فرنسا في دائرة الحرب... حماية مصالح ام استعمار ناعم؟

 

شبكة النبأ: تسعى فرنسا بجهد جهيد رسم سياسة إستراتيجية جديدة لإعادة بناء النهج الاستعماري بصورة صلبة وناعمة في وقت واحد، وذلك من خلال العملية العسكرية الأخيرة التي قام بها الجيش الفرنسي ضد الجماعات المسلحة التي تسيطر على مناطق واسعة من شمال مالي وتتمثل هذه العمليات العسكرية بالقوة الصلبة اي المعارك المباشرة بالسلاح، في الوقت نفسه تنتهج فرنسا إستراتجية استعمار ناعمة، وذلك باعتماد إستراتيجية جديدة لضمان تحقيق مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية والسياسية في البلدان الأخرى وأهمها المستعمرة سابقا، التي تجسدت باعترف فرنسا مؤخرا ب"المعاناة" التي تسبب فيها الاستعمار الفرنسي للجزائريين الذي دام اكثر من قرن، ودعت الى ضرورة نسيان الماضي وتفكير ببناء المستقبل، بعدما شوهت روح الاستعمار العلاقات بين البلدين لفترة طويلة، فضلا عن تجنيد ودعم بعض المجاميع الإرهابية بصور غير مباشرة في بعض الدول الساخنة أمنيا، إذ تظهر تلك الأحداث الأمنية الاخيرة في فرنسا انقلب الإرهاب على داعمي الإرهاب وخاصة في أفريقا. حيث يرى الكثير من المحللين ان هذا التصعيد الأمني المضطرد في فرنسا، هو نتيجة للسياسة التخبط  المتبعة في مواجهة الارهاب من السلطة الفرنسية، مثل قرار الحرب على مالي المتسرع والمكلف.

فيما يعتقد محللون سياسيون ان اعلان الحرب في المالي واعادة تحسين العلاقات الفرنسية مع الجزائر في هذا الوقت، له أجندة ودوافع عديدة تتمثل مصالح سياسية والمتمثلة ، تحرير رهائن المنشأة النفطية، وكذلك من اجل المصالح الإستراتيجية والتي تتمثل بالوصول إلى الموارد الطبيعية الإستراتيجية التي تملكها هذه البلدان الغنية بالموارد الطبيعية، وعليه مهما تتعدد واختلفت الأجندة لتلك الدول، لا يبدو انها ستحصل على مرادها كما تشتهي.

باريس تفكر بمن يحل محلها في مالي

فبعد قرابة الشهر عن بداية تدخلها في مالي ضد الحركات الاسلامية المسلحة الموالية للقاعدة والمتواصل، بدات فرنسا تفكر في سحب قواتها تدريجيا من هذا البلد وطلبت من الامم المتحدة اعداد قوة حفظ سلام كي ترسلها الى هناك، واعلن سفير فرنسا في الامم المتحدة جيرار ارو ان "فرنسا تطرقت الى احتمال تشكيل قوة حفظ سلام (في مالي) تحت راية القوات الدولية عندما تسمح الظروف الامنية بذلك"، وقال "ليس هناك اعتراض في المجلس". لكنه اقر بانه لا بد من "عدة اسابيع قبل ان يتخذ مجلس الامن الدولي قرارا".

من جانبه يرى قائد عمليات حفظ السلام في الامم المتحدة ارفيه لادسو ان قوة الامم المتحدة المقبلة "ستقوم اولا على ما هو موجود اصلا اي على وحدات قوة دول غرب افريقيا وتشاد"، وتشكل قوة غرب افريقيا القوة الدولية لدعم مالي "ميسما" التي اقرها مجلس الامن الدولي في كانون الاول/ديسمبر، ويفترض ان يبلغ عديدها ستة الاف رجل لكن انتشارها بطيء ولا يوجد منهم سوى الفين حاليا في مالي اي اكثر بقليل من عددهم في تشاد (وهي ليست عضو في مجموعة غرب افريقيا) التي وعدت بارسال الفي رجل، وينتشر نحو 1800 حاليا في كيدال على مسافة 1500 كلم شمال شرق باماكو.

وستوضع كامل تلك القوة الافريقية او جزء منها تحت راية الامم المتحدة لكنها لن تكون قوة مشتركة مثل القوة المشتركة بين الامم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور. واوضح ارنو انها "ستكون قوة دولية بقيادة تتلقى اوامرها من مجلس الامن"، لكن لن تتشكل قوة دولية في مالي قبل نهاية العملية العسكرية الفرنسية وقبل استعدادات ستدوم عدة اسابيع، وقد قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ان بلاده تنوي البدء في سحب قواتها في اذار/مارس "اذا تم كل شيء كما هو متوقع"، من جانبه اوضح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الاربعاء ان فرنسا تعمل على تشكيل قوة دولية في نيسان/ابريل.

