الإسلاموية والخلافة

علي حسين كبايسي

قال لي احد الإسلامويين أن الغنوشي يدعو إلى القُطرية، فتعجبت لكلامه وقلت له: ماذا جد في فكر الغنوشي، هل التيمٌن بقطر جعله يهلوس بالقُطرية!، أم الجنسية البريطانية التي يحملها أصابته بفيروس القطرية، فالرجل إخواني وأحد أبرز قادة هذا التنظيم الذي يدعو إلى عالمية الحركة والعمل من أجل إحياء الخلافة الإسلاموية بأجندة بروتوكولات حكماء الإخوان المسلمين على غرار بروتوكولات آل صهيون مع الطاعة والتسليم وفق السلم الهرمي!! (1).

 جبهة النصرة التنظيم التكفيري في بلاد الشام أحد الروافد المزوِدة له بالمقاتلين هي المراكز التدريبية التي أقامها الغنوشي على التراب التونسي فأين هذا الزعم بالقطرية!! وجبهة النصرة ترفض القُطرية وتعتبرها نتاجا لسايكس بيكو، وبداهة الإيمان بالقُطرية يفقدها شرعية التواجد ببلاد الشام!!، وهي تنادي علنا أن هدفها ليس إسقاط النظام من أجل الديمقراطية والتعددية الحزبية واحترام الحريات وحقوق الإنسان!!، بل إقامة دولة الخلافة!!.

من خلال تتبع الممارسات الإسلاموية في كل من الصومال، أفغانستان، ليبيا، سوريا نجد أن مصاديق الخلافة لدى الحركات الإسلاموية هي جلد شخص بعد صلبه بشجرة على قارعة طريق، ذنبه دخن سيجارة أو تخلف عن صلاة الجماعة!! فتنفيذ الأحكام لديهم تأخذ طابع الشفافية العلنية!!، ومن مصاديق الخلافة المزعومة فرض النقاب على المرأة وحرمها الحق في التعلم والشغل، صلب وتقطيع أعضاء كل من خالف عقيدة السلف الصالح عضوا عضوا مع التوثيق بالفيديو!! (2).

مونتسيكيو فصل بين السلطات الثلاث التنفيذية، التشريعية والقضاء، السلطتان التنفيذية والتشريعية تعملان على التوازن بين الحق والواجب، وفي حالة اختلال التوازن تتدخل السلطة القضائية بالأحكام الردعية لإحداث التوازن، فالقاعدة: السلطتان التنفيذية والتشريعية والاستثناء: هي السلطة القضائية، ولكن الإسلاموية فهمها لتطبيق الشريعة هو حصرها على الأحكام القضائية!!، فكل الدراسات لأدبياتها ثبت عدم وجود تنظيرات في السياسة والاجتماع والاقتصاد، كل ما في الأمر الجلد، حد الحرابة قطع الأيدي والأرجل والصلب والقتل!!!.

 إن من أكبر الإشكاليات في الفكر الإسلاموي هو إسلام السلف الصالح، فموروث السلف الصالح هو مصدر التشريع والسلوكيات للإسلاموية ولو خالف القرآن والسنة الصحيحة، ولتبيين صحة الطرح نقدم الأمثلة التالية:

- قتل خالد ابن الوليد مالك بن نويرة عامل رسول الله (ص)، وجعل رأسه أثفية لقدر وزنى بزوجته، فهذا السلوك لدى الإسلاموية سنة عملية يجب إحياؤها!!، ومن استحى منهم من هذه الفعلة على المستوى التنظيري، يقول تأول خالد ولا يحرم من أجر المجتهد المخطئ!!، الخطيئة تساوي أجرا واحد!!!، فعلى المرء أن ينغمس في الخطيئة ليتعدد الأجر والثواب!!!.

- تحرم المرأة بلفظة أنها طالق بالثلاث (3)!! وهذا التهريج يخالف الصريح القرآني، ويبقى الحكم ما أقره موروث السلف الصالح!!، فالسلف الصالح صنم يعبد!!!!.

- يقتُل أشقى الآخرين سيد الموحدين (ع)، ويقول الموروث أنه تأول ولا يحرم من أجر المجتهد المخطئ!!.

- يأسر بسر بن أرطأة نساء همذان فتصبحن جواري تباع في الأسواق خلافا لكتاب الله وسنته. فلذا نجد الإسلاموي يرى أن إحياء الخلافة بمعنى السعي وراء الغنيمة واقتناء الجواري ولو كُنّ مسلمات!!، يا له من زمن جميل!!!.

