العراق... مخططات الفوضى المستدامة

 

شبكة النبأ: يشهد العراق في الآونة الأخيرة توترا متصاعدا بسبب الصراع السياسي والطائفي الممزوج بموجات العنف الدامية التي تعزف على أوتار الأزمة السياسية المؤججة منذ بداية العام الجاري.

حيث دخلت موجة العنف الدامي ضد قوات الامن منعطفا خطيرا بات يهدد بجر البلاد نحو اقتتال طائفي اكثر شراسة، إذ يهدد الصراع السياسية بإحياء المذابح الطائفية التي دفعت البلاد إلى حافة الحرب الأهلية الشاملة في الفترة من 2005 إلى 2007، فمازال مسلسل الازمات السياسية المتواصلة بين المالكي وخصومه الذين يتهمونه باحتكار السلطة والتصرف بشكل ديكتاتوري يجسد حلقات متواصلة من الإشكاليات السياسية عميقة الجذور، التي تغرس ببراثنها التعصب الطائفي مع صراع المصالح، فضلا عن الأطماع الإقليمية والدولية التي لا تزال تتحرك بصورة واضحة في الساحة السياسية وتترك تأثيراتها عليها بوضوح كبير.

ففي الوقت الذي تتصاعد فيه حدة الاضطرابات مازالت تغيب الحلول الوسط والتفاهمات السياسية، مما اسهم في تجديد الازمة السياسية، وزاد من الصدامات التنافر السياسيين الاطراف المتخاصمة، وهذه الامور تضع العراق في دوامة الازمات. إذ على الرغم من اعتماد المالكي على السياسة البراغماتية في التعامل مع الازمات، إلا أن القضايا العالقة بينه وبين خصومه تدخل مرحلة جديدة من الصراع السياسي تصل حد الغليان.

إذ يرى الكثير من المحللين أن العلاقة بين الحكومة والمتظاهرين وصلت مرحلة حساسة مع تمسك كل جهة بموقفها والسير في طريق المواجهة حتى النهاية، مما يمهد لمعركة سياسية طويلة الامد، بينما يرى محللون آخرون أن نقص الخبرة في الحكم وإدارة الشأن العام فاقمت من حدة الأزمة ايضا، لكن ما لا يخفى على المراقبين تورط حكومة الاكراد  بإذكاء ذلك الصراع عبر تأجيج  الفتنة الشيعية السنية وخاصة فيما يتعلق بهوية مدينة كركوك، بعد ما  سبق واعلن الزعيم الكردي مسعود برزاني رفضه المطلق لقيادة عمليات دجلة العسكرية، عندما وجد الاكراد في حكومة المالكي اشواك سياسية في طريق زيادة النفوذ الكردي على حساب النفوذ العربي في الأرضي.

بينما يرى المحللون آخرون ان تصاعد العنف من خلالها فلول النظام السابق وبالدعم من بعض الأطراف الإقليمي التي تسعى الى استعادت هيمنتها مجددا، وبث روح الطائفية بين أبناء الشعب العراقي لأشعل فتيل الحرب الطائفية من جديد،  وتعمل هذه المجاميع المتمردة الإرهابية على تغذية العنف في العراق باستغلال الأزمة التي تمر بها سوريا لنقل أجندتها الى العراق، ولتعيد الحياة لممارساتها الإرهابية، فيما يرى مراقبون بأن هذه الموجة من هجمات الإرهابية زادت من المخاوف بشأن عودة العنف الواسع النطاق، وقد أعتبرها البعض تصفية حسابات أيضاً من ميراث الحرب الأهلية.

وعليه فأن الضياع في اروقة المفاوضات، بحثا عن أرضية تساعد على تحقيق التوافق بين جميع الإطراف، في الوقت الذي تأججت فيه الحروب الكلامية بين المختلفين على نحو غير مسبوق، الى جانب هروب من المسؤولين المخطئين بحق شعوبهم، وعليه فان الوضع في الوقت الراهن يشير الى ان  العراق لا يسير في الاتجاه الصحيح، ولا احد يعرف ماذا سيحدث في المستقبل القريب لأن الوضع قد خرج عن السيطرة، مما يمهد لمعركة سياسية طويلة الامد ومكلفة الخسائر تنتج فوضى مستدامة.

الفتنة الطائفية عادت الى العراق

في سياق متصل اعتبر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ان الفتنة الطائفية عادت الى بلاده بعدما "اشتعلت في منطقة اخرى من الاقليم"، في اشارة على ما يبدو الى سوريا المجاورة، وتشهد المناطق التي تسكنها غالبية سنية وبينها محافظة الانبار غرب البلاد هجمات مكثفة ضد قوات الامن حيث قتل 50 متظاهرا خلال اقتحام اعتصام سني معارض لرئيس الوزراء الشيعي في الحويجة (55 كلم غرب كركوك).

وحصدت اعمال العنف المتفرقة اكثر من 200 قتيل واكثر من 300 جريح على مدى الايام القليلة الماضية، ليرتفع معها عدد القتلى في شهر نيسان/ابريل في العراق، الذي يشهد منذ غزوه عام 2003 هجمات يومية، الى اكثر من 400 قتيل.

وذكر المالكي ان "الفتنة التي تدق طبولها ابواب الجميع (...) لا احد سينجو منها ان اشتعلت"، معتبرا ان انعقاد هذا المؤتمر ياتي في زمن "انفجار الفتنة الطائفية" في العالم الاسلامي، وراى المالكي ان "نار الطائفية في العراق سرعان ما عادت بعد ان انطفأت (...) وعودتها ليست بالصدفة انما مخطط وتوجيه وتبني".

