العراق... اشكالية المراهقة السياسية

 

شبكة النبأ: تطبيق الافكار السياسية وتشكيل مؤسسات الدولة على الطريقة الفضلى، يستوجب نضوجاً سياسياً من لدن القائمين على التطبيق العملي، حتى تخرج تلكم الافكار والمناهج متكاملة واضحة على صعيد الواقع. كما نلاحظ هذا في المجال العسكري.. فالخطة العسكرية لن تجرى على الأرض بنجاح، إلا بوصول القائد والضباط من حوله، الى مرحلة كاملة من النضج العسكري، بما يمكنهم من تفسير وفهم الخطط والنظريات العسكرية، وبالنتيجة تحقيق الانتصار.

ومن ابرز المشاكل التي تعاني منها شعوبنا، وهي تستقبل نسمات ما يسمى بـ "الربيع العربي" تارةً، أو تتلقى دعوات الإصلاح والتغيير السياسي والاجتماعي تارةً اخرى، هي عدم وصول الطبقة السياسية، متمثلة بالاحزاب والجماعات والتيارات، الى النضج السياسي الذي يجعلهم يتصرفون بمهنية وعلمية، بينما نجد في الوقت نفسه، وجود نضج واضح في الجانب الحزبي والتنظيمي، فهم يتقنون فنون الكسب الجماهيري والتحالف مع الأقوياء، وهذا وإن كان مطلوباً، إلا انه غير كافٍ لإدارة دولة وشعب، له سيادة وموارد مالية ومنظومة قيمية واجتماعية..

واذا اردنا معرفة ما اذا كنا مبتلون بهكذا طبقة سياسية طامحة للحكم والهيمنة، أم لا؛ يكفي ان نقرأ طبيعة العلاقة معها، وأكبر فرصة هي الانتخابات، سواءً المحلية منها، (مجالس المحافظات)،  أو العامة، (مجلس النواب)، فبعد كل أربع سنوات، الفترة المحددة عالمياً لإجراء الانتخابات، من الطبيعي ان يشهد المجتمع نمواً وتطوراً في الجانب الثقافي والفكري والعلمي، تماماً كما ينمو جسم الانسان، فالطبقة السياسية الناجحة، هي التي تواكب النضوج الاجتماعي واستحقاقات المرحلة، لاسيما في بلادنا التي ما تزال تعيش فترة النقاهة بعد تعرضها لعقود طويلة من الزمن لصدمة الديكتاتورية، وهي تتجه بمسارات مختلفة، نحو الحياة الديمقراطية وأجواء الحرية، في الإبداع ونشر العقيدة والفكر.

لكن هذا الطموح يبدو انه بعيد المنال في البلاد التي تكثر فيها العقبات أمام الديمقراطية، ولو ببعض تطبيقاتها، منها العراق.. حيث ان السبل والاجواء متاحة للفردية والاستئثار بالحكم، فاذا يوجد لدينا نضوج وفهم، فهو في الجانب الحزبي والفئوي، بما يخدم المصالح الخاصة، أما مصالح الناس وحقوقهم، فهي تذهب مع اللافتات الكبيرة التي ترفع كل أربع سنوات في الطرقات والشوارع والساحات، ثم تتحول الى أشلاء ممزقة، أو تجمعها الطبقة الفقيرة، لتستفيد من مادة الحديد فيها!

ومنذ عقد الثمانينات، توقع سماحة الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- حصول هكذا سقطة سياسية في إدارة  الحكم المبتلى بالفردية، حيث أكد أن "المراهقة السياسية" من شيم الحكم الفردي، "وإلا لن تكون القيادة فردية"، بمعنى أن النضوج السياسي يثمر عن تعددية وشوروية وإرتقاء سلّم التطور والتقدم.

وكما عهدناه – قدس سره- في رؤاه وأفكاره، أنه يستشرف المستقبل من خلال قراءته لأفكار الطبقة السياسية الطامحة للحكم والهيمنة في المستقبل. ففي كتابه "ممارسة التغيير"، يكشف عن مآلات المراهقة السياسية المتجسّدة في الحكم الفردي، ومنها:

1- النفاق والازدواجية لتحقيق البرنامج السياسي.. بينما في حالة النضوج لن يكون الحاكم والمسؤول بحاجة الى إضمار شيء وإظهار خلافه.

2- إيجاد فرص عمل كاذبة للمتملقين والمتزلفين، وإبعاد الكفاءات والإبداعات عن الساحة. وهنا يضع سماحة الإمام الشيرازي – قدس سره- يده على الجرح بقوة، ويصرّح بأن وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، هو الذي يمهد الأرضية لنشوء الفساد الإداري، حيث يجد هذا الشخص إن المهمة والمسؤولية الملقاة على عاتقه أكبر منه، مما يفسح المجال أمام الانتهازيين والوصوليين، لأن يأخذوا بزمام الاعمال الإدارية والتنفيذية التي هي بالأساس تتعلق بأمور الناس، مثل القضايا الخدمية والأمنية والقضائية وغيرها.

3- المغامرة والتهور.. حيث يتجه المسؤول الى التطاول والظهور بأكبر من حجمه الطبيعي على الساحة السياسية، وأمام الأضواء لسدّ ذلك النقص والضعف، لعلمه اليقين أن مرحلة المراهقة لا تنسجم مع مسؤوليات ومهام يفترض توكل لرجل رشيد.. ومن هنا نبتلى بمسؤولين مولعين بالمغامرات والقرارات المتهورة التي تنبعث منها رائحة التفاخر والتعالي، التي سرعان ما تتحول الى رائحة نتنة بسبب ردود فعل الآخر في الساحة، ممن يكون ربما من المنافسين أو من الخصوم والأعداء، وهذه ردود الفعل يقع ضغطها الشديد والقاتل بل والكارثي على الناس العاديين.. لنلاحظ ما فعل صدام بالشعب العراقي، خلال ثلاثة عقود من الزمن.. فأية تسمية يمكن أن نطلقها عليه وهو يندفع بغرور لشن الحرب ليس على دولة او نظام حكم، إنما على "ثورة جماهيرية"، غير (المراهقة السياسية)، وقد أكد الخبراء الغربيون، أن هذا هو جوهر الخطأ الفادح الذي ارتكبه صدام بشنه الحرب على ايران عام 1980.

وبالحقيقة؛ فان هذه الصفة الاخيرة، غاية في الأهمية والخطورة، ربما تلتصق بسرعة بكل باحث عن الشهرة والقدرة السياسية والعسكرية، من حيث لا يدري، ولا ينتبه من نشوته، إلا بعد إندلاع المعارك والاشتباكات هنا وهناك، أو سماع أصوات الرصاص ودوي الانفجارات الهائلة التي تزهق عشرات ومئات الارواح من السكان المدنيين. وللقارئ الكريم، أن يلاحظ بمتابعته اليومية لما يجري في بلادنا الاسلامية، وتحديداً في الشرق الأوسط، ويقارن بين السلوك والنهج الذي يتبعه غير حاكم في المنطقة، وبين المآلات الكارثية التي يتكبدها الاطفال والنساء والابرياء، وسيل الدماء والدمار الهائل والآهات والمعاناة، فتتضح الصورة، ويعرف، كيف أن (المراهقة السياسية) تلحق الويل بشعوبنا وبلادنا. لذا نأمل أن يتجاوز السياسيون – انشاء الله – هذه المرحلة ويبلغوا النضج، قبل أن تأتي النار على الأخضر واليابس ولن يبق شيء للأمل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/نيسان/2013 - 17/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م