جنيف2... تسوية تراهن على سلام مستبعد

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تتوالى مبادرات المجتمع الدولي لاجراء مفاوضات سلام من اجل التوصل الى حل سياسي لتسوية النزاع السوري المستمر منذ اكثر من عامين تقريبا، إذ يسعى دبلوماسيو العالم لترتيب مؤتمر دولي للسلام في سوريا خلال الاونة المقبلة، لكن كما يبدو ان هناك عقبات كثيرة قد تزيد الجهود لترتيب المؤتمر تعقيدا، وتتمثل هذه العقبات بصراع الأجندات السياسية الإستراتجية التي تحركها بوصلة المصير المشترك بين الحلفاء وخاصة من لدن روسيا وأمريكا، حيث تسببت التصريحات المتضاربة من روسيا وامريكا بشأن مشاركة إيران في الاجتماع المحتمل في زيادة الخلافات مما ينذر بإجهاض المؤتمر الذي اقترحته موسكو وواشنطن.

إذ يرى اغلب المحللين أن ابرز العقبات التي تقف امام التواصل الى حل دبلومسي للازمة هو الخلاف بين الدب الروسي والولايات المتحدة بشأن الدور المستقبلي الذي يلعبه الرئيس السوري بشار الاسد، فعلى الرغم من كل الضغوط والانتقادات الدولية ما زالت روسيا متمسكة بمواقفها اتجاه سوريا وخصوصا الرئيس الاسد، كما يشكل تجديد دعم حلفاء المعارضة المسلحة المفتتة والوحشية في سوريا سبب رئيسي لفشل جهود السلام، وهذا يوضح الأجندة التي تستهدف سوريا من لدن الدول العدائية، كـ تركيا ودول الخليج وبعض الدول الإقليمية، فضلا عن اللاعب الأساسي الدول الغربية، لجعلها بؤرة الصراع في الشرق الأوسط.

في حين يرى محللون آخرون ان اقترح الولايات المتحدة وروسيا عقد مؤتمر للسلام لمحاولة إنهاء الحرب،  لن تجدي في ظل تفاقم وحشية الصراع، مما يعني أن مؤتمر السلام حدثا غير مرجح مثل توقيع اتفاق سلام قد لا يوقف الفظائع والقتال بين الميليشيات المختلفة، وهذا يعني ان محادثات السلام السورية محكوم عليها بالفشل مقدما.

فعلى الرغم من الجهود الدولية الحثيثة المبذولة لتسوية الأزمة السورية، لم تنجح التحركات الدبلوماسية الدولية المكثفة في فتح كوة في الازمة المستمرة منذ ثلاثة اعوام تقريبا، مما يعني ان فرص النجاح في تحقيق اتفاق للسلام تبدو بعيدة كما كان الحال دائما.

مؤتمر السلام في سوريا

في سياق متصل قلل الرئيس السوري بشار الاسد من فرص نجاح خطط جديدة لعقد محادثات سلام اعلنتها بشكل مفاجي الولايات المتحدة وروسيا قبل اسبوعين ومن المقرر عقدها في جنيف في بداية يونيو حزيران، وتعد تصريحات الاسد احدث اشارة الى عدم تحمس الطرفين المتحاربين لدعوة البلدين على الرغم من ان شخصيات بالمعارضة تشير الى ان من المرجح ان توافق على حضور المحادثات باي حال لعزل الاسد، ومن المتوقع ان يشرح وزير الخارجية الامريكي جون كيري خطط المحادثات خلال اجتماع يعقد في الاردن لمجموعة"اصدقاء سوريا" للدول التي تسعى لتنحي الاسد والتي تتشكك كثير منها في مبادرة السلام.

وستلتقي المعارضة السورية في اسطنبول لاعلان موقفها وستلتقي ايضا لجنة الجامعة العربية الخاصة بسوريا في القاهرة بناء على طلب قطر الخصم البارز للاسد ربما للموافقة على قرار المعارضة، وستحاول بريطانيا ومن المحتمل فرنسا ايضا اقناع اجتماع قمة للاتحاد الاوروبي بالسماح لدول الاتحاد السبع والعشرين بتسليح مقاتلي المعارضة السورية.

