بريطانيا بعد هجوم ووليتش... مكانا غير آمن للمسلمين

 

شبكة النبأ: انتشرت ظاهرة التطرف خلال الاونة الأخيرة بصورة مضطردة الى جانب ظاهرة فوبيا الاسلام في معظم المجتمعات وخاصة المجتمعات الاوربية، نتيجة لتصاعد العنصرية والتطرف والخوف من انتشار الدين الاسلامي في أوربا.

فمثلا فرنسا اتخذت تدابير مشددة ضد المسلمين من منطلق عنصري واضح، فيما اثارت قضية مقتل جندي بريطاني مؤخرا من لدن احد المسلمين المتطرفين خوفا وذعرا في معظم ارجاء بريطانيا، بسبب رد الفعل الحكومي البريطاني الشرسة، لذلك لم يعد التبجح بالحرية والدفاع عن حقوق الانسان كافيا، فقد اظهرت الحكومة البريطانية تعنتا مرفوضا حيال المسلمين عندما اتخذت السلطات التشريعية جملة من الاجراءات المتشددة ضد جميع المسلمين الذين يسكون في بريطانيا منذ عقود وربما من مئات السنين، وهددت بمواجهة مباشرة واستخدمت وسائل قمع متطرفة كالقتل والاعتقال والملاحقة، من خلال سن مجموعة من القوانين التي من شأنها أن تقيد الكثير من الحريات الدينية في ذاك البلد، الذي يعد المثال الأوربي في التسامح وقبول الاخر، وأن الاجراءات الأخيرة ضد الإسلاميين الأصوليين أظهرتها بصورة متطرفة، وهو أمر طبيعي لأن التطرف ينتج تطرف موجه من الجانب الآخر، إذ تمثل تلك الإجراءات خطوة لردع التشدد وتبرز مخاوف الحكومة البريطانية من انتشار الإسلام، وفي حقيقة الامر أن الضحية الأولى والأخيرة في الصراع هم  المسلمون المعتدلون في فرنسا، اذ هناك مسلمون معتدلون بعيدون عن التطرف كليا، ولكنهم اخذوا بجريرة المسلمين المتطرفين، فاتخذت الحكومة البريطانية وبعض الجهات المعنية خطوات احترازية مشددة ضد المسلمين الامر الذي اثار جزعهم وخوفهم ونقمتهم وشعورهم بالغبن، لانهم كانوا ولا يزالون حريصين على الاندماج بالمجتمع البريطاني، فضلا عن رفضهم القاطع لكل مظاهر التطرف مهما كانت الاسباب، لكن قد تدفع الاجراءات الظالمة للحكومة البريطانية حتى بعض المعتدلين الاسلاميين الى التطرف.

تزايد العداء للمسلمين بعد جريمة ووليتش

في سياق متصل تتزايد المخاوف مع تنامي مشاعر العداء تجاه المسلمين في بريطانيا على خلفية مقتل جندي بعملية زعم منفذاها بأنها انتقام لمقتل مسلمين بالخارج، في هجوم أدانه مسلمون بارزون وجماعات إسلامية بالمملكة المتحدة.

ويأتي الارتفاع وسط مساع حكومية للتهدئة عقب جريمة قتل الجندي لي ريغبي، فقد اعتقلت السلطات الأمنية ثلاثة أشخاص شمالي بريطانيا بشبهة نشر "تغريدات" عنصرية وذلك قبل مسيرة احتجاجية لـ"رابطة الدفاع الإنجليزية" اليمينية المتشددة في مدينة نيوكاسل، في حين تعتزم حركة "نيوكاسل يونايتس" تنظيم مسيرة مناوئة لها.

وقالت حركة "تيل ماما بروجيكت" التي تقدم نفسها على أنها منظمة خدمات عامة معنية بقياس ورصد الهجمات المناهضة للمسلمين، إنها لحظت ارتفاعا كبيراً في عدد الحوادث المناوئة للإسلام المبُلغ عنها. بحسب السي ان ان.

وأشار فياز موغل، منسق الحركة، إلى 162 حادثة تحرش جرى الإبلاغ عنها خلال اليومين الماضيين، مقارنة بما بين أربعة إلى ستة حوادث في اليوم قبل هجوم "ووليتش"، منها بينها 8 حوادث لاستهداف مساجد بأنحاء بريطانيا وتوجيه عبارات كراهية وعداء لأفراد عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ولفت موغل إلى مخاوف تعتري الجالية المسلمة ببريطانيا، تحديداً النساء المحجبات اللائي أصبحن يتخوفن من الخروج، وقد أدان نحو مائة من الجماعات والقيادات الإسلامية بريطانيا مقتل الجندي، وقال شيخ شمس الضحى، رئيس كلية إبراهيم للدراسات الإسلامية: "نشاركهم الرعب البحت الذي أحس به بقية المجتمع البريطاني من الجريمة البربرية والمثيرة للغثيان التي جرى ارتكابها باسم ديننا."

