نووي ايران... سجال مفتوح ووفاق مؤجل

 

شبكة النبأ: ما بين المماطلة السياسية وصراع ألأجندة المجهولة، مازال السجال الطويل الامد الذي يدور بين ايران والغرب وحلفائه بشأن الملف النووي الإيراني المثير للجدل، يراوح مكانه، على الرغم من تكثيف الجهود الدولية لتسوية الخلاف من خلال المحادثات النووية بين ايران والقوى العالمية الكبرى الاونة في الأخيرة، لكن على ما يبدو ان هذه المفاوضات تسير صوب الطريق المسدود.

فقد فشلت القوى العالمية وإيران مجددا في إنهاء الجمود في النزاع المستمر منذ عشر سنوات بشأن برنامج طهران النووي أثناء المحادثات الأخيرة، مما يطيل أمد مواجهة يمكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط.

ويرى الكثير من المراقبين إن المباحثات المطولة لم تجسر هوة الخلافات بين الجانبين، وقد أصبح من الواضح أن موقف كل من طريف النزاع لا يزال بعيدا جدا عن الآخر.

فيما يقول بعض الدبلوماسيين والخبراء إن الانتخابات الرئاسية القادمة في إيران تزيد من حالة عدم وضوح الرؤية لدى الغرب فيما يتعلق باستراتيجية طهران بخصوص الدبلوماسية النووية.

فيما تسعى إسرائيل وحلفاؤها إلى وقف البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم ووضع خط احمر لمنع ايران من الحصول على قدرات نووية عسكرية باي ثمن ولا تستبعد الخيار العسكري لتحقيق ذلك، في المقابل تقول ايران ان برنامجها النووي مخصص للإغراض المدنية فقط، وهذا ما لا يصدقه خصومها.

في حين يرى بعض المسئولين الإسرائيليين ان ايران تقترب من تجاوز الخط الاحمر في برنامجها النووي والذي ستتمكن بعده من بناء سلاح نووي، الا انها لم تصل بعد الى هذه المرحلة.

بينما يرى محللون آخرون ان في هذه المرحلة ما زالت عدة سيناريوهات محتملة، لكن الخبراء يستبعدون تهدئة مفاجئة للتوتر وكذلك حربا مفتوحة في الوقت القريب، كما توقع خبراء بهذا الشأن بأن ايران ستستخدم معدات اكثر تطورا في موقع نووي خلال الاونة المقلبة، مما سيفاقم من حدة الخلاف الشرس بين الخصوم حول برنامج إيران النووي بصورة متواترة، وبالتالي يصعد من السخونة السياسية، التي قد تزايد العقوبات الدولية على دولة إيران، وعليه فأن فتح صفحة جديدة بشأن الملف النووي الإيراني يحتاج الى خطوات ملموسة وجادة بين طرفي الصراع، أما الواقع فيشير الى أن تكون خطوة المحادثات النووية مؤخرا، نمط جديد من انماط المناورات السياسية من اجل تحقيق صفقات بين الدول الكبرى من جهة وايران من جهة أخرى،  وبالتالي تبقى تسوية الأزمة النووية الإيرانية معلقة حتى إشعار آخر.

منجمين ومجمعا جديدا لانتاج اليورانيوم

في سياق متصل دشنت ايران منجمي يورانيوم سيزودان مجمعا جديدا لانتاج الكعكة الصفراء في خطوة جديدة في برنامجها النووي المثير للجدل فيما تراوح مفاوضاتها مع القوى الكبرى مكانها.

ويقع المنجمان على عمق 350 م كحد اقصى ومركزهما في ساغند في محافظة يزد على بعد حوالى مئة كيلومتر من المجمع الجديد في اردكان. وسيتمتع المجمع بقدرة انتاج سنوية تبلغ 60 طنا من الكعكة الصفراء وهي يورانيوم مركز يستخدم لاحقا لانتاج اليورانيوم المخصب، بحسب التلفزيون الرسمي الذي بث صورا للمنشآت الجديدة.

ويتم تحويل الكعكة الصفراء الى مادة اليورانيوم المعدنية المخصصة لانتاج غاز سداسي فلوريد اليورانيوم (يو.اف.6) المستخدم في الات الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، واعلنت ايران عن اكتشاف مناجم ساغند في العقد الاول من الالفية لكن الخبراء الغربيين اشاروا الى انها تحوي معادن سيئة النوعية.

