المواطن الناخب... متخلّف خطوة عن المُنتخب المسؤول

 

شبكة النبأ: بالرغم من التحشيد المُكلف والتعبئة الموجهة للكيانات السياسية، إلا انه بالامكان سماع أصوات التشكيك في أوساط الشارع العراقي من جدوائية المشاركة في الانتخابات المحلية، تحت مسمّى "انتخابات مجالس المحافظات". واذا أخذنا على قادة الكيانات السياسية، إعطاء الحملات الانتخابية وزناً ثقيلاً اكبر من حجمها بكثير، كما لو انها مصيرية وحاسمة لمستقبلهم السياسي، فذاك أمراً لابد من الحديث عنه في مجال آخر، ربما يمتد مع الزمن حتى ما بعد إجراء الانتخابات في العشرين من شهر نيسان الجاري، بيد أن هذا التحشيد يعبر بحد ذاته، عن خشية كبيرة من عزوف الناس عن المشاركة في هذه الدورة من الانتخابات، لاسيما اذا تذكرنا النسب المتدنية للمشاركة في الدورة الماضية في معظم محافظات البلاد.

لكن لنرَ، هل هذا الحرص والقلق بهدف تحكيم رأي الناخب والشعب بشكل عام في صنع القرار؟

خلال الاربع أعوام الماضية، لم نلاحظ بصمات الشارع العراقي في مسار الاجراءات الحكومية على صعيد المحافظات، إلا عندما تخللت هذه الفترة أحداث الحراك الجماهيري في البلاد العربية فيما بات يعرف بـ "الربيع العربي".. فقد سرت الحمية الثورية في الدماء العراقية، وبدأت تظاهرات مطلبية تنتظم في هذه المدينة وتلك، وكان أبرزها في العاصمة بغداد، وهي تدعو الحكومة المركزية، والحكومات المحلية، بالوفاء بوعودها الانتخابية، وتلبية مطالب الشعب، وما أكثرها؛ من تطوير الخدمات، وتوفير فرص العمل، وحل مشكلة السكن، و انتشال الاقتصاد من حالة الفوضى واللاهدفية. وكان التطور النوعي الذي يمكن الاشارة اليه، في أول رد فعل حكومي على هذه الهبّة الجماهيرية في العراق، هو إهداء الشعب ساعات إضافية من الطاقة الكهربائية (محلية الانتاج)، مع الإبقاء على سقف الأجور، أو سعر "الأمبير" الواحد! فيما بقيت وعود أخرى تطمينية، من رئيس الوزراء الذي جمع وزرائه، فوجه اللوم الى هذا وذاك، ولم تر النور حتى الآن.

 ومهما فعلت السلطة التنفيذية، على الصعيد المحلي في المحافظات، أو في المركز، من تعبيد الشوارع وتشييد الجسور والدور السكنية وغيرها من مظاهر الإعمار، يبقى السؤال الكبير أمام المواطن – الناخب: كيف السبيل الى التأثير على القرار الحكومي؟ ثم كيف السبيل الى مسائلة صاحب القرار في كيفية التنفيذ وتفاصيله..؟ لاسيما وان الكيانات السياسية المشغولة بالتنافس على الهيمنة والنفوذ، لم تتفرغ بعد لتلبية هذا المطلب (الديمقراطي)، وفي جلسة خاصة جمعتني مع قيادي في إحدى الكيانات السياسية، أفصح بأن نواب البرلمان في بغداد، جاهدوا وناضلوا في الدورة البرلمانية السابقة، لسنّ قانون توسيع صلاحيات مجالس المحافظات، ليمارس زملائهم في المحافظات أدوارهم بشكل كامل وصحيح، بمعنى أن الهمّ في هذه المرحلة، سياسياً وليس جماهيرياً. وعليه لا يجب ان نستغرب الاستفزازات والإقصاءات والتصفيات بين السياسيين، ففي الوقت الذي يظهر مرشح معروف في الحملة الانتخابية لمجالس المحافظات وبقوة كبيرة، يتفاجأ الناس بانه مطلوب للقضاء بتهمة هدر المال العام..! وهذا ما يجب أن تتنبه اليه الكيانات السياسية في المرحلة القادمة، أن تفكر أكثر من مرة، في الحيّز المناسب للجماهير في الساحة السياسية، وأن تؤكد أن الناخب هو الذي ينتخب مرشحه ويصعد به الى مجلس المحافظة، هو بالحقيقة شريك في جميع الاجراءات الحكومية التي تُتخذ على الصعيد المحلي، كما يفترض ان يكون كذلك على صعيد العراق، بالنسبة لمجلس النواب (البرلمان). وحتى لا نجانب الحقيقة نقول: لو أن هذا الشعور كان بدرجة كبيرة في النفوس، لما كانت الكيانات السياسية اليوم بحاجة الى كل هذا الحشد والتعبئة وإنفاق المليارات.