وأضاف: "ندين هذا العمل الوحشي الشنيع بأقوى العبارات الممكنة.. وفي نفس الوقت دعونا للتهدئة، ونتخاطب مع جاليتنا باستمرار لضمان تسكين مخاوفهم، لكن بالطبع ردة الفعل تقع وستظل تحدث"، ويشار إلى أن "رابطة الدفاع الإنجليزية" المتطرفة كانت قد اشتبكت مع قوات الأمن في منطقة "ووليتش" حيث قتل الجندي البريطاني، ونشرت تغريدة جاء فيها "من العدل القول بأن البلد، وأخيرا، استفاقت من سباتها.. لن نستسلم."

مخاوف من رد الفعل

من جهة أخرى قال أبو خالد إن طعن جندي بريطاني حتى الموت في هجوم شنه في لندن إسلاميان على ما يبدو أمر مؤسف لكنه ليس الوحيد في رأيه، وقال أبو خالد (36 عاما) وهو ملتح ويعمل مدربا شخصيا "طعن رجل عمره 75 عاما حتى الموت في وقت سابق أثناء عودته من المسجد في برمنجهام. لم تسمع عن ذلك. هل سمعت؟"، وأضاف أبو خالد الذي كان يتحدث قرب مسجد في شرق لندن الذي يعد واحدا من أكبر مساجد العاصمة البريطانية وأقدمها "قتل 11 طفلا في أفغانستان في هجوم أمريكي بطائرة بدون طيار وقت تفجيرات بوسطن. لم تسمع عن ذلك. هل سمعت؟"، وقد اتسم رد فعل الغالبية العظمى من أبناء الجالية المسلمة على القتل الوحشي بالرعب الممزوج بمخاوف من رد الفعل.

كما قال فاروق مراد رئيس مجلس مسلمى بريطانيا في مؤتمر صحفي "هذان الرجلان أساءا إلى الله وإلى ديننا... سيكون هناك بلا شك قدر كبير من مراجعة الذات عن السبب الذي دفع هذين الرجلين إلى الإقدام على ما قاما به"، قال أبو خالد إن من المحتمل أن تكون معاملة القوى الغربية لحياة المسلمين "كأضرار جانبية" للحروب في أفغانستان والعراق هي الدافع وراء هجوم في حي ووليتش في جنوب شرق لندن، وقال أحد المشتبه بهما ويدعى مايكل اديبولاجو (28 عاما) الذي قالت وسائل الإعلام إنه من سكان لندن في تسجيل مصور إنه فعل ذلك لأن "المسلمين يموتون كل يوم" وإن مقتل الجندي إنما هو إعمال لمبدأ القصاص "العين بالعين والسن بالسن".

لكن لا شيء يمكن أن يبرر عملا كهذا في رأي منى حسين (35 عاما) وهي ربة منزل تعيش في شرق لندن، والتخوف الرئيسي لدى أبو خالد إنما على عائلته الكبيرة التي تعيش في حي باركينج في شرق لندن حيث معقل رابطة الدفاع الإنجليزي وهي جماعة يمينية متطرفة تعارض ما ترى أنه انتشار للتطرف الإسلامي في بريطانيا والتي نظمت مظاهرات احتجاج.

وقالت الرابطة في بيان على موقعها الإلكتروني "الأحداث المروعة في ووليتش اليوم (الخميس) تذكرنا بشيء ما لا يبدي سوى القليلين استعدادا لقبوله: نحن في حرب... دفاعا عن ثقافتنا .. عن حقوقنا .. عن حريتنا .. عن بلدنا"، وتمتلئ صفحة مسجد شرق لندن على فيسبوك الآن بتعليقات تتضمن تهديدات وعداء للأجانب وتعرض مسجدان آخران للهجوم. ويضم مسجد شرق لندن أيضا مركزا إسلاميا وهو منخرط في محاربة التعاليم المتطرفة، وقال المتحدث باسم المسجد سلمان الفارسي "المسجد والمركز بين شقي رحى... نحاول محاربة نوعين من الجماعات المتطرفة هما اليمين المتطرف وتلك الجماعات المتطرفة في تجمعاتنا (الإسلامية)" مضيفا أن المخاوف تنتشر بين جماعات المسلمين في بريطانيا. بحسب رويترز.

