حل الأزمة السورية يتطلب مشاركة جميع من كان جزءاً منها

عريب الرنتاوي

تصر باريس على استبعاد إيران من المشاركة في مؤتمر "جنيف 2"، وترحب في المقابل بمشاركة دول أخرى ذات صلة عميقة بالأزمة السورية مثل دور المحور التركي- السعودي- القطري.. حجة فرنسا أن طهران جزء من المشكلة ولا يمكن التعامل معها بوصفها جزءاً من الحل.. فهي تدعم الأسد بالسلاح، وترسل مقاتلين عراقيين وإيرانيين ولبنانيين إلى جبهات المعارك لنصرة الأسد.

لم تكلف الخارجية الفرنسية نفسها عناء طرح السؤال (بالمقلوب): هل الأطراف الإقليمية والخليجية التي ترحب باريس بمشاركتها، هي جزء من الحل في سوريا، أم أنها سبب رئيس من أسباب المشكلة؟.. هل مسؤولية هذه الأطراف(تركيا والسعودية وقطر) في استطالة أمد الأزمة و"تطييفها" و"تمذهبها" أكثر أو أقل أو تعادل مسؤولية إيران عن القتل و"التمذهب" و"التطييف"؟.. هل إيران وحدها المسؤولة عن إرسال مقاتلين وسلاح إلى سوريا، وماذا عن أربعين ألف مقاتل سلفي ووهابي وجهادي، أرسلوا لسوريا للقتال في صفوف "النصرة" والحركات السلفية والمسلحة الأخرى وفقا لتقديرات الأخضر الإبراهيمي؟.. ماذا عن صفقات السلاح من كل الأنواع التي تقدمها هذه الدول، مباشرة ومداورة، سراً وعلانية، لجماعاتها المسلحة في سوريا، ماذا عن فتح الحدود والتسهيلات لكل من هبّ ودبّ للعبور من تركيا إلى سوريا؟.

لأن هذه الأطراف جميعها بمن فيها إيران، هي جزء من المشكلة السورية، فإنه يتيعن دعوتها جميعاً لـ"جنيف 2"، حتى تصبح جزءاً من الحل السياسي المنشود للأزمة السورية، ولا تبقى جزءاً من المشكلة.. ولقد دللت التجربة على أن استنثاء فريق وإقصائه عن "المداولات" و"مشاريع الحلول"، من شأنه أن يحيله إلى قوة تخريب وعرقلة لأية مساعي وجهود تبذل للوصول إلى حل سياسي انتقالي وتوافقي للأزمة السورية.

هي نظرة مثقلة بالنفاق و"ازدواجية المعايير"وسياسة "الكيل بمكيالين".. هي سياسة تسعى في تسوية حسابات فرنسا مع أطراف إقليمية وعربية خدمةً لحسابات فرنسا ومصالحها فقط، مُتخذةً من أزمة سوريا ودماء أبنائها وبناتها مدخلاً لها.. ومن سوريا، ساحةً لتسوية هذه الحسابات وتعظيم تلك المصالح.. وهي سياسة تنضح بمخلفات إرث كولونيالي، ما زال يتعامل مع "المستعمرات السابقة" وخطوط سايكس – بيكو بوصفها "حقوقاً مكتسبة" لعاصمة الأنوار، وحدائق خلفية لها ؟!

فرنسا لم تكن منذ بدايات الأزمة، من أنصار الحل السياسي للأزمة.. أولويتها كانت باستمرار "تغيير النظام في سوريا" مهما كلف الثمن، بل وحتى لو صارت سوريا كلها هي الثمن.. تنظر بعينين اثنتين لسوريا ما بعد الأسد، واحدة إلى مشاريع إعادة الإعمار التي تتجاوز كلفتها حتى الآن عن 80 مليار دولار.. والثانية تتجه لحقول النفط والغاز في شرق المتوسط، على مقربة من شواطئها الجنوبية، فضلاً عن الأنانيب والموانئ التي ستنقل غاز المنطقة برمها إلى جنوب اوروبا وشمالها.. وهي ليست مرتاحة تماماً للتفاهمات الروسية – الأمريكية، ودورها في إيجاد حلول سياسية للأزمة السورية، يتسم بالسلبية، حتى أنها باتت بدورها، جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل.