- سمرة بن جندب يقتل بعشوائية، فإن قيل له أن من قتلت بريء، فيقول إن كان كذلك عجلت له بالجنة!!، وإن كان العكس عجلت له بالنار!!، فلذا نجد البابا القطري ورئيس إتحاد الدجالين المتزلفين يفتي بقتل المدنيين والعلماء المسلمين الموالين للسلطة!!، ومن كان بريئا فأمره لله!!.

الخلافة غاية الغايات لدى الجماعات الإسلاموية، وبسبب هذا العنوان أريقت دماء المسلمين فسالت أنهرا من حرب الجمل إلى حرب صفين إلى واقعة كربلاء إلى واقعة الحرة إلى مجزرة التوابين إلى واقعة خف إلى يومنا هذا: مسلسل من التفجيرات وسفك دماء الأبرياء بالقتل الجماعي، وحروب الإبادة، وهذا ما يفرض علينا التساؤل التالي ما مفهوم الخلافة تنظيرا لدى الباحث الإسلاموي؟!!.

الإسلاموية من حيث التنظير يقولون أن منصب الخلافة الهي (4) يتعين بالشورى، والخليفة ما إن يتعين تتحقق له إفاضة القداسة الالهية فهو ملزم بالطاعة ولو ظلم وأفسد وفجر ولا يجوز محاسبته أو عزله!! (5)، ونتساءل كيف لمنصب إلهي يظلم ويفسد؟؟!!، وكيف للمنصب الإلهي أن يتعين بالشورى!!، وهل الشورى انتخاب شعبوي عام أم حصري لأهل الحلّ والعقد؟!!، والعجب المحير لا نجد في كل من السيرة والسنة النبوية أثرا لآليات نظام حكم الشورى (6) ولا أن الحكم يتم بالشورى!!، فالخليفة الأول تعين بالعصبية القبلية وتكفي سقيفة بني ساعدة شاهدة على ذلك، والثاني تعين بدون شورى، اللهم إلا إذا كان الخليفة الأول يجسد الشورى فإيمانه يعدل إيمان الأمة!!! كما يزعمون، وتمنى الخليفة الثاني تعيين أبا عبيدة بن الجراح أو سالم مولى أبي حذيفة بتوصية دون شورى!!، والحق كل الحق معه فإيمانه يعدل إيمان الأمة بل حتى إيمان الرسول (ص)!!!! حسب رواياتهم إلا أن المنية كانت أسبق، فعين الثالث بمسرحية فاقت كل تهريج!!!، فالتشدق بالشورى تشدق بالأوهام لا تأصيل له.

أجمعت الحركات الإسلاموية أن الخلافة مطلبها الرئيسي وإن تقمص بعضها بالديمقراطية كوسيلة وليست هدفا بعينه، وما استطاعت أن تحدد كيفية تعيين هذا المنصب الالهي من منطلق نصوص قرآنية أومن سنة النبي الأكرم فهم يعترفون أن الخليفة الأول لم يعين بنص من الرسول (ص)، بينما الخليفة الثاني عين بنص من الأول، هل الخليفة الأول كان له بعد نظر خير من الرسول (ص)!!!، وسياسته أرشد!!!، أم الإله جعل هذا الأمر من صلاحيات الخليفة الأول، ولماذا الخليفة الثاني غاب عنه التوكيل الالهي في تنصيب الثالث!!!، رغم أنه الموعود بالنبوة إن لم يبعث محمدا (ص) نبيا كما تحكي رواياتهم!!!، فيضطر إلى الحيلة والمخادعة والدسيسة في تعيين الثالث!!، وهل عمل المستحيل من أجل حرمان بني هاشم من الخلافة، وجعلها في بني أمية مطلب إلهي؟!!! أم لأن إسماعيل (ع) بشر بهم في التوراة كما يدعي ابن تيمية في منهاج السنة - الأموية -!!!.

أغفلت الإسلاموية مفهوم الخلافة من المنطلق القرآني، وما عالجوا مصطلح الخليفة قرآنيا، فالخليفة القرآني أعجزَ الملائكة وأوتي علما يفوق علمهم، فإن كانت الملائكة من المدبرات أمرا، فكيف للخليفة القرآني أن لا تكون له القدرة في تدبير الكون؟، فما ميزوا بين حكم الخليفة التشريعي وحكمه التكويني، وما أشاروا للعلاقة بين الخلافة والإمامة، -هل هما واحد؟؟، حيث لا يمكن غض الطرف أو تجاهل منصب الإمامة قرآنيا!!.

 التنظير لمفهوم الخلافة هو استنساخ للموروث بعصبية بغيضة ولكنها منمقة تدغدغ العواطف وتلهب الحماسة فتغتال العقل، ولا تجدي نفعا فالنتيجة الخليفة يمكن أن يكون فاسقا شاربا للخمر وظالما وناهبا لثروات الأمة!!!، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم من هذا الفكر السقيم!!!.

