جينات العنف في الفكر العربي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: العنف ظاهرة رافقت نشوء البشرية، واستمرت في حالة متزايدة مع تطورها، لدرجة ان العنف كان حاضرا في جميع مراحل التقدم التي احرزها الانسان، وهو يحاول أن يعقلن ويحتوي الغرائز الحيوانية التي تشكل جانبا من تكوينه النفسي والجسدي، ولكن هناك مجتمعات استطاعت ان تكبح جماح العنف، وان تخفف من تأثيره، مقابل انتشار منهج قبول الاخر والتعايش واحترام الرأي، فتم تهذيب الكثير من حالات العنف، وتحويلها الى حالات تقارب وتفاهم واحتواء، الامر الذي أسهم في نقل تلك الامم والشعوب، من متاهات ومآسي التعصب والتطرف الى فضاء المدنية الرحب.

وقد تباينت الامم والشعوب في سرعة احتوائها لجينات العنف والتطرف، فمنها أمم تمكنت أن تحجّم هذه الجينات وتحد من مخاطرها، واستطاعت أن تستأصلها تماما وتحد من مخاطرها، فيما فشلت أمم اخرى في هذا المجال لأسباب شتى، أهمها تسيّد الفكر المتطرف على نقيضه من الافكار والقيم والاخلاقيات، فضلا عن القبلية وانتعاش روح الاقصاء في التعامل بين الفرقاء في السياسة او سواها من مجالات العمل المختلفة.

وهكذا لا أحد يستطيع أن ينفي وجود العنف في الفكر العربي منذ أزمنة بعيدة، الامر الذي يؤكد أن جينات العنف المتوارثة، هي مصدر ما يجري من احداث عنيفة وخطيرة تبثها بؤر متطرفة هنا وهناك، وقد شاهد العالم عبر الفضائيات ووسائل الاعلام الاخرى، كيف أقدم احد الاشخاص ممن يُنسب نفسه للجماعات المعارضة للحكومة السورية، على أكل احشاء احد الجنود من الجيش السوري، إن هذا السلوك العنيف يدل بصورة قاطعة على ان العنف لا يزال موجودا بقوة، وان جيناته تتضاعف، وان هناك من يغذي الفكر العربي باشكال العنف والتطرف. يحدث مثل هذا المشهد المتوحش أمام مرأى العالم أجمع، ويتأكد الجميع أن (أكل الأكباد)، ليس حالة مستجدة في مسيرة العرب، فهي تشكل امتدادا لحالات عنف مشابهة في التاريخ العربي، الامر الذي يستدعي وقفة جادة وحقيقية لبحث الاسباب التي تقف وراء تسلط الفكر العنيف على مجريات الامور في الساحة العربية.

ان قضية تحويل جينات العنف الى جينات (اللاعنف) باتت أمرا جوهريا في الفكر العربي بمساراته المتعددة، وأن هذا الامر لا يخص فئة او جهة او شخص بعينه، ان الجميع معنيون بهذا الامر، المفكرون والسياسيون والمصلحون، وكل من يستطيع أن يزرع بذرة السلم واللاعنف في العقول المتطرفة. لذلك لابد من تخطيط نظري فكري عملي دقيق، لوأد الفكر العنيف الذي ينتعش في مساحات واسعة من البلاد العربية، ولابد من معالجة جينات العنف واستئصالها دون عودة، كذلك ينبغي عدم التحسس من تأشير هذه الظاهرة في الفكر العربي، فالنقد هو الذي صحح مسارات امم كانت في السابق تقبع في بحار من الدم، والمعارك العنيفة التي لا طائل من ورائها سوى الدمار والموت، لكنها اليوم بعد أن استوعبت الدرس جيدا، تحركت بقوة من خلال الارادة والتخطيط والتنفيذ، لتقضي على العنف منهجا وفكرا وتأثيرا في واقعها.

هذا بالضبط ما نحتاجه اليوم، وهو أن يعمل الجميع على مقارعة الفكر المتطرف، وفضح كل من يقف وراءه من حكومات وجهات معروفة وشخصيات، تستفيد من زرع بذور العنف وتدعم جيناته لكي تحقق مآربها المفضوحة مسبقا، وهي مآرب لا يمكن تحقيقها إلا في حالة مراعاة جينات العنف ونشر بؤر التكفير بين مكونات المجتمع العربي والاسلامي عموما.

لذلك ليس أمامنا كعرب إلا منهجا معروفا و واضحا، وهو منهج تنظيف الفكر من جينات التعصب والتطرف والعنف بكل اشكاله، والسعي قُدُما نحو المدنية والتحضّر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/آيار/2013 - 17/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م