وسيكون مؤتمر السلام المقترح اول محاولة لتكوين اجماع دولي بشأن سوريا منذ نحو عام منذ ان انتهى اجتماع اخر بجنيف دون دعم "لحكومة انتقالية" ولكن دون اتفاق على ما يعنيه ذلك، وعلى الرغم من الاتفاق على الدعوة للمؤتمر مازالت واشنطن وموسكو مختلفتين. وانتقدت الولايات المتحدة روسيا لتزويدها الاسد بصواريخ، وتصر روسيا على ضرورة ان تحضر ايران الداعم الرئيسي في المنطقة للاسد. وقالت فرنسا انها ستعارض المؤتمر اذا شاركت طهران فيه.

ومن بين الاطراف المتحاربة نفسها لم تتزحزح المعارضة السورية بعد عن رفضها للتفاوض اذا لم يتم استبعاد الاسد من السلطة على الرغم من انها ستتعرض لضغوط من واشنطن كي لا ترفض الدعوة للمحادثات. بحسب رويترز.

ويقول الاسد ان الذين يحاربونه ارهابيون وعملاء لقوى خارجية. ورفض الاسد احتمالات التوصل لتسوية سلمية في مقابلة مع صحيفة كلارين الارجنتينية، وقال الاسد "انهم يعتقدون ان عقد مؤتمر سياسي سيوقف الارهابيين في البلد. هذا غير واقعي، "هناك خلط في العالم بين الحل السياسي والارهاب"، واضاف"لاحوار مع ارهابيين."

وسيعطي مؤتمر "اصدقاء سوريا" الذي يعقد كيري فرصة كي يشرح خطط مؤتمر السلام لتحالف الدول الغربية والغربية الذي يحث على اسقاط الاسد والذي يتشكك كثير من اعضائه في موقف واشنطن.

وقال فهد خيطان وهو معلق سياسي اردني بارز ان موقف هذه الدول سيتحدد بشكل كبير بناء على عرض كيري لما حدث في المفاوضات مع الجانب الروسي، واضاف ان بعض الدول مثل تركيا والسعودية وقطر تريد ضمانات من الامريكيين بان الاتفاق الامريكي الروسي لن يكون على حساب المعارضة او الثورة السورية وان الامر لن ينتهي بمساعدة النظام السوري او اطالة بقاء الاسد في السلطة، وكتب عبد الرحمن راشد رئيس قناة العربية في صحيفة الشرق الاوسط المملوكة للسعودية ان كيري صدم كثرين في المنطقة العربية بدعمه المشروع الروسي، وقال ان الرأي العام يري تغيرا خطيرا في موقف الحكومة الامريكية فقبول المشروع الروسي خطأ كبير لانه يعطي الامل لنظام محاصر بدلا من مضاعفة الضغط عليه.

وتقول المعارضة انها لم تقرر بعد مااذا كانت ستحضر مؤتمر السلام. وقال جورج صبرا رئيس الائتلاف الوطني السوري بالانابة ان من دعوا للمؤتمر ليست لديهم حتى الان فكرة واضحة عنه، واضاف انه اذا لم يكن لدى المعارضة فكرة واضحة فلا يمكن لها ان تتخذ قرارا بشأن مااذا كان ستشارك، ولكن معظم المؤشرات تقول ان المعارضة لن تقاطع المحادثات خشية منح الاسد انتصارا دعائيا، وقال زعيم سوري معارض كبير شارك في النقاش الداخلي بالائتلاف الوطني ان اجماعا في الرأي بدأ يظهر فيما بين قيادة الائتلاف بأن عدم الذهاب والسماح للاسد بالاستفادة من ذلك سيكون خطأ سياسيا كبيرا، وسيسمح اجتماع الجامعة العربية يوم الخميس لدول قوية مثل قطر والسعودية اللتين تزودان مقاتلي المعارضة السورية بالسلاح والمال بالموافقة على اي قرار تعلنه المعارضة.