في كتابه الشهير "السبيل الى إنهاض المسلمين"، يضع سماحة الإمام الشيرازي الراحل – قدس سره- يده على الجرح العراقي، حيث يشير الى الأجواء الديمقراطية "الكاذبة والمصطنعة، من شأنها أن تعيد نظام الحكم الى الديكتاتورية السابقة، فاللازم ألا يدخل الميدان، التضليل والترهيب والترغيب، وإلا تكررت التجربة الديكتاتورية". ويحذرنا سماحته منذ عقد الثمانينات، من مغبة انزلاق الديمقراطية في مستنقع الديكتاتورية. ومردّ ذلك الى هشاشة النظرية بالأساس، وعدم استنادها الى أسس انسانية وعقلية رصينة، كما هو الموجود لدى الإسلام، والذي نقرأه تطبيقه وتجسيده في حكم الرسول الأكرم وأمير المؤمنين صلوات الله عليهم. بمعنى أن مجرد صعود النائب أو الوزير أو الرئيس الى سدة الحكم والجلوس خلف الطاولة الفاخرة، من خلال الانتخابات لن يكون كافياً لسلامة الطريق الى تطبيق الديمقراطية التي يفترض ان يتنفسها الشارع العراقي.. إذ لابد من وجود أحزاب حرة – يقول الإمام الشيرازي الراحل- ووسائل إعلام غير خاضعة لضغوط السلطة، والتقيد بالتداول السلمي للسلطة وبشكل دوري، وإلا لا مناصّ من السقوط في منحدر الديكتاتورية.

ورب سائل عن كيفية تجنب كل ذلك؟ الإجابة نجدها في الكيانات السياسية نفسها.. مع التأكيد على دور ومسؤولية المواطن والناخب، وعدم الركون الى التقوقع واللامبالاة وانتظار الامور الجاهزة. ففي كل بلاد العالم هناك برامج خاصة للتثقيف السياسي كما التربية الإعلامية، تنظمها جماعات سياسية فاعلة في الساحة، ذات أهداف ومناهج واضحة. وهذا بالتحديد ما يسمى بـ "التنظيم الجماهيري" الذي نجده في البلاد التي تطبق الديمقراطية بنسب عالية، حيث نجد بوضوح دور وتأثير رأي الناخب، ليس فقط في ايام الحملة الانتخابية، إنما حتى خلال الممارسة، ولا أوضح وأقرب من الولايات المتحدة مثالاً؛ حيث تجري مؤسسات خاصة استطلاع رأي حول شعبية رئيس الجمهورية، فاذا مالت الى التدنّي، فان ذلك سيؤثر على تفاعل مجلسي النواب والشيوخ مع القرارات والاجراءات التي يتخذها الرئيس الامريكي في داخل امريكا وخارجها، مهما كانت شهرته وسمعته.

فاذا كان الانسان الامريكي او الفرنسي او البريطاني، تواقّاً لأن يراقب ويحاسب رئيسه، ويترك بصماته على القرار السياسي في بلاده، فان الانسان العراقي لن يكون أقل آدميتاً من أترابه في تلك البلاد، بل هو أجدر وأكثر استحقاقاً، لأنه ومن أجل ان يقف أمام صناديق الاقتراع وينتخب مسؤوله الحكومي ، ثم يسير في الشارع ويدخل بيته، دون أن يتعرض للمطاردة والتهديد بالسجن والموت، قدم دماءً سخية، ربما يندر ان فعلها شعب آخر في العالم المعاصر. الى جانب خسائر فادحة وكبيرة. وهذا يستدعي من الكيانات السياسية، وما لها من أجهزة اعلام ومؤسسات ثقافية ومطابخ فكرية وامكانات مالية لا بأس بها، أن تجعل المرحلة القادمة، مرحلة المواطن - الناخب ليواكب المنتخب في صناعة القرار.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/نيسان/2013 - 9/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م