تونس والإسلاميين... من اجندات ديكتاتورية الى فكر متطرف

 

شبكة النبأ: لم يكن السلفيون يجرؤون على التحرك في وقت الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي خشية من بطش أجهزة الأمن، ولم يخطر ببال التونسيين، بعدما قاموا بثورة الياسمين ضد الدكتاتورية ومن اجل الحرية، أن يتبوأ المد السلفي في تونس مركز اللاعب الأساسي في الحياة السياسية بالبلاد الثورة الياسمين، الذين أصبحوا مشكلة سياسية مجتمعية يضيق بها الشعب التونسي وحكومته ذرعا، فاخذ المد السلفي بالاتساع والتنامي في المدة الأخيرة، خصوصا بعدما تم استقدام شيوخ من دول خليجية لنشر الفكر الوهابي المتشدد في تونس، ويرجع هؤلاء ظاهرة التطرف الديني في تونس الى انتشار الفكر الوهابي وخاصة في صفوف الشباب حديث العهد بالتدين، ويقول مؤرخون ان هناك خصومة تاريخية وفكرية بين جامع الزيتونة الذي انبثقت منه اول جامعة علمية في العالم الاسلامي والتيار الوهابي السعودي، ويتهم شيوخ بجامع الزيتونة الحكومة التي تقودها حركة النهضة.

فيما تتهم المعارضة مستقدمي هؤلاء بمحاولة تغيير نمط المجتمع التونسي، ويرى بعض المراقبين ان توافد الجماعات الوهابية الى تونس تقف وراءه أجندة خارجية تهدف للهيمنة على تونس الجديدة وهو ما يزعج النخبة العلمانية التي تخشى من قيامهم بفرض رؤيتهم مما يؤدي في النهاية الى تقويض الديمقراطية الوليدة في البلاد، وربما نشر المزيد الفوضى الإرهاب في بلاد الياسمين.

لذا يرى معظم المراقبين باتت تونس على مفترق طرق وتحت مسجل الخطر بسبب توافد الوهابية وهيمنة الإسلاميين مما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب التونسي من انزلاق تونس في وحل الفوضى مجددا، وخلاصة القول يعكس هذا الخلاف بين الإسلاميين والليبراليين، صراعا أوسع بشأن الهوية في البلاد التي ظلت لعقود من بين أكثر الدول علمانية في العالم العربي.

صراع محتدم

في سياق متصل اتهم الشيخ حسين العبيدي إمام جامع الزيتونة بتونس العاصمة، ثاني اقدم جامع في شمال افريقيا بعد جامع عقبة بن نافع بالقيروان، وزارة الشؤون الدينية بالتضييق عليه ومحاولة تنحيته من الإمامة، بعدما رفض "فتح ابواب الجامع على مصراعيه امام التيارات الوهابية" على حد تعبيره، وقال العبيدي في تصريح نشرته جريدة "الصباح الاسبوعي" ان الوزارة بعثت اليه "تنبيها" مكتوبا حذرته فيه من دخول جامع الزيتونة، و"هددت" بملاحقته قضائيا بموجب "قانون المساجد" الذي يوصف بالقمعي الصادر في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ولم يتسن على الفور الحصول على تعليق من وزارة الشؤون الدينية حول هذه الاتهامات، وقال العبيدي "الغاية من اقصائي وتهديدي هو فتح ابواب جامع الزيتونة على مصراعيها امام التيارات الوهابية" لافتا الى أنه اقام دعوى قضائية ضد وزارة الشؤون الدينية بتهمة "التهديد"، وتابع "ازداد غضبهم (وزارة الشؤون الدينية) بعد رفضي دخول (الداعية المصري) محمد حسان للجامع الاعظم".

وزار محمد حسان تونس بدعوة من جمعيات دينية محسوبة على حركة النهضة الاسلامية الحاكمة، وقبل حلول حسان بتونس، اعلن حسين العبيدي انه لن يسمح لأي من شيوخ "الوهابية" بدخول جامع الزيتونة، ويعرف جامع الزيتونة في تونس باسم "الجامع الاعظم" وهو ثاني جامع يبنى في شمال افريقيا بعد جامع عقبة بن نافع في القيروان وسط غرب تونس اول مدينة للاسلام في شمال افريقيا التي بنيت قبل نحو 14 قرنا. بحسب فرانس برس.