واعلن الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في خطاب نقله التلفزيون في بث حي "في الماضي كنا نعتمد على الخارج للتزود بالكعكة الصفراء لكن بفضل الله ها نحن ندشن المنجم تلو الاخر (...) بتنا نمتلك مجمل سلسلة انتاج الطاقة النووية".

وكانت ايران في اثناء حكم الشاه في السبعينيات اشترت 600 طن من الكعكة الصفراء من افريقيا الجنوبية، وفي كانون الاول/ديسمبر 2010 اعلنت طهران عن انتاج شحنتها الاولى من مركز اليورانيوم الذي يشكل مادة اساسية لانتاج اليورانيوم المخصب اعتبارا من معادن استخرجت من منجم غاشين قرب بندر عباس (جنوب)، وفي شباط/فبراير اكدت ايران التي تجري عمليات تنقيب في مختلف انحاء البلاد لاكتشاف مخزونات اليورانيوم عن رصد كميات "توازي 4400 طن".

وصرح احمدي نجاد "اصبحنا بلدا نوويا ولا احد يمكنه انتزاع ذلك منا"، وتابع "في السابق حاولتم منعنا من امتلاك التكنولوجيا النووية وفشلتم. وبعد ان امتلكنا هذه التكنولوجيا ما زلتم تحاولون انتزاعها منا. بالطبع لن تستطيعوا ذلك. الحل الوحيد لديكم هو التعاون معنا ... عليكم احترام حقوقنا" موجها الحديث الى الدول الغربية في اشارة الى المفاوضات النووية.

واشار التقرير الاخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في اواخر شباط/فبراير الى انتاج ايران حاليا اليورانيوم المخصب الى نسبتي 3,5% و20% في موقعين هما نطنز وفوردو (وسط).

واصدر مجلس الامن الدولي عدة قرارات تدين ايران بسبب نشاطاتها النووية بعضها مرفق بعقوبات عززها حظر مصرفي ونفطي اقره بشكل منفرد الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، وفشل اللقاءان الاخيران بين ايران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا والمانيا) في الماتي في نهاية شباط/فبراير واول نيسان/ابريل في اخراج المفاوضات من الطريق المسدود. بحسب فرانس برس.

كما ندد الرئيس الايراني مجددا بالقوى الغربية التي تريد "ان تدعي انها تقود العالم"، وقال ان "اربعة اشخاص يجلسون معا ويقولون +نحن اسياد العالم والاخرون عبيد+. هذه الحقبة ولت (...) وارادة الشعوب ستهزم ارادة القوى الشيطانية"، كما دشنت طهران معجلا للالكترونات بني كذلك في محافظة يزد وبدأت انتاج خمسة ادوية تحوي نظائر مشعة بمناسبة اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية.

ايران لن تعلق تخصيب اليورانيوم

فقد اعلن رئيس المنظمة الايرانية للطاقة النووية فريدون عباسي دواني ان ايران ترفض تعليق تخصيب اليورانيوم بنسيبة 20% او ارسال مخزونها منه الى الخارج، طبقا لمطالب القوى العظمى، كما ذكرت وكالة ايسنا للانباء، واكد عباسي دواني في تصريح صحافي على هامش احتفالات في مناسبة اليوم العالمي للتكنولوجيا النووية، "لن نوقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% ... الذي يستخدم وقودا لمفاعل البحث في طهران".

وفيما تنوي ايران بناء خمسة مفاعلات بحث جديدة، اضاف "ما زلنا نحتاج الى انتاج الوقود"، واشار عباسي دواني الى ان "انشطتنا لتخصيب اليورانيوم هي تحت الاشراف التام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ويجب الا يقلق احد".

وذكر عباسي دواني "لن نرسل بالتالي الى الخارج مخزوناتنا ولن نخففها"، لذلك اعتبر ان من الافضل للبلدان الاعضاء في مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والمانيا) التي تجري مفاوضات مع طهران للتوصل الى مخرج للازمة النووية "ان تقدم مقترحات معقولة". بحسب فرانس برس.

