فرنسا والإرهاب... صانع السم يذوقه!

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تواجه فرنسا حاليا تهديدا امنيا متصاعدا، وذلك على خلفية الإحداث الأمنية الأخيرة، المتمثلة بالحرب ضد الجماعات الجهادية المسلحة في مالي، وكذلك معركة الرهائن مع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والهجوم على السفارة الفرنسية بطرابلس مؤخرا.  

إذ تشكل هذه الإحداث الأمنية مسجل خطر يهدد المصالح الفرنسية على مختلف الأصعدة، حيث يرى الكثير من المحللين ان هذا التصعيد الأمني المضطرد في فرنسا، هو نتيجة للسياسة التخبط  المتبعة في مواجهة الارهاب من السلطة الفرنسية، مثل قرار الحرب على مالي المتسرع والمكلف، فضلا تجنيد ودعم بعض المجاميع الإرهابية بصور غير مباشرة في بعض الدول الساخنة أمنيا، إذ تظهر تلك الأحداث الأمنية انفة الذكر انقلب الإرهاب على داعمي الإرهاب وخاصة في أفريقا ومنطقة المغرب العربي.

في حين يرى بعض المحللين أن وراء تلك الأحداث رسالة سياسية جاءت لتوجه ضربة فرنسا بعد هيمنتها ونفوذها في تلك الدولة، كما تشير الى احتمال وجود صراع سياسي –غربي/ غربي – حول الهيمنة والنفوذ السياسي، باستخدام أدوت محلية لتحقيق أجندات خارجية، حيث تعكس هذه المعطيات آنفة الذكر عدة تساؤلات مثل: هل وصلت الرسالة السياسية الى الحكومة الفرنسية؟، وهل ستشهد مناطق فرنسية مثل هذه الأحداث، وكيف ستتعامل الإدارة الفرنسية مع مثل هذا الأخطاء السياسية المكلفة؟، فالملاحظ بأن قضية الإرهاب تشكل ضغطا كبيرا داخل المعترك السياسي الفرنسي حاليا.

كما يرى معظم المحللين ان الدربكة الامنية والسياسية التي حدث في هذه البلدان تلك المناطق، هي رسائل انتقامية توجه الى بعض الاطراف الدولية المختلفة في مواقفها السياسية ولتحسين صورتها المشوهة بابراز قوتها العسكرية من خلال علميات خطف الرهائن مثلا.

مما دفع بعض دول القوى العالمية ولاسيما فرنسا انتهاج سياسية جديدة تتوافق مع التطورات الجديدة على الأصعدة كافة، وذلك باعتماد إستراتيجية جديدة لضمان تحقيق مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية والسياسية في البلدان الأخرى وأهمها المستعمرة كدولة مالي الغنية بالموارد الطبيعية التي تعتمدها فرنسا كمصدر لتوفير الطاقة.

ويعتقد محللون سياسيون ان التدخل العسكري الفرنسي الاخير  في مالي  له أجندة ودوافع عديدة تتمثل بالمصالح الاقتصادية الفرنسية في مالي، وكذلك من اجل المصالح الإستراتيجية والتي تتمثل بالوصول إلى الموارد الطبيعية الإستراتيجية، وهناك أيضاً مصالح سياسية والمتمثلة في الحفاظ على استقرار النظام المالي، بعد حرب شرسة مع المجاميع المتمردة في شمال هذه الدولة، وعليه مهما تتعدد واختلفت الأجندة لتلك الدول، لا يبدو انها ستحصل على مرادها بسهلة، نظرا لفعالية ملف الرهائن وغيره من إستراتجيات الحربية التي يعتمدها تنظيم القاعدة المدعوم من بعض الدول الغنية ذات اجندة استعمارية، فربما تشهد الأوضاع السياسية والأمنية الفرنسية صراعات جديدة، قد تزعزع الهيبة الفرنسي داخليا وخارجيا.

هجوم على السفارة الفرنسية

في سياق متصل استهدف تفجير سيارة مفخخة السفارة الفرنسية في طرابلس ما أدى إلى اصابة اثنين من الحراس بجروح احدهما في حالة الخطر والحاق اضرار مادية جسيمة بالمبنى في أول اعتداء على المصالح الفرنسية منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.