واعلن الرئيس الفرنسي خلال زيارته الى مالي في الثاني من شباط/فبراير ان الجيش الفرنسي "لم ينه مهمته" امام "الارهابيين" مؤكدا انه سيبقى الى جانب القوات المالية "لانهاء تلك العملية"، ميدانيا، غادرت قافلة عسكرية فرنسية كبيرة من 250 آلية وضمنها مدرعات ودبابات من طراز ايه.ام.اكس-10 باماكو متوجهة الى غاو في الشمال على ما افاد مراسل فرانس برس على طريق عثر فيها على الغام عديدة، ولاحظ مراسل اخر من فرانس برس في غاو وضواحيها دوريات مشتركة كبيرة يقوم بها مئات العسكريين الفرنسيين والماليين والنيجيريين.

واقر وزير الدفاع بان "فلول مجموعات مقاتلين اسلاميين اطلقوا قذائف" على غاو، وغاو التي احتلها الاسلاميون المسلحون طيلة اشهر خلال 2012، هي كبرى مدن شمال مالي واول مدينة استعادتها القوات الفرنسية والمالية في 26 كانون الثاني/يناير بعد قصف جوي فرنسي كثيف. وينتشر فيها حاليا جنود من النيجر.

غير ان كيدال ومنطقتها وخصوصا جبال ايفوقاس (شمال) قرب الحدود مع الجزائر حيث انزوى قسم من قيادي الحركات الاسلامية المسلحة الموالية لتنظيم القاعدة، تظل المنطقة الاكثر حساسية واستهدفها الطيران الفرنسي بقصف مكثف.

واستتب "الامن" في المدينة التي يسيطر عليها متمردو الطوارق واسلاميين يزعمون انهم "معتدلون" ومستعدون "للحوار" مع باماكو، بفضل 1800 جندي تشادي والقوات الفرنسية التي تسيطر على المطار.

واكد المتمردون الطوارق من الحركة الوطنية لتحرير ازواد انهم "ينسقون" عملهم في شمال مالي مع القوات الفرنسية ضد "الارهابيين" الاسلاميين الفارين، واقر لودريان ان الجنود الفرنسيين في كيدال يقيمون "علاقات عملانية مع الحركة الوطنية لتحرير ازواد" التي شنت هجوم 17 كانون الثاني/يناير 2012 على شمال مالي قبل ان يطردها منه حلفاؤها المقاتلين الاسلاميين.

فرنسا لم تتحمل بعد كل مسؤولية ماضيها الاستعماري

على الصعيد نفسه اعتبر رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري (برلمان) محمد العربي ولد خليفة ان فرنسا لم تتحمل بعد "مسؤولية ماضيها الاستعماري" مضيفا ان الجزائريين لا يزالوا يعانون من "آلام" هذا الاستعمار.

وقال ولد خليفة في خطاب القاه خلال افتتاح اعمال اللجنة البرلمانية الكبرى الجزائرية-الفرنسية بحضور رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية كلود بارتولون ان العلاقة بين البلدين "لا تزال تطغى عليها بالنسبة للجزائريين آلام عميقة ماضية بسبب عدم تحمل فرنسا اليوم مسؤولية ماضيها الإستعماري".

واكد من جانب اخر، كما نقلت عنه وكالة الانباء الجزائرية الرسمية "ضرورة مضاعفة حجم العلاقات القنصلية وتكييفها مع الروابط والتبادلات التي ما فتئت تتوسع في كل الميادين".

واضاف "بغض النظر عما تم انجازه إلى حد الآن بين بلدينا فان العلاقات بين فرنسا والجزائر مدعوة لان تتطور أكثر ومن خلال كل الاطر المتاحة أي على المستويات الحكومية والبرلمانية والمجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني".

وبعد خمسين عاما على استقلال الجزائر اعترف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند رسميا في 20 كانون الاول/ديسمبر في العاصمة الجزائرية ب"المعاناة" التي تسبب فيها الاستعمار الفرنسي للجزائريين الذي استمر اكثر من قرن لكن بدون تقديم اعتذارات فرنسا.

