شبكة القاعدة، مولدات عنف

"الجهاد" الالكتروني

جاسم محمد

كشفت نتائج تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالية/الولايات المتحدة حول قضية تفجيرات بوسطن في 15 ابريل 2013 مدى تأثير " الجهاد الالكتروني " على جيل الشباب في الولايات المتحدة والعالم، وكان المتورط الثاني في تفجيرات بوسطن، جوهر البالغ 19 عاما قد خضع الى تأثير المشاهد " الجهادية " للتنظيمات المسلحة عبر شبكة الانترنيت وتعلم منها صنع القنابل. هذه العملية برهنت على ان الارهاب لم يعد بعدا تنظيميا بقدر مايكون ارهابا ايدلوجيا، يصعب السيطرة عليه.

لقد استخدمت القاعدة الانترنيت بشكل مكثف لانه يتماشى مع عولمة اهدافها غير المحددة في مكان او رقعة جغرافية مع انخفاض الكلفة، و نتيجة لذلك لجأ التنظيم/المركزي الى المواجهة الاعلامية لتغطية تراجعه العسكري لينتقل من" الجهاد" الميداني التقليدي الي الجهاد الالكتروني. وشهدت المواقع الاعلامية " الجهادية " تصاعدا كبيرا في أعقاب غزو العراق 2003 وبدأ الوجود الإعلامي للقاعدة علي الانترنت يتصاعد، وارتفع عدد المواقع من 13 موقعا عام2001 الى اكثر من 4800 وفقا لتقارير غربية، ليبرز الجيل الثالث من تنظيم القاعدة عبر شبكة الانترنيت وحينها ظهر مركز الفرقان لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين و"دولة العراق الاسلامية".

وتحتوي هذه المراكز والمواقع والمنتديات معلومات حول العقيدة وتقنية التجنيد والتمويل والتدريب وصنع المتفجرات وأعقبتها الفروع الإقليمية للقاعدة با نشاء وتأسيس مواقع ومنتديات جهادية ومراكز إعلامية. يعتبر الجهاديون " الجهاد الالكتروني" مماثل من حيث طبيعته وقيمته عن الأنواع الأخرى من" الجهاد"، العسكري والاقتصادي والسياسي والإعلامي، وفي أحيان كثيرة يخدمها على المستوى الدعائي والإعلامي، عن طريق توظيف مختلف آليات وبرمجيات التكنولوجيا الرقمية، عبر شبكة الإنترنت. الجهاد الالكتروني يخدم "الجهاد" العسكري فهو يعلم الكثير من التقنيات العسكرية من الأسلحة، وكيفية استعمالها وكيفية صناعة بعض الأسلحة كالقنابل والالغام والعبوات والمتفجرات، بالاضافة الى التسريبات الاعلامية التي تقوم بها التنظيمات " الجهادية "

المواقع الجهادية

وتنقسم المواقع الجهادية التابعة لتنظيم القاعدة الى ثلاث مجموعات: الأولى: المواقع المعتمدة وتمثل مواقع المنظمات الجهادية، والثانية: المنتديات الجهادية، والثالثة، مواقع للتوزيع. وهي مواقع غير ثابتة وصعبة التتبع ومنها مؤسسة صدى الملاحم لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية واليمن والسحاب ومؤسسة الفجر.

ان اغلب المواقع الجهادية لا يديرها قيادي التنظيم أنفسهم ولا تعكس مركزية التنظيم ابدا لكنها تلتقي في الخطوط العامة، ورغم ذلك فان جميع المواقع والمنتديات الجهادية تعمل تحت مظلة مركز الفجر الإسلامي المسؤول عن استلام المواد الإعلامية من تلك المؤسسات وعمل المونتاج لها ثم نشرها، وهو المركز الإعلامي الوحيد المخول بنشر البيانات الصادرة عن المؤسسات الاعلامية التابعة لفروع تنظيم القاعدة والتي تقوم بنشر الإصدارات والبيانات والخطابات. وتعتمد هذه المراكز على مجموعة مراسلين يقومون بنشر وتوزيع نشاطات التنظيم على المواقع الاخرى والمنتديات واشهر هذه المنتديات هو منتدى الحسبة التابع لتنظيم القاعدة المركزي. لذا نجد ان المواقع الالكترونية الجهادية لتنظيم القاعدة والمجموعات الجهادية تكون مهنية متخصصة في الانتاج والتوزيع والنشر، وتعتبر مؤسسة السحاب المختصة بالانتاج من ابرز المؤسسات الانتاجية للتنظيم.

مواقع متعاطفة مع القاعدة

 وهنالك عدد من المواقع السلفية المتعاطفة مع تنظيم القاعدة تقدم خدمة النشر وتحديث الروابط رغم عدم تبعيتها للتنظيم المركزي مثل موقع انصار الجهاد الذي يقوم باعادة نشر مواقع القاعدة. ان تنامي شبكة الإنترنت في العالم مكن تنظيم القاعدة من الانتشار واظهار الخلايا الفردية على السطح، غير المرتبطة مركزيا في تنظيم القاعدة بل ترتبط باسماء وشخصيات جهادية رمزية على الشبكة والمنتديات، هؤلاء ليسوا بالضرورة أن يكونوا ضمن تنظيم القاعدة، هذه الظاهرة اربكت وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في تعقب خيوط العلاقة. ان الجيل الثالث يمتلك القدرة على الخطاب عبر الانترنيت والتجنيد وسرعة الحركة والمرونة بعيدا عن الطرق التقليدية بحضور حلقات الدرس في الجوامع والمناطق بعيدا عن الرقابة الاستخبارية. وقد ظهر من الموجة الأولى من الجهاديين الافتراضيين عبر الانترنيت عام 2002 أبو بكر الناجي، وأبو عبيدة القرشي، ولويس عطية، ومن الموجة الثانية عام 2006 حسين بن محمود وعطية الله، ومن الموجة الثالثة عام 2009 عبد الرحمن الفقير.

