قيادات القاعدة: جذور إخوانية

جدلية السلفية مع القاعدة

جاسم محمد

يجد بعض الباحثين في السلفية الجهادية وقيادات القاعدة بأنها إخوانية الجذور، في مصر، وقد أدى الكبت والتعذيب الذي تعرّضوا له ألإخوان في السجون الى ولادة هذا الفكر/السلفية التكفيرية لديهم ضد الأنظمة ويستند أصحاب وجهة النظر هذه الى كلام منسوب الى زعيم القاعدة أسامة بن لادن يقول فيه: " إن شيخه هو عبد الله عزام الذي غادر مصر هرباً من التنكيل الذي حلّ بالإخوان المسلمين." ليعود تنظيم القاعدة من افغانستان والجزيرة العربية الى منشئه الإخواني في مصر وسيناء ثانية، بعد اغتيال بن لادن في مايس 2011 وتسلم الظواهري، قيادة التنظيم مع وجود قيادات إخوانية مصرية ابرزها سيف الدين العدل المعروف بمسؤوليته "اركان حرب القاعدة " التنظيم المركزي.

بدون الإخوان لما وجدت القاعدة

وتقول الدراسات المعنية بالقاعدة بأن الظواهري وجماعة الجهاد الإسلامي المصري كانا بمثابة النواة لتنظيم القاعدة، وقد ذهب البعض إلى أنه بدون كتابات سيد قطب/ الإخوان، لما تواجدت القاعدة. وكان للسيد لقطب تأثير أكبر على أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. فالقاعدة ليست فكر، بل هي آلية عمل "جهادي" رغم ايدلوجيتها. وذكرت المصادر بأن القاعدة تشكلت في 11 أغسطس 1988، في اجتماع مع عدد من كبار قادة الجهاد الإسلامي المصري مثل عبد الله عزام وايمن الظواهري سيد امام الشريف، بعد ان كانت مكتب خدمات للمقاتلين بقيادة عبد الله عزام. وفي أبريل 2002، أصبح اسم المجموعة "قاعدة الجهاد". ووفقا للباحث المتخصص في الحركات الاسلامية ضياء رشوان، ان هذا كان "... نتيجة لعملية الدمج بين فرع الجهاد في مصر بقيادة أيمن الظواهري مع بن لادن والجماعات التي تحت سيطرته، بعد عودته إلى أفغانستان في منتصف التسعينات.

السلفية الجهادية

ويشير أصحاب وجهة النظر هذه، إلى أن السلفية الجهادية لا توالي الأنظمة، وهي تعطي ولاءها لـ "القاعدة" التي "أحيت" الفكر السلفي الجهادي على المستوى العملي، وليس على المستوى النظري أو العلمي أو التربوي، وأن كوادرها وعناصرها عندما انتقلوا الى أفغانسـتان تحالفوا مع طالبان الذين يحملون العقيدة السلفية الجهادية، وتمّ في حينها تأسيس مجموعة الأفغان العرب. واستمرت في الجهاد حتى العام 1989، حيث عقد مؤتمر بعد مقتل عبد الله عزام، أعلن في ختامه عن تشكيل تنظيم القاعدة تحت زعامة أسامة بن لادن. ويرى الدكتور حسن الشهال "أن السلفية مصرية المنشأ "، وقد تدعم رواية دراسة عبد الله عزام في مصر ذلك ألرأي.

وقد دعا أيمن الظواهري، المقاتلين في العراق والأردن ولبنان وتركيا إلى التحرّك دعماً لمَن سمّاهم إخوانهم في سوريا". وفي الوقت نفسه تقريباً، أصدر الشيخ السلفي أبو محمد الطحاوي المطلوب للحكومة الاردنية فتوى دعا فيها إلى الجهاد في سوري أيضا.

منابع جهادية

يبدو أن غالبية الجهاديين الذين يقاتلون في سوريا هم من البلدان المجاورة، مثل الأردن والعراق ولبنان. وتشير التقديرات، استناداً إلى مصادر لبنانية وفلسطينية وأردنية، إلى أن هنالك اعدادا من المقاتلين وصلوا من لبنان للقتال في سوريا، فضلا عن أعدادا فلسطينية من المخيمات الفلسطينية في لبنان والذين ينتمون إلى الجيل الجديد أي من الشباب الصغار، وتقول مصادر سلفية في طرابلس/ لبنان، داخل المخيمات الفلسطينية/عين الحلوة وبرج البراجنة وشاتيلا، بأن أغلبهم ـ المقاتلون ـ ينتمون الى كتائب عبد الله عزام وفتح الاسلام الجهادية.

