سوريا والخطوط الحمر... تحذير من ام تحضير للتدخل الامريكي؟

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: راج حديثا في الاوساط السياسية الدولية مصطلح الخطوط الحمراء، وهو كما يراه المحللون توصيفا دقيقا لقواعد اللعبة الجارية في سوريا، بعد اكثر من سنيتين مضنيتين من القتال الداخلي.

وعلى الرغم من عدم اتفاق معظم المراقبين على حدود تلك الخطوط الحمر، وما الذي يقصد من وراءها حول طبيعة الصراع المسلح في سوريا، الا ان الكثيرين يجدون فيها محاولة امريكية اسرائيلية لتعبئة المجتمع الدولي معنويا قبل شن هجمة عسكرية مباشرة ضد دمشق.

وعلى الرغم من ربط بعض الاطراف تلك التسمية باستخدام السلاح الكيمياوي من قبل نظام الاسد، الا ان تسريبات تشير الى حقيقة الامر امتعاض الادارة الامريكية من الانتصارات التي تحققها قوات الجيش السوري على قوى المعارضة المسلحة خلال الاسابيع الماضية.

اذ باتت فصائل الجيش الحر وجبهة النصرة الارهابية تتلقيان ضربات موجعة من قبل النظام السوري افقدها العديد من الاراضي والمواقع الحساسة التي كانت تستولي عليها، وهذا ما يقوض توافقات سابقة بين موسكو وواشنطن كما تؤكد تلك التسريبات.

وتسعى الولايات المتحدة وبريطانيا الى فرض اتهاماتها باستخدام الجيش السوري للاسلحة المحرمة على الرغم من تأكيدات معاذ الخطيب عند استقالته التي جاءت للتنديد بما وصفه تجاوز الخطوط الحمراء، في اشارة الى استخدام المعارضة للأسلحة الكيمياوية.

هذا التوجه يجابه بمقاومة شديدة من قبل دمشق وحلفائها، اذ اتهمت واشنطن بمحاولة فبركة سيناريو شبيه بالعراق لتبرير شن هجمات عسكرية، خصوصا بعد ان عجز مجلس الامن الدولي من اضفاء شرعية اي تدخل اجنبي عسكري.

في السياق ذاته تأكيدات المسؤولين الغربيين والإسرائيليين بشأن استخدام اسلحة كيماوية في سوريا والتي تستند إلى صور وقصف متقطع وآثار مواد سامة لا تلبي معايير الأدلة التي يحتاجها فريق خبراء من الأمم المتحدة ينتظر لجمع أدلة ميدانية.

ولن يحدد مفتشو الأسلحة ما إذا كان قد تم استخدام أسلحة كيماوية محظورة في الصراع المستمر منذ أكثر من عامين إلا إذا تمكنوا من الوصول إلى المواقع المعنية وأخذ عينات من التربة أو الدم أو البول أو الأنسجة وفحصها في معامل معترف بها.

ولم تقدم الحكومات وأجهزة المخابرات التي تتهم سوريا باستخدام أسلحة كيماوية ضد المعارضة مثل هذه الأدلة. بحسب رويترز.

وقال مايكل لوهان المتحدث باسم منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التي مقرها لاهاي "هذا هو الأساس الوحيد الذي ستقدم المنظمة بناء عليه تقييما رسميا بشأن استخدام أسلحة كيماوية."

ومن المستبعد وصول الفريق الدولي قريبا إلى تلك المواقع نظرا لمنع سوريا دخوله. وقال البيت الأبيض ودبلوماسيون غربيون في الأمم المتحدة إنهم يعتقدون أن سوريا استخدمت ذخيرة كيماوية "على الأرجح" لكنهم لم يحددوا نوع المواد المستخدمة.

ولمح الجيش الإسرائيلي إلى أن قوات سورية استخدمت غاز السارين وعرض على الصحفيين صورا لجثة بدت عليها أعراض تشير إلى أن غاز الأعصاب هو سبب الوفاة.

وقال رالف تراب وهو مستشار مستقل بشأن السيطرة على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية "هناك حد لما يمكن استخلاصه من أدلة فوتوغرافية فقط. ما يحتاجه المرء حقا هو الحصول على معلومات من على الأرض .. جمع أدلة مادية والحديث مع شهود عيان وأطقم طبية عالجت ضحايا."

وحتى إذا زود أصحاب تلك التأكيدات منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بالعينات فلا يمكنها استخدامها.

وقال لوهان "لن تشارك المنظمة أبدا في فحص عينات لم يجمعها مفتشونا من الميدان.. لأننا نريد الحفاظ على اتصال سلسلة حيازة العينات من الميدان إلى المعمل لضمان سلامتها."

وشكل فريق من 15 خبيرا بعد طلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون للتحقيق في مزاعم استخدام اسلحة كيماوية في سوريا ويقف في حالة استعداد في قبرص منذ نحو ثلاثة اسابيع.

ويرأس الفريق العالم السويدي اكي سلستروم ويضم خبراء كيميائيين وخبراء من منظمة الصحة العالمية متخصصين في الآثار الطبية للتعرض للسموم.

الى ذلك قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية الصادرة أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما تراجع عن خطه الأحمر الذي رسمه ضد استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا من قبل النظام الحاكم.

