القائد السياسي والنزعة السلطوية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك فرق بين أن يكون الانسان داخل السلطة وخارجها، وينعكس هذا الفرق في قرارات وسلوك الانسان، حسب درجة تأثير السلطة ومزاياها عليه، وفي الغالب يكون سحر السلطة طاغيا على النفس ومتحكما في اهوائها ورغباتها، وقلما نجد في التاريخ او الحاضر قائدا او سلطانا استطاع ان يحجّم نزعته السلطوية ويحد من اهوائه ورغباته، ذلك ان النفس تدفع بصاحبها السلطان نحو الهاوية، إلا ما ندر، حيث القادة العظماء وحدهم الذين تمكنوا من نفوسهم، وتخلصوا من نزعتهم السلطوية وحكموا بالعدل والمساواة.

إن القائد السياسي لا يختلف عن غيره من الناس، إذ تدفعه نفسه الى ارتكاب الاخطاء، ومنها واشدها خطرا، مضاعفة النزعة السلطوية لديه، الامر الذي يجعله يمارس سلطته على الاخرين بحدّية عالية وربما تكون حاسمة، اذا بلغ درجة الطغيان، بمعنى أوضح اذا لم يستطع القائد السياسي أن يتحكم بنفسه، ويخضع لسحر السلطة ومزاياها، فإنه في الحالة سيكون ذا نزعة سلطوية قد تكون مدمرة، وهنا مكمن الخطر عندما ينسى القادة السياسيون أنفسهم وافكارهم ومبادئهم ويخضعون للسلطة تماما.

وعندما نبحث في اسباب هذه الظاهرة، واعني بها التعامل السلطوي الحاد، فإننا سنعثر على عوامل التسلط المتجذرة في المجتمع ككل، بدءً من النظام الابوي المتسلط في مؤسسة العائلة، وهي الصورة المصغرة للمؤسسات الاكبر في السياسة او سواها، فيبدأ الطفل مع اجواء التسلط صغيرا، لتنمو معه وهو مراهقا ثم شابا، لتصبح حياته مشبعة بهذه النزعة التي تحاصره في البيت والمدرسة والعمل وربما حتى في الاماكن العامة، هذه النزعة للأسف تتفشى في شرائح وطبقات المجتمع كافة، لانها نظام حياة شكل السلوك الجمعي للمجتمع منذ آلاف السنين، والمشكلة ان هذه النزعة تكبر وتكثر بسبب عدم التصدي لها من لدن المعنيين، سواء في بث الاسلوب التربوي الصحيح ونشره بين الناس، واهمية نبذ الحدية السلطوية في العائلة وسواهاـ فضلا عن اماكن التعليم والعمل والانشطة المختلفة.

ومن مؤشرات انتعاش هذه الظاهرة، حالة اللامبالاة التي تتعامل بها الجهات المعنية مع هذه الظاهرة، حيث يغيب التخطيط لمعالجة هذه الظاهرة بين الاوساط المعنية، في وقت تتصاعد النزعة السلطوية بين كل من يجد السلطة بين يديه، حتى لو كانت في اقل المراتب، فالسلطان هنا يريد أن يمارس رغباته على الاخرين الذين يتبعون له في العمل او في اي نشاط آخر، وتغيب لديه التأثيرات الجانبية التي تنتج عن النزعة السلطوية الحادة، وقد ينسى كثير من القادة ان هناك اساليب افضل بكثير من الاوامر القاطعة، وهي التي تقوم على النقاش والتشاور والحلول المتفق عليها بين الجميع بدلا من نزعة التمرد والتسلط القاطعة.

ولاشك ان المجتمع سيعاني كثيرا من أضرار هذه الظاهرة، ونعني بها الحدية السلطوية التي يمارسها القائد السياسي في ادارة شؤون الشعب والبلد عموما، إذ قد ينزلق القائد نحو حافة الهاوية، وربما يسقط في اعماقها، ساحبا معه شعبه الى الهاوية نفسها، بسبب قرارات شخصية خاطئة متعجلة طائشة، على الرغم من انها تتعلق بمصير الملايين فضلا عن تاريخ البلد ومكانته، ويخبرنا التاريخ عن سلاطين وحكام طغاة ركبوا أهواءهم ودمروا شعوبهم بسبب النزعة السلطوية الحادة التي شكلت سلوكهم وأفكارهم ومنهج حياتهم، كما هو الحال مع هتلر، القائد النازي الذي دمر امته وعددا من البلدان مع ازهاق الملايين من أرواح الأبرياء، بسبب فرد واحد ينطوي في تركيبته النفسية على سلوك حاد ومنتقم وعدواني.

من المفيد جدا ان يستفيد قادة اليوم وكل من يمتلك سلطة على الاخرين، من دروس التاريخ البعيد والقريب، والراهن ايضا، لأن القائد السياسي عندما يترك نفسه تتحكم به، ويترك نزعته السلطوية تحدد واقع الناس ومصيرهم، فإن النتائج والعواقب ستكون كارثية على الجميع دونما استثناء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 12/آيار/2013 - 1/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م