مخيم عين الحلوة مخيم للاجئين الفلسطينيين، في جنوب لبنان، يقع المخيم ضمن مدينة صيدا الساحلية، والتي تعتبر عاصمة الجنوب اللبناني تبلغ مساحته حوالي كيلومتر مربع واحد، وعدد سكانه حوالي 80 ألف نسمة، لذا فهو أكبر مخيم في لبنان من حيث عدد السكان، ومعظمهم نزح في العام 1948 من قرى الجليل في شمال فلسطين.

مخيم الوحدات هو أكبر مخيم اللجوء فلسطيني. يقع في العاصمة الأردنية عمان في منطقة الوحدات يقدر عدد سكانه بحوالي 300 ألف نسمة حسب بعض التقديرات غير الرسمية. يسمى أيضا بـ مخيم عمان الجديد ومخيم عمان الجنوبي. لا تزيد مساحة المخيم عن نصف كيلومتر مربع والمخيم هو واحد من 10 مخيمات للجوء الفلسطيني في الأردن.

مخيم اليرموك هو مخيم أنشأ عام 1957 على مساحة تقدر ب2110000 متر مربع لتوفير الإقامة والمسكن للاجئين الفلسطينيين في سورية.

المقاتلون من المخيمات الفلسطينية في لبنان والاردن هم من اخطر المطلوبين للقضاء اللبناني والاردني. وتتركز واجباتهم بالتدريب وتقديم الخبرات من تجاربهم السابقة في العراق.

كتائب عبد الله عزام

كتائب عبد الله عزام تنظيم مسلح/جهادي أصولي،يستمد الحزب اسمه من "الزعيم والشيخ" عبد الله عزام المتوفى سنة 1989، هو أفغاني الاصل فلسطيني المولد وصاحب مشروع " الخدمات الجهادية " ضد الاتحاد السوفيتي أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي ورغم خلافاته المبدئية آنذاك مع بن لادن والظواهري، فقد تبنى أبن لادن لاحقا فكرة/تنظيم القاعدة المركزي في مواجهة الاتحاد السوفيتي سابقا في افغانستان ويتولى إصدار بياناته الإعلامية "مركز الفجر" للإعلام ليؤكد رايته القاعدية. وقد تشكلت في لبنان والجزيرة العربية، وكان يقودها صالح القرعاوي الذي تمت اضافة اسمه الى قائمة الارهاب من قبل وزارة الخارجية الامريكية. وتشير المصادر بان كتائب عزام بزعامة السعودي ماجد الماجد وجبهة النصرة كانا على خلاف لزعامة الفصائل الجهادية في سوريا منذ بداية انطلاق الثورة السورية 2011، ويعتبر القرعاوي الملقب/نجم الخير، من ابرز قيادات كتائب عبدالله عزام وكان يتحرك مع عناصر القاعدة بين إيران ووزيرستان، وهو من أبرز عناصر توفير الدعم المالي للتنظيم. وتشير المعلومات ان ابرز الذين خرجوا للقتال في سوريا هم من الصف الاول للتنظيمات او الفصائل الجهادية او من المطلوبين للحكومات او الولايات المتحدة بعد ادراجهم على لوائح المطلوبين.

لا يمكن اعتبار المقاتلين او المتطوعين للقتال مع القاعدة جميعهم من تنظيم القاعدة بل البعض جاء نتيجة فتاوى " جهادية " وضمن مفهوم " الجهاد فرض عين ". لكن الواقع هو أكثر تعقيداً لان جميع ألمقاتلين في سوريا هم من أصحاب التوجهات الجهادية ولهم خبرات قتالية سابقة، وهذا لايعني ارتباطهم تنظيميا بـ تنظيم القاعدة. فقد أظهرت وسائل الاعلام في بداية الثورة السورية بدخول مقاتلين عرب واجانب وهم في الزي الاسلامي/السروال والقمصان الفضفاضة الافغانية وعلى شكل خلايا وليست تنظيمات كما بدأت تظهر على المشهد مؤخرا في سوريا. هذه التنظيمات بدأت تفرض سياستها بأدلجة المجتمعات التي تسيطر عليها في سوريا وهي تعكس تجارب التنظيمات الجهادية وحركة طالبان في افغانستان وحركة الشباب في الصومال ودولة العراق الاسلامية والقاعدة وأنصار الشريعة في اليمن، هذه الجغرافية تقريبا اكتسبت لونا جهاديا واحد.