 والسؤال هو: لماذا تتجاهل المؤسسات الامنية وخاصة في الولايات المتحدة بعض الاشخاص المرشحون للقيام باعمال ارهابية ؟ رغم ان المعطيات تؤكد بانهم ممكن ان يتحولوا آلة ارهابيين من خلال شبكة الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي ؟ وهذا السؤال طرحته "كرستيان امان بور"/في برنامجها على ال ـ سي ان ان ـ يوم الاول من مايس 2013 في مقابلة لها مع مدراء مؤسسة Google ـ على الشبكة العنكبوتية.

تاريخ تعامل مكتب التحقيقات الاميركية مع الاشارات حول احتمالات تورط عناصر في عمليات ارهابية يشير الى تجاهل تلك الاشارات وعدم الاخذ في جديتها وهذا ما دفع الكونغرس الاميركي باستجواب مكتب التحقيقات الفيدرالية في اعقاب عملية بوسطن.

الخلايا الفردية

أن " الخلايا الفردية" او الذئاب الوحيدة كما يسميها مكتب التحقيقات الفيدرالية تكون اكثر صعوبة في متابعتها رغم اجراءات المراقبة البشرية والتقنية. وهي تمثل تحديا الى الاستخبارات اكثر من شبكات العمل، لان الاخيرة ممكن ان توفر لها بعض المعلومات والحقائق من خلال المراقبة والمتابعة. أما الخلايا الفردية فيعني ان يكون شخص واحد فعالا على الانترنيت بعد ان وفرت شبكة القاعدة طرق ووسائل صنع المتفجرات في " مطابخ الامهات " وباستخدام مواد غير محظورة. وهذا يعني ان عملية بوسطن سوف لاتكون الاخيرة، وهنالك احتمالات من تصعيد عمليات الخلايا الفردية. وكانت بداية هذه الخلايا عام 2010 في" ساحة التايمز سكوير "في نيويورك عندما قام فيصل شاه زاد الباكستاني المولد البريطاني الجنسية بمحاولة تفجير سيارة مفخخة في تموز 2010وكذلك في محاولة الشاب النايجيري عمر الفاروق عبد المطلب بتفجير عبوة على متن طائرة اميركية متجهة من امستردام الى الولايات المتحدة عشية اعياد ميلاد عام 2009.

تعامل وكالة الامن القومي مع المواقع الجهادية

وكالة الامن القومي الاميركي والوكالة المركزية تتابع عن قرب تلك المواقع الجهادية بل البعض يعمل على محركات/سيرفر اميركية، هذه المواقع بقدر ماتمثل صداع رأس للولايات المتحدة الاميركية فهي تستفيد منها استخباريا تحت باب " ابقاء الخصم قريبا " واعتبارها في نفس الوقت مواقع استطلاع للرأي تجاه السياسة الاميركية ورصد ردود افعالها.

اما إصدارات التنظيم في اللغة الانكليزية فكان موقع " أنسباير " اي الالهام الصادر من تنظيم الجزيرة العربية واليمن ويشرف عليه الاميركي السعودي المولد سمير خان والعولقي قبل اغتياله، فهو عبارة عن مجلة الكترونية تحمل توقيع الملاحم ميديا، وهي الفرع الاعلامي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتتضمن تجارب من حياة الجهاديين ومقابلاتهم.

ووفقا لردود فعل مسؤولين في الاستخبارات المركزية بان المجلة كان يحررها انور العولقي وسمير خان الذي تم اغتيالهما معا في تشرين الاول/اكتوبر 2011 في اليمن، وما يجعلها تعتقد ذلك هو توقف اصدار المجلة في اعقاب اغتيالهما.

وابلع جون جيه ليبو وهو مسؤول سابق للعمليات بوكالة المخابرات المركزية "سي.اي.ايه" 2011: " ان ما اذا كان عولقي جديد سيظهر ويكون له نفس التأثير وله أتباع يتحدثون الانجليزية ليحظى بجاذبية واسعة نسبيا عن طريق كتاباته وبياناته الصوتية والمصورة" سيظل سؤالا مفتوحا. وكشفت ذات المصادر بان موقع " انسباير " كان يمثل مصدرا جيد لوكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الامن القومي من خلال لقاءات المقاتلين والتعرف على بعض تفاصيلهم.

إن نماذج الجيل الثالث عبر الجهاد الالكتروني تكشف عن تحولات عميقة في وسائل عمل القاعدة والتنظيمات الجهادية التكفيرية وهي تؤمن: " أن الوقت قد حان لمواجهة " الصليبيين "بالاستشهاد". لذا نجد الجيل الثالث عبارة عن مشروع استشهاد مرن وسريع الحركة، يجد في الانترنيت وسيلة للوصول الى عالمه الافتراضي. إن" الجهاد" الالكتروني لا يختلف ابدا عن المواجهة الميدانية بل يلتقي معها ويدعمها دعائيا ويساهم في التطرف الفكري.

* كاتب في قضايا الارهاب والاستخبار

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/آيار/2013 - 27/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م