وخلال المفاوضات الاخيرة في الماتي (كازاخستان)، طلبت مجموعة 5+1 من ايران ان تحول مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% الى وقود لمفاعل طهران، وان ترسل الفائض الى الخارج او تخففه، في مقابل رفع جزئي للعقوبات المفروضة على ايران، وافاد التقرير الاخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في شباط/فبراير، ان ايران انتجت 280 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، تم تحويل 115 كيلو منها وقودا، مما يجعل من الصعب احتمال استخدامه لغايات عسكرية.

تكلفة باهظة ومكاسبه قليلة

من جانب آخر قالت مؤسستان بحثيتان إن إيران ستواصل برنامجها النووي رغم قلة ما جنته من مكاسب من هذا البرنامج الذي كلفها اكثر من 100 مليار دولار نتيجة ضياع عائدات نفطية واستثمارات أجنبية، وقال تقرير لمعهد كارنيجي للسلام الدولي واتحاد العلماء الأمريكيين ويوجد مقراهما في واشنطن إنه لا يمكن وقف الانشطة النووية الإيرانية او "نسفها" وإن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد للحفاظ على سلميتها.

وقال كاتبا التقرير علي فائز من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات وكريم سجاد بور من معهد كارنيجي عن برنامج إيران النووي الذي بدأ منذ خمسة عقود في عهد الشاه الذي كان متحالفا مع الولايات المتحدة "أحيط بهالة مبالغ فيها من الفخر -وإن كانت مضللة- وتكلف مبالغ باهظة بحيث يتعذر التخلي عنه بسهولة"، وأضاف "الحل الوحيد طويل الاجل لضمان أن يظل برنامج إيران النووي سلميا بحتا هو إيجاد حل دبلوماسي متفق عليه."

وتقول إيران إن انشطتها النووية تهدف لخدمة أغراض طبية وستستخدم في توليد الطاقة لتلبية الطلب المحلي وتعويض ما ينقص من احتياطياتها النفطية.

ويورد التقرير الذي يحمل عنوان "اوديسة إيران النووية: التكلفة والمخاطر" تكاليف البرنامج النووي من حيث الفرص الضائعة وقال إنها تبلغ "اكثر من 100 مليار دولار" من حيث فرص الاستثمار الاجنبي وعائدات النفط الضائعة. بحسب رويترز.

وذكر التقرير أن إنتاج كميات صغيرة نسبيا من اليورانيوم لن تقود ايران إلى الاكتفاء الذاتي الكامل من الطاقة النووية بينما هي أهملت في صيانة بنيتها الاساسية وتنمية موارد أخرى يمكن ان تؤمن احتياجاتها من الطاقة بصورة افضل.

وأعطى التقرير مثالا على ذلك مفاعل بوشهر النووي الذي تبلغ طاقته الف ميجاوات وبدأ تشغيله عام 2011 بعد تأجيلات متكررة وقال إن إنتاجه لا يمثل سوى اثنين في المئة من طاقة توليد الكهرباء بينما تفقد إيران نحو 15 في المئة "من الكهرباء التي يتم توليدها بسبب خطوط النقل القديمة والتي لا تخضع للصيانة الملائمة."

وقال التقرير "التخطيط الاستراتيجي الجيد بقطاع الطاقة لا يمكن أن يجعل من الطاقة النووية اولوية في دولة مثل ايران"، وأضاف "بدلا من تحسين أمن الطاقة في ايران قوض البرنامج النووي قدرة البلاد على التنويع وتحقيق استقلال حقيقي بمجال الطاقة."

تحديد موعد نهائي لإيران

من جهته دعا وزير إسرائيلي بارز القوى العالمية إلى تحديد مهلة لإيران تقدر بالأسابيع يتم بعدها اتخاذ إجراء عسكري ضدها لحثها على وقف برنامج تخصيب اليورانيوم بعد المحادثات التي انتهت دون احراز تقدم.

وقال وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي يوفال شتاينتز "العقوبات ليست كافية وكذلك المحادثات. حان الوقت لوضع تهديد عسكري امام الإيرانيين أو وضع خط أحمر من نوع ما.. خط أحمر واضح يضعه العالم كله وتضعه الولايات المتحدة والغرب... للحصول على نتائج"، وتحدث نتنياهو نفسه عن تحديد "خط أحمر" في منتصف 2013 فيما يتعلق بمنع ايران من الحصول على الوقود اللازم لصنع أول قنبلة لكن عددا من المسؤولين الاسرائيليين أقروا في احاديث غير رسمية بأن الأمر تم تأجيله وربما لأجل غير مسمى.