وفي 12 أيار/مايو 2012 وقع وزراء الشؤون الدينية والتعليم العالي والتربية والشيخ حسين العبيدي على وثيقة نصت على ان "جامع الزيتونة مؤسسة اسلامية علمية تربوية مستقلة غير تابعة" للدولة و"تتمتع بالشخصية القانونية" وعلى أن العبيدي هو "شيخ الجامع الأعظم وفروعه" وأن التصرف في الجامع وتنظيمه يعود إلى المشيخة، لكن الوزراء الثلاثة تنصلوا من هذه الوثيقة واعلنوا في بيان مشترك اصدروه في 8 أغسطس/آب 2012 ان "مشيخة جامعة الزيتونة تابعة قانونيا لرئاسة الحكومة" وأن "إدارة جامع الزيتونة من حيث تعيين الأئمة والمؤذنين وسائر الاعوان وتنظيم المناسبات والدروس العلمية والتوعوية هي من مشمولات وزارة الشؤون الدينية وتحت إشرافها المباشر"، وفي آب/أغسطس 2012 اقرت محكمة تونس الابتدائية باستقلالية جامع الزيتونة ورفضت دعوى قضائية استعجالية اقامتها وزارة الشؤون الدينة لتنحية حسين العبيدي.

محاربة الارهاب

من جهته أعلن راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية الحاكمة في تونس ان شيوخ الدين المشارقة الذين تستقدمهم جمعيات اسلامية تونسية "هم الاقدر على محاربة الارهاب" في بلاده التي اعتبر انه لم يبق فيها شيوخ دين بسبب سياسة "تجفيف المنابع" التي انتهجها الرئيسان الحبيب بورقيبة وخلفه زين العابدين بن علي.

وقال الغنوشي في مؤتمر صحفي ان شيوخ المشرق "هم الاقدر على محاربة الارهاب (في تونس) لأن هؤلاء يقوضون الاسس الدينية للارهاب"، وتساءل الغنوشي "هل لنا شيوخ (دين) في تونس؟ ماذا أبقى بورقيبة وبن علي؟"، وذكر بان جامع الزيتونة الذي كان قبل استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي سنة 1956 منارة لنشر الفكر الديني الوسطي في شمال افريقيا "تم نسفه في عهد بورقيبة وبن علي (..) ما جعل من تونس أرضا منخفضة تهب عليها الرياح"، وأشار الى أن تحجيم دور جامع الزيتونة والزج باسلاميي حركة النهضة في السجون خلال تسعينات القرن الماضي أدى الى "ظهور السلفية والشيعة" في تونس.

لكن الشيخ فريد الباجي رئيس "جمعية دار الحديث الزيتونية" رفض تصريحات الغنوشي وقال لفرانس برس "الغنوشي معروف تاريخيا بعدائه للمنهج الزيتوني (..) يوجد في تونس اليوم ما لا يقل عن 600 عالم زيتوني (من خريجي جامع الزيتونة) أو على منهج جامع الزيتونة"، واعتبر ان "استقدام شيوخ التيار الوهابي الى تونس أكبر داعم للارهاب في تونس، لان فكرهم يقوم على التكفير والادعاء بامتلاك الحقيقة". بحسب فرانس برس.

وأعلن الشيخ حسين العبيدي امام جامع الزيتونة مؤخرا انه لن يسمح ل"الشيوخ الوهابيين بدخول جامع الزيتونة لان خطابهم يقوم على التكفير والتبديع" أي اعتبار كثير من عادات التونسيين "بدعا"، وتنتقد المعارضة باستمرار استقدام جمعيات دينية محسوبة على حركة النهضة لمن تصفهم بانهم "شيوخ البترودولار الوهابيين".