وجاء الاعتداء الذي وصفه وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز"بالعمل الارهابي ضد دولة شقيقة وقفت مع ليبيا طيلة الثورة" التي اطاحت بنظام القذافي في اجواء من غياب الامن وفي اوضاع اقليمية يطغى عليها الوضع في مالي يث تدخل الجيش الفرنسي ضد اسلاميين متشددين، وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي شاركت قوات بلاده في العملية العسكرية الدولية ضد نظام القذافي، انه ينتظر من ليبيا "كشف كل ملابسات" اعتداء طرابلس.

وافاد مراسل لوكالة فرانس برس في المكان ان المبنى الذي يضم مكاتب السفارة تعرض لاضرار كبيرة وتهدم قسم من جدار السور المحيط به بينما تفحمت سيارتان كانتا مركونتين امام السفارة نتيجة الاعتداء، واكد مصدر فرنسي ان "هجوما" استهدف السفارة واوضح ان احد الحراس اصيب بجروح خطيرة بينما اصيب حارس ثان بجروح طفيفة، ووصل سفير فرنسا في ليبيا انطوان سيفان الى المكان لكنه رفض الادلاء باي تعليق، وقال وزير الخارجية الليبي "ناسف ونتضامن مع الحكومة الفرنسية والشعب الفرنسي ونحس بالاسى والحزن"واعلن تشكيل لجنة فرنسية ليبية للتحقيق حول ملابسات الاعتداء، ورفض التعليق على دوافع او منفذي الاعتداء مشددا على ضرورة انتظار نتائج التحقيق. كما دعا الليبيين الى التعاون مع قوات الامن واعطاء اي معلومات حول وجود اي تهديدات. بحسب فرانس برس.

من جهته، أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان باريس "تدين باكبر قدر من الشدة الاعتداء"، واكد ان "أجهزة الدولة ستسخر كل الوسائل بالارتباط مع السلطات الليبية، لالقاء الضوء كاملا على ملابسات هذا العمل المشين والتعرف على وجه السرعة الى مرتكبيه".

ونسبت اعمال العنف في معظم الاحيان الى اسلاميين متطرفين كانوا ملاحقين في عهد القذافي ويقومون بتصفية حسابات، يضاف إلى كل ذلك اوضاع اقليمية تفاقمت بسبب النزاع في مالي حيث تدخلت القوات الفرنسية بطلب من سلطات باماكو بعد هجوم للاسلام باتجاه الجنوب في كانون الثاني/ يناير.

معركة الرهائن

على الصعيد نفسه وصل الفرنسيون السبعة الذين افرج عنهم سالمين وقد بدا عليهم التعب ولكن ايضا السرور، بعد شهرين من خطفهما من قبل جماعة بوكو حرام الاسلامية في نيجيريا الى باريس، وهم من عائلة واحدة بينهم اربعة اطفال.

وفي تصريح صحافي قال الرئيس فرنسوا هولاند الذي جاء لاستقبال الرهائن السابقين لدى وصولهم فجرا الى مطار اورلي آتين من ياوندي بعد الافراج عنهم "الحياة هي التي انتصرت اليوم". بحسب فرانس برس.

وصرح الرئيس الفرنسي للصحافيين في وقت لاحق ان الرهائن "انزعجوا من درجات الحرارة المرتفعة ومن نقص الماء، لكنهم تلقوا معاملة جيدة". واضاف انه "معجب" بالاطفال الاربعة الذين تتراوح اعمارهم بين 5 و12 عاما الذين كانوا "كانوا دعما متينا للاسرة واسهموا بشكل كبير في الافراج عنها"، واعرب تانغي مولان-فورنيين عن "تأثره العميق" و"سعادته الكبيرة". وقال "انا سعيد جدا لأني عدت الى فرنسا، انها لحظة عظيمة. وسنعود ايضا الى الكاميرون، البلد الجميل جدا الذي نستمتع فيه كثيرا".

حرب مالي

من جانب آخر أفاد مصدر قضائي فرنسي أن إبراهيم عزيز وتارا وهو جهادي فرنسي ويحمل أيضا الجنسية المالية والذي اعتقل في مالي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي نقل إلى فرنسا حيث أودع السجن على ذمة التحقيق.

واضاف المصدر نفسه ان ابراهيم عزيز وتارا الذي يحمل ايضا الجنسية المالية، متهم بالسعي للانضمام الى مجموعات اسلامية جهادية تنشط في المنطقة، وكانت السلطات المالية اعتقلت هذا الرجل البالغ الخامسة والعشرين في سيفاري في وسط البلاد. وهو يخضع بالفعل للمراقبة القضائية في فرنسا في قضية اخرى في اطار مكافحة الارهاب ممنوع بسببها من مغادرة البلاد، وقد دخل الى مالي آتيا من لشبونة بهوية مزورة، لشخص يحمل اسم خليفة درامي اوقف ايضا ويخضع بدوره للاستجواب في مقار الادارة المركزية للاستخبارات الداخلية قرب باريس، بحسب هذا المصدر.

