أمريكا والازمة السورية... مواقف متقلبة وتسوية قلقة

 

شبكة النبأ: دخلت الحرب سوريا عامها الثالث دون نهاية في الأفق حيث تعوق الخلافات الدولية المحتدمة، التوصل الى حل سياسي لتسوية النزاع في سوريا، بسبب العديد من العوامل المؤثرة والمتسارعة الإقليمية والدولية، المتمثلة باستراتيجيات الدبلوماسية بين امريكا وروسيا على نحو خاص، لكنها عاجزة عن فتح كوة بجدار الازمة السورية حتى اللحظة الراهنة.

وعلى الرغم من استمرار المبادرات الإقليمية والدولية لتسوية الازمة السورية، الا ان الكثير من المحللين لا يعتقدون أن هناك إجراء حاسما سيتخذ لإيقاف الازمة، فلم تنجح التحركات الدبلوماسية المكثفة خلال الاونة الاخيرة، بسبب تباين مواقف المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة وحلفائها، التي تسعى لتمرير أجنداتها من خلال الأزمة السورية الحالية، وبسبب تزمت كل طرف  بموقفه وانقسام القوى العالمية في دعمها لطرفي الصراع، وليس هناك أمل يذكر فيما يبدو في أنها ستحقق هدفها بالتوصل الى تسوية او توافق حتى المستقبل القريب، مما يضع النزاع السوري داخل حلقة مفرغة تساعد على ديمومة الصراع الذي لا غالب فيه ولا مغلوب.

ورغم المحاولات والمساعي الحثيثة من لدن الإدارة الأمريكية والروسية الى إيجاد أساليب واستراتيجيات جديدة لمعالجة الأزمة السورية الحالي، نظرا للمصلحة المشتركة بين الدولتين في استقرار الشرق الأوسط تقريب الخلافات بين القوتين الكبيرتين، الا انه لا يبدو هناك امل للتواصل الى توافق يرضي جميع الاطراف، حيث أدت الخلافات بشأن سوريا إلى تعميق التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا.

كما زادت ضربات جوية إسرائيلية في سوريا إحساسا بالحاجة الماسة لإيجاد حل للصراع في منطقة زادت التوترات فيها بسبب المواجهات بين إيران حليفة الأسد والقوى العربية وكذلك العداء بين إسرائيل وجيرانها لاسيما إيران وحزب الله.

حيث شكلت الهجمات العسكرية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية بشكل علني مؤخرا، الشرارة الكبرى في تصاعد التوترات المضطردة بينهما خلال الاونة الأخيرة، لتصبح هذه الهجمات مسجل خطر ينذر بنشوب حرب إقليمية وشيكة.

بينما يرى معظم المحللين ان اتهام وامريكا وحلفائها لسوريا باستخدام الكيميائي قد يكون ذريعة للحرب، فربما سيكون تكرار السيناريو العراقي في سوريا والمتعلق باستخدام ذريعة البحث عن أسلحة دمار شامل في البلد كحجة للاطاحة بالرئيس بشار الأسد.

حيث ان دخول امريكا في خط الصراع المباشر مع سوريا، يعكس بالحقائق والدلائل الدور الحقيقي الذي تقوم به واشطن بالتعاون مع القوى المعادية لسوريا وادواتها على الاراضي السورية لزعزعة استقرار سورية واضعافها، وفي الوقت نفسه تتردد الولايات المتحدة في تسليم مقاتلي المعارضة اسلحة خوفا من وقوعها بأيدي مجموعات اكثر تطرفا مثل جبهة النصرة التي اعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة.

لكن يرى العديد من المحللين إن ما يجري حالياً في سوريا هو سباق بين تنظيم القاعدة والمتمردين، ولن يكون من مصلحة أحد أن يفوز الأول بهذا السباق، بينما يقول بعض المراقبين إن هذه الخطوة يمكن أن تشجع روسيا وإيران حليفتا الأسد على زيادة إمداداتهما من الأسلحة لحكومته مما يشعل سباق تسلح.

في حين كما بينت احدث المؤشرات على الساحة السياسية ان الولايات المتحدة مازالت تخطط لمختلف الاحتمالات في سوريا لكنها لا تزال تحجم عن تدخل قد يجر امريكا في حرب بالوكالة، وعليه ففي ظل التداعيات الخطيرة على الصعيد الأمني والسياسي المتمثلة بالعوامل آنفة الذكر، تبقى الأزمة السورية متأرجحة بلا حلول فعالة.