وقال رئيس الوزراء الشيعي ان "من مخاوف الطائفية هي انها سرعان ما تتحول بحركة سريعة الى عملية تقسيم وتمزيق للبلدان الاسلامية (...) وهذا ما نراه في العراق والدول العربية والاسلامية الاخرى التي تعيش حالات طائفية"، وشدد على ان "الفتنة الطائفية اخطر من مواجهة الجيوش والاحتلال".

وقال المالكي ان ما حصل في الحويجة وما حصل في ناحية سليمان بيك في صلاح الدين التي يسيطر عليها مسلحون "كلها تدعونا للتوقف وتحمل المسؤولية (..) واقول بكل صراحة لو اشتعلت الفتنة، لن يكون هناك رابح او خاسر".

واضاف "ليس لدينا عدو في الشعب العراقي، كلهم اخواننا (...) الكل اخوة متساوون بحكم الهوية الوطنية، ليس لدينا عدو (...) عدونا فقط القاعدة والارهاب وفلول حزب البعث"، ودعا المالكي الى "ضرورة الانفتاح (...) والحوار، والتقدم الى طاولة الحوار، والنقاش وجها لوجه، لمناقشة قضاينا".

وبخصوص الهجمات التي يتعرض لها الجيش، قال المالكي "عز العراق، وعز اي بلد بجيشه وشعبه، لانه هو الذي يصون السيادة ويوفر العزة والكرامة للمواطنيين اولا وللبلد ثانيا"، واضاف "اذكركم انهم (...) يتحملون مسؤولية كما انتم تتحملون واقول لكم انهم ايضا لهم عوائل وابناء وزوجات، ومن حقهم ان يعيشوا ويحظوا بالاحترام والمهابة التي يقتضيها ضبط الاوضاع الامنية في العراق الذي يتاثر بالمحيط الاقليمي الذي يعج بالفتن والمشاكل والتي بدات (ترمي) افرازاتها علينا".

العراق على مفترق الطرق

من جهته اعتبر ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق مارتن كوبلر ان العراق "يقف عند مفترق طرق"، وقال في بيان شديد اللهجة ان العراق يتجه "نحو المجهول ما لم تتخذ اجراءات حاسمة وفورية وفعالة لوقف دوامة العنف من الانتشار"، داعيا قادة البلاد "الى القيام بمبادرات شجاعة كالجلوس معا".

غير ان قادة العراق فشلوا مرة جديدة في الاجتماع على طاولة واحدة بعدما كان مقررا ان يستضيف الوقفان السني والشيعي، في محاولة لواد "الفتنة" بين المذهبين.

وقال نائب رئيس الوقف الشيعي سامي المسعودي "المشكلة ان الحكومة لبت الدعوة (...) لكن الاخوة في المناطق الغربية لم يقبلوا ان ياتوا فبعض رجال الدين هناك قرروا التصعيد ورفض اي مبادرة"، وتابع ان "الوقف السني طلب منا تاجيل الاجتماع لحين حل قضية الحضور من كل الاطراف".

وفي تطور لافت، اعلن خطيب في ساحة الاعتصام المعارض لرئيس الوزراء والمتواصل بالتوازي مع اعتصامات اخرى منذ نهاية العام الماضي، الشيخ حامد الكبيسي، عن تشكيل "جيش العزة والكرامة"، وطالب المصلين ان يبايعوا "جيش العزة والكرامة في الانبار الذي يتبنى الدفاع عن اهل السنة والجماعة في العراق"، حسبما قال، ورد عليه الاف المتظاهرين "الله اكبر .. نبايع نبايع"، واوضح "لقد انضمت الى هذا الجيش جميع الفصائل المسلحة والاتحادية التي شاركت ولم تشارك في المصالحة الوطنية" التي نظمتها الحكومة.

ودعا العشائر الى تقديم 100 متطوع من كل عشيرة لتشكيل هذا الجيش، مطالبا كذلك عناصر الجيش المنحل من ابناء محافظة الانبار للانضمام الى هذه الجماعة و"تدريب الشباب على الاسلحة وطرق القتال"، وهتفت حشود المتظاهرين "الله اكبر .. حيا الله جيش العزة والكرامة".

هجمات دامية

الى ذلك قتل خمسة عناصر من استخبارات الجيش العراقي وخمسة عناصر من قوات الصحوة في هجمات متفرقة في العراق، بحسب ما افادت مصادر امنية وطبية وكالة فرانس برس.

وقال المقدم في شرطة الرمادي (100 كلم غرب بغداد) علي غني اسماعيل ان "خمسة من استخبارات الجيش قتلوا واصيب اثنان، كما اصيب مسلح واحد، في اشتباك بين عناصر الاستخبارات ومسلحين قرب مكان الاعتصام" المناهض لرئيس الوزراء.

وفي حادث اخر، قتل خمسة من عناصر قوات الصحوة قرب ناحية عوينات الواقعة على بعد 20 كلم جنوب مدينة تكريت (160 كلم شمال بغداد) بعدما هاجم مسلحون نقطة تفتيش تابعة لهم، بحسب مقدم في الشرطة وطبيب في مستشفى تكريت اكد تلقي جثث القتلى، وايضا قتل اثنان من عناصر الشرطة الاتحادية ومسلح خلال اشتباكات في غرب الفلوجة (60 كلم غرب بغداد)، وفقا للنقيب في الشرطة انس العيفان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/نيسان/2013 - 18/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م