ووتارا المولود في كانون الثاني/يناير 1988 في ضاحية اوبرفيلييه الباريسية، اتهم في تشرين الثاني/نوفمبر 2010 في اطار تحقيق في خطة للاعتداء على امام مسجد باريس دليل بوبكر، وفي ما يتعلق بوتارا، لفت اهتمام القاضيين اللذين يحققان في هذه القضية خصوصا، فترات اقامته في الخارج، لا سيما في اليمن وباكستان، للانضمام الى مناطق قتالية. وفي خريف 2010، اعتقل في مصر واعيد الى فرنسا.

نزاع الصحراء الغربية

من جهته أكد الامين العام لجبهة البوليساريو محمد عبد العزيز أن موقف فرنسا في نزاع الصحراء الغربية يبقى غامضا ويستحق "التوضيح"، معتبرا أن مبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان والحق في تقرير المصير لا يمكن أن تكون محل "مساومة".

وقد قال عبد العزيز "كنا نفضل أن يسمي (فرانسوا أولاند) الأشياء بأسمائها.. فهناك مبادئ لا يمكن مساومتها (مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحق في تقرير مصير الشعوب) مؤكدا أن فرنسا عليها أن تكون أكثر وضوحا بخصوص هذه المواضيع".

واعتبر أن هناك تغييرا "ايجابيا" في موقف فرنسا بما أن الرئيس أولاند ألح خلال كلمته أمام البرلمان المغربي على ضرورة تسوية نزاع الصحراء الغربية.

وفي هذا السياق أبدى عبد العزيز أسفه "لغياب" الإرادة السياسية لدى الحكومة المغربية و هو موقف -كما قال- يعرقل جميع جهود الأمم المتحدة من اجل التوصل إلى حل سياسي للنزاع في حين تبقى حقوق الإنسان في الأراضي الصحرواية دون أي "ضمان".

وأكد الامين العام للجبهة أن “الاجتماع المقبل لمجلس الأمن سيكون بمثابة اختبار بالنسبة للأمم المتحدة و الدول ذات النفوذ لاسيما فرنسا "متسائلا ما إذا كان هذا البلد سيواصل حماية المغرب المتهم بهذه الانتهاكات أو سنشهد تغييرا في موقفه".

تعزيزات أمنية غير مسبوقة

على صعيد ذو صلة عززت فرنسا من الإجراءات الأمنية في البلاد عقب الانفجارات التي وقعت في مدينة بوسطن الأمريكية، وأمر وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس سلطات الشرطة الإقليمية الثلاثاء بزيادة الدوريات الأمنية في الشوارع، وبحسب بيانات وزارة الداخلية، طالب فالس المواطنين في فرنسا بالحذر والحيطة حال العثور على أشياء مشبوهة وتجنب الفزع. بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

وتجدر الإشارة إلى أن الهجوم الذي وقع عند خط النهاية لماراثون بوسطن أسفر حتى الآن عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة أكثر من مئة آخرين.

من جهة أخرى اخلت السلطات الفرنسية برج ايفل اثر تلقيها اتصالا هاتفيا من مجهول يحذر فيه من ان اعتداء سيستهدف المعلم الاشهر في باريس، ليتبين لاحقا ان الانذار كاذب ويعود البرج ليعج بالزوار، كما افاد مصدر امني.

وقال المصدر لوكالة فرانس برس ان حوالى 1400 شخص تم اخلاؤهم، في حين فرضت السلطات طوقا امنيا حول البرج الذي يرتاده الاف السياح يوميا ويوجد فيه ايضا مطعم، وعلى الاثر قامت وحدة متخصصة في الشرطة بتفتيش البرج، وبحسب المصدر الامني فان الاتصال الهاتفي ورد على ما يبدو من كشك للهاتف العمومي في دائرة فال-دي-مارن في ضاحية باريس.

واوضح انه كما في كل الاحوال المشابهة فان قسم مكافحة الارهاب التابع للشرطة الجنائية وضع يده على التحقيق في هذه القضية، وغالبا ما ترد اتصالات مشابهة تحذر من اعتداءات ستستهدف معالم سياحية واماكن عامة في العاصمة الفرنسية ليتبين لاحقا انها انذارات كاذبة، غير ان السلطات تأخذ كل انذار مهما كان شأنه "على محمل الجد"، كما اكد المصدر الأمني.

