع استغراب وتساؤل عمن دفعه لتقبيل المالكي، وهو استغراب يتناقض مع قوله بان الخلاف مع المالكي ليس مسألة خلاف شخصي .

وليد المحمدي اقترب كثيرا من توصيف المشكلة او الازمة في العراق، وهو الكرسي ويد المالكي، وهنا سؤال يطرح: لماذا ينازع الاخرون صاحب الكرسي على كرسيه، والدورة الرئاسية لم تنته بعد، ولماذا يسحب المالكي يده من صلاحيات منحها له الدستور، ويقف البرلمان عاجزا عن سحبها منه؟

بدأ الاجتماع وانتهى، هل سوف تصدقون ما وعد به ساسة العراق؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/حزيران/2013 - 24/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م