من جانب اخر، استقبل رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال بارتولون الذي يقوم بزيارة رسمية للجزائر بدعوة من نظيره الجزائري بحسب ما جاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء.

الغاء مراكز في الجيش مع ابقاء الاهداف الاستراتيجية

في سياق متصل سلمت لجنة من الخبراء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الكتاب الابيض الجديد للدفاع الذي ينص على الغاء 10% من المراكز في الجيش حتى العام 2019، مكررا تأكيد طموحات فرنسا بأن تصبح "قوة اوروبية ذات اشعاع عالمي".

وتشير هذه الوثيقة المتمحورة حول القيام بأفضل اداء بأقل كلفة، والتي كانت نتيجة مناقشات صعبة، الى التناقض بين مستوى المخاطر والتهديدات المرتفعة دائما والموارد المالية التي تزداد تقلصا.

وكشف الدبلوماسي جان-ماري غيهينو الذي ترأس لجنة الكتاب الابيض انه اذا كان على فرنسا ان تحتفظ "بحركيتها التكتيكية والاستراتيجية"، لا ينتظر منها احد ان تتدخل "في كل الامكنة"، وقال في مقابلة مع صحيفة لوموند "في عالم يتسم بالانسيابية الشديدة، يتعين القيام بخيارات". واضاف ان "الاستعداد لكل الاحتمالات ليس امرا ملائما".

وسيترجم خفض العناصر بعمليات الغاء جديدة لوحدات او قواعد عسكرية على الاراضي الوطنية. وفي 2008، وضع الرئيس نيكولا ساركوزي برنامجا لالغاء 45 الف مركز في الفترة من 2008 الى 2015، ويتابع الكتاب الابيض 2013 في الطريق نفسه. واحتفظ بعمليات خفض العناصر المقررة حتى 2015 (اي 10 الاف مركز) وسيتم الغاء 24 الف مركز اضافي في السنوات الاربع التالية.

ولا يدخل الكتاب الابيض في تفاصيل الاقتطاعات. ويحدد المحاور الكبرى للسياسة الدفاعية، لكن قانون البرمجة العسكرية هو الذي سيترجمها في الخريف على صعيد الميزانية، وقال فرنسوا هولاند امام اعضاء لجنة الكتاب الابيض الذين استقبلهم في الاليزيه "ان كان هناك فكرة اساسية في ما اردنا القيام به عبر الكتاب الابيض، فهو تأمين افضل تدريب وافضل التجهيزات وافضل الاستخبارات الممكنة لجيوشنا، فهي تستحق ذلك".

واشاد الرئيس "بالتدخل الناجح في مالي" الذي اضافه الى انجازات الجيوش، وحرص على الاشادة "بذكائها واحترافيتها وكفايتها"، واعيد النظر بالعقد العملاني للجيوش بما بين 15 الى 20 الف رجل يمكن ارسالهم للقيام بعمليات خارجية، طبقا لنوع التدخل، في مقابل 30 الف رجل في الوقت الراهن.

ولا تتخلى فرنسا في المقابل عن اي من طموحاتها الاستراتيجية وتؤكد عزمها على دعم صناعتها الدفاعية. واكدت الوثيقة على الاساسيات: الاحتفاظ بالردع النووي والمشاركة التامة لفرنسا في الحلف الاطلسي.

وتنوي فرنسا ايضا ان تثبت مع شركائها "سياسة حسن الجوار الاوروبية" للوقاية من الازمات التي من شأنها التأثير على المقاربات الشرقية لاوروبا والفضاء المتوسطي او الافريقي الذي يوليه الكتاب الابيض اهتماما خاصا، فيما تتدخل فرنسا عسكريا منذ 11 كانون الثاني/يناير في مالي ضد المجموعات الاسلامية المسلحة، ومن الطروحات الجديدة يشكل الدفاع الالكتروني اولوية متزايدة للاستخبارات مع جهد خاص على صعيد الطائرات من دون طيار التي لم تكن موجودة في مالي.

من جهة اخرى، وكما اعلن في 28 اذار/مارس، تمنى الرئيس هولاند الاستمرار في القيام بمجهود جوهري على صعيد الدفاع، مع 179,2 مليار يورو على ان يتم تأمينها بين 2014 و2019، وفي الفترة 2014-2025، يفترض ان ترتفع الاعتمادات الى 364 مليار يورو بالاجمال. وتشكل ميزانية الدفاع في الوقت الراهن حوالى 1,5% من اجمالي الناتج المحلي و11% من الميزانية العامة للدولة، وهي احد ابرز مراكز الانفاق مع التربية الوطنية، وتضم وزارة الدفاع حوالى280 الف شخص بين عسكري ومدني، منهم 130 الفا لجيش البر.