الفلسطينيون والصراع في سوريا

الفلسطينيون يدفعون ثمنا للصراع الدائر في سورية، رغم تأكيد بعض القيادات على تبنى سياسة النأي بالنفس منذ اندلاع ثورات " الربيع العربي". ومع دخول الأزمة السورية عامها الثالث، يجد نحو 250 ألف فلسطيني أنفسهم نازحين عن منازلهم في مخيمات سورية لاسيما مخيم اليرموك يعانون من كوارث انسانية،وشرد 120 ألف من هؤلاء إلى خارج سورية للإقامة حسب المناطق القريبة منهم في مخيمات مؤقتة على حدود لبنان وتركيا والأردن، تصف الأمم المتحدة أوضاعها بالبائسة. ورفضت إسرائيل طلبا من السلطة الفلسطينية بالسماح بعودة هؤلاء إلى الضفة الغربية ما أبقاهم أسرى لمأساة التشرد، بالإضافة إلى قتل أكثر من ألف فلسطيني حتى الآن اثر تعرض مخيم اليرموك الواقع إلى الجنوب من العاصمة دمشق لغارات قصف وتحوله في أحيان إلى ساحة حرب بين القوات الحكومية والمعارضة.

وهنالك أطرافا فلسطينية قصدت زج ألمخيمات الفلسطينية بالأزمة السورية رغم محاولة فصائل فلسطينية أخرى تجنب ذلك. وقال مصدر في دائرة شئون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية لـوسائل الاعلام إن تداخل المخيمات الفلسطينية مع محيطها من المناطق السورية والاردنية واللبنانية والعلاقات والصلات الاجتماعية يجعل حيادهم صعبا ومايدفع البعض الاشتراك في الصراع السوري بدون اختياره.

فتاوى جهادية

ساعد "الربيع العربي" على ظهور اطراف راديكالية اسلامية على الساحة السياسية في الأردن، ودفع ذلك السلفيين إلى الصدارة، حيث تطالب بعض عناصر المجموعة الأكثر راديكالية الآن " بالجهاد " في سوريا. وخصوصاً بعد أن أصدر السلفي الأردني، أبو محمد الطحاوي، فتوى تدعو الى الجهاد في سوريا. فقال الطحاوي، انه دعا كل الرجال القادرين أن يذهبوا للجهاد في سوريا، "فمسؤولية كل مسلم ملتزم أن يعمل على وقف إراقة الدماء التي يقوم بها النظام النصيري"، وذلك في اشارة الى النظام العلوي الحاكم في سوريا. وفي الأردن، يعتبر الغالبية العظمى من السلفيين من التقليديين الذين يركزون على الفقه الإسلامي أو المعرفة الدينية. لكن ظهور السلفية الاصلاحية وهي اكثر اعتدالا من السلفية التكفيرية غيرت معادلة الجهاديين في الاردن. ولم تتردد السلفية من الاستفادة من مساحة " الربيع العربي " وما سمحت لهم من الظهور ورفع راياتهم السوداء وهم يستغلون مساحة الديمقراطية.

أما في لبنان فقد أعلن الشيخ داعية الاسلام الشهال في 22 مارس 2013، ان باستطاعته إصدار "فتوى جهادية" لإرسال رجال لدعم الثورة السورية والمشاركة الى جانبها في القتال الحاصل داخل الاراضي السورية. واضاف قائلا: "لو أردت أن أدعم الثورة السورية بالرجال، لأصدرت فتوى جهادية يذهب بموجبها آلاف الرجال من لبنان وخارجه للقتال في سوريا."كلام الشهال، جاء بعد يوم من افراج السلطات السورية عن حسان سرور، الذي أُسِرَ في كمين تلكلخ واتهمه نظام الاسد بان سرور جاء بطلب من الشهال.