................................................

(1) أهم مبادئ الحركة الظلامية الطاعة العمياء والتسليم التام، فأوامر القائد مقدسة لا يجوز مناقشتها، والقائد لا يعزل ولا تحدد لقيادته مدة زمنية محددة، ولا تنتخبه القاعدة، فأين قواعد اللعبة الديمقراطية المتبجح بها، ديمقراطية حرم منها الأتباع، فكيف تمنح للشعب وعامة الناس!!.

(2) قمة الصادية ونشوة التلذذ بالآم الآخرين، الممارسات الإسلاموية من إرضاع الكبير واقتناء الجواري تحت مسمى زواج المسيار، زواج جهاد المناكحة!!!! والمظاهر الصادية في جرائمهم البشعة تثبت العقد الجنسية والحالة السبُعية لأفراد هذه الحركة التي وصفتها الملائكة بالإفساد وسفك الدماء وأبعد ما تكون من الإنسان الكامل صاحب الخلافة الالهية كما تحدث عنها القرآن الكريم، وهذا ما يبين الانحراف الكبير عن الخط المحمدي والتيه في جاهلية أبي جهل وابن الصهاك الرعناء.

(3) ناقش فقهاء السلطة هل تحرم بقولة طالق بالثلاث إلا رُبع أو إلا عُشر؟!!!.

(4) تأسيا بالقياصرة أعطى معاوية الشرعية لحكمه بمقولة "حكمناكم قضاءا وقدرا "!! فكانت الجبرية والقدرية عقائديا، فسلّم عبد الله بن عمر وسعد بن أبي الوقاص فكانت المرجئة عقائديا، ولما نازع بنو العباس سلطان بني أمية تستروا وراء " الرضا من آل محمد (ص) " – مفهوم الامامة عقائديا -، وبها سرقوا سلطان آل محمد (ص) وسلطوا على أتباع أهل البيت كل الويلات، والمأمون العباسي لما أراد أن يضفي القداسة الدينية لحكمه تظاهر بإعطاء ولاية العهد لعلي الرضا عليه السلام، ومن ثم أصبح منصب الخليفة العباسي وكالة إلهية!!، ولذا نجد السلطان الظاهر بيبرس استحضر ما بقي من نسل بني العباس- محمد بن الناصر العباسي - إلى القاهرة وقلده منصب الخلافة لإضفاء القداسة الدينية لسلطانه واحتفظ لنفسه بمنصب الحاكمية السياسية، بينما العثمانيون أخذوا شرعيتهم من أبي حنيفة الذي لا يشترط أن يكون الخليفة قرشيا وبمفاتيح مكة والمدينة، وعبر هذه الحركة التاريخية وتفاعلاتها بين الحقيقة والأوهام، أصبحت الخلافة لدى الفكر الإسلاموي منصب إلهي يستمد شرعيته من الإله لا من الشعب، والشعب في حقيقته ما هم إلا موالي وعبيد له يحي من يشاء ويميت من يشاء!!، ولذا نجد أمير جيش اليزيد الملعون مجرم بن عقبة يطلب من أهل المدينة بعد واقعة الحرة أن يبايعوا اليزيد على كونهم عبيد وموالي له!!!، ومن خالف قتل!!!.

(5) القاعدة أوجبها موروث الخليفة الثالث، فالخلافة قميص قمصه الله إياها، ونسي أنها كرة تلقفتها بنو أمية برمية غير مباشرة وأجندة مدروسة من ابن الخطاب، فمحاولة عزله خروج عن الشرع!!، رغم البدع المستحدثة في الدين والانحراف عن السنة المحمدية والتوزيع غير العادل للثروة وتكدسها في جيوب الأقلية التي أدت إلى ظهور إقطاع مستبد فاسد مع ظلم الرعية وهذا من نتاج ولايته والخلافة التي قمصها إياه الرسول (ص) الذي تجسد له في ابن الخطاب الذي تبجح بإتباع سنته!!!، فكانت الثورة عليه نتاج طبيعي تفرضها السنن التاريخية.

(5) توجد أحكام الحيض والنفاس وكيفية الدخول إلى بيت الخلاء مع تفاصيل تقديم الرجل اليمنى أو اليسرى والأدعية المستوجب قراءتها، ولا حديث عن الخلافة أو الإمامة، ومن يستخلف الرسول (ص) ليقيم العدل بين الناس - حسب إدعائهم!!! -، فمصير الأمة والرسالة لا يعني رسول الله (ص) من بعده!!!!!، وما يعنيه كل ما هو بعيد عن السياسة والرياسة وإلا فهو يهجر!!!!، ومهمته تنتهي مع التبليغ وانتقاله إلى الرفيق الأعلى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/نيسان/2013 - 10/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م