وقال شتاينتز خلال مقابلة إن إيران تستغل المحادثات في كسب الوقت بينما تسعى لصنع سلاح نووي، ومضى يقول "حذرنا سابقا من أن الطريقة التي تجرى بها هذه المحادثات هي حيلة لكسب الوقت.. والإيرانيون سعداء جدا بالفرصة التي حصلوا عليها وفي الوقت ذاته يخصبون اليورانيوم لصنع قنبلة. لدينا موقف واضح جدا تجاه القضية والعالم بدأ يفهم."

وتحدث شتاينتز عن تهديد كوريا الشمالية باستخدام أسلحة نووية ضد كوريا الجنوبية والولايات المتحدة باعتباره مثالا لما تخشى اسرائيل أن يحدث في حالة تمكن إيران من إنتاج سلاح نووي. ويعتقد أن اسرائيل هي البلد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي يملك ترسانة نووية، وتابع شتاينتز "أعتقد ان ما يحدث حاليا في كوريا يظهر لنا جميعا... مدى ضرورة وقف الأنشطة النووية الإيرانية". بحسب رويترز.

وأردف قائلا "سمح المجتمع الدولي بطريقة ما لكوريا الشمالية بالحصول على أسلحة نووية وهي تهدد باستخدامها ضد كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة. تخيلوا ماذا يمكن أن يحدث خلال عامين أو ثلاثة ليس فقط لاسرائيل بل أيضا لأوروبا والولايات المتحخدة والعالم أجمع في حالة حصول النظام المتعصب والمتطرف في طهران على الأسلحة النووية."

الإخفاق في إنهاء الأزمة

على الصعيد نفسه قال مسؤول أمريكي رفيع إنه لم يحدث "انهيار" في المفاوضات النووية مع إيران وإن القوى الكبرى التي تضغط على ايران لكبح برنامجها النووي تنوي مواصلة العمل عبر القنوات الدبلوماسية وذلك رغم أن القوى العالمية وإيران أخفقت في إنهاء الأزمة النووية خلال المحادثات، ولم يتم الاتفاق على موعد جديد لاستئناف المحادثات لكن مفاوضي القوى الكبرى الذين كانوا يصرون في وقت سابق من العام على أن الوقت ينفد بذلوا جهدا للتأكيد على أن العملية الدبلوماسية ستستمر. بحسب رويترز.

وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه في ختام المحادثات "لم يتم إحراز تقدم ملموس لكن ايضا لم يحدث انهيار (للمفاوضات)"، ورجح المسؤول ألا تغير الدول الست - الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا - من موقفها في المفاوضات في الوقت الحالي والذي تعتبره "عادلا ومتوازنا".

المماطلة غير مقبولة

الى ذلك قال الاتحاد الأوروبي إن وضع إيران للعراقيل أمام تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ابحاث مزعومة لانتاج قنبلة ذرية "غير مقبول"، وعبر الاتحاد عن قلق عميق من توسيع طهران نطاق أنشطتها النووية.

وقال دبلوماسيون إن السويد حاولت تخفيف حدة نبرة بيان الاتحاد الأوروبي مما عطل الموافقة الدولية على النص الذي قريء في الاجتماع المغلق لمجلس محافظي الوكالة في موعد متأخر عن المتوقع، وقال أحد المبعوثين إن النسخة المعدلة جاء فيها أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن إيران الذي أفاد بأن طهران تقوم بتركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزي أعطى "سببا لقلق كبير". وكان البيان يقول قبل تعديله إن التقرير يعد "قراءة محزنة".

وقال الاتحاد الأوروبي إن هناك افتقارا مقلقا لإحراز تقدم في تحقيق الوكالة المعطل منذ فترة طويلة الذي يهدف إلى توضيح ما إذا كان هناك بعد عسكري للبرنامج النووي الإيراني، ويتهم دبلوماسيون غربيون إيران بعرقلة إحراز تقدم في التحقيق من خلال رفض مطالب الوكالة بزيارة موقع بارشين العسكري الذي يشتبه المفتشون أن تكون اختبارات تفجير تتعلق بتطوير اسلحة نووية قد أجريت فيه ربما قبل عشر سنوات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/نيسان/2013 - 5/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م