كما انتقد الرئيس منصف المرزوقي توافد رجال دين من المشرق العربي على تونس، معتبرا ان بلاده فيها "ما يكفي" من المشايخ، وقال المرزوقي في خطاب ألقاه في افتتاح ملتقى اقتصادي بالعاصمة تونس " نحن مع الدعاة التونسيين وليس الدعاة الذين يأتون من مكان آخر"، وأضاف "لنا ما يكفي من مشايخ (جامع) الزيتونة ومفكريها ليربحوا المعركة الفكرية ضد التطرف"، وجامع الزيتونة ثاني اقدم مؤسسة دينية في شمال افريقيا بعد جامع عقبة بن نافع الذي بني في القيروان وسط غرب تونس، وتأتي تصريحات المرزوقي بعد اعلان راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية الحاكمة ان المشايخ الاتين من الشرق العربي "هم الاقدر على محاربة الارهاب" في تونس.  بحسب فرانس برس.

كما دعا المرزوقي الى "المصالحة" مع رجال الاعمال المتهمين بالفساد ابان النظام السابق، مع استمرار عدم استقرار الوضع الاقتصادي بعد اكثر من عامين على ثورة 2011، ودعا المرزوقي في افتتاح الحوار الوطني لدفع الاقتصاد الى "ضرورة الاسراع في تحقيق المصالحة مع رجال الاعمال المتهمين بالفساد وتسوية وضعياتهم في اطار العدالة"، وقال "نحن متمسكون بتحريك ملف الفساد واسترجاع الشعب لامواله المنهوبة، لذا لا بد من المضي فورا في ظل وفاق وطني نحو ارساء الية للمصالحة مع رجال الاعمال المتهمين بالفساد باعتماد الشفافية وفي اطار احترام العدالة والقانون".

ولفت الى ان هؤلاء "لا يمثلون سوى نسبة قليلة لا تتعدى 0,4 في المئة من مجموع رجال الاعمال بتونس"، الى ذلك، دعا المرزوقي الى اعادة تاهيل العاملين في الاعلام والعناصر الامنيين فيما يتصدى الجيش التونسي لمجموعات جهادية مرتبطة بالقاعدة على الحدود مع الجزائر.

وكانت وسائل الاعلام ذكرت ان عدد رجال الاعمال المتهمين بالفساد يراوح بين 400 والفين من دون تحديد طبيعة التجاوزات التي ارتكبوها، بدوره، اكد رئيس المجلس الوطني التاسيسي مصطفى بن جعفر ان النص الجديد للدستور التونسي سيعرض للتصويت في تموز/يوليو المقبل، مؤيدا رفع الحظر عن رجال الاعمال، وتحدث رئيس الوزراء علي العريض عن مشروع قانون يهدف الى تشجيع الاستثمار، ملاحظا ان تقدما كبيرا تم احرازه على الصعيد الامني، ويرخي عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي بظلاله على النمو في تونس منذ الثورة.

التنظيمات الإسلامية والقاعدة

في الوقت نفسه اعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية محمد علي العروي، ان التنظيمين الاسلاميين اللذين تلاحقهما القوات التونسية على الحدود الجزائرية، هما على صلة بتنظيم القاعدة، واضاف في مؤتمر صحافي "انهما مجموعتان الاولى في الكاف تتألف من خمسة عشر شخصا، والاخرى في جبل الشعانبي من عشرين شخصا. ثمة صلة بين المجموعتين، ومجموعة الشعانبي على صلة بكتيبة عقبة بن نافع المرتبطة بالقاعدة"، واضاف "لقد قمنا بعزلهما، واعتقلنا الشخص الرئيسي الذي كان يزود مجموعة الشعانبي بالمواد الغذائية".

وفي اواخر كانون الاول/ديسمبر، اعلنت وزارة الداخلية اعتقال 16 شخصا ينتمون الى "كتيبة عقبة بن نافع" التي تعد احدى خلايا القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي في منطقة القصرين على الحدود الجزائرية حيث يقع جبل الشعانبي.بحسب فرانس برس.

لكن السلطات لم تتوصل حتى الان الى اقامة صلة بين هذه الخلية و"المجموعة الارهابية" المختبئة في هذا الجبل والتي تتعرض للملاحقة منذ هجوم على الحرس الوطني اسفر عن قتيل واحد في مستهل كانون الاول/ديسمبر، ومنذ اسبوع، تقوم قوات الجيش بعملية واسعة النطاق للقضاء على هذه المجموعة التي لغمت هذا الجبل الوعر والمغطى بالاشجار بعبوات يدوية الصنع، وذكرت السلطات انها تقوم بتمشيط الجبل بقذائف الهاون لتفجير الالغام.