وذكرت الصحيفة في تقرير لها بثته على موقعها الألكتروني أنه بعدما أكدت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل قيام النظام السوري باستخدام أسلحة كيماوية ضد شعبه، وحتى بعدما أعلن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل أن واشنطن تعتقد بدرجات متفاوته من الثقة أن مثل تلك الأسلحة قد تم استخدامها، خرج أوباما ليعلن أنه لم يكن يخادع، ولكن ما فعله يؤكد العكس تماما.

ونقلت الصحيفة عن نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق إليوت ابرامز قوله: إن هناك مهزلة حقيقية وخطيرة تجرى حاليا؛ فمشكلة اليوم لا تكمن في أن عدم تحرك الولايات المتحدة سيترك الرئيس السوري بشار الأسد حرا يفعل ما يشاء بأسلحته الكيماوية بل يكمن في وجود تداعيات خطيرة وكارثية على هذا الأمر.

وأوضح ابرامز أن الإدارة الأمريكية أعلنت أن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا سيغير قواعد اللعبة باعتباره غير مقبول وخط أحمر، مؤكدا أن كافة الخيارات متاحة على الطاولة وهذه اللهجة مألوفة واستخدمت من قبل أثناء التعليق على البرنامج النووي الإيراني.

ورأى ابرامز أن النظام الإيراني ربما لا يتلمس خطرا في التهديدات الأمريكية بشن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية إذا ما كانت هذه المصطلحات تعني أن الولايات المتحدة لن تتحرك، ومن ثم فلا توجد حاجة إلى التفاوض الجاد حول برنامجها النووي.

واعتبر المسئول الأمريكي السابق: أن ما بات على المحك الأن ليس مستقبل سوريا بل مصداقية الولايات المتحدة. بدوره، ذكر الكاتب والمحلل الصحفي الأمريكي تشارلز كراوثامر في تصريحات أدلى بها إلى صحيفة واشنطن بوست- أن المسألة التي تدور حول مدى مصداقية أي تصريحات أخرى للرئيس أوباما حول العالم برمته؛ فعندما يرسم خطا أحمر بعدم استخدام الأسلحة الكيماوية، ثم يجد الأدلة الحاسمة التي تؤكد استخدام تلك الاسلحة بالفعل، فإن كافة ما يقوله يصبح بلا معني.

في سياق متصل ذكرت اذاعة الجيش الاسرائيلي ان رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو طلب من وزرائه الا يدلوا بتصريحات علنية حول سوريا لعدم اعطاء الانطباع بان اسرائيل تضغط على المجتمع الدولي للتدخل في هذا البلد.

وقد اصدر نتانياهو هذه التعليمات على اثر تصريحات لنائب وزير الخارجية زئيف الكين دعا فيها الى تحرك عسكري للمجتمع الدولي من اجل "السيطرة على ترسانات الاسلحة الكيميائية السورية".

واضافت الاذاعة ان نتانياهو يريد تفادي تفسير تصريحات الكين على انها وسيلة ضغط تستخدمها اسرائيل لدفع الولايات المتحدة الى ش عملية عسكرية في سوريا.

لا توجد خيارات جيدة

وتتراوح الخيارات العسكرية الممكنة بين ضربات صاروخية لمرة واحدة من السفن - وهو من بين السيناريوهات الأقل تعقيدا - وبين عمليات أكثر جرأة مثل فرض منطقة حظر طيران.

ومن أكثر الاحتمالات بغضا من الناحية السياسية إرسال عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين للمساعدة على تأمين الأسلحة الكيماوية السورية.

ومن أشكال التدخل العسكري التي ربما تحد لدرجة ما من مشاركة الولايات المتحدة وحلفائها في حرب سوريا توجيه ضربات لمرة واحدة تستهدف قوات الأسد أو البنية الأساسية المرتبطة باستخدام الأسلحة الكيماوية. وفي ظل وجود الدفاع الجوي السوري ربما يختار المخططون العسكريون إطلاق صواريخ من السفن.

وقال جيفري وايت وهو مسؤول كبير سابق في وكالة المخابرات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع وخبير بشؤون الشرق الأوسط وهو الآن زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "الرد الأكثر ملاءمة (للاستخدام المحدود للأسلحة الكيماوية) هو ضرب الوحدات المسؤولة سواء المدفعية أو المطارات." وأضاف "سوف تظهر للأسد أن هناك تكلفة لاستخدام هذه الأسلحة.. المشكلة حتى الآن هي أن النظام لم يتكبد أي ثمن جراء ممارساته."

وليس من الواضح كيفية رد الحكومة السورية وما إذا كانت ستحاول الرد عسكريا على القوات الأمريكية في المنطقة. كما أن التدخل العسكري الأمريكي سيغضب روسيا التي لها قاعدة بحرية في ميناء طرطوس السوري.

وقال أوباما إنه سيسعى إلى تعبئة المجتمع الدولي فيما يتعلق بسوريا بينما يحاول تحديد ما إذا كانت القوات الموالية للأسد استخدمت الأسلحة الكيماوية.

وأوضح مسؤولون بريطانيون وفرنسيون منذ فترة طويلة أن بلديهما ربما تكونان على استعداد للانضمام إلى أي إجراء تقوده الولايات المتحدة في ظل ظروف ملائمة.

لكن هاجل حذر من أنه "لا يوجد حاليا توافق دولي أو إقليمي حول دعم التدخل العسكري." وأصيبت تركيا التي كانت من أكبر المتحمسين للتدخل العسكري الأجنبي في سوريا بالإحباط بسبب تفتت المعارضة السورية وعدم اتفاق المجتمع الدولي على كلمة سواء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/آيار/2013 - 20/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م