قضية محمد مراح ومكافحة الإرهاب

الى ذلك ألقت الشرطة الفرنسية القبض على شخصين تشتبه ان لهما علاقة بمحمد مراح الذي قتل سبعة اشخاص في مدينة تولوز جنوبي البلاد العام الماضي، وقال مسؤولون إن شرطة مكافحة الارهاب القت القبض على الاثنين في تولوز دون ان تدلي عن معلومات عن هويتيهما، وكان شخصان آخران قد اعتقلا في الشهر الماضي بالتهمة ذاتها اخلي سبيلهما لاحقا، وكان مراح، الذي قتل في مواجهة مع الشرطة، قد قتل حاخاما يهوديا وثلاثة اطفال يهود وثلاثة جنود في تولوز العام الماضي. بحسب البي بي سي.

وفيما تشكك الشرطة في قدرة مراح على التصرف لوحده، لم تتمكن من ادانة الا شخصا واحدا بالتواطؤ معه وهو شقيقه عبدالقادر.

الى دافع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على مكافحة الإرهاب خلال مشاركته في حفل تكريمي لضحايا محمد مراح. وأكد هولاند أن القضاء الفرنسي لايزال يحقق للإجابة على عدد من الأسئلة المحيطة بقضية مراح، منها مثلا هل كان بالإمكان تفادي هذه الفاجعة قبل عام؟ وهل كان مراح، الذي قتل باسم الجهاد في آذار/مارس 2012 ثلاثة عسكريين ثم أربعة مدنيين في مدرسة يهودية، قد تحرك بمفرده أم أنه عضو في شبكة أوسع؟.

واثر مسيرة شارك فيها 1500 شخص بعد سنة على ارتكاب محمد مراح بدم بارد جريمة قتل بحق ثلاثة مظليين ثم اربعة اشخاص بينهم ثلاثة اطفال في مدرسة يهودية لمعاقبة فرنسا على تدخلها في افغانستان والانتقام للاطفال الفلسطينيين على حد قوله، اعلن هولاند ان "مكافحة الارهاب لا تقبل اي هوادة وتهاون او تراجع".

كما أعلنت السلطات الأمنية بفرنسا أنها أحبطت هجوما يعتقد بأن ثلاثة إسلاميين متشددين اعتقلوا جنوب فرنسا كانوا يعتزمون تنفيذه على حذو قاتل تولوز ومونتبان الذي تحيي فرنسا الذكرى الأولى لضحاياه.

ويوافق اليوم الذكرى السنوية لحادث إطلاق نار نفذه مسلح يستلهم نهج القاعدة في فرنسا، وقال مولان إن الشرطة عثرت على أسلحة ومتفجرات في منزل أحد المشتبه بهم في بلدة مارينيان قرب مارسيليا ورصدت اتصالات بين هؤلاء الرجال تشير إلى أنهم كانوا يوشكون على التنفيذ.

وقال مولان للصحفيين "أظهر التحقيق أننا كنا أمام مختبر حقيقي لتصنيع العبوات الناسفة البدائية ورغم أننا ليس لدينا دليل على خطة محددة إلا أن الرسائل المتبادلة بين الشركاء تشير إلى احتمال تسريع الجدول الزمني."

ويذكر توقيت الاعتقال الأذهان بحادث مأساوي إذ يتزامن مع  الذكرى السنوية الأولى لبدء هجوم بأسلحة نارية شنه محمد مراح عاما) وقتل خلاله ثلاثة أطفال يهود وحاخاما وثلاثة جنود في مدينة تولوز في جنوب فرنسا. وقتل مراح بعد ذلك في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة.

وفي الوقت الذي شارك فيه وزير الدفاع جان إيف لو دريان في مراسم لإحياء ذكرى أول ضحايا الحادث في تولوز ومنحه وسام "الشرف قال مولان إن الرجال الثلاثة وهم في العشرينات من العمر كانوا يريدون أن يحذو حذو مراح، وأضاف "كان من الواضح أنهم كانوا يدربون أنفسهم على تصنيع المتفجرات بناء على فكر جهادي أصولي وتمجيد لمحمد مراح ورغبة مؤكدة في التنفيذ."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/نيسان/2013 - 14/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م