معظم الأمريكيين لا يريدون التدخل في سوريا

فقد كشف استطلاع لرويترز وإبسوس نشرت نتائجه ان معظم الأمريكيين لا يريدون ان تتدخل الولايات المتحدة في الحرب السورية حتى إذا استخدمت الحكومة أسلحة كيماوية في رسالة واضحة إلى البيت الأبيض الذي يدرس كيفية الرد على هذه الأزمة المتفاقمة.

ولا يرى سوى عشرة في المئة من المشاركين في الاستطلاع الذي أجري عن طريق الإنترنت ان الولايات المتحدة يجب ان تتدخل في القتال. وعارض 61 في المئة التدخل.

لكن نسبة المؤيدين للتدخل ترتفع الى 27 في المئة اذا استخدمت الحكومة السورية اسلحة كيماوية ضد شعبها بينما يظل 44 في المئة معارضين برغم ذلك، وقالت جوليا كلارك منظمة الاستطلاعات في مركز إبسوس "بالنظر إلى أفغانستان والذكرى السنوية العاشرة للعراق فإن الأمريكيين لا يريدون التدخل."

وكان الرئيس باراك أوباما أحجم عن التدخل العميق في الأزمة السورية مع أنه أعلن العام الماضي ان استخدام قوات حكومة الأسد اسلحة كيماوية او نشرها إذا حدث فسوف يكون عبورا "لخط أحمر"، وقال الرئيس اوباما ان ثمة ادلة على استخدام اسلحة كيماوية في سوريا لكن واشنطن تفتقر الى كثير من المعلومات بحيث يتعذر عليها القيام بما يتجاوز ما تقوم به بالفعل وهو امداد المعارضة السورية المسلحة بمساعدات غير مميتة.

ولم يستبعد اوباما القيام بإجراء عسكري او غيره ضد حكومة الأسد لكنه شدد مرارا على انه لن يسمح بضغوط عليه للتدخل قبل الأوان بشكل أعمق في الحرب الأهلية في سوريا، ولا يكترث كثير من الأمريكيين بالأحداث في سوريا وكشف الاستطلاع ان ما يزيد على ثلثهم او 36 في المئة لم يسمعوا ولم يقرأوا شيئا عن الحرب الأهلية هناك، ولم يقل سوى ثمانية في المئة انهم سمعوا او قرأوا كثيرا وقال 19 في المئة انهم سمعوا أو قرأوا "كمية لا بأس بها"، وشمل الاستطلاع 519 امريكيا لا تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة وأجري عن طريق الإنترنت في الفترة من 26 من إبريل نيسان إلى أول مايو أيار وهامش الخطأ فيه 4.9 نقطة مئوية بالزيادة أو النقصان.

روسيا وأمريكا

فيما اتفقت روسيا والولايات المتحدة على عقد مؤتمر دولي ربما بنهاية هذا الشهر في مسعى لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا ومنع إراقة الدماء من أن تؤدي إلى تفكك البلاد، وأعلن الاتفاق كل من وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري بعد محادثات في موسكو على الرغم من خلافاتهما حول سوريا وقالا إنه يجب دعوة حكومة دمشق والمعارضة المسلحة التي تحاربها للمشاركة.

والهدف من المؤتمر هو إحياء اتفاق تم التوصل إليه في جنيف في يونيو حزيران العام الماضي على تشكيل حكومة انتقالية في سوريا ولم يوضع موضع التنفيذ لأنه لم يحسم مسألة مصير الرئيس السوري بشار الأسد، وقال كيري في مؤتمر صحفي مشترك مع لافروف "البديل هو المزيد من العنف. البديل هو اقتراب سوريا بشكل اكبر من هاوية إن لم يكن السقوط في هاوية الفوضى، وأضاف كيري الذي أجرى محادثات في وقت سابق مع الرئيس فلاديمير بوتين في الكرملين "البديل هو تصاعد الأزمة الإنسانية. البديل ربما يكون تفكك سوريا".

وروسيا حليف قوي للأسد وحالت دون فرض مزيد من العقوبات ضد سوريا في الأمم المتحدة وتزود حكومتها بالأسلحة. لكن لافروف قال إن موسكو ليست قلقة على مصير أفراد في إشارة إلى الأسد، وأضاف قائلا "المهمة الآن هي إقناع الحكومة وكل جماعات المعارضة... بالجلوس إلى طاولة التفاوض"، وقال كيري إن المؤتمر يجب أن يعقد "في أسرع وقت ممكن عمليا نرجو ان يكون في نهاية الشهر." ولم يذكر أي من الوزيرين أين سيعقد المؤتمر.