وسيتداخل ايضا اجتماع "اصدقاء سوريا" يوم الاربعاء مع مناقشة الاتحاد الاوروبي لمسالة مااذا كان يعدل حظرا فرض قبل عامين على ارسال اسلحة لسوريا للسماح للدول الاوروبية بتسليح بعض المقاومين، وتنتهي حزمة كاملة من العقوبات الاوروبية ضد سوريا في اول يونيو حزيران، ويقول دبلوماسيون بالاتحاد الاوروبي ان بريطانيا هددت بمنع تمديد اجراءات اخرى مثل الحظر النفطي اذا لم يتم رفع الحظر على تسليح المقاومين.

واي عمل يقوم به الاتحاد الاوروبي لابد وان يكون بالاجماع. ويعارض الموقف البريطاني النمسا التي لها جنود لحفظ سلام في مرتفعات الجولان وتخشى على سلامتهم اذا سمح للدول الأوروبية بتسليح مقاتلي المعارضة، وتقول بريطانيا ان رفع الحظر عن مبيعات السلاح سيعزز المعارضة المعتدلة في سوريا. وبريطانيا واثقة ايضا من امكان منع وصول الاسلحة الى الجماعات الإسلامية المتشددين الموجودة بين مقاتلي المعارضة، ومن المتوقع ان يتفق رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على موقف فرنسي بريطاني مشترك مع الرئيس فرانسوا اولوند في باريس عشية اجتماع القمة.

ويقول بعض الدبلوماسيين ان الفرنسيين اكثر حذرا من البريطانيين بشان رفع حظر السلاح عن مقاتلي المعارضة بسبب تخوفهم من ان يدفع ذلك روسيا لارسال مزيد من السلاح الى الاسد، وربما تريد باريس ترك التفاصيل الى ما بعد مؤتمر السلام حتى يمكن استخدام احتمال رفع الحظر كورقة ضغط على الاسد.

روسيا وإيران

على الصعيد نفسه قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن من الضروري أن تشارك المعارضة السورية في مؤتمر السلام المقرر عقده في جنيف دون وضع شروط مسبقة ملمحا فيما يبدو إلى مطالب تنحي الرئيس بشار الأسد، وشدد لافروف أيضا على ضرورة دعوة إيران لحضور المؤتمر الذي تسعى روسيا والولايات المتحدة الى تنظيمه بغرض التوصل الى تسوية تنهي الصراع في سوريا، وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون قال في روسيا قبل أيام ان المؤتمر ينبغي ان يعقد "في أقرب وقت ممكن" حتى لا تتبدد القوة الدافعة لكن لافروف قال ان التوقيت أقل أهمية بكثير من ضمان فرص النجاح. بحسب رويترز.

واضاف في مؤتمر صحفي بعد محادثات مع الامين العام لمجلس أوروبا ثوربيورن ياجلاند "من المهم ان تكون الاولوية للأمور الأساسية وبهذا المعنى أنا مقتنع بأن التوقيت هو آخر شيء يتقرر وبعد الاتفاق على الامور الأكثر أهمية"، وتابع "المهم هو ضمان موافقة جماعات المعارضة على المشاركة في المؤتمر دون شروط مسبقة." وقال ان الدول الغربية يجب ان تطلب من معارضي الاسد الا يطالبوا "بأمور غير واقعية"، وأضاف "من الضروري بلا أدنى شك دعوة كل جيران سوريا بلا استثناء وايران كما تعلمون جارة لسوريا." وليس لايران حدود مشتركة مع سوريا لكنها حليف وثيق للأسد منذ أمد طويل.

أمريكا ومتركيا

الى ذلك قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما انه يحتفظ بحق اللجوء لكل من الخيارات الدبلوماسية والعسكرية للضغط على الرئيس السوري بشار الأسد لكنه أصر على أن تحرك الولايات المتحدة منفردة لن يكون كافيا لحل الأزمة السورية.