من حسن حظ السوريين، أن دولاً كفرنسا (وبريطانيا)، لم تعد تندرج في سياق اللاعبين المؤثرين في أزمات الإقليم، كل أزمات الإقليم.. لقد انحسر دورها ولم يبق منه سوى ظلال "الدولة العظمى".. وثمة أطراف إقليمية، باتت تلعب أدواراً في المنطقة، يفوق لما لهذه الدول (العظمى) من أدوار وأوزان.. وهي ارتضت لنفسها أن تكون في ذيل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم (بريطانيا)، وعندما تختلف مع هذه السياسة، تؤثر الإنزواء والمراقبة عن بعد (فرنسا) تماماً مثلما حدث في أثناء الحرب الأمريكية على العراق، ولقد شهدنا كيف أن العاصمتين، كانتا "آخر من يعلم" عن فصول التقارب الروسي – الأمريكي، وكيف هرعتا بعد اجتماعات كيري - لافروف، لحجز مقاعد لها في قطار المبادرة الروسية الأمريكية، بعد أن تعذّر كبح انطلاقته، وعلى أمل حرفه عن سكته إن أمكن ذلك.

مؤتمر "جنيف 2" قد يكون آخر فرصة لإنقاذ سوريا (والإقليم) من براثن الفوضى المذهبية والطائفية وحروب الآخرين عليها، وحفظ الدولة والمؤسسات، ومنع التحاقها بـ"السيناريو العراقي"، والأهم حقن الدم السوري ووقف عمليات الخراب والتدمير والقتل.. ومن أجل أن ينجح المؤتمر في تحقيق مآربه، يجب إشراك كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية في فعالياتها ومقرراته.. ويجب أن تلحظ الصفقة المأمول خروجها في نهاية المؤتمر، توازن المصالح بين جميع هذه الأطراف، حتى لا تخرج سوريا من حرب إلى حرب، ومن ثورة إلى فوضى ودمار وخراب.

ولن تخدعنا أبداً، كل تلك الإدعاءات المثقلة بهواجس الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والغيرة على الشعب السوري وحياة أبنائه وبناته- قل لي من هم حلفاؤك، أقول لك من أنت- ولا أدري إن كانت باريس تريدنا أن نصدق بأن حلفاء من النوع الذي ترحب بهم في "جنيف 2" يمكن أن يكونوا مشاعل الحرية والديمقراطية والحرية والإخاء والمساواة.. أم أنها تريد منّا أن نمحو من ذاكرتنا ذاك الإرث الاستعماري الكريه، الذي ما زلنا ندفع أثمانه في بلاد الشام وفلسطين والجزائر، من دون أن يجد ورثة الاستعماريين القدامى، حاجة أو ضرورة للاعتذار، ولو شفهياً عمّا قارفت أيديهم.

"جنيف 2" وفسيفساء المعارضة السورية

ينص ميثاق الائتلاف الوطني السوري المعارض على رفض الحوار أو التفاوض مع النظام السوري، وهو يضع تنحي الأسد في منزلة "الشرط المسبق" لأي "تفاوض" مع النظام.. أما هدف "التفاوض" ووظيفته، فهما في عرف الائتلاف، مقتصرين على ترتيبات رحيل الأسد ونظامه، وتسليم وتسلم مقاليد السلطة، لا أكثر ولا أقل.

ما الذي سيفعله الائتلاف بخصوص "مؤتمر جنيف 2" الذي يجري الإعداد له على قدم وساق، وبمشاركة النظام السوري، ومن دون رحيل أو تنحي الأسد؟.. هل سيعمل الائتلاف بما يمليه عليه ميثاقه ويقاطع المؤتمر وينفرد (مع النصرة) في التصدي للمبادرة الروسية – الأمريكية، أم أنه سيلعق ما جاء في ميثاقه، ويكون بذلك قد أسس لسابقة في تاريخ "المعارضات" و"الثورات"، لجهة "أسرع انقلاب" على هذه "المواثيق".

سيذهب الائتلاف إلى مؤتمر "جنيف 2" إن اكتملت شروط التئامه.. هذا لا أمر لا شك فيه على أية حال، وثمة ما يشي بأن الرسائل الواضحة والقاطعة قد بلغت مكونات الائتلاف ما أن غادر جون كيري أرض موسكو، وهي أبلغت بلسان عربي "غير مبين"، بأن عليها حزم حقائبها للالتحاق بقطار التحرك الأمريكي – الروسي، قبل أن يفوت الأوان.