ورغم أن الولايات المتحدة قالت إن أي حكومة انتقالية في سوريا يجب ألا تضم الأسد قال كيري إن القرار بشأن من سيشارك فيها يجب أن يترك للسوريين، وقال لافروف إن الهدف هو "إقناع الحكومة والمعارضة... بتطبيق كامل لإعلان جنيف" بشان تشكيل حكومة انتقالية.

لكن روسيا والولايات المتحدة أوضحتا أنه جرى تكثيف جهود السلام بسبب المخاوف المتزايدة من أن العنف قد يتجاوز حدود سوريا.

وقال كيري "هناك تصعيد متزايد من الدول التي ترغب في السعي من أجل حل سلمي بديلا عن الفوضي التي تؤدي إلى انهيار البلد"، واضاف أن مصير مشروع قانون أمريكي يدعو الولايات المتحدة إلى تسليح مقاتلين بالمعارضة السورية سيعتمد على أي أدلة بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية وكذلك التقدم نحو التوصل إلى حل سياسي، وقال "سيعتمد الكثير على ما يحدث على مدى الأسابيع القليلة القادمة وكذلك ما سيحدث مع ذلك التشريع."

الضربات الاسرائيلية تزيد الضغوط على اوباما

من جهته قال السناتور الجمهوري جون مكين ان الضربات الجوية الاسرائيلية على سوريا يمكن ان تزيد الضغوط على ادارة الرئيس باراك اوباما للتدخل في سوريا لكن الحكومة الامريكية تواجه تساؤلات صعبة بشان كيف يمكنها المساعدة دون أن تتسبب في تفاقم الصراع.

وقال وزير الدفاع الامريكي تشاك هاجل ان واشنطن تعيد النظر في معارضتها لتسليح مقاتلي المعارضة السورية. وحذر هاجل بقوله إن تقديم أسلحة إلى القوات التي تقاتل الرئيس بشار الأسد هو مجرد خيار من الخيارات وينطوي على خطر أن تجد الأسلحة طريقها إلى أيدي متطرفين معادين لأمريكا بين مقاتلى المعارضة. بحسب رويترز.

وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن من حق إسرائيل أن تأخذ حذرها من نقل أسلحة متقدمة إلى حزب الله لكن ادارته لم تقدم المزيد من التعليقات بشان الضربات الجوية، وتقول الولايات المتحدة ان لديها "ثقة بدرجات متفاوتة" في ان الحكومة السورية استخدمت الاسلحة الكيماوية ضد شعبها وهو ما يمثل انتهاكا "لخط احمر" وضعه اوباما.

كما أشار أوباما إلى انه لن يتعجل بالرد سريعا على ما يبدو من استخدام سوريا لأسلحة كيماوية متخذا نهجا حذرا تجاه الصراع في سوريا يعكس وجهات نظر المواطنين الأمريكيين ومعظم اعضاء الكونجرس وبعض حلفاء الولايات المتحدة.

واشنطن متوجسة من الدفاع الجوي السوري

على الصعيد نفسه اخترقت صواريخ اسرائيلية نظام الدفاع الجوي السوري في الأيام القليلة الماضية لكن هذا الهجوم لم يطمئن كثيرا المخططين العسكريين الأمريكيين الذين يفكرون في مخاطر أي تدخل ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد.

ونظرا لأن بعض الخيارات العسكرية المحتملة لدى الولايات المتحدة في سوريا تتضمن توجيه ضربات جوية تشعر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بالقلق إزاء قدرة الأسد على إسقاط طائرات معادية بصواريخ أرض-جو وبخاصة خلال حملة متواصلة.

وإذا قررت الولايات المتحدة أن تصبح أكثر انخراطا في سوريا ربما ردا على استخدام دمشق أسلحة كيماوية وإذا رغبت في شن حملة جوية موسعة هناك فمن المرجح أن تحتاج أولا نزع الدرع الجوية السورية وهي روسية الصنع.

ورغم أن فاعلية القوات الجوية السورية المتقادمة غير واضحة يعتقد أغلب الخبراء أن نظام الصواريخ الذي قامت سوريا بتحديثه بصورة كبيرة بعد الهجوم الاسرائيلي عام 2007 على موقع يعتقد أنه موقع نووي ما زال أكثر قدرة من أي نظام واجهته الولايات المتحدة منذ قصفت القوات الصربية عام 1999، وقال مسؤول أمريكي رفيع "هذه الأحداث التي وقعت مؤخرا لم تغير تقييمنا لمدى تقدم نظام الدفاع الجوي السوري."