وأبدى أوباما الذي يتبني نهجا حذرا أمله أثناء مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان في أن تنجح الولايات المتحدة وروسيا في ترتيب مؤتمر دولي للسلام في سوريا بالرغم من وجود علامات على عقبات متزايدة، وكان من المتوقع ان يضغط اردوغان على أوباما حتى ولو بشكل غير علني لاتخاذ موقف أكثر حزما بشأن سوريا خلال زيارته لواشنطن بعد أيام من انفجار سيارات ملغومة في بلدة تركية حدودية في اسوأ امتداد للعنف حتى الآن.

لكن أوباما الذي يرفض تسليح المعارضة في سوريا أو أن تصبح بلاده متورطة عسكريا في الصراع لم يشر إلى أي انخراط أعمق في الأزمة السورية أثناء ظهوره في البيت الأبيض حيث سعى الزعيمان إلى إظهار أنهما جبهة موحدة.

وقال أوباما "ما يتعين علينا عمله هو ممارسة ضغط دولي مستمر"، وأكد الزعيمان ضرورة دفع الحكومة والمعارضة السوريتين إلى طاولة التفاوض بعد قتال استمر أكثر من عامين يهدد بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط المضطرب.

فيما أشار اردوغان المتوقع أن تكون بلاده لاعبا رئيسيا في أي مؤتمر إلى أن مشاركة روسيا والصين - وهما من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة - ستضيف زخما للمؤتمر لكنه لم يشر إلى دعوة إيران للمشاركة.

وتركيا وهي حليف للولايات المتحدة وعضو في حلف شمال الأطلسي واحدة من أشد المنتقدين للأسد وتلقي بثقلها وراء المعارضة المسلحة.

وانتقد الرئيس التركي عبد الله جول في وقت سابق التجاوب العالمي مع سوريا وقال إنه يقتصر على "الأقوال" قائلا إن بلاده لم تتلق سوى مساعدات قليلة للتعامل مع تدفق اللاجئين، ويريد البيت الأبيض في وقت تعارض فيه الآراء بقوة أي تورط عسكري جديد في الخارج تجنب تكرار الأخطاء التي ارتكبت في العراق عندما استخدمت معلومات مخابرات مزيفة لتبرير الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 .

وقال اردوغان إن تركيا أجرت اختبارا على عينات دم مأخوذة من قتلى وجرحى سوريين وتتبادل ما لديها من معلومات بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية مع الولايات المتحدة وبريطانيا والآخرين وقد ترسلها إلى مجلس الأمن الدولي في "الوقت المناسب".

ورفض أوباما تحديد إطار زمني لرحيل الزعيم السوري عن السلطة قائلا "كلما كان ذلك أسرع كان أفضل." ويبرز موقفه هذا غياب التوافق الغربي بشأن الإطاحة بالأسد من السلطة، ويواجه أردوغان قلقا متزايدا في الداخل بشأن دور تركيا في سوريا وتكاليف هذا الدور. وقال ان أنقرة ستستمر في انتهاج "سياسة الباب المفتوح" تجاه اللاجئين السوريين. وذهب الى تقدير ان انقرة أنفقت بالفعل 1.5 مليار دولار على هذه المشكلة.

وتطرق أرودغان إلى قضية اخرى ذات اهتمام قوي للولايات المتحدة وقال انه سيمضي قدما في زيارة مزمعة لقطاع غزة ربما في يونيو حزيران وسيذهب ايضا الى الضفة الغربية على الرغم من الضغوط التي تمارسها واشنطن حتى يؤجل الرحلة، وتشعر حكومة اوباما بالقلق خشية ان تفسد زيارة أردوغان لقطاع غزة الجهود الأمريكية لإحياء روابط تركيا مع اسرائيل ولحث خطى محادثات السلام في الشرق الأوسط. وقال أردوغان انه يأمل ان تساهم زيارته في دعم السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/آيار/2013 - 16/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م