تغيير في الموقف الاميركي والاوربي

ان تداعيات الصراع في سوريا واطالته غير الكثير من المواقف وجعلها متذبذبة خاصة الموقف الاميركي، اما موقف الاتحاد الأوربي فقد بدا أيضا على خلاف كبير في اجتماعات بروكسل. وفي اعقاب تفجيرات بوسطن في 15 ابريل 2013 ظهرت اراء جديدة تدعم الاسلام فوبيا عند الغرب لتنعكس على توجهات جديدة للبنتاغون والخارجية الاميركية بضرورة اتخاذ قرارات اكثر حزما وهي اشارة الى الخيار العسكري. واكد ذلك زيارة وزير الدفاع الاميركي الى اسرائيل والمنطقة في 21 أبريل 2013 وتصريحه باحتمالات الخيار العسكري ضد ايران مع تفويض صفقة الاسلحة الاميركية الى اسرائيل. أما تصريح وزير الخارجية الالماني" غيدو فيستر فيلة" الذي تضمن: قد تغير المانيا موقفها من منع تسلح المعارضة السورية، ان وجدت الاعضاء الآخرين لديهم الأسباب المقنعة بذلك وهو يقصد الموقف البريطاني والفرنسي وهذا تغيير جذري في الموقف الاوربي والاميركي بعد حادثة تكساس الارهابية وبعد اعلان جبهة النصرة مبايعتها الى القاعدة في شهر ابريل 2013 وتمددها مع تنظيم " دولة العراق الاسلامية ".

هذه التطورات جعلت وزير خارجية الولايات المتحدة "كيري " ان يطلب مؤخرا من المجلس الوطني للمعارضة السورية برفض المتطرفين والطلب منهم بإشراك العلمانيين والسنة وأقليات عرقية واثنية أخرى بدل الجهادية الاسلامية لتؤكد حقيقة المخاوف الاميركية والغربية من خارطة الجهاديين الجديدة في سوريا وهي قد تكون خطوة استباقية لما بعد الاسد وقد تكون نذير تدخل عسكري مباشر. هذه الحركات الجهادية في سوريا نبشت الصراع المذهبي والطائفي خاصة مع الدول المجاورة الى سوريا لتدفع الاخيرة والإطراف الدولية باعادة حساباتها رغم استمرار الدول الراعية للتنظيمات الجهادية بسياستها والرهان على إسقاط الاسد عسكريا.

* كاتب متخصص في قضايا الارهاب

..........................................

المصادر

1ـ ديلي تلغراف تقرير /باللغة الانكليزية/ Richard Spencer 21 ابريل 2013/ضمانات اميركية لمضاعفة المساعدات للمعارضة السورية

2 ـ صحيفة الحياة 01. 06.2012 كتائب عبد الله عزام بقلم/ناصر الحقباني

3 ـ دراسة مركز الاهرام بقلم صافيناز محمد أحمد

4 ـ تقرير مقاتلون من غزة وكالات د ب أ

5 ـ من هم الجهاديون في سوريا، ومن أين يأتون؟/ منى علامي/ موقع الكاتبة في 28 فبراير 2013

6 ـ التايمز" اللندنية/ موسم عودة "الجهاديّين" من سوريا إلى عين الحلوة 06. 08.2012

7ـ تقارير معارضة سورية أ ش أ /معلومات إدراج الخارجية الأميركية "كتائب عبدالله عزام في 25 فبراير 2013

8ـ دراسة المقاتلون الأجانب في سوريا/دراسة هارون زيلين المركز الدولي لدراسة التطرف في 2 ابريل 2013

9 ـ يحتدم الصراع في سوريا بين كتائب الفاروق وجبهة النصرة/ ايلاف 27 مارس 2013

10 ـ الشهال ينتصّل من تهديداته بـ “الفتوى الجهاديّة في لبنان بتاريخ8 مارس, 2013 /الاخبار اللبنانية

11 ـ تقرير فتاوى لبنانية المدينة نييوز

12 ـ موسوعة المعرفة

13 ـ كتائب عبدالله عزام: بانوراما الشرق الاوسط , 24 حزيران 2012

14 ـ شبكة انا مسلم 04.07. 2012/ كتائب عبد الله عزام

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/نيسان/2013 - 14/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م