ثمة "صقور" في الائتلاف، سرعان ما انقلبوا أو سينقلبون إلى "حمائم"، وثمة "صقور" ما زالوا بانتظار الضوء الأخضر من "مرجعياتهم" السياسية والأمنية في العواصم التي يتبعونها، ويدينون لها بآيات الطاعة والولاء والتمويل و"اليد العليا".. لكن ثمة من المعلومات ما يؤكد أن المشاورات لتشكيل وفد الائتلاف إلى "جنيف 2"، أو بالأحرى، أكثر المشاورات جدية، لا يقوم بها قادة الائتلاف أنفسهم، ولن تنتظر حتى الثالث والعشرين من الشهر الجاري حين يجتمعهم في اسطنبول، بل تجري بين سفراء (مندوبي) فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة إلى المعارضة، بالتشاور مع الاستخبارات التركية والقطرية والسعودية.

لكن مشكلة الائتلاف لا تتوقف عند هذا الحد.. فهو منقسم على نفسه ابتداءً، وسيكون بحاجة لوسطاء نافذين، لكي يختار فريقه المفاوض.. ثم أن الائتلاف، وبرغم الاعتراف العربي والدولي به، ممثلاً أو محاوراً رئيسا، سيواجه مشكلة "المراكز الأخرى" في المعارضة، من نوع هيئة التنسيق والمنبر (القطب) الديمقراطي وتيار بناء الدولة، وجميعها أطياف يتعين تمثيلها في المؤتمر، وثمة ما يسمح بالاعتقاد بأنها ستكون حاضرة في عاصمة الجبن والشوكولا والساعات الفاخرة و"السرية المصرفية".

وبفرض نجاح الائتلاف في اتخاذ قرار المشاركة، وفي اختيار ممثليه إلى مؤتمر جنيف، وفي تشكيل وفد "إئتلافي" مع بقية أطياف المعارضة السورية السياسية، فإنه سيكون قد قطع ربع المسافة التي تفصله عن جنيف.. فهناك المعارضات المسلحة التي يتعين إقناعها أولا بوقف إطلاق النار، وثانياُ بالانخراط في الوفد المعارض إلى "جنيف 2"، وهنا يدور الحديث عن 1200 كتيبة مسلحة، في سوريا لا يتبع معظمها، ولا أشدها ضراوة في القتال، للمجلس العسكري بقيادة سليم إدريس، ولا لقيادة الجيش السوري الحر.. من سيقنع هؤلاء بالانخراط في العملية التفاوضية تحت مظلة المبادرة الروسية – السورية، وكيف سيتمثلون، ومن سيمثلهم؟.

والأهم من كل هذا وذاك، وفي ضوء إجماع التقارير الإقليمية والدولية على "الدور المحوري" لجبهة النصرة والتيارات الجهادية في ميادين القتال في سوريا، التي ترفض التفاوض ولا أحد يريد أن يتفاوض معها، فإن السؤال حول قدرة الفريق التفاوض المعارض، على الوفاء بالتزاماته وتعهداته، يبقى سؤالاً جوهرياً.

في موسكو، اتفق كيري ولافروف على أن يقوم كل فريق بإقناع حلفائه السوريين والضغط عليهم للمشاركة في المؤتمر وإنجاح مسار "جنيف 2".. موسكو أعلنت أن النظام في دمشق، أبلغها بأسماء الفريق الحكومي المفاوض، لتنتقل الكرة الآن، إلى ملعب واشنطن وحلفائها، لإقناع "المعارضات" بالمشاركة أولاً، وخلق توافق فيما بينها على تشكيل وفد ذي صدقية، قادر على النطق باسمها ثانياً، وضمان التزام فرقائها بما سيتقرر في جنيف ثالثاً، والطريف أن دبلوماسياً غربياً سبق وأن قال بأن "تشكيل وفد مشترك للمعارضة" بحاجة لتوافق عشرة دول إقليمية وعالمية على أقل تقدير، لأن كل عاصمة من عواصم هذه الدول، لديه "ذراع" في إخطبوط المعارضات السورية متعدد الأذرع والأرجل والأطراف.

كيف سينعكس هذا "التشظي" في وضع المعارضة السورية على جهود "الحل السياسي" للأزمة السورية، وكيف سيؤثر على مسارات التفاوض وما بعده؟.. سؤال برسم المجهول.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/آيار/2013 - 10/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م