ويقال إن الولايات المتحدة لديها في واقع الأمر القوة التي تمكنها من محو النظام الجوي السوري، فسوريا تفتقر لوسائل الدفاع اللازمة لحمايتها من أسلحة امريكية يصعب التصدي لها مثل قاذفات ستيلث بي-2 أو السفن أو الصواريخ الموجهة التي تطلقها السفن والغواصات. لكن مثل هذا الهجوم سيتطلب قوة ضخمة تضم صواريخ موجهة وطائرات يمكن أن تنطلق من حاملات طائرات أو من قواعد في دول مجاورة.

كانت الطائرات الاسرائيلية قد تمكنت من تجنب وسائل الدفاع السورية مرتين في الأيام القليلة الماضية لكن عنصر المفاجأة كان قويا جدا لدرجة قال الخبراء إنه كان يصعب معها صدها. وقال مسؤولون أمريكيون في الأسبوع الماضي إن الاسرائيليين لم يدخلوا المجال الجوي السوري في هجوم بل أطلقوا صواريخ عبر لبنان.

وستكون الطائرات الأمريكية أكثر عرضة للخطر بكثير إذا حاولت فرض منطقة حظر طيران فوق سوريا أو حماية "مناطق آمنة" على الأرض وهي خطوات ستتطلب ولا شك عمليات فوق البلاد لفترات طويلة، وقال مسؤول أمريكي آخر "هناك فارق كبير بين توجيه ضربة وفرض منطقة حظر طيران."

وتقول وزارة الدفاع الأمريكية إن سوريا تملك دفاعات جوية تزيد خمس مرات عن الدفاعات الجوية في ليبيا حيث ساعدت الولايات المتحدة على فرض منطقة لحظر الطيران عام 2011. كما أنها أكثر تقدما بكثير، وفي ليبيا لم تقع خسائر بشرية في صفوف القوات الغربية. لكن المخاطر أعلى في سوريا ومن غير الواضح إن كان المواطنون الأمريكيون الذين أنهكتهم حربا أفغانستان والعراق سيتقبلون سقوط قتلى جدد.

قبل بدء الحرب في سوريا قال محللون غربيون إن لدى الأسد حوالي 25 لواء دفاع جوي ونحو 150 قاذفة صواريخ أرض-جو/ وأشار المسؤول الأمريكي الأول إلى أن سوريا عززت دفاعها الجوي في السنوات القليلة الماضية

وأظهر إسقاط طائرة استطلاع تركية وهي تقترب من الساحل السوري في العام الماضي مدى سرعة رد فعل الدفاع السوري. لكن الولايات المتحدة وحلفاءها لديهم خيارات ربما تجعل مثل هذه الخطوة أكثر أمنا.

لكن من غير المرجح أن يمضي أوباما في أي عملية وحده بل سيلجأ إلى حلفاء مثل بريطانيا وفرنسا إذا وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة لاتخاذ إجراء مباشر في الصراع السوري حتى رغم عزوفها الشديد عن التورط العسكري هناك.

ولن تكون الطائرات بلا طيار من طراز بريديتور وريبر وجلوبال هوك -التي أصبحت واشنطن تعتمد عليها في أفغانستان- ذات فائدة تذكر إلا بعد تحييد الدفاع الجوي السوري إذ أن هذه الطائرات ليست مصممة للدفاع عن نفسها من أي هجوم.

قانون التسليح

الى ذلك تقدم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي الديموقراطي روبرت مينينديز باقتراح قانون للسماح بتسليح مقاتلي المعارضة السورية من جانب الولايات المتحدة، في خطوة تؤكد واشنطن انها لا تزال قيد الدرس اثر المعلومات عن استخدام اسلحة كيميائية في النزاع الدائر في سوريا، ويتيح اقتراح القانون للحكومة الاميركية "تزويد المعارضة السورية المسلحة بمساعدة قاتلة وغير قاتلة".

وينص الاقتراح على اختيار المجموعات التي بامكانها الاستفادة من تسليح اميركي وفق معايير عدة بينها احترام حقوق الانسان وعدم ارتباطها بالارهاب او بمبدأ عدم الانتشار للاسلحة، وسيتم استثناء منظمومات الصواريخ المحمولة ارض - جو من الاسلحة الممكن تقديمها للمعارضة السورية المسلحة بحسب اقتراح القانون.

ومن شأن تقديم اقتراح القانون هذا زيادة الضغط على الرئيس باراك اوباما كي يزيد مساعداته لمقاتلي المعارضة السورية. واعلن الرئيس الاميركي انه يدرس كل "الاحتمالات" المتوافرة بعدما اقر بانه جرى استخدام اسلحة كيميائية في النزاع السوري.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 12/آيار/2013 - 1/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م