ويشكو المركز من غياب دعم الدولة منذ وصول حكومة ديفيد كاميرون الائتلافية إلى السلطة في عام 2010 والشروع في برنامج صارم للتقشف لإصلاح عجز كبير في الميزانية، كذلك زاد زعماء الأحزاب السياسية من خطابهم المتشدد ضد الهجرة في السنوات القليلة الماضية، وقال الفارسي إن المركز يحارب ضد شخصيات مثل أنجم تشودري الذي يتزعم جماعة إسلامية متشددة بريطانية محظورة والذي قال لرويترز إنه كان يعرف أديبولاجو ورفض إدانة الهجوم وأنحى باللائمة بدلا من ذلك على "السياسة الخارجية البريطانية".

هجوم لندن شجاعة

في حين أشاد رجل دين سوري المولد تتلمذ على يده أحد المهاجمين اللذين قتلا جنديا بريطانيا خارج نوبة عمله طعنا في شارع بلندن بالهجوم "لشجاعته" وقال إن المسلمين سيعتبرونه هجوما على هدف عسكري، وفي مقابلة في طرابلس بشمال لبنان حيث يعيش منذ أن طردته بريطانيا عام 2005 قال عمر بكري مؤسس جماعة المهاجرون الإسلامية البريطانية المحظورة إنه يعرف المشتبه به مايكل اديبولاجو منذ عشر سنوات، وقال بكري "حين رأيت اللقطات تعرفت على وجهه فورا. كنت أعرفه. كان رجلا هادئا وخجولا ويطرح الكثير من الأسئلة عن الإسلام"، وتابع "فوجئت بأن هذا الرجل الهاديء الذي كان يبدو خجولا جدا قرر مهاجمة جندي بريطاني في وضح النهار وفي وسط الشارع ببريطانيا في شرق لندن. هذا أمر لا يصدق"، وأدانت منظمات إسلامية في أنحاء بريطانيا الهجوم بشدة.

وكان اديبولاجو (28 عاما) وهو بريطاني المولد من أسرة نيجيرية مسيحية مهاجرة يلقب بأنه مجاهد بعد ان اعتنق الاسلام حين كان مراهقا، وتم تصويره ويداه ملطختان بدماء الجندي الذي قاتل في حرب افغانستان لي ريجبي (25 عاما). وقال وهو يحمل ساطورا وسكينا إنه قتله انتقاما لمشاركة بريطانيا في حروب بدول أجنبية، وهو يرقد الآن في المستشفى إلى جانب مهاجم آخر كان يحمل سكينا وهو أيضا نيجيري المولد وحصل على الجنسية البريطانية ويدعى مايكل اديبوالي (22 عاما) وذلك بعد أن أطلقت الشرطة النار عليهما خلال عملية اعتقالهما. ولم توجه لهما اتهامات بعد. وألقت الشرطة القبض أيضا على رجل وامرأة يشتبه في تخطيطهما للقتل، وأجريت المقابلة مع بكري في شقته بمنطقة أبي سمراء في طرابلس وقاطع ابنه أسامة الحديث مرتين بدخوله الغرفة وهو يلعب. وسمي الابن على اسم زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، وقال بكري إن السلطات البريطانية تدفع إلى الانتقام باستهداف المسلمين بتشريعات مكافحة الإرهاب ومداهمات الشرطة، وأضاف "إذا نقضتم عهد الأمان مع المسلمين فإنكم تحفرون قبوركم... لا يمكنني إدانة ما فعله مايكل. ولا أراه جريمة من الناحية الإسلامية"، وأشار إلى أن الإسلام المتشدد يستقطب معظم من يغيرون معتقداتهم الدينية في بريطانيا وسخر ممن أسماهم بالمسلمين "المعتدلين" الذين قال إنهم "دائما ما يتشكلون بالطريقة التي يريدها الغرب - فهم لا يدافعون أبدا عما يؤمنون به... إنهم أناس لا فائدة ترجى منهم"، وقال بكري إن منظمته المهاجرون لا علاقة لها بالهجوم لأن أعضاءها لم يروا اديبولاجو منذ عام 2005.

