فشل استثمار الربيع العربي

 

شبكة النبأ: من الظواهر التي تتكرر في المجتمعات العربية، أنها غالبا ما تتلكأ في اسثمار الفرص التي تتاح لها من اجل التغيير والتطور، لأن معظم الوقائع التي حدثت في الساحة العربية، بعد الربيع العربي، تؤكد أن هناك بواعث قلق تتصاعد بين اوساط الجموع العربية لاسيما النخب الدينية والثقافية والسياسية المتقدمة، حيث لم يتم استثمار الثورات ونتائج الانتفاضات العربية كما يجب، وقد سارت الامور من سيء الى أسوأ كما يحصل على ارض الواقع في مصر وتونس وغيرهما من دول الربيع العربي.

إن الشعوب العربية كما هو واضح قد اشتبشرت خيرا بربيعها الذي أسقط الحكام المتجبرين من عروشهم العالية، وتصاعدت بوادر الامل بانتهاء الانظمة السياسية التي تمجد الفرد، أو الحزب، أو الجهة، أو الطائفة، وجاء الربيع العربي بانتفاضاته واحتجاجاته وثوراته المتواصلة لكي ينقل العرب، من عصر الفردية السياسية الى عصر الانفتاح ومحاكاة الركب العالمي المتطور، ولقد أسقطت الجماهير العربية بعض جبابرة التسلط، كما حدث في تونس ومصر وليبيا، واليمن، ولاتزال الاحداث في دول أخرى حبلى بالمفاجآت السارة على صعيد إسقاط الانظمة المستبدة.

لقد أعلن المراقبون أن زمن الفرد او الحزب الواحد ولى الى الابد، وأن الديمقراطية بدأت مرحلة انتعاشها التي لن تتوقف حتى يدخل العرب في عصر الديمقراطية الذهبي، ومن الواضح أن هذا الكلام يثلج الصدر حقا، ويجعل العرب غير آسفين على ما قدموا من خسائر وتضحيات، على طريق التحرر والانعتاق من التسلط السياسي للحكومات الفردية المستبدة، بيد أن بواعث القلق بدأت تطفو على السطح، ورحنا نلاحظ علامات لا تبشر بخير، يمكنها إعادة الحال السياسي العربي، الى ما كان عليه قبل الربيع الثوري، الذي بدأه الشاب بو عزيزي في تونس، الامر الذي زرع كثيرا من المخاوف لدى بعض الاقليات والطوائف التي تشكل جزءا لا يتجزأ من نسيج المجتمع العربي، ولهذا بدأ بعض السياسيين والمراقبين، يحذرون من ظاهرة استمرار التهميش التي تتعرض لها الاقليات، ناهيك عن حرب الطوائف التي يخوضها البعض تحت ستار الثورة الجديدة، وقد حذرت هيلاري كلنتون سابقا وبقوة من هذه الظاهرة، أي ظاهرة الحرب على الاقليات، وطالبت الحكومات الوليدة في مصر وتونس وليبيا وغيرها من الدول العربية بضرورة الحفاظ على حقوق الاقليات، وهذا ما أكده الواقع، إذ أننا نلحظ أيضا في مصر وسواها حربا طائفية ، ليمتد ذلك الى دول عربية اخرى، فهل هناك استعداد للعودة الى الوراء بعد الانجازات الثورية الكبرى التي تحققت لصالح الجماهير؟ وهل تريد هذه الجهات التي تحاول تسيير دفة الامور الى مسارات خاطئة؟ أن تقضي على الربيع العربي في أولى مراحله التي ينبغي أن تستمر وتتواصل للقضاء على آخر مظهر سلطوي لحاكم او حكومة مستبدة؟.

إن مثل هذه الدعوات والسلوكيات ومثيلاتها، تؤكد ظاهرة تضييع الفرص وعدم استثمارها كما ينبغي، وهي تشكل خطرا على الربيع العربي، وتحيله من ربيعه الجماهيري المنتفض الى خريف طائفية، قد يقوّض جميع المكاسب التي تحققت بفضل الربيع العربي، لهذا لابد أن يتنبّه الجميع ونعني بهم المسلمين، الى ضرورة فهم المرحلة الجديدة ومقتضياتها، وعدم السماح لعودة اساليب الانظمة الدكتاتورية المطاح بها، مجددا الى ساحة الفعل السياسي وسواه، أي ينبغي الحذر من اعتماد اساليب القمع والاقصاء والدعوات المشبوهة، لتقييد العقائد والحريات كما كانت تفعل الانظمة السابقة، لهذا علينا أن نضع صمامات أمان حقيقية لكي لا يتحول الربيع العربي الى ربيع طائفي، ولابد أن يكون الحوار الاخوي البنّاء هو العلامة الفارقة لهذه المرحلة، بل لابد أن تكون الحريات المكفولة للجميع، علامة العصر العربي الراهن، لكي نتأكد بأننا غادرنا عصر الدكتاتوريات الى غير رجعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/نيسان/2013 - 10/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م