قيم التقدم في فكر الفقيه الشيرازي

 

شبكة النبأ: يبقى المصلحون ودعاة الاصلاح والتقدم والسلام، فنارات عالية، حتى بعد رحيلهم الى الدار الاخرى، تهتدي بهم العقول وترسو إليهم النفوس كي تجد الهدوء والاطمئنان، وكي تعثر على السبيل الذي يجعلها ماضية في الجادة الصواب، ذلك هو دأب من نذر نفسه للآخرين، وأفنى عمره في طريق الايثار والتضحية لتنوير العقول والنفوس معا.

واليوم ونحن نعيش ذكرى استشهاد الفقيه الراحل، آية الله، السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته)، لابد من العودة الى فكره المتوقد، واستنهاض قيم التقدم التي ركّز عليها في كل محاضراته ومؤلفاته، والتي شملت جميع شؤون الحياة واختلافها في مشارب كثيرة متعددة، تقف الى جانب الانسان، وتفتح له طريق الامل في العيش الكريم، القائم على انفتاح العقل البشري على نفسه واعماقه اولا، وعلى الآخر وافكاره، لكي يلتقي معه في النقاط المشتركة، لزيادة اللحمة والتماسك بين المسلمين بعضهم مع بعض، ومع الآخرين من الاديان والاعراق ومختلف الانتماءات الاخرى، لأن الانسان نظير في خلقه للانسان الآخر، كما نبَّهَ الى ذلك، سيد البلغاء الامام علي بن ابي طالب عليه السلام.

إن ما تركه لنا الفقيه الشيرازي، في الجانب الفكري التوجيهي، كثير وكبير في النوع والكم ايضا، إذ لم يترك شأنا من شؤون الحياة إلا وتناوله بالعمق المعروف عنه، فضلا عن انسيابية الافكار وسهولتها عبر كلمات غاية في البساطة والوضوح والعمق، بل حتى طريقة لفظ الكلمات بصوت الفقيه الشيرازي، كان له أبلغ الاثر في المستمع والمشاهد ايضا، فقد كانت شخصيته (رحمه الله)، غاية في الرصانة والهدوء والبشاشة والانفتاح، وكان سماحته حريصا على أن تصل أفكاره التربوية الى كل العقول والاعمار، بغض النظر عن مستوى الوعي او التحصيل العلمي الذي تحمله، لأن الجميع في منظار الفقيه الشيرازي، يستحقون الوعي والاحترام والعيش بكرامة وسلام واستقرار.

وقد خصص الفقيه الشيرازي جهدا علميا كبيرا للجانب التربوي، وركّز على القيم التي تعلو بشأن الانسان، وتصونه من مزالق الانحراف، وتحميه من فخ المعاصي، ولم يترك سماحته شأنا من شؤون الحياة إلا وبحث فيه بعمق و وضوح ويسر في الطرح والمعالجة، ووضع البدائل، ورسم خارطة واضحة يسير في ضوئها الانسان بحثا عن كرامته وحياته الافضل.

وكانت مجمل أفكار الفقيه الشيرازي مأخوذة من عمق الواقع، وما يعانيه المسلمون من مشكلات تتعلق بضعف القيم التي تؤدي بدورها الى ضعف في تطبيق حالة التوازن بين الحقوق والواجبات، فتنتفي حالة التطور وتضطرب الحياة، وتسود مؤشرات الجهل والظلم والانحراف، لذا كان الفقيه الشيرازي لا يدخر جهدا لكي يضع الناس أمام الحقائق التي تقودهم الى التغيير.

وكان سماحته يركز على نبذ التطرف، واعتماد التربية الصحيحة للنشء الجديد، وكان يضرب الامثلة ويأتي بالحكايات والحوادث المأخوذة من صميم الواقع، لكي تصبح دروسا للآباء والامهات والابناء، من اجل بناء الحياة الافضل، وتضمنت الافكار التنويرية للفقيه الشيرازي، معالجات جوهرية للجانب العقائدي، فضلا عن الجانب الديني عموما، في حين كان اهتمامه بليغا في المجال الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والصحي والتعليمي، وكان سماحته يقدم محاضراته باسلوبه الخاص الذي استرعى انتباه ملايين المسلمين وغيرهم، بسبب تميز الطرح وسهولة فهمه على الرغم من عمقه، فضلا عن ملكة الاقناع التي كانت تبدو في غاية الوضوح والجلاء بالمواضيع والافكار التي يطرحها سماحته في محاضراته ومؤلفاته.

إننا ونحن نعيش ذكرى استشهاد الفقيه الشيرازي، ينبغي أن نسترجع حضوره المتفرد في حومة الاصلاح والفقه والفكر الانساني القويم، لذا فإن جميع المعنيين مطالبون اليوم، بدراسة قيم التقدم التي تضمنتها محاضراته وافكاره الانسانية المتفردة، وكلنا نعلم ان الامم التي انتقلت من الجهل الى العلم والتقدم، حققت هذا الهدف من خلال احترام مفكريها وقادتها في العلم والاصلاح، وهذه مسؤولية مشتركة ينبغي ان يتصدى لها المعنيون حكوميون، أو مؤسسات أهلية دينية ثقافية فكرية وسواها، حتى يتحقق حلم بناء المجتمع السليم والدولة التي تحترم كرامة الانسان وقيمته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/نيسان/2013 - 29/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م