لكن انجم تشودري الذي تسلم رئاسة المنظمة حين تم نفي بكري من بريطانيا قال إن اديبولاجو كان يشارك في مناسبات الجماعة حتى عامين، وقال بكري "ربما يكون مايكل في أعين كثيرين في بريطانيا مسلمين أو غير مسلمين لا يغفرون له ما فعل. ينددون به. لكن في أعين المسلمين على مستوى العالم فإنهم لا ينظرون له بنفس الطريقة. المسلمون في هذا البلد سعداء جدا وفخورون به. يعتبرونه مقاتلا من أجل الحرية هاجم قاعدة عسكرية"، وقال بكري إنه يعيش في لبنان منذ عام 2005 في إطار اتفاق يمنعه لبنان بموجبه من مغادرة البلاد لمدة 30 عاما. لكنه قال إنه على اتصال يومي بتلاميذه في بريطانيا.

مقتل جندي بريطاني يثير مخاوف سكان لندن

الى ذلك سلط مقتل جندي بريطاني على ايدي اثنين يشبته انهما متشددان اسلاميان الضوء على حي ووليتش الذي شهد الجريمة وأثار التوتر في واحد من أكثر مناطق بريطانيا تعددا للأعراق، وتغير حي ووليتش الذي يقع في حضن نهر التيمز إلى الجنوب الشرقي من وسط لندن كما تغيرت العاصمة البريطانية نفسها خلال العشرين عاما الماضية مع توافد موجات متعاقبة من المهاجرين على المنطقة ذات المساكن الرخيصة، وقال سعيد عمر الصومالي المولد والذي يخدم في مسجد محلي بينما كانت امرأة محجبة بالخمار الاسود تدخل البناية خلفه "لدينا مصلون من افريقيا واسيا ومن الصومال ونيجيريا. من كل مكان."

ووضع المسجد الذي تعلوه قبة ذهبية في شارع مزدحم قرب النهر في ووليتش تحت رقابة مشددة منذ حادث مقتل الجندي وذلك بعد ان ظهر احد المهاجمين واعترف بهويته الاسلامية في مقطع مصور، وقالت امرأة بيضاء في الثلاثينات من عمرها وقد زينت عنقها بوشم وارتدت سترة رياضية وهي تسير امام المسجد "كيف يمكن ان يحدث ذلك هنا؟ كيف يقطع مسلمون رأس جندي بريطاني في وضح النهار؟".

وقالت وهي تشير باصبعها نحو المسجد ونحو عمر "هذا المكان جزء مما حدث"، وبدأت المرأة بعد ذلك في توجيه السباب والهتافات ضد المسلمين ورددت شعارات مؤيدة لحزب رابطة الدفاع الانجليزي اليميني المتطرف، وتجمع اكثر من مئة من نشطاء الحزب في ووليتش بعد حادث القتل للاحتجاج على ما يقولون انها اسلمة وهو ما اثار خوف الحكومة من ان الحادث قد يؤدي إلى هجمات انتقامية ضد المسلمين. بحسب رويترز.

وقال عمر انه واثق "بنسبة مئة في المئة" ان المشتبه بهما اللذين ظهرا كثيرا على شاشات التلفزيون لم يصليا ابدا في المسجد وانهما ليسا من سكان الحي اصلا، وقال عن المرأة الغاضبة "هذا هو ما لا نريده. الاسلام يدعو للسلام ... لكن كل ذلك يثير التوتر بين المجتمعات. رأينا الشيء نفسه بعد هجمات السابع من يوليو و11 سبتمبر" مشيرا إلى هجمات شنها اسلاميون على لندن ونيويورك في يوليو تموز 2005 وسبتمبر ايلول 2001، وقال عمر ان مشكلات وقعت مع المتشددين في المسجد. وقال انه في عام 2006 اقام مع اخرين دعوى قضائية ضد اتباع رجل الدين الاصولي عمر بكري الذي منع من دخول بريطانيا واثنى على هجمات 11 سبتمبر، وقال عمر "كانوا يأتون إلى هنا ويعرضون على ابنائنا صورا لقطع الرؤوس. رفعنا دعوى وحظرناهم. الدعوة الاصولية هي اخطر مشاكلنا."

وفي بدايته كان حي ووليتش مجمعا للصناعات العسكرية. وكانت المصانع الكبيرة تصنع الطلقات والقذائف لجيش الامبراطورية البريطانية بينما كانت موانئ هذا الحي مقرا لترسانات بناء السفن، لكن الصناعات العسكرية في الحي تراجعت بشدة في النصف الثاني من القرن العشرين حيث اغلق اخر مصنع للسلاح ابوابه عام 1994، والحي الذي تقول السلطات المحلية انه واحد من افقر المناطق في بريطانيا موطن لأشخاص يتحدثون نحو 200 لغة مختلفة. وقد ولد ربع سكان هذا الحي خارج بريطانيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/حزيران/2013 - 23/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م