حفنة من الفرنسيين الجهاديين في مالي وسوريا

من جهة أخرى اعلن وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس ان "حفنة" من "الفرنسيين او المقيمين في فرنسا" موجودون حاليا في مالي الى جانب الجهاديين في حين انهم ب"العشرات" في سوريا، وقال الوزير لقناة "بي اف ام تي في" التلفزيونية "هناك اليوم من دون شك حفنة من الفرنسيين او المقيمين في فرنسا في مالي. لا يمكن الحديث عن شبكة".

وتدارك "لكننا نعلم بان هناك شبكات ومجموعات، يمكن ان يكون هناك شبكات حين يتعلق الامر بنقل جهاديين مبتدئين، بالامس في افغانستان او في باكستان واليوم هم بالعشرات في سوريا"، واكد ان وجود "حفنة من هؤلاء في الصومال، في اليمن او الساحل هو امر بالتاكيد يثير القلق".

وفي موضوع سوريا قال فالس ان "بعض هؤلاء يمكن دفعهم للانضمام الى مجموعات قريبة من القاعدة (...) اذا استمرت الحرب على هذا النحو، اذا لم يتم التوصل الى حل في سوريا، اذا لم يرحل (الرئيس) بشار (الاسد)، فان المجموعات الارهابية ستنتشر اكثر"، وبالنسبة الى التدخل العسكري الفرنسي في مالي الذي بدأ في 11 كانون الثاني/يناير، اعتبر فالس انه "لو لم يحصل هذا التدخل لكانت مالي اليوم دولة ارهابية على ابواب المغرب العربي"، واضاف ان "هذا العدو الداخلي"، اي المتطرفين الذين احتلوا شمال مالي حتى وقت قريب، "نحاربه ايضا" في فرنسا.

وتابع ان "قضية الارهاب هذه هي من دون شك احد التحديات ليس لفرنسا فحسب بل لاوروبا ودول افريقيا والمغرب. علينا الا ننسى ان اولى ضحايا الارهاب اليوم في العالم هم المسلمون قبل سواهم".

ودعا الى "مقاتلة الخطر الذي لا يزال قائما في شكل افضل (...) بالتاكيد في مالي مثلا، وايضا الارهاب الذي ولد في بلادنا، الذي ولد في احيائنا"، واضاف "انها ليست منظمة مركزية، انها ليست مجموعة ارهابية وحيدة، لكننا نعلم ان عملية التطرف عبر السجن، عبر الانترنت، عبر اتصالات، عبر رحلات الى الخارج، تشكل تهديدا فعليا".

واذ ذكر الوزير الفرنسي بان محمد "مراح قتل (قبل عام) جنودا فرنسيين لانهم كانوا جنودا، وقتل يهودا لانهم كانوا يهودا"، قال "هناك معاداة للسامية ولدت في هذه الاحياء الشعبية. انها عملية تنقل الشبان المهمشين والشبان المدمنين الى اسلام اصولي"، وتحدث في السياق نفسه عن معاداة للسامية "قوية جدا (...) تتغذى من النزاع في الشرق الاوسط وتستند الى كره لفرنسا ولقيمنا".

قبل عام اراد محمد مراح تركيع فرنسا

على صعيد ذو صلة تحيي فرنسا ذكرى سقوط الضحايا السبعة لمحمد مراح الشاب الذي اعتنق التطرف الاسلامي معتمدا خطابا متطرفا ومعاديا لليهود، ووجدت فرنسا نفسها في اذار/مارس 2012 في مواجهة واقع مرير لطالما حاولت التغاضي عنه، وهو ان خطر العنف الاسلامي قد يأتي عن شبان فرنسيين متحدرين من الاحياء الحساسة ينتقلون من الجنح الصغرى الى الجهاد.

وفي 11 اذار/مارس قام محمد مراح على دراجة نارية صغيرة بقتل مظلي شاب في تولوز جنوب غرب فرنسا بعد استدراجه الى كمين وفي 15 من الشهر ذاته اطلق النار على ثلاثة مظليين اخرين بالبدلة العسكرية في مونتوبان على مسافة 50 كلم من تولوز فقتل اثنين منهم فيما اصيب الثالث بجروح وهو اليوم مشلول، والقتلى يتحدرون من اصول مغربية ما عزز وقتها فرضية الجرائم العنصرية.