ولم تتوافر اي معلومات عن العمليات الجارية في منطقة الكاف، التي تبعد حوالى مئة كلم الى الشمال حيث توجد المجموعة الثانية، ومنذ الثورة التي اطاحت مطلع 2011 الرئيس السابق زين العابدين بن علي، تواجه تونس تنامي المجموعات الاسلامية الصغيرة العنيفة المسؤولة كما تقول السلطات عن الهجوم على السفارة الاميركية في ايلول/سبتمبر 2012 واغتيال معارض في شباط/فبراير.

الشرطة التونسية تفرق بالقوة السلفيين

الى ذلك فرقت قوات الأمن التونسية بالقوة في حي السيجومي الشعبي بوسط العاصمة مئات من السلفيين المتشددين الذين حاولوا تحدي قرار وزارة الداخلية منع نصب خيام دعوية غير مرخص لها في الفضاءات العامة بالبلاد، وقال محمد علي العروي الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية إن عناصر الأمن استعملوا قنابل الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق حوالي 300 سلفي حاولوا نصب خيمة دعوية غير مرخص لها أمام مسجد بلال في السيجومين وأضاف أن السلفيين ردوا برشق قوات الأمن بالحجارة وبزجاجتين حارقتين.

وقال فؤاد المؤدب رئيس مركز شرطة السيجومي في تصريح للتلفزيون الرسمي التونسي إن السلفيين "حاولوا إحراق سيارات الأمن" وأن الشرطة ضبطت لديهم "أسلحة بيضاء وسيوفا وزجاجات حارقة"، وأعلن وزير الداخلية لطفي بن جدو (مستقل) أن الوزارة لن تتسامح مستقبلا مع الخيمات الدعوية غير المرخص لها، بعدما تحولت هذه الخيام إلى منابر لتكفير الشرطة والجيش والتحريض عليهما، وقال الوزير إن الوزارة ستمنع أيضا "رفع الأعلام غير التونسية" فوق المؤسسات العامة بالبلاد. بحسب فرانس برس.

ويشير الوزير على الأرجح إلى أعلام تنظيم القاعدة ("العقاب") التي اعتاد سلفيو تونس حملها خلال تحركاتهم، ورفعها فوق المؤسسات العمومية (المساجد والمدارس..) التي يتجمعون قربها، وأعلن سلفيون متشددون في وقت سابق إنهم لا يعترفون بعلم تونس ودعوا إلى استبداله براية التوحيد، ومؤخرا، شجبت نقابات الأمن التونسية تحويل السلفيين الخيام الدعوية إلى منابر للدعوة إلى "الجهاد" ضد قوات الشرطة والجيش ووصفهم ب"الطواغيت".

ومطلع أيار/مايو الحالي قتل سلفيون متطرفون ضابط شرطة في منطقة جبل الجلود جنوب العاصمة تونس. وقالت "النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي" في بيان إن الضابط تعرض لعملية "ذبح"، وينصب السلفيون الذين يرتدون ملابس أفغانية، خيامهم الدعوية بالخصوص في الأسواق وأمام المدارس الثانوية ويستعملون مكبرات الصوت لإلقاء خطبهم.

وفي نيسان/أبريل الماضي نشرت "المنظمة التونسية للدفاع عن التلميذ" غير الحكومية نتائج دراسة قالت فيها إن حوالي 25 ألف طالب في 14 ولاية تونسية من جملة 24 يتعرضون إلى "اغتصاب فكري" بسبب الخيمات الدعوية التي ينصبها السلفيون أمام مدارسهم وأحيانا داخلها، وأفادت المنظمة أن الخطب التي يلقيها السلفيون أمام المدارس باستعمال مكبرات الصوت أصبحت مصدر تشويش كبير على المدرسين والطلاب، وحذرت من أن هذه الخطب قد تغرس "التعصب والكراهية" في صفوف طلاب المدارس وتدفعهم إلى ارتكاب "أعمال عنف".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/آيار/2013 - 3/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م