وبعد اربعة ايام وفي موعد بدء اليوم الدراسي في الصباح قام محمد مراح بدم بارد بقتل استاذ وثلاثة اطفال يهود في مدرسة عوزار هاتورا في حي هادئ من تولوز مستخدما سلاحا اوتوماتيكيا، وقام الشاب بتصوير كل جرائمه بواسطة كاميرا مثبتة على صدره.

وتحولت القضية الى مسالة دولة وزار الرئيس نيكولا ساركوزي المنطقة وعلق المرشحون الرئيسيون للانتخابات الرئاسية ومن بينهم فرنسوا هولاند حملتهم الانتخابية، وفي نهاية المطاف تم التعرف الى هوية محمد مراح ورصده في منزله. وفي 22 اذار/مارس قتل والسلاح بيده بعد حصار طويل استمر 32 ساعة اختتمته القوات الخاصة من الشرطة بهجوم بالغ العنف تابعته عدسات كاميرات العالم باسره، وتباهى مراح متحدثا الى الشرطيين الذين كانوا يحاصرونه بانه "ركع فرنسا".

وبعد مضي عام ما زال المحققون يسعون لكشف خيوط اي تواطؤ محتمل، سواء في فرنسا او في الخارج. واطلق القضاة المتخصصون في مكافحة الارهاب تحقيقات في باكستان ومصر واسرائيل، سعيا لاستيضاح مسار مراح الاسلامي، غير ان شقيقه الاكبر عبد القادر هو الوحيد الملاحق في هذه القضية حتى اليوم، وخلافا لما اكده الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الداخلية بعيد الوقائع اعلن وزير الداخلية مانويل فالس مؤخرا ان "فرضية +الذئب المتوحد+ الشهيرة لا تنطبق على مراح".

وقال "قام بعمليات القتل وحيدا، لكنه تنقل في افغانستان وباكستان حيث كانت له اتصالات، وتلقى بالتاكيد تدريبا اوليا على استخدام السلاح"، ووصل مراح الى باكستان في 20 اب/اغسطس 2011 الى لاهور (شرق) عاصمة البنجاب قادما من عمان، وغادر عائدا الى فرنسا في 18 تشرين الاول/اكتوبر، وخلال هذين الشهرين تمكن من تحقيق هدفه وهو التقرب من "الاشقاء" في القاعدة وحركة طالبان في ميرانشاه، معقلهم الرئيسي في المناطق القبلية الواقعة شمال غرب باكستان على الحدود الافغانية، وذلك قبل خمسة اشهر من ارتكابه جرائم القتل.

وبعد عام يجمع العديد من الخبراء الغربيين والباكستانيين المتابعين لهذا الملف ان "مراح كان له من يتصل به عند وصوله" ويوضح خبير على اطلاع وثيق بالشبكات الجهادية المحلية ان معارف مراح كانوا "على اقل تقدير اتصالات محلية تعرف اليهم عبر الانترنت".

وبعد مقتل مراح اكدت مجموعة صغيرة غير معروفة هي جماعة جند الخليفة انها التقته في المناطق القبلية مؤكدة انها الهمته لتنفيذ عمليات القتل في فرنسا، وهو اعلان يحاط بكثير من التشكيك في فرنسا.

وقال مصدر قريب من الملف في باريس ان "البعض من الجانب الفرنسي قد يكونوا تسرعوا في وصف مراح بارهابي محترف. كانت هذه فرضية جذابة اكثر من الاعتراف بان مضطربا عقليا متهورا على ارتباط ببعض الشبكات تمكن من خداع جهاز الدولة".

والغموض الذي لا يزال يلف العديد من نواحي القضية ومنها مصادر التمويل التي سمحت لمراح بالقيام برحلاته المكلفة، لا يسمح في الوقت الحاضر باستبعاد اي فرضية، بما فيها تلك التي طرحها بعض اقرباء ضحاياه بانه كان في الواقع "مخبرا" او "عميلا" خرج عن اجهزة الاستخبارات الفرنسية، وكان من المعروف منذ العام 2006 ان مراح يخالط الاوساط السلفية في تولوز وسلط التحقيق الجاري حول مقتله الضوء على نقاط الخلل في عمل اجهزة الاستخبارات سواء بشان مراقبته او تقدير خطورته، وقال فالس "هناك اليوم في فرنسا عشرات الاشخاص الذين قد يتحولون الى مراح. لا ينتقل جميعهم الى التحرك لكن علينا ان نحترس".

 

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/آيار/2013 - 23/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م